الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني والثمانون
حديث أم المؤمنين حفصة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له".
ــ
قال المستدرك:
"هذا الحديث أعلَّه الأئمة بالوقف، كالإمام أحمد، والبخاري، والنسائي، والترمذي، وأبو داود (1)، وأبو حاتم، ومن خالف كل هؤلاء فهو محجوج".
* قلت:
الحديث له ثلاث طرق:
قال الدارقطني: وثنا أبو بكر النيسابوري، ثنا يونس بن عبد الأعلى قال: ثنا ابن وهب، قال: ثنا يحيى بن أيوب، عن عبد الله بن أبي بكر، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، عن حفصة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من لم يجمع الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له".
فإن قالوا: هذا الحديث قد رواه جماعة موقوفًا، وإنما رفعه عبد الله بن أبي بكر!
(1) كذا! والصواب: وأبي داود. وكذا: أبي حاتم.
قلنا: الراوي قد يسند الحديث، وقد يفتي به، وقد يرسله، وعبد الله من الثقات الرفعاء، والرفع زيادة فهي من الثقة مقبولة.
قال البيهقي فيه: هذا حديث قد اختلف على الزهري في إسناده، وفي رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن أبي بكر أقام إسناده، ورفعه، وهو من الثقات الأثبات.
وقال الدارقطني: رفعه عبد الله بن أبي بكر وهو من الثقات الرفعاء (1).
ويشهد له أيضًا حديث عائشة رضي الله عنه:
قال الدارقطني: ثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن موسى بن أبي حامد ثنا روح بن الفرج، ثنا عبد الله بن عباد، ثنا المفضل بن فضالة، حدثني يحيى بن أيوب، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له"(2).
قال الدارقطني: كلهم ثقات.
"وقوله كلهم ثقات فيه نظر، فإن عبد الله بن عباد غير مشهور، ويحيى بن أيوب ليس بالقوي، وقد اختلف عليه فيه"(3).
قال الحافظ في "الفتح": "وعمل بظاهر الإسناد جماعة من الأئمة، فصححوا الحديث المذكور، منهم: ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وابن حزم، وروى له الدارقطني طريقًا آخر، وقال: رجالها ثقات"(4).
وحديث حفصة صحح وقفه غير واحد من الأئمة، والأظهر أنه صحيح مرفوع، وشاهده في البخاري ومسلم.
(1)"أقول: قارن بين معالجة الحافظ الدارقطني لطرق هذا الحديث، وبين عمل (المستدرِكِ) غفر الله له؛ ليتبيَّن لك الفرق بين طريقة كل منهما في تعليل الأحاديث"!
(2)
أخرجه الدارقطني في سننه: (2/ 171).
(3)
انظر: تنقيح تحقيق أحاديث التعليق: (2/ 280).
(4)
انظر: فتح الباري: (4/ 142).
قال الإمام مسلم: حدثني محمد بن حَاتِمٍ، حدثنا يحيى بن سَعِيدٍ، عن ابن جُرَيْجٍ، وحدثني محمد بن رَافِعِ، واللفظ له: حدثنا عبد الرَّزَّاقِ بن هَمَّامٍ، أخبرنا ابن جُرَيْجٍ، أخبرني عبد الْمَلِكِ بن أبي بَكْرِ بن عبد الرحمن عن أبي بَكْرٍ، قال: سمعت أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُصُّ يقول في قَصَصِهِ: "من أَدْرَكَهُ الْفَجْرُ جُنُبًا فلا يَصُمْ. فَذَكَرْتُ ذلك لِعَبْدِ الرحمن بن الْحَارِثِ لأَبِيهِ، فَأَنْكَرَ ذلك، فَانْطَلَقَ عبد الرحمن، وَانْطَلَقْتُ معه حتى دَخَلْنَا على عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، فَسَأَلَهُمَا عبد الرحمن عن ذلك، قال: فَكِلْتاهُمَا قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصْبِحُ جُنُبًا من غَيْرِ حُلُمٍ، ثُمَّ يَصُومُ". قال: فَانْطَلَقْنَا حتى دَخَلْنَا على مَرْوَانَ، فذكر ذلك له عبد الرحمن، فقال مَرْوَانُ: عَزَمْتُ عَلَيْكَ إلا ما ذَهَبْتَ إلى أبي هُرَيْرَةَ، فَرَدَدْتَ عليه ما يقول. قال: فَجِئْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ وأبو بَكْرٍ حَاضِرُ ذلك كُلِّهِ، قال: فذكر له عبد الرحمن، فقال أبو هُرَيْرَةَ: أَهُمَا قَالَتَاهُ لك؟ قال: نعم، قال: هُمَا أَعْلَمُ. ثُمَّ رَدَّ أبو هُرَيْرَةَ ما كان يقول في ذلك إلى الْفَضلِ بن الْعَبَّاسِ، فقال أبو هُرَيْرَةَ: سمعت ذلك من الْفَضْلِ، ولم أَسْمَعْهُ من النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فَرَجَعَ أبو هُرَيْرَة عَمَّا كان يقول في ذلك، قلت لِعَبْدِ الْمَلِكِ: أقَالَتَا في رَمَضانَ؟ قال: كَذَلِكَ، كان يُصْبِحُ جُنُبًا من غَيْرِ حُلُمٍ ثُمَّ يصومُ".
ووجه الدلالة من هذا الحديث: قوله صلى الله عليه وسلم: "من أصبح جنبًا، فلا صيام له"، فهو وإن كان منسوخًا، فلا يُفهم من نفي صحة الصيام، إلا التأخر عن تبييت النية، والتي لا بد أن تكون من الليل، بدليل أن أم سلمة وعائشة رضي الله عنها نصَّتا على أن ذلك في رمضان، ومن المعلوم أنه لا فرق في صيام رمضان عن غيره إلا وجوب تبييت النية من الليل.
قال الإمام مسلم: وحدثنا يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مَالِكٍ عن عبد رَبِّهِ بن سَعِيدٍ، عن أبي بَكْر بن عبد الرحمن بن الْحَارِثِ بن هِشَام، عن عَائِشَةَ وَأُمَ سَلَمَةَ زَوْجَيْ النبي صلى الله عليه وسلم أنهما قَالَتَا:"إن كان رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ليُصبحُ جُنُبًا من جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلامٍ في رَمَضَانَ ثُمَّ يَصُومُ".
ثم بين بفعله صلى الله عليه وسلم أن هذا الفعل لا يناقض تبييت النية، فهو بعينه حديث حفصة:"من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له".
وجاءت السنة بالترخيص في ترك تبييت النية في النافلة: وذلك فيما رواه مسلم عن عائشة مرفوعًا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال رحمه الله:
وحدثنا أبو بَكْرِ بن أبي شَيْبَةَ حدثنا وَكِيع عن طَلْحَةَ بن يحيى، عن عَمَّتِهِ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ، عن عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قالت:"دخل عَلَيَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذاتَ يَوْمٍ فقال: هل عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ فَقُلْنَا: لا، قال: فَإِنِّي إِذَنْ صَائِمٌ، ثُمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ، فَقُلْنَا: يا رَسُولَ اللَّهِ؛ أُهْدِيَ لنا حَيْسٌ، فقال: أَرِينِيهِ، فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا، فَأَكَلَ".
ومما يقرب هذا: أن الأمر بالسحور لم يرد فيما أعلم إلا في صيام رمضان، وذلك لاشتراط النية فيه من الليل، فقد روى الشيخان عن ابن عمر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:"إِنَّ بِلالاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حتى يُنَادِيَ ابن أُمِّ مَكْتُومٍ".
ففيه معنى حديث حفصة.
وفي "مسائل إسحاق بن منصور" للإمامين: "قُلْتُ: قولُهُ: "لا صيامَ لمن لمْ يجمعْ الصيامَ منَ الليلِ"، قَالَ: هَذَا عندي عَلَى رمضان، قَالَ إِسحاقُ: كمَا قَال، وكلٌّ واجب نذرٌ أو قضاءٌ"(1)، والله أعلم وأحكم.
(1) انظر: مسائل الإمام أحمد بن حنبل وابن راهويه: (1/ 294).