الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الحادى عشر
حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال للمستحاضة: "توضئي لكل صلاة".
ــ
قال المستدرك:
"هذه الزيادة معلولة، لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أعلَّها جماعة من الحفاظ منهم: مسلم، والنسائي، والدارقطني، والبيهقي، وغيرهم".
* قلت: هذه الزيادة في "صحيح البخاري"، قال الإمام البخاري: حدثنا مُحَمَّدٌ قال: حدثنا أبو مُعَاوِيَةَ حدثنا هِشَامُ بن عُرْوَةَ عن أبيه عن عَائِشَةَ قالت: "جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أبي حُبَيْشٍ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رَسُولَ اللَّهِ؛ إني امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فلا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلاةَ؟ فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لا؛ إنما ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَيْسَ بِحَيْض، فإذا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلاةَ، وإذا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ، ثُمَّ صَلي".
قال: وقال أبي: "ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلاةٍ حتى يَجِيءَ ذلك الْوَقْتُ"(1).
قال الحافظ في "الفتح "(1/ 332): "وادَّعى بعضهم أن هذا معلَّق، وليس بصواب؛ بل هو بالإسناد المذكور عن محمد عن أبي معاوية عن هشام، وقد بيَّن ذلك الترمذي في روايته، وادَّعى آخر أن قوله: "ثم توضَّئي"، من كلام عروة
(1) أخرجه البخاري في صحيحه: (228).
موقوفًا عليه! وفيه نظر؛ لأنه لو كان كلامه لقال: "ثم تتوضأ"، بصيغة الإخبار، فلما أتى به بصيغة الأمر شاكله الأمر الذي في المرفوع، وهو قوله:"فاغسلي".
* قلت: أخرجه الترمذي من طريق عبدة ووكيع وأبي معاوية عن هشام، قال أبو معاوية في حديثه:"وتوضئي" إلى آخره.
وقال ابن عبد الهادي: ""وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم، وتوضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت"، أخرجاه. قالوا: قال: اللالكائي قوله: "فتوضئي لكل صلاة"، قول عروة، وهكذا أخرج في الصحيحين.
قال هشام؟ ثم قال أبي: "ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت".
قلنا: قد ذكره الترمذي كما رويناه وحكم بصحته.
ثم لا يمكن أن يقول هذا عروة من قبل نفسه، إذ لو قاله هو لكان لفظه:"ثم تتوضأ لك لصلاة"، فلما قال:"توضئي " شاكل ما قبله" (1).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وهذه الزيادة قد رويت من قول عروة، ولعله أفتى بها مرة، وحدَّث بها أخرى، ولعلها كانت عنده عن فاطمة نفسها لا عن عائشة، فقد روى عن عروة عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا كان دم الحيض، فإنه أسود يعرف، فإذا كان كذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي، فإنما هو دم عرق" (2)، رواه أبو داود، والنسائي، وعن عائشة رضي الله عنه قالت: "جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني امرأة استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال: "لا، اجتنبي الصلاة أيام محيضك، ثم اغتسلي وتوضئي لكل صلاة، ثم صلي وإن قطر الدم على الحصير"(3)، رواه أحمد، وابن ماجه.
(1) انظر: تنقيح تحقيق أحاديث التعليق: (1/ 160).
(2)
أخرجه أبو داود (281) والنسائي (1/ 123).
(3)
أخرجه أحمد (6/ 204) وابن ماجه (1/ 204).
وعن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل، وتتوضأ، عند كل صلاة، وتصوم وتصلي"(1)، رواه أبو داود، وابن ماجه. والترمذي وقال: حديث حسن" (2)، انتهى من شرح العمدة.
وفي "مسائل الإمامين أحمد وإسحاق لإسحاق بن منصور"(1/ 313): "قَالَ: سألت أحمد عن المستحاضةِ؛ توضَّأتْ لصلاةِ الفجرِ، ثم طلعت الشمسُ، وهي تريدُ أنْ تقضيَ صلاةَ الفائتةِ، أتُصلِّي بوضوئها ذَلِكَ إلى دخولِ وقت الظهر؟، قَالَ: لا، ولكن تتوضأ لأنَّها خرجَتْ من وقتِ الفجرِ.
قَالَ إسحاق: أصابَ، لأنَ المستحاضةَ عليها الفرضُ أن تتوضأ بوقت كل صلاة، فلما طلعت الشمسُ ذهبَ وقتُ الغداةِ، وصار وضوؤها منتقضًا".
وفي "مسائل عبد الله": "قال: سألت أبي عن المستحاضة، إذا كان لا يرقأ دمها كيف تصلي؟ قال: تحتشي وتصلي؟ وإن قطر الدم على الحصير، وتتوضأ لكل صلاة. قلت لأبي: إن صلَّتْ صلاتين بوضوء واحد؟ قال: لا"(3).
قال ابن حزم: "وَمِمَّنْ قال بِإِيجَابِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلاةٍ على التي يَتَمَادَى بها الدَّمُ من فَرْجِهَا مُتَّصِلاً بِدَمِ الْمَحِيضِ: عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ، وابن عَبَّاسٍ، وَفُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ: عُرْوَةُ بن الزُّبَيْرِ، وسَعِيدُ بن الْمُسَيّبِ، وَالْقَاسِمُ بن مُحَمَّدٍ، وَسَالِمُ بن عبد الله، ومُحَمَّدُ بن عَلِيِّ بن الْحُسَيْنِ، وَعَطَاءُ بن أبي رَبَاحٍ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ.
وهو قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بن حَنْبَلٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ.
قالت عَائِشَةُ رضي الله عنه: "تَغْتَسِلُ وَتتوَضَّأ لِكُلِّ صَلاةٍ".
(1) أخرجه أبو داود (281) والترمذي (126) وابن ماجه (625).
(2)
انظر: "شرح العمدة"(1/ 292).
(3)
انظر: مسائل أحمد بن حنبل رواية ابنه عبد الله: (ص 44).
رُوِّينَاهُ من طَرِيقِ وَكِيعٍ عن إسْمَاعِيلَ بن أبي خَالِدٍ الشَّعْبِيِّ عن امْرَأَةِ مسروقٍ عن عَائِشَةَ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَدِيِّ بن ثَابِتٍ عن أبيه عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ: "الْمُسْتَحَاضَةُ تتوَضَّاُ لِكُلِّ صَلاةٍ".
وَعَنْ شعبة عن عَمَّارِ بن أبي عَمَّارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّاُ لِكُلِّ صَلَاةٍ".
وَعَنْ قَتَادَةَ عن الْحَسَنِ وَسَعِيدِ بن الْمُسَيِّبِ: "الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّاُ لِكُلِّ صَلاةٍ"
وَعَنْ عبد الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ في التي يَتَمَادَى بها الدَّمُ أنها تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاةٍ.
وَعَنْ شُعْبَةَ عن الْحَكَمِ بن عُتَيْبَةَ عن محمد بن عَلِيِّ بن الحسن: "الْمُسْتَحَاضَةُ تتوَضَّاُ لِكُلِّ صَلاةٍ"(1).
ولم يثبت عن صحابي واحد أنه أفتى بخلاف ما دل عليه الحديث، وهذا يدل على أن من ذكر الزيادة عن عروة عن عائشة رضي الله عنه حفظوه، وأن عروة أحيانًا ينشط فيروي الحديث بتمامه، وأحيانًا يفتي بها.
لكن السؤال الأهم لمن أعلها ونفى أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قالها: إذا كان الصحابة اتفقوا على القول بهذه الزيادة فمن أين جاؤوا بها؟!
(1) انظر: "المحلى"(1/ 253).