المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الأول قوله صلى الله عليه وسلم: "من أفضل أيامكم يوم - رد الجميل في الذب عن إرواء الغليل

[عبد الله العبيلان]

فهرس الكتاب

- ‌الْمقَدِّمَة

- ‌ ومن أمثلة اختلاف النقَّاد في الحكم على رواة الحديث:

- ‌ حجية الحديث المرسل إذا اعتضد:

- ‌ أمثلة على احتجاج الأئمة بالمرسل إذا اعتضد:

- ‌ تقوية الحديث بالأثر:

- ‌ اختلاف المحدِّثين في الحُكْمِ على الرجال:

- ‌ طبقات المحدِّثين وطريقتهم في الجرح والتعديل:

- ‌علم الحديث مبناه على الاجتهاد لا على التقليد

- ‌ أمثلة في اختلاف اجتهادهم في الوصل والانقطاع:

- ‌ اختلافهم في حد الجهالة:

- ‌ فائدة عزيزة في تحرير حد الجهالة:

- ‌ لزوم التحري في فهم عبارات الأئمة:

- ‌ علم صناعة الحديث لا ينفك عن الفقه لأنه الغاية:

- ‌أهل الحديث قد ينقلون الحديث من طريق صحيحة ثم من طريق ضعيفة فيطلقون عدم الصحة ويريدون ما نقل بالطريق الضعيف

- ‌رأي مؤلف "مستدرك التعليل" في علم شيخ الإسلام بالحديث

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادى عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديتّ الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث الحادي والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌الحديث الحادي والثلاثون

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌الحديث الحادى والأربعون

- ‌الحديث الرابع والأربعون

- ‌الحديث السابع والأربعون

- ‌الحديث التاسع والأربعون

- ‌الحديث الحادى والخمسون

- ‌الحديث الثاني والخمسون

- ‌الحديث الخامس والخمسون

- ‌الحديث السادس والخمسون

- ‌الحديث السابع والخمسون

- ‌الحديث التاسع والخمسون

- ‌الحديث الستون

- ‌الحديث الحادي والستون

- ‌الحديث الثاني والستون

- ‌الحديث الثالث والستون

- ‌الحديث الرابع والستون

- ‌الحديث الخامس والستون

- ‌الحديث السادس والستون

- ‌الحديث السابع والستون

- ‌الحديث الثامن والستون

- ‌الحديث التاسع والستون

- ‌الحديث السبعون

- ‌الحديث الحادى والسبعون

- ‌الحديث الثاني والسبعون

- ‌الحديث الثالث والسبعون

- ‌الحديث الرابع والسبعون

- ‌الحديث الخامس والسبعون

- ‌الحديث السادس والسبعون

- ‌الحديث السابع والسبعون

- ‌الحديث الثامن والسبعون

- ‌الحديث التاسع والسبعون

- ‌الحديث الحادي والثمانون

- ‌الحديث الثاني والثمانون

- ‌الحديث الثالث والثمانون

- ‌الحديث الثامن والثمانون

- ‌الحديث التسعون

- ‌الحديث الحادى والتسعون

- ‌الحديث الثاني والتسعون

- ‌الحديث الرابع والتسعون

- ‌الحديث الخامس والتسعون

- ‌الحديث السادس والتسعون

- ‌الحديث التاسع والتسعون

- ‌الحديث المئة

- ‌الحديث الواحد بعد المئة

- ‌الحديث الثاني بعد المئة

- ‌الحديث الثالث بعد المئة

- ‌الحديث السادس بعد المئة

- ‌الحديث السابع بعد المئة

الفصل: ‌ ‌الحديث الأول قوله صلى الله عليه وسلم: "من أفضل أيامكم يوم

‌الحديث الأول

قوله صلى الله عليه وسلم: "من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: يا رسول الله؛ كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرِمتَ؟ يعني: قد بليت! قال: إن الله قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليم السلام".

ــ

قال المستدرك:

"وعلَّة الحديث:

1 -

أن حسين بن علي الجعفي لم يسمع من عبد الرحمن بن يزيد الثقة بل سمع من عبد الرحمن بن يزيد التميم الضعيف، وإنما غلط حسين الجعفي في اسم الجد.

2 -

تفرد حسين الجعفي عن ابن جابر بهذا الحديث، نقلاً عن أبي حاتم.

3 -

في أحاديث أهل الكوفة عن ابن جابر مناكير كثيرة.

4 -

كثرة الحفاظ الدين ذهبوا إلى ذلك.

5 -

لم يذكر الدارقطني والعجلي ما يدل على صحة سماع حسين الجعفي من ابن جابر.

ص: 73

ثم قال: إن الحافظ الدارقطني والمزّي ذكرا أن حسينًا سمع من ابن جابر، ولم أقف لهما على دليل معين، وتصريح حسين الجعفي بالسماع من ابن جابر من قبيل الوهم".

* الجواب:

أولاً: لا بد من سوق روايات الحديث ليكون الأمر جليًّا عند القارئ الكريم:

قال الإمام أحمد (1): حدثنا حسين بن علي الجعفي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأسود الصنعاني عن أوس بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خُلِقَ آدم، وفيه قُبِضَ، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي". قالوا: يا رسول الله؛ كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمتَ؟ يعني: قد بليت. قال: "إن الله قد حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم السلام".

وهكذا رواه أبو داود (2) عن هارون بن عبد الله وعن الحسن بن علي، والنسائي (3) عن إسحاق بن منصور، ثلاثتهم عن حسين بن علي به.

ورواه ابن ماجه (4) عن أبي بكر بن أبي شيبة عن حسين بن علي عن جابر عن أبي الأشعث عن شداد بن أوس فذكره.

قال أبو الحجاج المزي: وذلك وهم من ابن ماجه، والصحيح: أوس بن أوس، وهو الثقفي رضي الله عنه (5).

(1) في المسند: (8/ 4).

(2)

في "سننه"(1047) و (1531).

(3)

في "سننه الصغرى""المجتبى"(3/ 91)(1374) وفي "السنن الكبرى"(1666).

(4)

في "سننه"(1085) و (1636).

(5)

انظر: "البداية والنهاية" 5/ 276، و"التهذيب الكمال"(17/ 485).

ص: 74

قال ابن خزيمة في "صحيحه"(3/ 118) رقم (1733، 1734): أنا أبو طاهر نا أبو بكر نا محمد بن العلاء بن كريب، نا حسين -يعني بن علي الجعفي، ثنا عبد الرحمن بن يزيد، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أوس بن أوس قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة؛ فيه خُلِقَ آدم وفيه قُبِضَ، وفيه النَّفْخَةُ وفيه الصَّعْقَةُ، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليَّ". قالوا: وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمْتَ؟! فقال: "إن الله عز وجل حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء".

أخبرنا أبو طاهر نا أبو بكر نا محمد بن رافع ثنا حسين بن علي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بهذا الإسناد مثله، وقال: يعنون: قد بليتَ".

ثانيًا: لم تبيِّن للقارئ من هو حسين الجعفي! وهذه ترجمته من كتب متعددة:

"التقريب": الحسين بن علي بن الوليد الجعفي الكوفي المقرئ، ثقة عابد من التاسعة، مات سنة ثلاث أو أربع ومئتين، وله أربع أو خمس وثمانون سنة ع (1).

"الكاشف": الحسين بن علي بن الوليد الجعفي، عن خاله الحسن بن الحر وجعفر بن برقان والأعمش، وعنه أحمد وعبد وابن الفرات قال أحمد: ما رأيتُ أفضل منه، ومن سعيد بن عامر. وقال يحيى بن يحيى: إن بقي أحد من الأبدال فحسين الجعفي، عاش أربعًا وثمانين سنة، توفي في ذي القعدة 203ع (2).

"الخلاصة": الحسين بن علي بن الوليد الجعفي مولاهم أبو محمد أو أبو عبد الله الكوفي، أحد الأعلام والزهاد، عن الأعمش وجعفر بن برقان

(1) انظر تقريب التهذيب: (1/ 167).

(2)

انظر الكاشف: (1/ 334).

ص: 75

وزائدة وفضيل بن مرزوق وخلق، وعنه أحمد وإسحاق وابن معين ومحمد بن رافع وإسحاق الكوسج وخلق، قال أحمد: ما رأيتُ أفضل منه (1).

إذن فهو شيخ لأحمد، وكافة أصحاب الكتب الستة، وثِقَةٌ فاضل.

ثالثًا: أما قولك: تفرد به حسين الجعفي! فهذا من الغرائب! فهو ثقة حافظ، ولا أدري على منهج المتقدِّمين أو المتأخرين يصح هذا التعليل؟!

رابعًا: أما نقلك عن ابن أبي حاتم في كتاب "العلل": "قال: سمعت أبي يقول: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر؛ لا أعلم أحدًا من أهل العراق يحدث عنه، والذي عندي: أن الذي يروي عنه أبو أسامة وحسين الجعفي واحد، وهو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، لأن أبا أسامة روى عن عبد الرحمن بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة خمسة أحاديث، أو ستة أحاديث منكرة، لا يحتمل أن يحدث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر مثله، ولا أعلم أحدًا من أهل الشام روى عن ابن جابر من هذه الأحاديث شيئًا.

وأما حسين الجعفي فإنه روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة أنه قال: "أفضل الأيام يوم الجمعة فيه الصعقة وفيه النفخة وفيه كذا" وهو حديث منكر، لا أعلم أحدًا رواه غير حسين الجعفي، وأما عبد الرحمن بن يزيد بن تميم فهو ضعيف الحديث، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثقة".

فالجواب عنه: ما قاله الحافظ أبو الحسن الدارقطني: قوله: حسين الجعفي روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم؛ خطأ. الذي يروي عنه حسين هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وأبو أسامة يروي عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، فيقول ابن جابر ويغلط في اسم الجد!

قال ابن عبد الهادي في "الصارم المنكي": "وهذا الذي قاله الحافظ

(1) انظر خلاصة تذهيب تهذيب الكمال: (1/ 84)، وطبقات الحفاظ:(1/ 133).

ص: 76

أبو الحسن هو أقرب وأشبه بالصواب، وهو أن الجعفي روى عن ابن جابر ولم يرو عن ابن تميم، والذي يروي عن ابن تميم ويغلط في اسم جده هو أبو أسامة كما قاله الأكثرون، فعلى هذا يكون الحديث الذي رواه حسين الجعفي عن ابن جابر عن أبي الأشعث عن أوس حديثًا صحيحًا، لأن رواته كلهم مشهورون بالصدق والأمانة والثقة والعدالة، ولذلك صححه جماعة من الحفاظ، ولم يأت من تكلم فيه وعلَّله بحُجَّةٍ بيِّنَةٍ، وما ذكره أبو حاتم الرازي في "العلل" لا يدل إلا على تضعيف رواية أبي أسامة عن ابن جابر لا على ضعف رواية الجعفي عنه، فإنه قال: والذي عندي أن الذي يروي عنه أبو أسامة وحسين الجعفي واحد. ثم ذكر ما يدل على أن الذي روى عنه أبو أسامة فقط هو ابن تميم، فذكر أمرًا عامًّا واستدل بدليل خاص.

ثم قال ابن عبد الهادي: وقد قيل: إن أبا أسامة كان يعرف أن عبد الرحمن بن يزيد هو ابن تميم ويتغافل عن ذلك، قال يعقوب بن سفيان: قال محمد بن عبد الله بن نمير -وذكر أبا أسامة- فقال: الذي يروي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر يرى أنه ليس بابن جابر المعروف، وذكر لي أنه رجل يسمى باسم ابن جابر، قال يعقوب: صدق؛ هو عبد الرحمن بن فلان بن تميم، فدخل عليه أبو أسامة فكتب عنه هذه الأحاديث، فروى عنه، وإنما هو إنسان يسمى باسم ابن جابر. قال يعقوب: وكأني رأيت ابن نمير يتهم أبا أسامة أنه عَلِمَ ذلك وعرف ولكن تغافل عن ذلك! قال: وقال لي ابن نمير: أما ترى روايته لا تشبه سائر حديثه الصحاح الذي روى عنه أهل الشام وأصحابه؟! انتهى (1).

وقال النسائي في كتاب الضعفاء: عبد الرحمن بن يزيد بن تميم: متروك الحديث شامي (2).

(1) الصارم المنكي في الرد على السبكي: (ص 276).

(2)

انظر الضعفاء والمتروكين للنسائي: (ص 68).

ص: 77

وقال موسى بن هارون الحافظ: روى أبو أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وكان ذلك وهمًا منه، هو لم يلقَ عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وإنما لقي عبد الرحمن بن يزيد بن تميم فظن أنه ابن جابر، وابن جابر ثقة وابن تميم ضعيف، فأنت ترى أن الحمل في كلام الحفاظ ليس على حسين الجعفي، فهو شيخ الجميع، وإنما على أبي أسامة (1).

وهكذا قول البخاري؛ فليس فيه تصريح، فإنه لم يجزم؛ بل قال: ويقال إنه الذي روى عنه أهل الكوفة أبو أسامة وحسين، فقالوا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وغلِطَا في نسبه.

ثم إنه لم ينص على الحديث بعينه كما فعل أبو حاتم.

وهكذا الخطيب البغدادي؛ حمَّلْتَ كلامه ما لم يحتمل، فإنه قال: الكوفيون. ولم ينص على أحد.

أما قولك: لم يذكر الدارقطني والعجلي ما يدل على صحة سماع حسين الجعفي من ابن جابر.

فقد أجاب على هذا ابن عبد الهادي بما يقطع الشك ويفصل في الأمر، فقال: وقال القاضي إسماعيل بن إسحاق (2): حدثنا علي بن عبد الله حدثنا حسين بن علي الجعفي حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر سمعته يذكر عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم، وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليَّ". قالوا: يا رسول الله؛ وكيف تُعرَضُ عليك صلاتنا، وقد أرِمْتَ، يقولون: قد بليت. قال: "إن الله حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء".

(1) وانظر الصارم المنكي في الرد على السبكي: (ص 274).

(2)

في "فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم "(22).

ص: 78

هكذا رواه عن علي بن المديني زين الحفاظ عن حسين الجعفي مجوّدًا بالتصريح بسماع الجعفي من ابن جابر، انتهى (1).

أما ما نقلتَه عن أبي حاتم ابن حبان البستي من التعليل وهو في كتاب "المجروحين".

فإنه لا يريد ما ذهبتَ إليه من أن الجعفي لا يروي عن ابن جابر الثقة، وذلك أنه أخرج الحديث في "صحيحه" (550): أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب قَالَ: حَدَّثَنَا حُسيْنُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصنْعَانِيِّ، عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ به.

أما شواهد الحديث: فقد قال ابن القيم في "جلاء الأفهام"(ص 85):

"للحديث شواهد من حديث أبي هريرة، وأبي الدرداء، وأبي أمامة، وأبي مسعود الأنصاري، وأنس بن مالك، والحسن؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً.

فأما حديث أبي هريرة: فرواه مالك (2) عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة، من حين تطلع الشمس شفقًا من الساعة إلا الجن والإنس، وفيها ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلِّي يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه".

فهذا الحديث الصحيح مؤيد لحديث أوس بن أوس دال على مثل معناه.

وأما حديث أبي الدرداء: ففي "الثقفيات": أخبرنا أبو بكر بن محمد بن إبراهيم بن علي بن المقرئ، أخبرنا أبو العباس محمد بن الحسن بن قتيبة

(1) انظر الصارم المنكي في الرد على السبكي: (ص 278).

(2)

في "الموطأ"(1/ 108 - 110).

ص: 79

العسقلاني، حدثنا حرملة، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن سعيد، عن أبي هلال، عن زيد بن أيمن، عن عبادة بن نسي، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثروا الصلاة عليَّ يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة، وإن أحدًا لا يصلي عليَّ إلا عرضت عليَّ صلاته حتى يفرغ منها، قال: قلت: وبعد الموت؟ قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، فنبي الله حي يرزق".

وسيأتي في حديث أبي الدرداء بإسناد آخر من الطبراني، ورواه ابن ماجه أيضًا (1).

وأما حديث أبي أمامة، فقال البيهقي (2): حدثنا علي بن أحمد بن عبدان أنبأنا أحمد بن عبيد حدثنا الحسين بن سعيد حدثنا إبراهيم بن الحجاج حدثنا حماد بن سلمة عن برد بن سنان عن مكحول الشامي عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثروا عليَّ من الصلاة في كل يوم جمعة، فإن صلاة أمتي تعرض عليَّ في كل يوم جمعة، فمن كان أكثرهم علي صلاة كان أقربهم مني منزلة".

لكن لهذا الحديث علتان:

إحداهما: أن برد بن سنان قد تكلم فيه وقد وثقه يحيى بن معين وغيره.

العلة الثانية: أن مكحولاً قد قيل: إنه لم يسمع من أبي أمامة، والله أعلم.

وأما حديث أنس، فقال الطبراني: حدثنا محمد بن علي الأحمر حدثنا نصر بن علي حدثنا النعمان بن عبد السلام حدثنا أبو ظلال عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثروا الصلاة عليَّ يوم الجمعة، فإنه أتاني جبريل آنفًا عن

(1) في "سننه"(1637).

(2)

في "حياة الأنبياء"(13) وفي "شعب الإيمان"(6/ 285) بإسناد ضعيف.

ص: 80

ربه عز وجل فقال: ما على الأرض من مسلم يصلي عليك مرة واحدة إلا صليتُ أنا وملائكتي عليه عشرًا" (1).

وقال محمد بن إسماعيل الوراق: حدثنا جبارة بن مغلس حدثنا أبو إسحاق خازم عن يزيد الرقاشي عن أنس قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: "أكثروا الصلاة عليَّ يوم الجمعة فإن صلاتكم تعرض علي"(2).

وهذان وإن كانا ضعيفين، فيصلحان للاستشهاد.

ورواه ابن أبي السري (3): حدثنا داود بن الجراح حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة"، وكان الصحابة رضي الله عنه يستحبون إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة.

قال محمد بن يوسف العابد (4) عن الأعمش عن زيد بن وهب قال لي ابن مسعود رضي الله عنه: "يا زيد بن وهب؛ لا تدع إذا كان يوم الجمعة أن تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ألف مرة، تقول: اللهم صل على محمد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم".

وأما حديث الحسن بن علي رضي الله عنه فقال أبو يعلى في "مسنده"(5): حدثنا موسى بن محمد بن حيان حدثنا أبو بكر الحنفي حدثنا عبد الله بن نافع أخبرنا العلاء بن عبد الرحمن قال: سمعت الحسن بن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورًا، ولا تتخذوا بيتي عيدًا، صلُّوا عليَّ وسلِّموا، فإن صلاتكم وسلامكم يبلغني أينما كنتم".

وعلة هذا الحديث: أن مسلم بن عمرو رواه عن عبد الله بن نافع عن ابن

(1)"المعجم الكبير"(8115).

(2)

أخرجه ابن عدي في "الكامل"(3/ 944) ينفس الإسناد، وهو ضعيف.

(3)

أخرجه عنه ابن السُّني في "عمل اليوم والليلة"(379).

(4)

انظر: "الترغيب" للتيمي الأصبهاني (1681).

(5)

(12/ 131) رقم (6761).

ص: 81

أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تجعلوا قبري عيدًا وصلَّوا عليَّ، فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم"(1)، وهذا أشبه.

وقال الطبراني في "المعجم الكبير"(2): حدثنا أحمد بن رشدين المصري حدثنا سعيد بن إبراهيم حدثنا محمد بن جعفر أخبرنا حميد بن أبي زينب عن حسين بن حسن بن علي بن أبي طالب عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "حيثما كنتم فصلُّوا عليَّ، فإن صلاتكم تبلغني".

وأما حديث الحسين أخيه رضي الله عنه، فمال الطبراني في "المعجم الكبير" (3):

حدثنا يوسف بن الحكم الضبي حدثنا محمد بن بشير الكندي حدثنا عبيد بن حميد حدثني فطر بن خليفة عن أبي جعفر محمد بن علي بن حسين عن أبيه عن جده حسين بن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله رضي الله عنه:"من ذكرت عنده فخطئ الصلاة عليَّ خطئ طريق الجنة".

وعلته: أن ابن أبي عاصم رواه عن أبي بكر هو ابن أبي شيبة حدثنا حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً (4).

ورواه عمرو بن حفص بن غياث عن أبيه عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه -عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ورواه إسماعيل بن إسحاق عن إبراهيم بن الحجاج حدثنا وهيب عن جعفر ابن محمد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً.

ورواه علي بن المديني حدثنا سفيان قال: قال عمرو عن محمد بن علي بن حسين عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً.

(1) أخرجه أحمد (2/ 367) وأبو داود (2042) وغيرهما.

(2)

(3/ 82) رقم (2729).

(3)

(3/ 28 1) رقم (2887).

(4)

أخرجه ابن أبي عاصم في "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم"(83) وابن أبي شيبة في "مصنفه "(31793).

ص: 82

ثم قال: قال سفيان: قال رجل بعد عمرو: سمعت محمد بن علي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سمى سفيان الرجل، فقال: هو بسام وهو الصيرفي.

ذكره إسماعيل عن علي، وقال حدثنا سليمان بن حرب وعارم قالا: حدثنا حماد بن زيد عن عمرو عن محمد بن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلاً" انتهى.

والحكمة -والله أعلم- في تخصيص يوم الجمعة بكثرة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ما جاء في الأحاديث الصحيحة وهي ما يلي:

1 -

حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عليه الشَّمْس يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فيه خُلِقَ آدَم، وفيه أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ منها"(1).

2 -

حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ يوم الْجُمُعَةِ فقال: "فيه سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا عبدٌ مُسْلِمٌ وهو قَائِم يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شيئًا إلا أَعْطَاهُ إياه" وَأَشَارَ بيده يُقَلِّلُهَا"(2).

3 -

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "عُرِضَتِ الجمعةُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء جبريل في كفه كالمرآة البيضاء في وسطها كالنكتة السوداء، فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذه الجمعة يعرضها عليك ربك، لتكون لك عيدًا، ولقومك من بعدك، ولكم فيها خير، تكون أنت الأول ويكون اليهود والنصارى من بعدك، وفيها ساعة لا يدعو أحد ربه بخير هو له قسم إلا أعطاه، أو يتعوذ من شر إلا دفع عنه ما هو أعظم منه، ونحن ندعوه في الآخرة يوم المزيد".

(1) أخرجه مسلم (854).

(2)

أخرجه البخاري (935) ومسلم (852).

ص: 83

الحديث رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1/ 477) والطبراني في "الأوسط"(2/ 314) وابن حبان في "صحيحه"(7/ 7) والضياء في "المختارة"(6/ 272).

وقد ثبت في صحيح مسلم (4/ 1845)(2/ 314): "مَرَرتُ على مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ وهو قَائِمٌ يُصَلِّي في قَبْرِهِ".

وفيه ما يدل على أن حياة الأنبياء البرزخية في قبورهم أكمل من سائر الخلق، فيصلون وتعرض عليهم أعمال أممهم.

وقد صحح الحديث جمع من العلماء منهم: ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والدارقطني، وابن عبد البر، والنووي، واحتج به شيخ الإسلام في الرد على أهل البدع في مواضع متعددة من كتبه، وصححه ابن القيم، والذهبي وابن كثير، وابن عبد الهادي، والحافظ ابن حجر، والحمد لله رب العالمين.

* * *

ص: 84