الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الحادي والستون
حديث ابن عمر مرفوعًا: "من أدرك ركعة من يوم الجمعة فقد أدركها، وليضف إليها أخرى".
ــ
قال المستدرك:
"الحديث معلول بالوقف، أعله بذلك الدارقطني، وله طريق آخر أعلَّه أبو حاتم" اهـ.
* الجواب:
هذا الحديث مروي من حديث أبي هريرة، ومن حديث ابن عمر رضي الله عنها مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
أما الأول: فمن أوجه منها ثلاثة:
أحدها: من طريق الوليد بن مسلم عن الأوزاعي، حدثني الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا:"من أدرك من صلاة الجمعة ركعة، فقد أدرك الصلاة"(1). رواه الحاكم في "مستدركه"(1/ 429)، من طريق محمد بن ميمون الإسكندراني حدثنا الوليد به، ثم قال: هذا حديث إسناده صحيح على شرط
(1) وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه": (3/ 173)، وأخرجه النسائي في سننه (المجتبى):(3/ 112).
الشيخين ولم يخرجاه بهذا اللفظ، إنما اتفقا على حديث الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا:"من أدرك من الصلاة ركعة ومن أدرك من صلاة العصر ركعة"، ولمسلم فيه الزيادة:"فقد أدركها كلها".
ثانيها: من طريق أسامة بن زيد الليثي عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا: "من أدرك من صلاة الجمعة ركعة، فليصل إليها أخرى". رواه الحاكم أيضا في "مستدركه"(1/ 429) من طريق الفضل بن محمد الشعراني ثنا سعيد بن أبي مريم نا يحيى بن أيوب نا أسامة به. ثم قال: هذا حديث صحيح إسناده على شرط الشيخين.
ويحيى هذا هو الغافقي، وإن احتج به الشيخان وغيرهما، فقد قال أبو حاتم في حقه: محله الصدق، ولا يحتج به. وقال النسائي: ليس بالقوي.
وأسامة بن زيد: من رجال مسلم، وقال يحيى بن معين: كان يحيى القطان يضعفه. ثم قال يحيى بن معين: هو ثقة. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن عدي: ليس به بأس.
الثالث: من طريق حماد بن زيد عن مالك بن أنس، وصالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن أبى سلمة مرفوعًا:"من أدرك من الجمعة ركعة، فليصل إليها أخرى".
رواه الحاكم أيضًا في "مستدركه"، من طريق عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي نا حماد به. وقال فيه كما قال في الطريقين قبله.
وصالح هذا لينه البخاري، وضعفه النسائي، وأحمد، وأبو زرعة، وقال ابن حبان: اختلط عليه ما سمع بما لم يسمع، فحدث بالكل، فينبغي أن لا يحدث عنه.
وهذه الطرق الثلاث أحسن طرق هذا الحديث.
والحديث في "الصحيحين"، وذكر الجمعة قاله أربعة أنفس عن الزهري،
عن أبي سلمة كلهم ضعفاء، أي: وهم أسامة بن زيد، وصالح بن أبي الأخضر، وسليمان بن أبي داود، وعبد الرزاق بن عمر الدمشقي.
* قلت: قد تابعهم الأوزاعي، ومالك؛ كما سلف من طريق الحاكم، وصححهما على شرط الشيخين، وقال في رواية: أسامة وصالح مثل ذلك، وتابعهم أيضًا ياسين بن معاذ، والحجاج، ومعاذ؛ كما سلف.
وأما حديث ابن عمر فله أيضًا طرق:
أحدها: من طريق الزهري عن سالم عن أبيه رفعه: "من أدرك ركعة من صلاة الجمعة، أو غيرها، فليضف إليها أخرى وقد تمت صلاته"(1).
وفي لفظ: "وقد أدرك الصلاة".
رواه الدارقطني في "سننه" من طريق محمد بن مصفى، وعمرو بن عثمان قالا: ثنا بقية، قال: حدثني يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري به، ثم قال: قال لنا ابن أبي داود: لم يروه عن يونس إلا بقية.
وقال ابن أبي حاتم في "علله": سألت أبي عن هذا الحديث، فقال: هذا خطأ المتن، والإسناد، إنما هو عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا:"من أدرك من صلاة ركعة فقد أدركها"، وأما قوله:"من صلاة الجمعة"، فليس هذا في الحديث، فوهم في كليهما.
الطريق الثاني: من طريق يحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر رفعه "من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدركها، وليضف إليها أخرى"، وفي لفظ:"من أدرك ركعة من الجمعة فليصل إليها أخرى"(2).
رواه الدارقطني في "سننه" أيضًا من حديث يعيش بن الجهم، ثنا عبد الله
(1) أخرجه ابن ماجه في سننه: (1/ 356)، وأخرجه الدارقطني في سننه:(2/ 12).
(2)
أخرجه الدارقطني في سننه: (2/ 13).
ابن نمير عن يحيى باللفظ الأخير، ومن حديث عيسى بن إبراهيم ثنا عبد العزيز ابن مسلم عن يحيى باللفظ الأول.
ورواه الطبراني من حديث إبراهيم بن سليمان الدباس عن عبد العزيز به بلفظ: "من أدرك ركعة من الجمعة، فقد أدرك"، ثم قال: لم يروه عن يحيى إلا عبد العزيز، تفرد به إبراهيم بن سليمان.
وذكر الدارقطني في "علله" الاختلاف فيه، ثم قال:"والصواب وقفه على ابن عمر".
الطريق الثالث: عن إبراهيم بن عطية الثقفي عن يحيى بن سعيد، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه رفعه:"من أدرك من الجمعة ركعة فليصل إليها أخرى".
رواه أبو حاتم ابن حبان في "تاريخ الضعفاء" في ترجمة إبراهيم هذه، ثم قال في حقه:"منكر الحديث جدًّا، وكان هشيم يدلس عنه أخبارًا لا أصل لها، وهو حديث خطأ".
قال ابن عبد الهادي: "وإسناده جيد، لكن تكلم فيه أبو حاتم، وقال: هذا خطأ المتن، والإسناد. وقال ابن أبي داود: لم يروه عن يونس إلا بقية.
وقد رواه النسائي أيضاً من حديث سليمان بن بلال عن يونس عن ابن شهاب عن سالم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك ركعة من صلاة من الصلوات، فقد أدركها، إلا أنه يقضي ما فاته"، وهو مرسل" (1).
وعلى فرض أنَّا سلَّمنا بأن كافة الطرق معلولة، وهِبْنَا أبا حاتم فلم نخالفه، فماذا نصنع بإجماع الصحابة؟
فإن قيل: لعل الصحابة أخذوا فقه الحديث من طريق الصحيحين؛ أي باللفظ الثابت فيهما، وليس فيه ذكر الجمعة!
(1) انظر: المحرر في الحديث: (1/ 274).
قُلنا: هذا فيه نظر إلا على واسع الخطو في القياس، فإن الجمعة ليست هي الظهر، ولو أخذه بعضهم فمن البعيد أن يتفقدا من غير نص من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأيهما أولى مخالفة: أبي حاتم، أو مخالفة الصحابة؟!
فإن قول أبي حاتم يحتمل الصواب والخطأ، وإجماع الصحابة لا يحتمل الخطأ.
قال شيخ الإسلام: "الرابع: أن الجمعة لا تدرك إلا بركعة، كما أفتى به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم: ابن عمر، وابن مسعود، وأنس وغيرهم، ولا يعلم لهم في الصحابة مخالف، وقد حكى غير واحد أن ذلك إجماع الصحابة"(1).
ثم وجدت في "مسائل الإمام أحمد بن حنبل وابن راهويه"(1/ 122) احتجاجه بالحديث: "قُلْتُ: مسافر أدرك من صلاة المقيمين ركعةً، أو أدركهم جلوسًا، قَالَ: يصلي بصلاتهم، وإذا أدركهم جلوسًا؟ يصلي بصلاتهم، فلولا الحديثُ في الجمعة لكان ينبغي له أن يصلي ركعتين".
وفي "شرح الزركشي" الحنبلي قوله: "إلا أن أحمد قال: لولا الحديث الذي يروى في الجمعة، لكان ينبغي أن يصلي ركعتين، إذا أدركهم جلوسًا. وظاهر هذا أنه يعتمد عليه"(2).
فالملاحظ: أن التقليد كما هو في الفقه، فهو موجود في الحديث، فانظر كيف تتابع أكثر أصحاب كتب التخريج على تقليد أبي حاتم، والدارقطني، ولم يتفطَّنوا إلى أن اتفاق الصحابة لا بد له من مستند، وإلا فأين يقع علم أبي حاتم والدارقطني من علم الإمام أحمد؟!
وعند التأمل: فإن النظر لا يستبعد أن يكونا حديثين، فإن في صحيفة همام
(1) انظر: مجموع الفتاوى: (23/ 332).
(2)
شرح الزركشي: (1/ 274)، والفروع:(2/ 102).
مئة حديث بإسناد وأحد، كلها صحيحة، أخرج البخارى قطعة منها في "صحيحه"، وكذا مسلم، كيف وقد أفتى به تلاميذ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وأعرف الناس بحديثه؟ وهم الشهداء حقًّا بصدق الحديث أو خطئه!
وهذا من الأدلة البينة أن الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله، معدود من الأئمة القلائل المجددين لما اندرس من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والله ولي التوفيق.