المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الرابع حديث علي رضي الله عنه مرفوعًا: "ستر ما بين - رد الجميل في الذب عن إرواء الغليل

[عبد الله العبيلان]

فهرس الكتاب

- ‌الْمقَدِّمَة

- ‌ ومن أمثلة اختلاف النقَّاد في الحكم على رواة الحديث:

- ‌ حجية الحديث المرسل إذا اعتضد:

- ‌ أمثلة على احتجاج الأئمة بالمرسل إذا اعتضد:

- ‌ تقوية الحديث بالأثر:

- ‌ اختلاف المحدِّثين في الحُكْمِ على الرجال:

- ‌ طبقات المحدِّثين وطريقتهم في الجرح والتعديل:

- ‌علم الحديث مبناه على الاجتهاد لا على التقليد

- ‌ أمثلة في اختلاف اجتهادهم في الوصل والانقطاع:

- ‌ اختلافهم في حد الجهالة:

- ‌ فائدة عزيزة في تحرير حد الجهالة:

- ‌ لزوم التحري في فهم عبارات الأئمة:

- ‌ علم صناعة الحديث لا ينفك عن الفقه لأنه الغاية:

- ‌أهل الحديث قد ينقلون الحديث من طريق صحيحة ثم من طريق ضعيفة فيطلقون عدم الصحة ويريدون ما نقل بالطريق الضعيف

- ‌رأي مؤلف "مستدرك التعليل" في علم شيخ الإسلام بالحديث

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادى عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالث عشر

- ‌الحديث الرابع عشر

- ‌الحديتّ الخامس عشر

- ‌الحديث السادس عشر

- ‌الحديث السابع عشر

- ‌الحديث الثامن عشر

- ‌الحديث التاسع عشر

- ‌الحديث الحادي والعشرون

- ‌الحديث الثاني والعشرون

- ‌الحديث الثالث والعشرون

- ‌الحديث الرابع والعشرون

- ‌الحديث الخامس والعشرون

- ‌الحديث السابع والعشرون

- ‌الحديث الثامن والعشرون

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌الحديث الحادي والثلاثون

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌الحديث السادس والثلاثون

- ‌الحديث السابع والثلاثون

- ‌الحديث الثامن والثلاثون

- ‌الحديث التاسع والثلاثون

- ‌الحديث الحادى والأربعون

- ‌الحديث الرابع والأربعون

- ‌الحديث السابع والأربعون

- ‌الحديث التاسع والأربعون

- ‌الحديث الحادى والخمسون

- ‌الحديث الثاني والخمسون

- ‌الحديث الخامس والخمسون

- ‌الحديث السادس والخمسون

- ‌الحديث السابع والخمسون

- ‌الحديث التاسع والخمسون

- ‌الحديث الستون

- ‌الحديث الحادي والستون

- ‌الحديث الثاني والستون

- ‌الحديث الثالث والستون

- ‌الحديث الرابع والستون

- ‌الحديث الخامس والستون

- ‌الحديث السادس والستون

- ‌الحديث السابع والستون

- ‌الحديث الثامن والستون

- ‌الحديث التاسع والستون

- ‌الحديث السبعون

- ‌الحديث الحادى والسبعون

- ‌الحديث الثاني والسبعون

- ‌الحديث الثالث والسبعون

- ‌الحديث الرابع والسبعون

- ‌الحديث الخامس والسبعون

- ‌الحديث السادس والسبعون

- ‌الحديث السابع والسبعون

- ‌الحديث الثامن والسبعون

- ‌الحديث التاسع والسبعون

- ‌الحديث الحادي والثمانون

- ‌الحديث الثاني والثمانون

- ‌الحديث الثالث والثمانون

- ‌الحديث الثامن والثمانون

- ‌الحديث التسعون

- ‌الحديث الحادى والتسعون

- ‌الحديث الثاني والتسعون

- ‌الحديث الرابع والتسعون

- ‌الحديث الخامس والتسعون

- ‌الحديث السادس والتسعون

- ‌الحديث التاسع والتسعون

- ‌الحديث المئة

- ‌الحديث الواحد بعد المئة

- ‌الحديث الثاني بعد المئة

- ‌الحديث الثالث بعد المئة

- ‌الحديث السادس بعد المئة

- ‌الحديث السابع بعد المئة

الفصل: ‌ ‌الحديث الرابع حديث علي رضي الله عنه مرفوعًا: "ستر ما بين

‌الحديث الرابع

حديث علي رضي الله عنه مرفوعًا: "ستر ما بين الجن وعورات بني آدم: إذا دخل الخلاء أن يقول: بسم الله" ..

ــ

وأعله الدكتور الخليل: بمحمد بن حميد الرازى؛ وهو متهم بالكذب، والمتابعات لا تقوى على النهوض بالحديث، وشواهده كله ضعيفة، منها حديث أنس، وأبي سعيد، وابن مسعود، ومعاوية بن حيدة، وخلص إلى القول:"وقد ذم السلف غرائب الأحاديث واشتهر عنهم هذا".

وأخذ الكلام من المستدرِكِ في محمد بن حميد قريبًا من أربع صفحات بغير كبير فائدة، لأن من تستدرك عليه لم ينازع في ضعفه، ثم خلصت إلى أنه ضعيف جدًّا، ثم ناقضت نفسك فقلتَ: بل الصواب أنه كذاب!

وهذا إن دلَّ على شيء دلَّ على ضعف خبرتك في هذا الفن، وأنك تتأثر بكل من تقرأ له، وهذا هو الفارق العظيم بين الشيخ ناصر رحمه الله، وبين معظم من انتقدوه ممن درسوا على كتبه، بل ذهبت إلى انتقاد الحافظ ابن حجر حين قال:"ضعيف، وكان ابن معين حسن الرأي فيه".

فقلتَ: "قولٌ غير محرر، وتعوزه الدقة"!!!

فهل تظن -عفا الله عنك- أن أصحاب السنن: الترمذي، والنسائي، وأبو داود، وابن ماجه، وابن جرير أيضًا، وغيرهم، يروون عنه وهم يعتقدون

ص: 99

كذبه؟! وهم أئمة في الجرح والتعديل، فأنتَ بنيتَ حكمكَ على عبارات أخذتها من بعض أهل العلم، وهم نظروا إلى ميراث الرجل في الحديث، فالترمذي وحده روى عنه في أكثر من خمسة وعشرين موضعًا من "جامعه".

ومن هنا يتبين لك اعتدال الحافظ -عليه رحمة الله- بقوله: ضعيف.

فإن ابن حجر جاء بعد جميع من نقلت عنه، فخبر أقوالهم وأحاديث الرجل، وخلُصَ إلى هذه النتيجة، هذا مع الحفظ، وسعة الاطلاع.

ولهذا فإن الشيخ ناصر كان يثني على الحافظ ابن حجر في حكمه على الرجال المختلف فيهم، لأنه خلال خمسين عامًا، وهو يدرس هذا الفن، فخلص إلى أن الحافظ من أكثر أهل العلم رسوخًا في هذا الفن، واعتدالاً في الحكم عل الرجال، وكان يقول: لم تنجب النساء بعد ابن حجر مثله. وهكذا الإمام الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحم الله الجميع-.

هذا مع أن محمد بن حميد لم ينفرد به -كما ستعرف-.

أعود إلى الحديث وأقول: إن طرق الحديث كما يأتي:

قال الترمذي رحمه الله في "جامعه"(606): حدثنا محمد بن حميد الرَّازِيُّ حدثنا الْحَكَمُ بن بَشِيرِ بن سَلْمَانَ، حدثنا خَلادٌ الصَّفَّارُ، عن الْحَكَمِ بن عبد اللَّهِ النَّصْرِيِّ، عن أبي إسحاق، عن أبي جُحَيفةَ، عن عَلِيِّ بن أبي طَالِبِ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "سترُ ما بين أَعْيُنِ الجنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدم إذا دخَل أَحَدُهُمْ الْخَلاءَ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ".

قال أبو عِيسَى: "هذا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إلا من هذا الْوَجْهِ، وَإِسْنَاده ليس بِذَاكَ الْقَويِّ، وقد روي عن أَنَسٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَشْيَاءُ في هذا".

وهكذا رواه ابن ماجه رحمه الله فقال في "سننه"(297): حدثنا محمد بن

ص: 100

حُميدٍ ثنا الحَكَمُ بن بَشِيرِ بن سَلْمَانَ ثنا خَلادٌ الصَّفَّارُ عن الْحَكَمِ البصري عن أبي إسحاق عن أبي جُحَيْفَةَ عن عَلِيٍّ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "سِتْرُ ما بين الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بني آدَمَ إذا دخل الكَنِيفَ أَنْ يقول: بِسْمِ اللَّهِ".

ولم ينفرد به محمد بن حميد، بل تابعه محمد بن مهران.

قال أبو الشيخ في "العظمة"(5/ 1669 - 1670): حدثنا جعفر بن أحمد حدثنا محمد بن مهران حدثنا الحكم بن بشير عن خلاد أبي مسلم عن الحكم النصري عن أبي إسحاق عن أبي جحيفة عن علي رضي الله عنه قال: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ستر ما بينكم وبين الجن: بسم الله".

وتابعه يوسف بن موسى عند البزار في "البحر الزخار"(2/ 127):

حدثنا يوسف بن موسى قال: نا عبد الرحمن بن الحكم بن بشير بن سلمان قال: سمعته يذكره عن خلاد الصفار عن الحكم النصري عن أبي إسحاق عن أبي جحيفة عن علي قال: كلمتان حفظتهما عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أحب أن تحفظوهما عني، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ستر ما بينكم وبين الجن أن تقول: بسم الله".

وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من الوجه، وقد روي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم".

وقد أعله الشيخ ناصر رحمه الله بعنعنة أبي إسحاق، وجهالة الراوي عنه الحكم النصري.

وقال المستدرك: "قال الذهبي في المغني: مجهول". ثم قال: "فلا يعرف هل سمع منه قبل تغيره أو بعده؟ ".

قلت: سكوتك على قول الذهبي يدل على موافقتك له، ولا أدري ما هو حد الجهالة عندك؟! فقد قال الذهبي نفسه في "الميزان": الحكم بن عبد الله

ص: 101

النصري ما ضعف. وقال في "الكاشف": الحكم بن عبد الله النصرى عن أبي إسحاق وعنه السفيانان وخلاد بن عيسى ت ق.

فهل من منهج المتقدِّمين تضعيف مثل هذا؟!!

ودعك من القول: قبل التغير أو بعده، فإنه لم يقل أحد بصحة الحديث أو حسنه بغير شواهده، ولكنك بالغتَ بقولك إنه لا يمكن أن يتقوّى!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وذلك أن الحديث إنما يخاف فيه من شيئين: إما تعمد الكذب، وإما خطأ الراوي، فإذا كان من وجهين لم يأخذه أحدهما فى الفقه عن الآخر، وليس مما جرت العادة بأن يتفق تساوي الكذب فيه؛ علم أنه ليس بكذب، لا سيما إذا كان الرواة ليسوا من أهل الكذب، وأما الخطأ فإنه مع التعدُّد يضعف".

الحديث الثانى: حديث أنس رضي الله عنه، قال الطبراني فى "الدعاء" (2/ 966): حدثنا الحضرمي محمد بن عبد الله ثنا إسماعيل بن أبى أمية الثقفى ثنا سعيد بن مسلمة الأموي عن الأعمش عن زيد العمي عن أنس ح وأخبرنا هلال بن العلاء في كتابه ثنا سعيد بن مسلمة الأموي بإسناده عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدكم الخلاء أن يقول: بسم الله".

وأخرجه في "الأوسط"(7/ 128/ رقم: 7066) عن محمد بن يحيى عن سهل بن عثمان عن سعيد بن مسلمة به، وقال: لم يرو هذا الحديث عن الأعمش إلا سعيد بن مسلمة وسعد بن الصلت.

قلت: أما سعيد؛ فقال عنه النسائي في "الضعفاء والمتروكين": سعيد بن مسلمة الأموي يروي عن إسماعيل بن أمية ضعيف.

وقال ابن عدي في "الكامل"(3/ 199): "وهذا الحديث لم يكن يعرف

ص: 102

إلا بسعيد بن مسلمة عن الأعمش، ثم وجدناه من حديث سعد بن الصلت عن الأعمش، ولا يرويه عن الأعمش غيرهم". وقال:"أرجو أنه لا يترك".

وقال الحافظ في "التقريب": ضعيف.

وقال في "تهذيب التهذيب": وقال الدارقطني: ضعيف يعتبر به.

أما سعد بن الصلت؛ قال المستدرك: "أما سعد بن الصلت الذي ذكره الطبراني متابعًا لابن مسلمة؛ فقد ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح"، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: ربما أغرب.

لكن تفرده مع ابن مسلمة غير مقبول، مما يدل على أنه لم يشتهر بالأخذ عنه.

إلى أن قال: ولعل هذا من أغرابه الذي أشار إليه ابن حبان".

قلت: أوردها سعد وسعد مشتمل!

فإن سعد بن الصلت قاضي شيراز أشهر من علم على جبل، فلو كان فيه مطعن لما سكت عنه الحفاظ كأبي حاتم وغيره، فهو ثقة، كما قال ابن حبان.

ولا أعلم ماذا تقصد بأنهما تفرَّدا عن الأعمش، هل هو الكذب، أم الغلط؟!

فإن كان الأول؛ فهذا باطل لأنه لم يقله غيرك، وإن كان الثاني -وهو الخطأ-؛ فكما قال شيخ الإسلام رحمه الله:"وأما خطأ الراوي؛ فإذا كان من وجهين لم يأخذه أحدهما في الفقه عن الآخر، وليس مما جرت العادة بأن يتفق تساوي الكذب فيه، علم أنه ليس بكذب، لا سيما إذا كان الرواة ليسوا من أهل الكذب، وأما الخطأ فإنه مع التعدد يضعف".

وهكذا زيد العمي راويه عن أنس، قال الذهبي في "الكاشف": زيد بن الحواري العمي البصري أبو الحواري قاضي هراة، عن أنس وابن المسيب،

ص: 103

وعنه ابناه عبد الرحيم وعبد الرحمن وشعبة، فيه ضعف، قال ابن عدي: لعل شعبة لم يرو عن أضعف منه.

وقال الحافظ في "التقريب": زيد بن الحواري أبو الحواري العمي البصري قاضي هراة يقال اسم أبيه مرة، ضعيف من الخامسة.

وقال شيخ الإسلام (1): "وشعبة ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي ومالك ونحوهم، قد كانوا يتركون الحديث عن أناس لنوع شبهة بلغتهم، لا توجب رد أخبارهم، فهم إذا رووا عن شخص كانت روايتهم تعديلاً له".

وشعبة ممن روى عن زيد، فمثله ينجبر حديثه.

قال الشوكاني (2): "وقد اعترض الحافظ مغلّط -أي: على الترمذي في قوله: إسناده ليس بالقوي- قال: ولا أدري ما يوجب ذلك، لأن جميع من في سنده غير مطعون عليهم بوجه من الوجوه، بل لو قال قائل: إسناده صحيح؛ لكان مصيبًا".

ويزيده قوة: ما روه ابن أبي شيبة في "مصنفه "(6/ 114) قال: حدثنا هشيم عن أبي معشر عن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان إذا دخل الخلاء قال: بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث".

وفي "علل الحديث"(1/ 64/ رقم: 167): "أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن قال: وحدثنا أبو زرعة عن محمد بن منكدر عن أبي معشر عن عبد الله بن عيد الله بن أبي طلحة عن أنس قال: "كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء يقول: بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث"، فسمعت أبا زرعة يقول: هكذا أملاه علينا من حفظه". فلم يذكر فيه علة.

وقال الحافظ في "فتح الباري"(1/ 244): "وقد روى العمري هذا

(1)"مجموع الفتاوى"(24/ 349 - 350).

(2)

في "تحفة الذاكرين"(ص 144 - 145).

ص: 104

الحديث من طريق عبد العزيز بن المختار عن عبد العزيز بن صهيب بلفظ الأمر قال: "إذا دخلتم الخلاء، فقولوا: بسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث"، وإسناده على شرط مسلم، وفيه زيادة التسمية، ولم أرها في غير هذه الرواية".

قلت: وعبد العزيز ثقة، روى له الجماعة.

وقال ابن عبد الهادي في "المحرر": وزاد سعيد بن منصور التسمية في أوله.

والفائدة: أن هذه الروايات الصحيحة تدل على أن البسملة تقال عند دخول الخلاء، وثمرتها ما جاء في حديث علي وأنس السابقين.

ويشهد له أيضًا ما رواه البخاري عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ رضي الله عنه رَفَعَهُ قال: "خَمِّرُوا الآنِيَةَ، وَأَوْكُوا الأسْقِيَةَ، وأَجِيفُوا الأبْوَابَ، وأكفتوا صِبْيَانَكُم عِنْدَ الْعِشَاءِ، فإن لِلْجِنِّ انْتِشَارًا وَخَطْفَةً، وَأَطْفِئُوا الْمَصَابيحَ عِنْدَ الرُّقَادِ، فإن الْفُويسِقَةَ رُبَّمَا اجْتَرَّتْ الْفَتِيلَةَ، فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ"(1).

وفي رواية له: "إذا اسْتَجْنَحَ اللَّيْلُ أو كان جُنْحُ اللَّيلِ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فإن الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فإذا ذَهَبَ ساعَةٌ من الْعِشَاءِ فَخَلَّوهُمْ، وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَاذْكُر اسْمَ اللَّهِ، وَأَطْفِئْ مِصْبَاحَكَ، وَاذْكُر اسْمَ اللَّهِ، وَأَوْكِ سِقَاءَكَ، وَاذْكُر اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرْ إِنَاءَكَ وَاذْكُر اسْمَ اللَّهِ، وَلَوْ تَعْرُض عليه شيئًا"، وفي رواية:"فإن الشَّيْطَانَ لا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا".

وقد قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 27].

ولا ريب أن ثمرة هذا للمسلم: التعلق بالله، وأن تكون البسملة حجابًا بينه وبين الشياطين.

(1) أخرجه البخاري (3316).

ص: 105

ومناسبة قولها عند دخول الخلاء، أو عند وضع الثياب، ظاهر جدًّا لمن له أدنى ذوق في الفقه.

فقد روى البخاري ومسلم، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما أنَّ أحدَهم يقولُ حين يأتي أَهْلَهُ: بسم الله، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وجَنِّب الشَّيطانَ ما رَزَقْتَنَا. ثم قُدِّرَ بينهما في ذلك، أو قُصِيَ وَلَدٌ؛ لم يَضُرُّهُ شيطانَ أبدًا". لفظ البخاري.

فقوله: "جَنِّبْني" يشمل النظر والضَّرر، فالسُّنَّةُ يصدِّقُ بعضُها بعضًا، والقرآن يصدق السُّنَّة، كما في آية الأعراف.

وفي هذا العصر إذا لم يكن المشتغل بصناعة الحديث عنده فَهْمٌ للقرآن واطّلاع واسع للسُّنَّة؛ فلا أرى أنه يحكم على الحديث بمجرد النظر إلى الإسناد.

أما قول المستدرك: "وقد ذم السلف غرائب الأحاديث واشتهر عنهم هذا"!

فهو الغريب، لأن حديث علي وأنس رضي الله عنه موجودان في كافة كتب الفقه على اختلاف المذاهب، وحتى كتب الأذكار، فهو من الأحاديث المشتهرة التي لم ينظر العلماء إلى تعليل من عللها بل تلقوها بالقبول، وهذا من العلم الذي لا يفقهه إلا من فقه معنى قوله تعالى:{بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44].

قال شيخ الإسلام: "فالواجبْ أن يفرق بين الحديث الصحيح، والحديث الكذب، فإن السنة هي الحق دون الباطل، وهي الأحاديث الصحيحة دون الموضوعة، فهذا أصل عظيم لأهل الإسلام عمومًا، ولمن يدَّعي السنة خصوصًا"(1).

(1) انظر: مجموع الفتاوى: (3/ 380).

ص: 106

ثم إني أقول: إن الحكم على مثل هذا الحديث أمر نسبي، فقد ينقدح في النفس قوته، وقد يحدث العكس، ولذا قال الذهبي في "الموقظة":"أنا على إياس أن تجدَ للحسَنِ قاعدة يتَّفَقُ عليها، وإنما هو شيء ينقدح في النفس". أو كلامًا نحو هذا.

وأمر آخر مهم جدًّا وهو: علم المحقق بارتباط السنة بالقرآن، فقد قال صلى الله عليه وسلم:"رب حامل فقه وليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه"، فهما يخرجان من مشكاة واحدة، وسعة الإطلاع على السنة ليعرف ما له أصل فيها، وخصوصًا الصحيحين فيقبل، وما لا أصل له فيها فيرد، والحمد لله الذي حفظ بالشيخ ناصر -عليه رحمة الله- سنة نبيه، والله ولي التوفيق.

الشاهد الثالث: قال أبو الشيخ في "العظمة" -وهو من الكتب المعتمدة عند أهل السنة-: "حدثنا جعفر بن أحمد بن فارس حدثنا أحمد بن منيع حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا محمد بن الفضل بن عطية عن زيد العمي عن جعفر العبدي عن أبي سعيد رضي الله عنه -عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله".

وذكر الشيخ الألباني علله وهي: ضعف زيد والراوي عنه محمد بن الفضل، قال الذهبي في "الكاشف": تركوه، وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب": ساقط.

الشاهد الرابع: حديث معاوية بن حيدة رضي الله عنه، قال الشيخ رحمه الله:"رواه مكي بن إبراهيم عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وقال: غريب".

قال الشيخ: وهذا سند حسن إن كان من دون مكي ثقات.

قال المستدرك: والكتب التي أخرج فيها (1) الشيخ الألباني رحمه الله هذه الطرق هي: "الفوائد" لتمام، و"فوائد خراسان" لمحمد بن عثمان العثماني، "الفوائد الثقافيات" للثقفي، "الفوائد" لابن النقور، وكتب الفوائد وضعت لذكر

(1) كذا، والصواب منها.

ص: 107

الغرائب والفرائد، ولعل من أكبر أسباب الأخطاء التي تقع في تقوية الأحاديث بكثرة الطرق أخذ تلك الطرق من كتب الفوائد والغرائب.

قلت: هذا كلام عجيب! لا يقوله إلا من لم يمارس علم رواية الأسانيد، وأنا أعذرك، لأن هذا العلم لم يعد يوجد في زماننا، فلم تتصور ما معنى أن يؤلف عالم كتابًا، ولو سماه الفوائد، ويسوق فيه أحاديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسناده، ويكون الإسناد صحيحًا، ومن هنا حكمتَ على كل على كل ما سُمِّي بهذا بالضعف! وربما أنك لم تقف على شيء منها، فاعلم أن أهل العلم كانوا ولا زالوا يحتجون بما فيها من الروايات والطرق، وإليك بعض الأمثلة:

قال الحافظ ابن حجر:

"وهو ما أخرجه إسحاق بن راهويه، والمحاملي في "الفوائد الأصبهانية" من طريق أبي الزبير عن جابر قال: "اقتتل غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار

" فذكر الحديث"(1).

وقال ابن عبد الهادي:

وقد روى البيهقي في "سننه" أنا أبو عبد الله الحافظ في "الفوائد الكبير" لأبي العباس وفي حديثه شعبة ثنا أبو العباس بن يعقوب ثنا بن إبراهيم بن مرزوق البصري ثنا أبو الوليد الطيالسي ثنا شعبة عن سلمة بن كهيل قال: سمعت حجرًا أبا عنبس يحدث عن وائل الحضرمي: "أنه صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قال: ولا الضالين، قال: آمين، رافعًا بها صوته"، فهذه الرواية عن شعبة توافق رواية سفيان " (2).

وقال ابن دقيق العيد في "الإلمام":

"ونُصرت بالرعب يسير بين يديّ مسيرة شهر يقذف في قلوب أعدائي،

(1) انظر: "فتح الباري"(6/ 546).

(2)

انظر: تنقيح تحقيق أحاديث التعليق: (1/ 368).

ص: 108

وأحلت لي الغنائم"، لفظ رواية أبي عبد الله الثقفي في "الفوائد" (1).

وغيرها كثير.

أما قولك تعليقًا على كلام الشيخ رحمه الله: "وهذا سند حسن إن كان من دون مكي ثقات": فإن كان من دون مكي ضعفاء أو متروكين؟! كيف يستشهد بمثل هذا الطريق الذي لم يعرف رجاله؟! ".

هذا الأسلوب -وهو تعليق الحكم على الحديث بالصحة، إن كان فلان سمعه من فلان- هذا أمر سائغ عند أهل الفن.

قال الحافظ في "الفتح": "ولأبي داود من وجه آخر عن عكرمة قال: "كانت أم حبيبة تستحاض، وكان زوجها يغشاها"، وهو حديث صحيح إن كان عكرمة سمعه منها"(2).

وقال: "ومن طريق علي بن الحسين بن علي أخبرني رجل من أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تمد الأرض مد الأديم" الحديث، وفيه: "ثم يؤذن لي في الشفاعة فأقول: أي رب، عبادك عبدوك في أطراف الأرض، قال: فذلك المقام المحمود" (3)، ورجاله ثقات، وهو صحيح إن كان الرجل صحابي"(4).

والشيخ رحمه الله ساقه مستأنسًا به على ما انقدح في نفسه من قوة الحديث، وإلا فإن حديث علي وشاهده حديث أنس رضي الله عنه كافيان في إثبات هذه السنة، وبالله التوفيق.

* * *

(1) انظر: الإلمام: (1/ 107).

(2)

انظر: "فتح الباري"(1/ 429).

(3)

انظر: مسند الحارث (زوائد الهيثمي): (2/ 1008).

(4)

انظر: "فتح الباري"(8/ 400).

ص: 109