الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَرْعٌ
إِذَا حَفَرَ بِئْرًا فِي الْمَوَاتِ لِلتَّمَلُّكِ، لَمْ يَحْصُلِ الْإِحْيَاءُ مَا لَمْ يَصِلْ إِلَى الْمَاءِ. وَإِذَا وَصَلَ، كَفَى إِنْ كَانَتِ الْأَرْضُ صُلْبَةً، وَإِلَّا، فَيُشْتَرَطُ أَنْ تُطْوَى. وَقَالَ الْإِمَامُ: لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ. وَفِي حَفْرِ الْقَنَاةِ، يَتِمُّ الْإِحْيَاءُ بِخُرُوجِ الْمَاءِ وَجَرَيَانِهِ. وَلَوْ حَفَرَ نَهْرًا لِيَجْرِيَ الْمَاءُ فِيهِ عَلَى قَصْدِ التَّمَلُّكِ، فَإِذَا انْتَهَى رَأْسُ النَّهْرِ الَّذِي يَحْفِرُهُ إِلَى النَّهْرِ الْقَدِيمِ، وَجَرَى الْمَاءُ فِيهِ، مُلِّكَهُ، كَذَا قَالَهُ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَفِي «التَّتِمَّةِ» : أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إِجْرَاءِ الْمَاءِ فِيهِ، لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَةٍ كَالسُّكُونِ فِي الدَّارِ.
قُلْتُ: هَذَا الثَّانِي، أَقْوَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
فِي الحِمَى
هُوَ أَنْ يَحْمِيَ بُقْعَةً مِنَ الْمَوَاتِ لِمَوَاشٍ بِعَيْنِهَا، وَيَمْنَعَ سَائِرَ النَّاسِ الرَّعْيَ فِيهَا، وَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَحْمِيَ لِخَاصَّةِ نَفْسِهِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّمَا حَمَى النَّقِيعَ لِإِبِلِ الصَّدَقَةِ وَنَعَمِ الْجِزْيَةِ وَخَيْلِ الْمُجَاهِدِينَ.
قُلْتُ: النَّقِيعُ بِالنُّونِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقِيلَ: بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَبَقِيعُ الْغَرْقَدِ بِالْبَاءِ قَطْعًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا غَيْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَيْسَ لِلْآحَادِ الْحِمَى قَطْعًا، وَلَا لِلَّائِمَةِ لِأَنْفُسِهِمْ، وَفِي حِمَاهُمْ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: الْجَوَازُ. وَقِيلَ: يَجُوزُ قَطْعًا. فَإِذَا
جَوَّزْنَاهُ، فَهَلْ يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِ الْأَعْظَمِ، أَمْ يَجُوزُ أَيْضًا لِوُلَاتِهِ فِي النَّوَاحِي؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ كَجٍّ وَغَيْرُهُ. أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي. وَسَوَاءٌ حَمَى لِخَيْلِ الْمُجَاهِدِينَ، أَمْ لِنَعَمِ الْجِزْيَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَالضَّوَالِّ، وَمَالِ الضُّعَفَاءِ عَنِ الْإِبْعَادِ فِي طَلَبِ النُّجْعَةِ، ثُمَّ لَا يَحْمِي إِلَّا الْأَقَلَّ الَّذِي لَا يَبِينُ ضَرَرُهُ عَلَى النَّاسِ وَلَا يُضَيِّقُ الْأَمْرَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ مَا حَمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، نَصٌّ، فَلَا يُنْقَضُّ وَلَا يُغَيَّرُ بِحَالٍ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ.
وَقِيلَ: إِنْ بَقِيَتِ الْحَاجَةُ الَّتِي حَمَى لَهَا، لَمْ يُغَيَّرْ. وَإِنْ زَالَتْ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ، لِأَنَّهُ تَغْيِيرُ الْمَقْطُوعِ بِصِحَّتِهِ بِاجْتِهَادٍ. وَأَمَّا حِمَى غَيْرِهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا ظَهَرَتِ الْمَصْلَحَةُ فِي تَغْيِيرِهِ، جَازَ نَقْضُهُ وَرَدُّهُ إِلَى مَا كَانَ عَلَى الْأَظْهَرِ رِعَايَةً لِلْمَصْلَحَةِ. وَفِي قَوْلٍ: لَا يَجُوزُ كَالْمَقْبَرَةِ وَالْمَسْجِدِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ لِلْحَامِي نَقْضُ حِمَاهُ، وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَإِذَا جَوَّزْنَا نَقْضَهُ، فَأَحْيَاهُ رَجُلٌ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، مُلِّكَهُ وَكَانَ الْإِذْنُ فِي الْإِحْيَاءِ نَقْضًا.
وَإِنِ اسْتَقَلَّ الْمُحْيِي، فَوَجْهَانِ. وَيُقَالُ: قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ، لِمَا فِيهِ مِنَ الِاعْتِرَاضِ عَلَى تَصَرُّفِ الْإِمَامِ وَحُكْمِهِ.
قُلْتُ: بَقِيَتْ مِنَ الْحِمَى مَسَائِلُ مُهِمَّةٌ.
مِنْهَا: لَوْ غَرَسَ أَوْ بَنَى أَوْ زَرَعَ فِي النَّقِيعِ، نُقِضَتْ عِمَارَتُهُ، وَقُلِعَ زَرْعُهُ وَغَرْسُهُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ. مِنْهَا: أَنَّ الْحِمَى يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ حِفَاظٌ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، وَأَنْ يَمْنَعَ أَهْلَ الْقُوَّةِ مِنْ إِدْخَالِ مَوَاشِيهِمْ، وَلَا يَمْنَعَ الضُّعَفَاءَ، وَيَأْمُرُهُ الْإِمَامُ بِالتَّلَطُّفِ بِالضُّعَفَاءِ مِنْ أَهْلِ الْمَاشِيَةِ، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ رضي الله عنه. قَالَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ: فَإِنْ كَانَ لِلْإِمَامِ مَاشِيَةٌ لِنَفْسِهِ، لَمْ يُدْخِلْهَا الْحِمَى، لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقُوَّةِ. فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ ظَلَمَ الْمُسْلِمِينَ. وَمِنْهَا: لَوْ دَخَلَ الْحِمَى مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْقُوَّةِ، فَرَعَى مَاشِيَتَهُ، قَالَ أَبُو حَامِدٍ:
فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَا غُرْمَ وَلَا تَعْزِيرَ، وَلَكِنْ يُمْنَعُ مِنَ الرَّعْيِ، وَنَقَلَ ابْنُ كَجٍّ أَيْضًا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، أَنَّ مَنْ أَتْلَفَ شَيْئًا مِنْ شَجَرِ النَّقِيعِ أَوْ حَشِيشِهِ ضَمِنَهُ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَمِنْهَا: أَنَّ عَامِلَ الصَّدَقَاتِ إِذَا كَانَ يَجْمَعُهَا فِي بَلَدٍ، هَلْ لَهُ أَنْ يَحْمِيَ مَوْضِعًا لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ أَهْلُ الْبَلَدِ لِيَرْعَاهَا فِيهِ؟ قَالَ أَبُو حَامِدٍ: قِيلَ: لَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ. وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ: إِنْ مَنَعْنَا حِمَى الْإِمَامِ، فَذَلِكَ أَوْلَى، وَإِلَّا، فَقَوْلَانِ. وَمِنْهَا: لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ الْمَاءَ الْمُعَدَّ لِشُرْبِ خَيْلِ الْجِهَادِ وَإِبِلِ الصَّدَقَةِ وَالْجِزْيَةِ وَغَيْرِهَا بِلَا خِلَافٍ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ نَصْرٌ فِي «تَهْذِيبِهِ» . قَالَ أَصْحَابُنَا: إِذَا حَمَى الْإِمَامُ، وَقُلْنَا: لَا يَجُوزُ حِمَاهُ، فَهُوَ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ، مَنْ أَحْيَاهُ، مُلِّكَهُ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْوُلَاةِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَصْحَابِ الْمَوَاشِي عِوَضًا عَنِ الرَّعْيِ فِي الْحِمَى أَوِ الْمَوَاتِ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ وَقَالَهُ آخَرُونَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْبَابُ الثَّانِي فِي الْمَنَافِعِ الْمُشْتَرَكَةِ وَغَيْرِهَا
بِقَاعُ الْأَرْضِ إِمَّا مَمْلُوكَةٌ، وَإِمَّا مَحْبُوسَةٌ عَلَى الْحُقُوقِ الْعَامَّةِ كَالشَّوَارِعِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْمَقَابِرِ وَالرِّبَاطَاتِ، وَإِمَّا مُنْفَكَّةٌ عَنِ الْحُقُوقِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَهِيَ الْمَوَاتُ. أَمَّا الْمَمْلُوكَةُ، فَمَنْفَعَتُهَا تَتْبَعُ الرُّقْبَةَ. وَأَمَّا الشَّوَارِعُ، فَمَنْفَعَتُهَا الْأَصْلِيَّةُ: الطُّرُوقُ. وَيَجُوزُ الْوُقُوفُ وَالْجُلُوسُ فِيهَا لِغَرَضِ الِاسْتِرَاحَةِ وَالْمُعَامَلَةِ وَنَحْوِهِمَا، بِشَرْطِ أَنْ لَا يُضَيِّقَ عَلَى الْمَارَّةِ، سَوَاءٌ أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ، أَمْ لَا، وَلَهُ أَنْ يُظَلِّلَ عَلَى مَوْضِعِ جُلُوسِهِ بِمَا لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ مِنْ ثَوْبٍ وَبَارِيَةٍ وَنَحْوِهِمَا.
وَفِي بِنَاءِ الدَّكَّةِ، مَا ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ. وَلَوْ سَبَقَ اثْنَانِ إِلَى مَوْضِعٍ، فَهَلْ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، أَمْ يُقَدِّمُ الْإِمَامُ أَحَدَهُمَا؟ وَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا: الْأَوَّلُ. وَفِي ثُبُوتِ هَذَا الِارْتِفَاقِ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ كَجٍّ، وَهَلْ لِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ فِيهِ مَدْخَلٌ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ: نَعَمْ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، لِأَنَّ لَهُ نَظَرًا فِيهِ، وَلِهَذَا يُزْعِجُ مَنْ أَضَرَّ جُلُوسُهُ.
وَأَمَّا تَمَلُّكُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ بِحَالٍ. وَحُكِيَ وَجْهٌ فِي «الرَّقْمِ» لِلْعِبَادِيِّ، وَشَرْحِ مُخْتَصَرِ الْجُوَيْنِيِّ لِابْنِ طَاهِرٍ، أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَمَلَّكَ مِنَ الشَّوَارِعِ مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَةِ الطُّرُوقِ، وَالْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ.
قُلْتُ: وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ وَلَا غَيْرِهِ مِنَ الْوُلَاةِ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّنْ يَرْتَفِقُ بِالْجُلُوسِ وَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فِي الشَّوَارِعِ عِوَضًا بِلَا خِلَافٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
مَنْ جَلَسَ فِي مَوْضِعٍ مِنَ الشَّارِعِ، ثُمَّ قَامَ عَنْهُ، إِنْ كَانَ جُلُوسُهُ لِاسْتِرَاحَةٍ وَشِبْهِهَا، بَطَلَ حَقُّهُ. وَإِنْ كَانَ لِحِرْفَةٍ وَمُعَامَلَةٍ، فَإِنْ فَارَقَهُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ لِتَرْكِهِ الْحِرْفَةَ، أَوْ لِقُعُودِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، بَطَلَ حَقُّهُ أَيْضًا. وَإِنْ فَارَقَهُ عَلَى أَنْ يَعُودَ فَالْمَذْهَبُ مَا ضَبَطَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ: أَنَّهُ إِنْ مَضَى زَمَنٌ يَنْقَطِعُ فِيهِ الَّذِينَ أَلِفُوا مُعَامَلَتَهُ، بَطَلَ. وَإِنْ كَانَ دُونَهُ، فَلَا. وَسَوَاءٌ فَارَقَ بِعُذْرِ سَفَرٍ وَمَرَضٍ، أَوْ بِلَا عُذْرٍ، فَعَلَى هَذَا لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِالرُّجُوعِ فِي اللَّيْلِ إِلَى بَيْتِهِ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ مُزَاحَمَتُهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، وَكَذَا الْأَسْوَاقُ الَّتِي تُقَامُ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ، أَوْ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً، إِذَا اتَّخَذَ فِيهَا مَقْعَدًا، كَانَ أَحَقَّ بِهِ فِي النَّوْبَةِ الثَّانِيَةِ.
وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ: إِذَا رَجَعَ لَيْلًا، فَمَنْ سَبَقَهُ أَحَقُّ. وَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ الْقَاضِي وَابْنُ الصَّبَّاغِ: إِنْ جَلَسَ بِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ، لَمْ يَبْطُلْ بِقِيَامِهِ. وَإِنِ اسْتَقَلَّ وَتَرَكَ فِيهِ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِ، بَقِيَ حَقُّهُ، وَإِلَّا، فَلَا. وَإِذَا قُلْنَا بِالْأَوَّلِ، فَأَرَادَ غَيْرُهُ الْجُلُوسَ فِيهِ مُدَّةَ غَيْبَتِهِ الْقَصِيرَةِ إِلَى أَنْ يَعُودَ، فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ مُعَامَلَةٍ، لَمْ يُمْنَعْ قَطْعًا، وَإِلَّا، لَمْ يُمْنَعْ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ.