الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس والعشرون
حديث ابن مسعود رضي الله عنه في قصة الخندق: أن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات، حتى ذهب من الليل ما شاء الله، ثم أمر بلالاً فأذَّنَ ثم أقام، فصلَّى الظُّهر، ثم أقام فصلَّى العصر، ثم أقام فصلَّى المغرب، ثم أقامَ فصلَّى العشاء".
ــ
قال المستدرك:
"وإنما أطلت -نوعًا ما- في هذا التوضيح، لأنبِّهَ إلى خطأ بالغ يكثر من المتأخرين المشتغلين بالحديث، وهو المسارعة إلى نقد كلام الحفاظ المتقدِّمين بجرأة غير محمودة، وبانتقادات سطحية، ليس من الإنصاف نسبتها إلى المتقدِّمين، ولو تأمل الناقد ودرس الإسناد على الوجه المطلوب لوجد أن كلام الحفاظ دليلاً على حفظهم وتقدمهم.
أرجع الآن إلى بيان الأسباب التي قوَّى الترمذي الإسناد لأجلها:
أبو عبيدة لم يسمع من أبيه، هذا لا شك فيه، إلا أنه أخذ أحاديثه عن أهل بيته الثقات المأمونين، وضبطها، ولذلك قبلت منه، وصححها الحفاظ.
قال ابن رجب: وأبو عبيدة وإن لم يسمع من أبيه، إلا أن أحاديثه عنه صحيحة، تلقاها عن أهل بيته الثقة العارفين بحديث أبيه، قاله ابن المديني وغيره.
وقال ابن المديني -في حديث يرويه أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه-: هو منقطع وهو حديث ثبت.
وقال يعقوب بن شيبة: إنما أجتاز أصحابنا أن يدخلوا حديث أبي عبيدة عن أبيه في المسند -يعني: فى الحديث المتصل- لمعرفة أبي عبيدة بحديث أبيه وصحتها، وأنه لم يأت فيها بحديث منكر.
وبهذا التحقيق ظهر فضل المتقدمين، وأن كلام الترمذي مع قصره جمع أشتات المسألة بأسلوب متميز، فهو مما يثير الإعجاب لا التعجب"! انتهى كلام المستدرِك.
* الجواب:
لا ينقضي عجبي من دعواك الفهم لكلام المتقدِّمين، وتنقّصك للأئمة منذ زمن الدارقطني إلى اليوم، مع أنك لا يُعْرَفُ لك كتاب في هذا العلم، إلا هذا الكتاب المليء بالمغالطات!
أعود إلى انتقادك الشيخ انتقاده كلمة الترمذي: "حديث عبد الله ليس بإسناده بأس، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله".
فأنت تُقَرِّرُ أن الترمذي يرى أن حديث أبي عبيدة عن أبيه متصل، مع أنه لم يسمع منه، أو بمعنى: أنه بحكم المتصل للأسباب التي ذكرتها!
والأمر ليس كما تظن، فالترمذي لم يحسِّن الحديث لأجل إسناده، وإنما لأجل متنه، وهذه طريقته في أحاديث كثيرة يرويها بأسانيد ضعيفة ويحسنها، ولذا فإنه أعل حديث ابن مسعود قال:"خَرَجَ النبي صلى الله عليه وسلم لِحَاجَتِهِ فقال: "الْتَمِسْ لي ثَلاثَةَ أَحْجَارٍ" قال: فَأَتَيْتُهُ بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ، فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ، وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ، وقال: "إِنَّهَما رِكْسٌ" (1)، بأنه من رواية أبي عبيدة عن أبيه، فقال: "حدثنا هَنَادٌ
(1) أخرجه البخاري في صحيحه: (1/ 70)، وأخرجه الترمذي:(1/ 25)، والدارقطني في سننه:(1/ 55).
وقتيبة قالا: حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبى إسحاق عن أبى عبيدة عن عبد الله، قال أبو عيسى: وهكذا روى قيس بن الربيع هذا الحديث عن أبي إسحاق عن أبى عبيدة عن عبد الله نحو حديث إسرائيل، وروى معمر وعمار بن رزيق عن أبى إسحاق عن علقمة عن عبد الله، وروى زهير عن أبى إسحاق عن عبد الرحمن بن الأَسْوَدِ عن أبيه الأسود بن يزيد عن عبد الله، وروى زكريا بن أبي زَائِدَةَ عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن الأسود بن يزيد عن عبد اللَّهِ، وَهَذَا حَدِيثٌ فيه اضطِرَابّ، حدثنا محمد بن بشّار العبدى، حدثنا محمد بن جَعْفَرٍ، حدثنا شُعْبَةُ، عن عَمْرِو بن مرّةَ قالْ سألت أبَا عبيدة بن عبد اللَّهِ: هل تَذْكُرُ من عبد اللَّهِ شيئاً؟ قال: لا.
قال أبو عِيسَى: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بن عبد الرحمن: أَيُّ الرِّوَايَاتِ في هذا الحديث عن أبي إسحاق أَصَحُّ؟ فلم يَقْضِ فيه بِشَىءٍ، وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عن هذا، فلم يَقْضِ فيه بِشَيءٍ، وَكَأَنَّهُ رَأَى حَدِيثَ زُهَيْرٍ عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأَسْوَدِ عن أبيه عن عبد اللَّهِ أَشْبَهَ، وَوَضَعَهُ في كِتَابِ "الْجَامِعِ".
قال أبو عِيسَى: وَأَصَحُّ شَىءٍ في هذا عِنْدِي حَدِيثُ إِسرَائِيلَ وَقَيْسٍ عن أبي إسحاق عن أبي عُبَيْدَةَ عن عبد الله، لأَنَّ إِسرَائِيلَ أَثْبَتُ وَأَحْفَظُ لِحَدِيثِ أبِي إسحاق من هَؤُلاءِ، وَتَابَعَهُ على ذلك قَيْسُ بن الرَّبِيعِ.
قال أبو عِيسَى: وسَمِعْت أَبَا مُوسَى مُحَمَّدَ بن الْمُثَنَّى يقول: سمعت عَبْدَ الرحمن بن مَهْدِى يقول: ما فَاتَنِي الذي فَاتَنِي من حديث سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عن أبي إسحاق، إلا لمَّا اتَّكَلْتُ بِهِ على إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ كان يَأْتِي بِهِ أَتَمَّ".
فاعلم أَنَّ التِّرْمِذِيَّ رَجَّحَ رِوَايَةَ إِسْرَائِيلَ على رِوَايَةِ زُهَيْرٍ التي وَضَعَهَا الإِمَامُ الْبُخَارِيُّ في "صَحِيحِهِ" وَعَلَى رِوَايَاتِ مَعْمَرٍ وَغَيْرِهِ بِثَلاثَةِ وُجُوهٍ:
الأول: أَنَّ إِسرَائِيلَ أَثْبَتُ وَأَحْفَظُ لِحَدِيثِ أبي إِسْحَاقَ من زُهَيْرٍ وَمَعْمَرٍ وَغَيْرِهِمَا.
الثَّانِي: أَنَّ قَيْسَ بن الرَّبِيعِ تَابَعَ إِسْرَائِيلَ على رِوَايَتِهِ عن أبي إِسْحَاقَ عن أبي عُبَيْدَةَ عن عبد اللَّهِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ سَمَاعَ إِسْرَائِيلَ من أبي إِسْحَاقَ ليس في آخِرِ عُمُرِهِ، وَسَمَاعَ زُهَيْرٍ منه في آخِرِ عمره، والترمذي وافق في ذلك أبا حاتم، ومع ذلك لم يبالِ البخاري بهذا، ووضعه في "الصحيح".
ونظيره: قوله عند حديث فاطمة حديث حسن، وليس إسناده بمتصل إلخ.
فإن قلت: قد اعترف الترمذي بعدم اتصال إسناد حديث فاطمة، فكيف قال: حديث فاطمة حديث حسن؟
* قلت: الظاهر أنه حسنه لشواهده، وقد بيَّنَّا في المقدمة أن الترمذي قد يحسِّن الحديث مع ضعف الإسناد للشواهد، وهذا الحديث أخرجه أحمد وابن ماجه أيضًا.
فإن قلت: لم أورد الترمذي في هذا الباب حديث فاطمة وليس إسناده بمتصل، ولم يورد فيه حديث أبي أسيد وهو صحيح بل أشار إليه؟
* قلت: ليبين ما فيه من الانقطاع، وليستشهد بحديث أبي أسيد. انتهى من "تحفة الأحوذي"(1).
وعليه: فإن دعوى صحة كل حديث من طريق أبي عبيدة عن أبيه هي دعوى المتأخرين والمتقدمين.
(1) انظر: "تحفة الأحوذي"(2/ 216).