الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث العاشر
روى المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين".
ــ
* قال المستدرك:
"الحديث شاذٌّ ضعيف، أعله أكثر الحفاظ المتقدمين رحمهم الله " انتهى.
* قلت:
الحديث له شواهد:
من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه؛ أخرجه ابن ماجه (560) والطبراني في "الأوسط"(2/ 24) والبيهقي (1/ 285).
ومن حديث بلال رضي الله عنه، رواه سعيد بن منصور.
قال ابن عبد الهادي: "قال الترمذي: هذا حديث صحيح.
فإن قالوا: قد روي عن أحمد أنه قال: أحاديث أبي قيس ليست حجة!
قلنا: قد قال في رواية: (ليس بأبي قيس بأس).
ثم قد صححه الترمذي".
ثم قال: "وروى هذا الحديث أبو داود، وابن ماجه.
قال أبو داود: وكان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث، لأن المعروف عن المغرِة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين.
وذكر البيهقي حديث المغيرة هذا وقال: وذاك حديث منكر، ضعفه سفيان الثوري، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، ومسلم بن الحجاج، والمعروف عن المغيرة حديث المسح على الخفين، ويروى عن جماعة أنهم فعلوه، وأبو قيس اسمه عبد الرحمن بن ثروان الأودي، وهو من رجال الصحيح، ووثقه يحيى بن معين.
وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: يخالف في حديثه.
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سالت أبي عن أبي قيس الأودي، فقال: ليس بقوي، قليل الحديث، ليس بحافظ. قيل له: كيف حديثه؟ قال: صالح، هو لين الحديث.
الحديث الثاني: قال ابن ماجه: حدثنا محمد بن يحيى حدثنا معلى بن منصور وبشر بن آدم قالا: حدثنا عيسى بن يونس عن عيسى بن سنان عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب عن أبي موسى الأشعري: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين".
قال يحيى بن معين: عيسى بن سنان ضعيف.
والضحاك: هو ابن عبد الرحمن بن عرزب، ويقال: ابن عرزم، أبو عبد الرحمن الشامي، وثقه أحمد بن عبد الله العجلي، وأبو حاتم ابن حبان.
وعيسى ضعفه أحمد أيضاً، وقال أبو حاتم: ليس بقوي في الحديث.
وقال البيهقي: الضحاك بن عبد الرحمن لم يثبت سماعه من أبي موسى، وعيسى بن سنان: ضعيف لا يُحْتَجُّ به.
وقد كان يمسح على الجوربين: عمر، وعلي، وابن عباس، والبراء، وأبو أمامة، وأنس، وعقبة بن عامر رضي الله عنه.
وقال أحمد بن حنبل: يذكر المسح على الجوربين عن سبعة أو ثمانية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو داود: ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب، وابن مسعود، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وأبو أمامة، وسهل بن سعد، وعمرو بن حريث، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب، وابن عباس رضي الله عنه.
وقال ابن المنذر: ويروى إباحة المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر منهم ابن عمر، وابن أبي أوفى.
ورواه سعيد بن منصور عن أبي مسعود البدري.
وقال سعيد: ثنا إسماعيل بن عياش عن عبيد بن عبيد الكلاعي عن مكحول عن الحارث بن معاوية الكندي وأبي جندل بن سهيل قالا: "سألنا بلالاً مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم -ونحن على مطهرة الدرج بدمشق ونحن نتوضأ فيها- عن المسح على الخفين؟ فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "امسحوا على النصيف والموق".
وقال الحسن بن محمد الزعفراني: ثنا علي ثنا ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن الحارث بن معاوية وسهيل بن أبي جندل أنهما سألا بلالاً عن المسح، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "امسحوا على الخفين والموق"(1).
وقال الحافظ ابن حجر: "وفي الباب عن بلال، أخرجه الطبراني بسندين أحدهما ثقات، وعن ابن عباس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مرة، ومسح على نعليه"، أخرجه ابن عدي ثم البيهقي، وفي إسناده رواد بن الجراح وهو
(1) انظر: تنقيح تحقيق أحاديث التعليق: (1/ 197).
ضعيف، وذكره من طريق زيد بن الحباب بمتابعة رواد، وهي متابعة قوية لكنها شاذة لمخالفة الأثبات، وقد وقع في البخاري في هذا الحديث:"ثم رش على رجليه، وهما في النعل حتى غسلهما".
وأجاب ابن خزيمة عن هذه الأحاديث -إذا صحت- بأنه كان وضوءًا عن غير حدث، وأخرجه من طريق عبد خير عن علي أنه:"دعا بكوز ماء ثم توضأ وضوءًا خفيفًا ومسح على نعليه، ثم قال: هكذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم للطاهر ما لم يحدث"(1).
وتابعه ابن حبان على ذلك، فأخرج من حديث أوس بن أبي أوس: أنه توضأ ومسح على النعلين، وقال:"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عليهما، ثم قال: هذا كان في النفل"(2)، ثم ساق من طريق النزال بن سبرة عن علي:"أنه توضأ ومسح على رجليه، وقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل كما فعلت، وقال: هذا وضوء من لم يحدث"(3)، وسبق إلى ذلك البزار في حديث ابن عمر الآتي، وأثر علي، وأبي مسعود والبراء وأنس أخرجها عبد الزراق، وأخرج عن ابن عمر نحوه "أنه كان يمسح على جوربيه ونعليه"، وهو عند البزار بإسناد صحيح عن ابن عمر:"أنه كان يتوضأ ونعلاه في رجليه ويمسح عليهما، ويقول: كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل"(4)، وعند البيهقي بإسناد جيد عن ابن عمر:"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسهما -يعني النعال السبتية- ويتوضأ فيها ويمسح عليها (5) "(6).
إذًا شواهد الحديث عند التحقيق ليست اثنان بل ستة:
(1) أخرجه أحمد في المسند: (1/ 120)، والبيهقي في السنن الكبرى:(1/ 75).
(2)
أخرجه ابن حبان في صحيحه: (4/ 170).
(3)
أخرجه ابن حبان في صحيحه: (4/ 171).
(4)
أخرجه البزار في مسنده: (1/ 256).
(5)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى: (1/ 287).
(6)
انظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية: (1/ 83).
الأول: حديث أبي موسى رضي الله عنه، وفي إسناده عيسى بن سنان.
الثاني: حديث بلال رضي الله عنه، قال الحافظ: رجاله ثقات.
الثالث: حديث ابن عباس رضي الله عنه، وفي إسناده رواد بن الجراح ضعيف.
الرابع: حديث علي رضي الله عنه، وإسناده صحيح.
الخامس: حديث أوس بن أبي أوس رضي الله عنه، عند ابن حبان وإسناده حسن.
السادس: حديث ابن عمر رضي الله عنه، عند البزار وإسناده صحيح.
ومن هنا جاء تصحيح الترمذي للحديث، وهو من أئمة هذا الفن رواية ودراية، ولم يسلِّم لتعليل من علله.
والمقصود بقوله: "مسح على الجوربين والنعلين": أنهما كانتا مستورتين بالجوربين في النَّعلين، كما تقدم في كلام ابن القيم في الحديث السابق.
ومن أقوى الأدلة في ذلك: اشتهاره بين الصحابة، قال الإمام أحمد: ثبت عن تسعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلم يكن ليشتهر بينهم لو لم يأخذوه عن نبيهم صلى الله عليه وسلم. ولم يرو عن واحد منهم كراهته، أو منعه؛ فتنبه.
ثم إني أقول: إن الشيخ الألباني لم يكن ليصير إمامًا لعصره في الحديث، لو كان في كل حديث سيقلد أبا حاتم، أو البخاري، أو غيرهما، فهل كان البخاري يقلد أحمد؟ بل هل كان الترمذي يوافق البخاري على تعليله الأحاديث في كل ما قال؟ فقد انتقد أحاديث وضعها البخاري في "صحيحه"، وأعلها إما بالاضطراب، أو الإرسال، ولا يقال: ذاك البخاري، أو أبو حاتم، أو الترمذي، فإن من جاء بعدهم اجتمع عنده ما لم يجتمع عند من سبقه، فكيف بمن نذر نفسه لهذا العلم على مدى ستين عامًا؟! وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء،
والله ذو الفضل العظيم، وهذا يذكرني بقوله تعالى:{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [القصص: 68] وبقوله صلى الله عليه وسلم: "لو كان العلم في الثريا لناله رجال من هؤلاء"، أخرجاه.
قال القرطبي: "وقع ما قاله صلى الله عليه وسلم عيانًا، فإنه وجد منهم من اشتهر ذكره من حفاظ الآثار والعناية بها ما لم يشاركهم فيه كثير من أحد غيرهم"(1). وقال الكرماني: أي الفرس يعني العجم.
رحم الله الشيخ الإمام، وجمعنا وإياه مع النبيين، والصدّيقين، والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.
(1) انظر: "فتح الباري"(8/ 643).