الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثامن والثمانون
حديث: "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم".
ــ
قال المستدرك:
"هذا الحديث لا يصح، وضعَّفه عدد من الأئمة المتقدمين، منهم: الزهري، ومالك، والأوزاعي، ويحيى بن سعيد القطان، والإمام أحمد، والنسائي، والطحاوي".
* الجواب:
قال ابن القيم: "حديث عبد الله بن بسر هذا، رواه جماعة عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء، ورواه النسائي عن عبد الله بن بسر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه أيضًا عن الصماء عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فهذه ثلاثة أوجه.
وقد أشكل هذا الحديث على الناس قديمًا وحديثًا.
فقالى أبو بكر الأثرم: سمعت أبا عبد الله يُسْأَل عن صيام يوم السبت يفرد به، فقال: أما صيام يوم السبت يفرد به، فقد جاء فيه ذلك الحديث حديث الصماء، يعني حديث ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء عن النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تصوموا يوم السبت، إلا فيما افترض عليكم"،
قال أبو عبد الله: يحيى بن سعيد ينفيه، أَبَى أن يحدِّثني به، وقد كان سمعه من ثور، قال: فسمعته من أبي عاصم.
وقاعدة مذهبه: أنه إذا سئل عن حكم فأجاب فيه بنص يدل على أن جوابه بالنص دليل على أنه قائل به، لأنه ذكره في معرض الجواب، فهو متضمن للجواب والاستدلال معًا، وأما ما ذكره عن يحيى بن سعيد، فإنما هو بيان لما وقع من الشبهة في الحديث" (1).
ثم اعلم أن حديث الصماء أُعِلَّ بأمور:
أحدها: بالاضطراب، حيث روي عن عبد الله بن بسر عنها وعنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن أبيه بسر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الصماء عن عائشة أم المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال النسائي: وهذه أحاديث مضطربة.
قال ابن الملقن: "ولك أن تقول وإن كانت مضطربة فهو اضطراب غير قادح، فإن عبد الله بن بسر صحابي، وكذا والده والصماء ممن ذكرهم في الصحابة ابن حبان في أوائل "الثقات"، فتارة سمعه من أبيه، وتارة من أخته، وتارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتارة سمعته أخته من عائشة، وسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال عبد الحق: وقيل في هذا الحديث عن عبد الله بن بسر عن عمته الصماء، قال: وهو أصح.
قلت: وأخرجه من هذا الطريق البيهقي في سننه.
وقال الدارقطني في "سننه": إن الصحيح عن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء" (2).
(1) انظر: "تهذيب السنن"(7/ 50).
(2)
انظر: "البدر المنير"(5/ 763).
قال ابن القيم:
"قالوا: وأما قولكم إن الاستثناء دليل التناول
…
إلى آخره، فلا ريب أن الاستثناء أخرج صورة الفرض من عموم النهي.
فصورة الاقتران بما قبله، أو بما بعده أخرجت بالدليل الذي تقدم فكلا الصورتين مخرج، أما الفرض؛ فبالمخرج المتصل، وأما صومه مضافًا؛ فبالمخرج المنفصل، فبقيت صورة الإفراد، واللفظ متناول لها، ولا مخرج لها من عمومه، فيتعين حمله عليها" (1).
والحديث حسَّنه الترمذي، وصحَّحه ابن حبان.
وكراهة إفراده مذهب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة.
وما ذهب إليه الأئمة الثلاثة هو الحق، فقد روى اين أبي حاتم في "تفسيره": حدثنا أبي، ثنا الحسن بن الربيع، ثنا عبد الله بن إدريس، ثنا محمد بن إسحاق، حدثني داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس في قول الله:{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ} [الأعراف: 163] قال: قال ابن عباس: "ابتدعوا السبت، فابتلوا فيه، فحرمت عليهم الحيتان، قوله تعالى: {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ} "(2). [الأعراف: 163].
فهذا الأثر صريح في أن تعظيمهم يوم السبت هو من ابتداعهم.
وعليه فيستفاد منه أمران:
الأول: تحريم تخصيص يوم السبت بعبادة.
الثاني: أن هذا التعظيم لا يتحقق إلا بإفراده، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم:"أتريدين أن تصومي غدًا"؟
(1) انظر: "تهذيب السنن"(7/ 51).
(2)
انظر: "تفسير ابن أبي حاتم"(5/ 1598).
ونظيره: النهي عن تخصيص يوم الجمعة بعبادة، لأنه يوم عيد فيكون من الابتداع، لكن لو صام قبله أو بعده، كما لو وافق الأيام البيض، فهذا لا يظهر فيه التخصيص المنهي عنه، وبهذا تجتمع الأدلة.
علمًا أني لا أعلم أحدًا من أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم أفتى أنه لا يجوز صيامه بكل حال إلا في الفرض، وإنما يمنعون إفراده، والله أعلم.