الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع والخمسون
حديث معاذ رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس، أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر يصليهما جميعًا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعًا ثم سار، وكان يفعل مثل ذلك في المغرب والعشاء".
ــ
قال المستدرك:
الحديث ضعيف معلول، أعلَّه من الأئمة: البخاري، وأبو داود، والترمذي، وأبو حاتم، والحاكم، والبيهقي، والدارقطني، وابن حزم، والخطيب البغدادي، والنسائي، وقال ابن رجب:"غريب جدًّا، استنكره الحفاظ" اهـ.
* قلت:
هذا الحديث رواه الإمام أحمد (5/ 241)، وأبو داود (1220) والترمذي (553) عن قتيبة بن سعيد، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطُّفيل، عن معاذ بن جبل به.
وقال أبو داود: "لم يرو هذا الحديث إلا قتيبة وحده".
وقال الترمذي: "حديث معاذ حديث حسن غريب، تفرد به قتيبة، لا نعرف أحدًا رواه عن الليث غيره".
والمعروف عند أهل العلم ما روى أبو الزبير المكي عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل: "أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في غزوة تبوك بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء".
وروى هذا الحديث قرة بن خالد، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، وغير واحد من الأئمة؛ عن أبي الزبير المكي.
وقال البيهقي: "تفرد به قتيبة بن سعيد عن ليث عن يزيد، أنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا الحسن محمد بن موسى بن عمران الفقيه الصيدلاني يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: سمعت صالح بن حفصويه بنيسابور صاحب حديث يقول: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: قلت لقتيبة بن سعيد: مع من كتبتَ عن الليث بن سعد حديث يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل؟ فقال: كتبته مع خالد المدائني، قال محمد ابن إسماعيل: وكان خالد المدائني هذا يدخل الأحاديث على الشيوخ.
قال البيهقي: وإنما أنكروا من هذا رواية يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل، فأما رواية أبي الزبير عن أبي الطفيل فهي محفوظة صحيحة" (1).
يشير إلى ما رواه بعده من طريق: الليث بن سعد عن هشام بن سعد عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك، إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل، جمع بين الظهر والعصر، وإن ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر، وفي المغرب مثل ذلك، إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء، وإن ارتحل قبل أن تغيب الشمس، أخر المغرب حتى ينزل للعشاء ثم جمع بينهما"(2).
وله شاهد من حديث أنس، قال البيهقي: "أخبرنا أبو عمرو الأديب، ثنا
(1) انظر: سنن البيهقي الكبرى: (3/ 163).
(2)
أخرجه البيهقي في سننه الكبرى: (3/ 161).
أبو بكر الإسماعيلي، أنبأ جعفر الفريابي، ثنا إسحاق بن راهويه، أنا شبابة بن سوار، عن ليث بن سعد، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في سفر، فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعًا، ثم ارتحل"(1).
قال الحافظ في "الفتح"(2/ 583): "روى إسحاق بن راهويه هذا الحديث عن شبابة فقال: "كان إذا كان في سفر، فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعًا، ثم ارتحل"، أخرجه الإسماعيلي، وأعل بتفرد إسحاق بذلك عن شبابة، ثم تفرد جعفر الفريابي به عن إسحاق، وليس ذلك بقادح؛ فإنهما إمامان حافظان".
وله شاهد من حديث ابن عباس رضي الله عنها، رواه الدارقطني: من طريق ابن عجلان، عن حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زاغت الشمس صلى الظهر والعصر جميعًا، وإذا ارتحل قبل أن تزيغ أخرهما حتى يصليهما في وقت العصر"(2).
وتابعه ابن الهاد، عن حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
".
وحسين؛ قال الذهبي: ضعفوه، وكذا قال في "التقريب": ضعيف.
والذي يظهر أنه ضبطه، فقد روى ابن المنذر في "الأوسط": حدثنا علي بن عبد العزيز قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن ابن عباس قال:"إذا كنتم سائرين فنابكم المنزل، فسيروا حتى تصيبوا منزلاً، فتجمعوا بينهما، وإن كنتم نزولاً، فعجل بكم أمر فاجمعوا بينهما ثم ارتحلوا".
فهذا يؤكد أن ابن عباس كان يرفعه، ويفتي به، وهذا هو المعروف من أحوال الصحابة، كما تقدم في كلام ابن القيم: "فَقَوْلُ الْقَائِلِ: لو كان عِنْدَ
(1) أخرجه البيهقي في سننه الكبرى: (3/ 162).
(2)
أخرجه الدارقطني في سننه: (1/ 389).
الصَّحَابِيِّ في هذه الْوَاقِعَة شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم لَذَكَرَهُ. قَوْلُ من لم يَعْرِفْ سِيرَةَ الْقَوْمِ وَأَحْوَالَهُمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَهَابُونَ الرِّوَايَةَ عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ويُعظِّمُونها، وَيُقَلِّلونَهَا خَوْفَ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ، وَيُحَدِّثُونَ بِالشَّيءِ الذي سَمِعُوه من النبي صلى الله عليه وسلم مِرَارًا، وَلا يُصرِّحُونَ بِالسَّمَاعِ، وَلا يَقُولُونَ قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم".
وعليه؛ فكلا الأمرين ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فربما صلى الظهر وارتحل، وربما قدم العصر مع الظهر فجمع بينهما ثم ارتحل.
قال أبو بكر ابن المنذر: "اسم الجمع بين الصلاتين يقع على من جمع بينهما في وقت إحداهما، وعلى من جمع بينهما، فصلى الظهر في آخر وقتها، والعصر في أول وقتها إن أمكن ذلك، غير أنك إذا تدبرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمتَ أنها دالَّة على إباحة الجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما، مع أن الجمع بين الصلاتين إنما رُخِّصَ فيه للمسافر تخفيفًا عليه، ولو كان المسافر كلف إذا أراد الجمع بين الصلاتين أن يصلي الأولى من الصلاتين في آخر وقتها، والأخرى في أول وقتها، لكان ذلك إلى التشديد على المسافر والتغليظ عليه أقرب"(1).
والحديث أفتى به الإمام أحمد: ففي "مسائل الإمام أحمد وابن راهويه": "قُلْتُ: هل يجمع بين الصلاتين في السفر والحضر وكيف يجمج بينهما؟ قَالَ: وجه الجمع أن يُؤخر الظهرَ حتَّى يدخلَ وقتُ العصرِ، ثم ينزل فيجمع بينهما، ويؤخر المغربَ كذلك، وإن قَدَّم، فأرجو أن لا يكونَ به بأسٌ. قَالَ إسحاق: كما قَالَ بلا رجاء".
وهذا يدل على تصحيح إسحاق للحديث، فالأمر كما قال أبو عبد الرحمن -على الجميع رحمة الله-.
(1) انظر: الأوسط: (2/ 428).