الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس والخمسون
حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه: "أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أقام بتبوك عشرين يومًا يقصر الصلاة".
ــ
قال المستدرك:
"الحديث معلول، أعلَّه البخاري، وأبو داود، والدارقطني، والبيهقي".
* قلت:
الحديث رواه أحمد، وأبو داود عنه، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن يحيى -هو ابن أبي كثير- عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن جابر قال:"أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يومًا يقصر الصلاة"(1).
قال أبو داود: غير معمر لا يسنده.
وقال البيهقي: "تفرَّد معمر بروايته مسندًا، ورواه علي بن المبارك وغيره عن يحيى عن ابن ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وروي عن يحيى بن أبي كثير عن أنس، وقال: "بضع عشرة"، ولا أراه محفوظًا".
وأما أبو حاتم ابن حبان؛ فأخرجه في "صحيحه"(2749) من طريقه.
(1) أخرجه أحمد (3/ 295) وأبو داود (1235) وعبد الرزاق في "مصنفه"(4335) وابن حبان (2749) والبيهقي (3/ 152) وغيرهم.
ومعمر إمام مجمع على جلالته، فلا يضر تفرده به.
وقال أبو محمد ابن حزم: محمد بن عبد الرحمن ثقة، وباقي رواة الخبر أشهر من أن يُسْأَلَ عنهم.
وقال النووى في "خلاصته": "هذا الحديث صحيح على شرط الشيخين، ولا يقدح فيه تفرد معمر، فإنه ثقة حافظ، فزيادته مقبولة".
والحق أن الحديث صحيح بلا ريب، لعدة أمور:
الأول: أن الحديث له طريق آخر، قال البيهقي:"أخبرناه أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر بن الحسن القاضي قالا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق الصمغاني، ثنا معاوية -يعني ابن عمرو- عن أبي إسحاق -يعني الفزاري- عن أبي أنيسة، عن أبي الزبير، عن جابر قال: "غزوتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك، فأقام بها بضع عشرة، فلم يزد على ركعتين حتى رجع". وهذا إسناد صحيح، وما يخشى من غلط معمر زال بهذا الطريق.
الثاني: أن جابر بن عبد الله رضي الله عنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وهذا في "الصحيحين" وغيرهما.
الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر ويجمع في تبوك، فقد روى مسلم عن مُعَاذٍ رضي الله عنه قال:"خَرَجْنَا مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَكَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جميعًا، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جميعًا"(1).
الرابع: أن أهل السِّيَرِ اتفقوا على أن الرسول صلى الله عليه وسلم بقي في تبوك بضعة عشر يومًا، والبضع من الثلاث إلى التسع، ومن المعلوم في كلام العرب أنهم يُجُبِرُونَ الكَسْرَ، فلا اختلاف بين الروايتين.
الخامس: أنه لم يُنْقَلْ عنه صلى الله عليه وسلم أنه أتم الصلوات، أو تنفَّل بينها في سفر،
(1) أخرجه مسلم (706).
فقد روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما: "صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَانَ لا يَزِيدُ في السَّفَرِ على رَكعَتَيْنِ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كذَلِكَ رضي الله عنه"(1)، وتبوك آخر غزواته صلى الله عليه وسلم.
ثم وقفتُ على كلام للإمام أحمد يدل على تصحيح الحديث: "قيل لأحمدَ رضي الله عنه: إنَّ النَّبيَ صلى الله عليه وسلم أقَامَ بمكةَ ثماني عشرةَ، زمنَ الفتح، قَالَ: إنَّما أرادَ حُنينًا، لم يكُنْ ثمَّ إجماع، وأقامَ بتبوكَ عشرينَ، لمْ يكُنْ ثُمَّ إجماعٌ، ولكن إذا أُجمِعَ على إقامةٍ زيادة على أربع أتَمَّ الصَّلاةَ"(2).
(1) أخرجه البخاري (1101)، 1102)، ومسلم (689).
(2)
انظر: مسائل الإمام أحمد بن حنبل وابن راهويه: (1/ 611).