الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث عشر
حديث: "العين وكاء السّه، فمن نام فليتوضأ".
ــ
قال المستدرك:
"لهذا عدة علل تمنع من تحسينه، كما سيأتي، ولذلك أعله بعض الأئمة منهم: أبو حاتم، وأبو زرعة، وضعفه ابن عبد البر وابن حزم" انتهى.
* الجواب:
قال الدارقطني: حدثنا أبو حامد محمد بن هارون، حدثنا سليمان بن عمر بن خالد، حدثنا بقية بن الوليد، عن الوضين بن عطاء، عن محفوظ بن علقمة، عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي، عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العين وكاء السه، فمن نام فليتوضأ"(1).
الوضين بن عطاء، قال فيه السعدي: هو واهي الحديث.
وقال أحمد: ما كان به بأس.
قال ابن الملقن:
"والذي يعل به حديث عليّ أمران:
(1) انظر: سنن الدارقطني: (1/ 161).
الأول: أن في إسناده جماعة تُكُلِّمَ فيهم، أولهم بقية، وهو ثقة في نفسه، لكنه يدلِّسُ عن الكذابين.
ثانيهم: الوضين بن عطاء بن كنانة أبو كنانة الشامي وفيه لين، قال ابن حزم: ضعيف.
وقال السعدي: واهي الحديث، وقد أنكر عليه هذا الحديث نفسه ووثقه جماعات.
قال الدارمي عن دحيم: ثقة.
وقال أبو داود: صالح.
وقال أحمد: ما كان به من بأس. وفي رواية: ثقة.
وكَال أبو زرعة: سألت عبد الرحمن بن إبراهيم عنه، فقال: ثقة.
وقال ابن عدي: ما أرى بحديثه بأسًا.
وثالثهم: عبد الرحمن بن عائذ الأزدي الحمصي، نسبه ابن القطان إلى جهالة الحال، وهو من العجائب! فقد أرسل عن معاذ وغيره، وروى عن أبي أمامة وكثير بن مرة، وروى عنه محفوظ ونصر ابنا علقمة، وثور بن يزيد، وصفوان بن عمرو، ووثقه النسائي، كما أفاده المزي، وذكره ابن حبان أيضًا في "ثقاته"، وقال: يقال: إن له صحبة. وذكره أبو الحسن بن سميع في الطبقة الثالثة من تابعي أهل الشام.
الأمر الثاني: الانقطاع بين عبد الرحمن، وعلي.
قال ابن أبي حاتم في "مراسيله" و"علله": قال أبو زرعة: عبد الرحمن بن عائذ الأزدي عن علي مرسل.
وقال عبد الحق: هذا الحديث ليس بمتصل.
قال ابن القطان: هو كما قال، ليس بمتصل، ولكن بقي عليه أن يبين أنه
من رواية بقية بن الوليد وهو ضعيف، وهو دائمًا يضعف به الأحاديث عن الوضين، وهو واهي الحديث، قاله السعدي، ومنهم من يوثقه عن محفوظ بن علقمة، وهو ثقة؛ عن عبد الرحمن بن عائذ؛ وهو مجهول الحال، عن علي ولم يسمع منه" (1).
قال الدارقطني: وحدثنا أبو حامد محمد بن هارون، حدثنا مساور، حدثنا الوليد بن مسلم، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم، عن عطية بن قيس الكلاعي، عن معاوية بن أبي سفيان: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العين وكاء السه، فإذا نامت العين استطلق الوكاء".
وأما حديث معاوية رضي الله عنه فالذي يعل به أيضاً أمران:
قال ابن الملقن:
"الأول: حال أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم.
وقد اختُلِفَ في اسمه، فقيل: بكر، وقيل: بكير، وقيل: عبد السلام، وقيل: عمر. وحاله واهية، وهو كثير الغلط، ضعفه أحمد، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والنسائي، والدارقطني، وكذا يحيى بن معين، وقال مرة: صدوق. نقله عنه ابن الجوزي في "ضعفائه"، وجزم بأن اسمه بكيرًا. وقال السعدي: ليس بالقوي.
وقال ابن حبان: كان من خيار أهل الشام، ولكنه كان رديء الحفظ، فيحدث بالشيء ويهم، وكثر ذلك حتى استحق الترك.
وأورد له ابن عدي جملة مناكير، وأما ابن حزم فنسبه إلى الكذب كما سيأتي، ولم أو أحدًا نسبه إلى ذلك إلا ما روي عن عيسى بن يونس أنه قال: لو أردت أبا بكر بن أبي مريم أن يجمع لي فلانًا وفلانًا لفعل -يعني يقول عن
(1) انظر: "البدر المنير"(2/ 429).
راشد بن سعد وضمرة بن حبيب وحبيب بن عبيد -وهؤلاء الثلاثة قد روى أبو بكر بن أبي مريم عنهم- فانتفى أن يكون يقبل التلقين إن كان أراد ذلك -يعني أنه يقبل التلقين- وإن كان أراد به أنه يروي عن هؤلاء الثلاثة، فهذا نوع مدح.
الثانى: أنه روي موقوفًا، وقد أسلفنا أن الوليد بن مسلم رجحها على رواية الرفع.
وأعله ابن حزم بأمر ثالث، فقال في "محلاه": هذا حديث ساقط، لأنه من رواية بقية -وهو ضعيف- عن أبي بكر بن أبي مريم، وهو مذكور بالكذب، عن عطية بن قيس وهو مجهول، انتهى كلامه.
ونسبته عطية بن قيس إلى الجهالة من الغرائب، فهو تابعي مشهور، أرسل عن أبي بن كعب ونحوه، وغزا مع أبي أيوب وروى عن معاوية وطائفة، وقرأ القرآن على أم الدرداء، وروى عنه سعيد بن عبد العزيز وطائفة، وكانوا يصلحون مصاحفهم على قراءته، وعمَّر دهرًا جاوز المئة، وروى له مسلم في "صحيحه"، وأصحاب السنن الأربعة، وعلم له الصريفيني فيما رأيته بخطه علامة البخاري أيضاً، وهو كما علم له لأنه استشهد به، ونقل عن أبي مسهر أنه ولد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد تعقب ابن عبد الحق ابن حزم في رده على "محلاه"، ونقل عن أبي حاتم أنه قال في حقه: صالح الحديث. قلت: ووثقه ابن القطان أيضاً، فهؤلاء ثلاثة وثقوه مسلم، وأبو حاتم وابن القطان، وحالته كما عرفتها، فكيف يكون مجهولاً؟!
وخفف ابن الجوزي في تحقيقه القول في أمر حديث علي ومعاوية، فقال: فيهما مقال، ونحا نحوه الحافظ زكي الدين المنذري، فقال في كلامه على أحاديث المهذب: حديث علي حديث حسن، والشيخ تقي الدين بن الصلاح
فقال: رواه أبو داود في جماعة، وفي إسناده شيء، وهو -إن شاء الله- حسن، وحسنه النووى أيضًا، ولا يخفى ما فيه" (1).
وقال ابن عبد الهادي: "وهذا إسناد ضعيف، وأبو بكر بن أبي مريم تكلم فيه غير واحد من الأئمة، وقد خالفه غيره، وحديث علي المتقدم أقوى من حديث معاوية، هذا نص عليه الإمام أحمد بن حنبل، والصواب في حديث معاوية أنه موقوف عليه"(2).
قال شيخ الإسلام: "وسئل أحمد عن حديث علي ومعاوية في ذلك، فقال: حديث علي أثبت وأقوى"(3).
والذي يظهر أن الإمام أحمد قواه مع علمه بإسناده، لأن الأحاديث الأخرى تشهد لمعناه، مثل حديث صفوان بن عسال:"ولكن من غائط وبول ونوم" رواه أهل السنن.
وللآثار الثابتة عن الصحابة رضوان الله عليهم، ولأن رواته إنما يخشى منهم الغلط، وكما تقدم عن شيخ الإسلام: "وذلك أن الحديث إنما يخاف فيه من شيئين: إما تعمد الكذب، وإما خطأ الراوي، فإذا كان من وجهين لم يأخذه أحدهما في الفقه عن الآخر، وليس مما جرت العادة بأن يتفق تساوى الكذب فيه؛ عُلِمَ أنه ليس بكذب، لا سيما إذا كان الرواة ليسوا من أهل الكذب.
وأما الخطأ فإنه مع التعدد يضعف، والمرسل نقول: إذا عمل به جماهير أهل العلم، وأرسله من أخذ العلم عن غير رجال المرسل الأول، أو روي مثله عن الصحابة، أو وافقة ظاهر القرآن؛ فهو حجة".
وهو رحمه الله أعرف الناس بمذهب الإمام أحمد وأقواله، ومن هذا تعرف
(1) انظر: "البدر المنير"(2/ 429 - 431).
(2)
انظر: "تعليقة على العلل"(ص 72).
(3)
انظر: "شرح العمدة"(1/ 299).
الفرق بين الإمام أحمد وبعض أهل العلم بالحديث من معاصريه ومن بعدهم.
قال ابن المنذر:
"حدثنا علي بن الحسن، ثنا عبد الله قال: أخبرني سفيان، قال: حدثني يزيد بن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس أنه قال: "وجب الوضوء على كل نائم إلا من خفق برأسه خفقة" (1).
حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا حجاج، ثنا حماد، عن سعيد الجريري، عن خالد بن غلاق، عن أبي هريرة قال:"إذا استحق أحدكم نومًا فليتوضأ".
حدثنا إسحاق عن عبد الرازق عن جعفر بن سليمان وغيره عن سعيد الجريري عن هلال العيشي عن أبي هريرة قال: "من استحق النوم فعليه"(2).
حدثنا موسى بن هارون، ثنا شريح بن يونس، ثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن أنس قال:"إذا وجد الرجل طعم النوم جالسًا كان أو غير ذلك فعليه الوضوء"(3).
وهكذا أثر معاوية، رواه البيهقي من طريق مروان بن جناح عن عطية بن قيس عن معاوية قال:"العين وكاء السه". وقال: موقوف.
وهذا كله مما يدل على إمامة الشيخ ناصر رحمه الله، وأنه كان يحقق هذا العلم تحقيق العالم الداعية، لا الباحث، أو صاحب الصنعة، والله ولي التوفيق.
(1) أخرجه كذلك ابن أبي شيبة في مصنفه: (1/ 124)، والبيهقي في سننه الكبرى:(1/ 119).
(2)
أخرجه كذلك البيهقي في السنن الكبرى: (1/ 119).
(3)
انظر: "الأوسط"(1/ 146).