الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع
حديث أبي هريرة مرفوعًا: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه".
ــ
قال المستدرك:
"الحديث ضعفه الإمام أحمد وغيره من الأئمة، وهو الصواب وشواهده وطرقه لا تقوِّيه".
وكتب فيه قريبًا من ثلاث عشرة صفحة ليقنع القارئ بضعفه! ولا أدري ما وجه الاستدراك على الشيخ عليه رحمة الله، هل لأن تحسين الشيخ للحديث مخالف للقواعد؟! أو أنه ليس على طريقة المتقدمين بزعمه؟!
فإن كان الأول؛ فقد حسَّنه قبل الشيخ جمع من الحفاظ، منهم: ابن عبد الهادي، فقال في "التعليقة":"لكن الأظهر أن الحديث في ذلك بمجموع طرقه حسن أو صحيح"(1).
وقال الحافظ ابن حجر في "التلخيص": "وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَجْمُوعَ الأَحَادِيثِ يَحْدُثُ منها قُوَّةٌ تَدُلُّ على أَنَّ له أَصْلاً".
ونقل عن ابن سيد الناس قوله: "وقال ابن سَيِّدِ الناس في "شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ":
(1) انظر: تعليقة على العلل: (1/ 144).
لا يَخْلُو هذا الْبَابُ من حَسَنٍ صرِيحٍ وَصحِيحٍ غَيْرِ صرِيحٍ" وغيرهم كثير.
أما إن كنتَ ترى أن هؤلاء جميعًا ليسوا على طريقة المتقدمين، وليس تحسينهم أو تصحيحهم بمعتبر، فاعلم أن من كبار أئمة الشأن من صحَّح الحديث، منهم: إسحاق بن راهويه قرين أحمد، فقد سُئل عن هذا الحديث، "قال إسحاق: كَمَا قال؛ إذا نسي أجزأه، وإذا تعمَّدَ أعادَ، لما صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ " يعني التسمية على التيمم (1).
ونقل عنه تصحيحه أيضاً ابن المنذر في "الأوسط"، وهكذا صححه أبو بكر بن أبي شيبة من شيوخ أصحاب الكتب الستة، نقل ذلك عنه عدد من أهل العلم، منهم ابن عبد الهادي في "التنقيح".
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ثبت لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا وضوء لمن لم يسم"(2).
والمنذري في "الترغيب"، والحافظ ابن حجر في "التلخيص".
وهذا الحديث من أقوى الأدلة على بطلان قول من يفرق بين منهاج أهل الحديث المتقدمين ومن جاء بعدهم، وذلك أن طرقه كلها ضعيفة، ومع ذلك أثبتوه، ولتكن مقولة الذهبي المشهورة في الحديث الحسن منك على بال.
ثم وقفت على كلام بديع لشيخ الإسلام ابن تيمية وهذا نصه:
"قال أبو إسحاق الجوزجاني: قال ابن أبي شيبة: ثبت لنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا وضوء لمن لم يسم"، وتضعيف أحمد لها محمول على أحد الوجهين: إما أنها لا تثبت عنده، أولاً: لعدم علمه بحال الراوي ثم علمه، فبنى عليه مذهبه برواية الوجوب، ولهذا أشار إلى أنه لا يعرف رباحًا، ولا أبا ثفال، وهكذا تجيءُ عنه كثيرًا الإشارة إلى أنه لم يثبت عنده، ثم زال ثبوتها، فإن النفي
(1) مسائل الإمام أحمد بن حنبل وابن راهويه لإسحاق بن منصور الكوسج: (1/ 99).
(2)
انظر: تنقيح تحقيق أحاديث التعليق: (1/ 105).
سابق على الإثبات، وإما أنه أشار إلى أنه لم يثبت على طريقة تصحيح المحدثين، فإن الأحاديث تنقسم إلى صحيح، وحسن، وضعيف، وأشار إلى أنه ليس بثابت، أي ليس من جنس الصحيح الذي رواه الحافظ الثقة عن مثله، وذلك لا ينفي أن يكون حسنًا، وهو حجة، ومن تأمل الحافظ الإمام علم أنه لم يوهن الحديث، وإنما بين مرتبته في الجملة أنه دون الأحاديث الصحيحة الثابتة، وكذلك قال في موضع آخر: أحسنها حديث أبي سعيد، ولو لم يكن فيها حسن لم يقل فيها أحسنها، وهذا معنى احتجاج أحمد بالحديث الضعيف. وقوله: ربما أخذنا بالحديث الضعيف. وغير ذلك من كلامه؛ يعني به الحسن، فأما ما رواه متهم، أو مغفل؛ فليس بحجة أصلاً، ويبين ذلك وجوه:
أحدها: أن البخاري أشار في حديث أبي هريرة إلى أنه لا يعرف السماع في رجاله، وهذا غير واجب في العمل بل العنعنة مع إمكان اللقاء، ما لم يعلم أن الراوي مدلس.
وثانيها: أنه قد تعددت طرقه، وكثرت مخارجه، وهذا مما يشد بعضه بعضًا، ويغلب على الظن أن له أصلاً.
وروي أيضًا مرسلاً، رواه سعيد عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قال-: وثالثها: أن تضعيفه إما من جهة إرسال، أو جهل راو، وهذا غير قادح على إحدى الروايتين وعلى الأخرى، وهي قول من لا يحتج بالمرسل، نقول: إذا عمل به جماهير أهل العلم وأرسله من أخذ العلم عن غير رجال المرسل الأول، أو روي مثله عن الصحابة، أو وافقة ظاهر القرآن؛ فهو حجة، وهذا الحديث قد اعتضد بأكثر ذلك، فإن عامة أهل العلم عملوا به في شرع التسمية في الوضوء، ولولا هذا الحديث لم يكن لذلك أصل، وإنما اختلفوا في صفة شرعها: هل هو إيجاب، أو ندب؟ وروي من وجوه متباينة مسندًا، ومرسلاً، ولعلك تجد في كثير من المسائل ليس معهم أحاديث مثل هذه.
ورابعها: أن الإمام أحمد قال: أحسنها -يعني أحاديث هذا الباب-
حديث أبي سعيد، وكذلك قال إسحاق بن راهويه، وقد سئل: أي حديث أصح في التسمية؟ فذكر حديث أبي سعيد. وقال البخاري: أحسن حديث في هذا الباب حديث سعيد بن زيد. وهذه العبارة؛ وإن كانوا إنما يقصدون بها بيان أن الأثر أقوى شيء في هذا الباب، فلولا أن أسانيدها متقاربة لما قالوا ذلك" (1).
وهذا الكلام ينبغي أن يقف معه بعض طلحة العلم الذين طاروا بما يُسَمَّى منهج المتقدمين، وقفة تأمل، يعيدون معها حساباتهم، ويحترموا من سبقهم في هذا العلم والفهم.
(1) انظر: "شرح العمدة"(1/ 173).