الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث التاسع
حديث أنس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفًّا من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل لحيته، وقال: هكذا أمرني ربي". أخرجه أبو داود، والبيهقي، والحا كم وغيرهم.
ــ
* قال المستدرك:
"أحاديث تخليل اللحية لا يثبت منها شيء، ذهب إلى ذلك الإمام أحمد، وأبو حاتم .... ".
وسرد أربعة عشر حديثًا وأعلَّها جميعًا.
* الجواب:
الذي يظهر لي أن المستدرك يقرأ في "العلل" لابن أبي حاتم، فإذا وجد حديثًا أعله أبو حاتم، وقال: لا يثبت في الباب حديث، ونحو ذلك؛ عضَّ عليه بنواجذه، ثم بحث في كلام أهل الفن ما يدعمه!
قال الحافظ في "الدراية": "وجاء في تخليل اللحية أحاديث منها حديث عثمان: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته"، أخرجه ابن ماجه، وأحمد، وابن حبان، وابن خزيمة، والحاكم.
قال الترمذي نقلاً عن البخاري: هو أصح شيء في هذا الباب. وقال الترمذي: حسن صحيح.
وحديث عمار: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلل لحيته"، أخرجه الترمذي، وابن ماجه، وهو معلول، وحديث أنس تقدم قريبًا، وحديث عائشة أخرجه أحمد والحاكم، وحديث أبي أيوب أخرجه ابن ماجه، وحديث ابن عمر أخرجه ابن ماجه، بلفظ:"ثم شبك لحيته بأصابعه من تحتها"، وحديث ابن عباس أخرجه الطبراني، وفيه في صفة الوضوء:"ثم خلل لحيته"، وحديث أبي أمامة أخرجه ابن أبي شيبة والطبراني، وحديث ابن أبي أوفى وأبي الدرداء، وكعب بن مالك، وأم سلمة أخرجها الطبراني، وحديث أبي بكرة أخرجه البزار، وحديث جابر أخرجه ابن عدي.
قال ابن أبي حاتم في "العلل": سمعت أبي يقول: لا يثبت في تخليل اللحية حديث! " (1).
قال في "البدر المنير"(2): "فهذا اثنا عشر شاهدًا لحديث عثمان رضي الله عنه فكيف لا يكون صحيحًا، والأئمة قد صححوه: الترمذي في "جامعه"، وإمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة، وأبو حاتم ابن حبان في "صحيحيهما"، والدارقطني كما تقدم عنه، والحاكم أبو عبد الله في "مستدركه"، والشيخ تقي الدين ابن الصلاح، وشهد له إمام هذا الفن أبو عبد الله البخاري بأنَّه حديث حسن، وبأنَّه أصحّ حديث في الباب، فلعلَّ ما نقله ابن أبي حاتم عن أبيه من قوله: إنَّه لا يثبت عن النَّبي صلى الله عليه وسلم في تخليل اللحية حديث، ومن قول الإِمام أحمد حيث سأله ابنه: لا يصح عن النَّبي صلى الله عليه وسلم في تخليل اللحية شيء. أن يكون المراد بذلك غير حديث عثمان، وقد قَالَ الشيخ تقي الذين في "الإِمام": ذكر عن أبي داود أنَّه قَال: قَالَ أحمد: تخليل اللحية، قد روي فيه أحاديث ليس يثبت فيه حديث، وأحسن شيء فيه حديث شقيق عن عثمان: "أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم توضأ فخلل"، وهذا المشهور عنه.
(1) انظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية: (1/ 24).
(2)
(2/ 192).
وسئل: يخلل الرجل لحيته إذا توضأ؟ قال: إي والله" (1).
ويدلُّ على أن ذلك مقصد شرعي في الوضوء: ما رواه مسلم في "صحيحه"(832) من حديث عمرو بن عبسة، وفيه:"ثُمَّ إذا غَسَلَ وَجْهَهُ كما أَمَرَهُ اللهُ، إلَاّ خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أطرافِ لِحْيتتِهِ مع الماء".
وقال ابن المنذر: "والأخبار التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خلل لحيته قد تُكُلِّمَ في أسانيدها، وأحسنها حديث عثمان"(2).
وهذا هو الحق، فإنه قد ثبت عن عدد من الصحابة تخليل اللحية، قال ابن المنذر:
حدثنا إسماعيل بن قتيبة ثنا أبو بكر ثنا عبد الله بن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر: "أنه كان يخلل لحيته"(3).
حدثنا يحيى بن محمد ثنا الحجبي ثنا أبو عوانة عن أبي حمزة قال: "رأيت ابن عباس يخلل لحيته إذا توضأ من باطنها، ويدخل أصابعه فيها، ويحك ويخلل عارضيه، ثم يفيض الماء على طول لحيته فيمسحها إلى أسفل"(4).
حدثنا إسماعيل ثنا أبو بكر ثنا معتمر بن سليمان عن أبي معين قال: "رأيت أنسًا توضأ فخلل لحيته"(5).
ولم يثبت عن أحد منهم أنه أنكره، أو نفاه، وهذا الذي ينبغي أن يُعْتَمَدَ
(1) انظر: المسائل التي حلف عليها أحمد بن حنبل: (1/ 21).
(2)
انظر: "الأوسط"(1/ 385).
(3)
تقدم تخريجه وانظر أيضًا مصنف ابن أبي شيبة: (1/ 20).
(4)
انظر: مصنف ابن أبي شيبة: (1/ 20).
(5)
انظر: "الأوسط"(1/ 382).
عليه في مثل هذه الأحاديث: أن يكون الترجيح بالنظر إلى آثار الصحابة، وتقدم النقل عن الإمام أحمد أنه علَّل حديثًا مرفوعًا بمخالفته آثار الصحابة، فإن ثبت عنهم ولم يختلفوا فيه كان دليلاً قويًّا على ثبوت الحديث، لأن من عرف سيرتهم لا يشك أنهم أخذوا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم.
فإن قيل: لما لم يرد في الأحاديث المشهورة في صفة وضوء النبي عليه السلام؟
فالجواب: ما قاله ابن القيم عليه رحمة الله: "وكان يخلل لحيته أحيانًا ولم يكن يواظب على ذلك، ولهذا لم يروه الذين اعتنوا بضبط وضوئه كعثمان وعلي وعبد الله بن زيد"(1).
وبهذا يتبين ضعف قول المستدرك: "وسبب نكارته: أن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم محل عناية خاصة من الصحابة، ومع هذا لم ينقل لنا في الأحاديث الصحيحة المعتمدة المتكاثرة أنه خلل لحيته، مما يدل على عدم وقوعه"!
ولعل ما ذهب إليه المستدرك -عفا لله عنه- سببه الإغراق في معرفة العلل من غير نظر إلى عمل المتقدمين.
قال ابن القيم رحمه الله: "فإن ما انْفَرَدُوا بِهِ من الْعِلْمِ عنا أَكْثَرُ من أَنْ يُحَاطَ بِهِ، فلم يَرْوِ كُلٌّ منهم كُلَّ ما سمع، وَأَيْنَ ما سَمِعَهُ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه وَالْفَارُوقُ وَغَيْرُهُمَا من كِبَارِ الصحَابَةِ رضي الله عنه إلَى ما رَوَوْهُ؟ فلم يَرْوِ عنه صِدِّيقُ الأُمَّةِ مِئَةَ حَدِيثٍ، وهو لم يَغِبْ عن النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من مَشَاهِدِهِ، بَلْ صحِبَهُ من حِينِ بُعِثَ بَلْ قبل الْبَعْثِ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ، وكان أَعْلَمَ الأُمَّةِ بِهِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ، وَفِعْلِهِ، وَهَدْيِهِ، وَسِيرَتِهِ، وَكَذَلِكَ أجلة الصَّحَابَةِ رِوَايَتُهُمْ قَلِيلَةٌ جِدًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى ما سَمِعُوهُ من نَبِيِّهِمْ وَشَاهَدُوهُ، وَلَوْ رَوَوْا كُلَّ ما سَمِعُوهُ وَشَاهَدُوهُ؛ لَزَادَ على رِوَايَةِ أبي هُرَيْرَةَ أَضعَافًا مُضَاعَفَةً، فإنه إنَّمَا صَحِبَهُ نحو أَرْبَعَ سِنِينَ، وقد رَوَى عنه الْكَثِيرَ، فَقَوْلُ الْقَائِلِ: لو كان عِنْدَ الصَّحَابِيِّ في هذه الْوَاقِعَة شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم
(1) انظر: "زاد المعاد"(1/ 198).
لَذَكَرَهُ. قَوْلُ من لم يَعْرِفْ سِيرَةَ الْقَوْمِ وَأَحْوَالَهُمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَهَابُونَ الرِّوَايَةَ عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيُعَظِّمُونَهَا وَيُقَلِّلُونَهَا خَوْفَ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ وَيُحَدِّثُونَ بِالشَّيْءِ الذي سَمِعُوهُ من النبي صلى الله عليه وسلم مِرَارًا وَلا يُصَرِّحُونَ بِالسَّمَاعِ، وَلا يَقُولُونَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" (1). والله الموفق.
(1) انظر: "إعلام الموقعين"(4/ 148).