الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي الزَّكَاةِ، هَكَذَا قَالَ صَاحِبُ «التَّقْرِيبِ» . وَلَكَ أَنْ تَقُولَ: ذَكَرُوا وَجْهَيْنِ فِي أَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ [الدَّيْنُ] تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ التَّمْلِيكِ، أَمْ هُوَ مَحْضُ إِسْقَاطٍ؟ وَعَلَى هَذَا خَرَجَ اعْتِبَارُ الْقَبُولِ فِيهَا. فَإِنْ قُلْنَا: تَمْلِيكٌ، وَجَبَ أَنْ يَقَعَ الْمَوْقِعَ. وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى غَيْرِ الْمِسْكِينِ، فَوَهَبَهُ لِلْمِسْكِينِ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ، وَقُلْنَا: تَصِحُّ الْهِبَةُ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْقَبْضُ، أَجْزَأَهُ عَنِ الزَّكَاةِ، وَيُطَالِبُ الْمِسْكِينَ وَالْمَدْيُونَ.
فَصْلٌ
وَأَمَّا شَرْطُ لُزُومِ الْهِبَةِ، فَهُوَ الْقَبْضُ، فَلَا يَحْصُلُ الْمِلْكُ فِي الْمَوْهُوبِ وَالْهَدِيَّةِ إِلَّا بِقَبْضِهِمَا، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَفِي قَوْلٍ قَدِيمٍ: يَمْلِكُ بِالْعَقْدِ كَالْوَقْفِ. وَفِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ: الْمِلْكُ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ قَبَضَ، تَبَيَّنَّا أَنَّهُ مِلْكٌ بِالْعَقْدِ. وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْأَقْوَالِ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْحَادِثَةَ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ، لِمَنْ تَكُونُ؟ وَلَوْ مَاتَ الْوَاهِبُ أَوِ الْمَوْهُوبُ لَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ، فَوَجْهَانِ. وَقِيلَ: قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ، لِجَوَازِهِ، كَالشَّرِكَةِ، وَالْوَكَالَةِ. وَأَصَحُّهُمَا: لَا يَنْفَسِخُ، لِأَنَّهُ يَئُولُ إِلَى اللُّزُومِ. كَالْبَيْعِ الْجَائِزِ، بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ. فَعَلَى هَذَا، إِنْ مَاتَ الْوَاهِبُ تَخَيَّرَ الْوَارِثُ فِي الْإِقْبَاضِ. وَإِنْ مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبَضَ وَارِثُهُ إِنْ أَقْبَضَهُ الْوَاهِبُ. وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي جُنُونِ أَحَدِهِمَا وَإِغْمَائِهِ.
قُلْتُ: قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَيَقْبِضُ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ مِنْهُمَا، وَلَا يَصِحُّ الْقَبْضُ فِي حَالِ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
الْقَبْضُ الْمُحَصِّلُ لِلْمِلْكِ، هُوَ الْوَاقِعُ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ، فَلَوْ قَبَضَ بِلَا إِذْنِهِ، لَمْ يَمْلِكْهُ،
وَدَخَلَ فِي ضَمَانِهِ، سَوَاءٌ قَبَضَ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ. وَلَوْ كَانَ الْمَوْهُوبُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، فَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ. وَلَوْ أَذِنَ فِي الْقَبْضِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ قَبْلَ الْقَبْضِ، صَحَّ رُجُوعُهُ، فَلَا يَصِحُّ الْقَبْضُ بَعْدَهُ. وَكَذَا لَوْ أَذِنَ، ثُمَّ مَاتَ الْآذِنُ أَوِ الْمَأْذُونُ لَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ، بَطَلَ الْإِذْنُ.
فَرْعٌ
بَعَثَ هَدِيَّةً إِلَى إِنْسَانٍ، فَمَاتَ الْمُهْدَى إِلَيْهِ قَبْلَ وُصُولِهَا إِلَيْهِ، بَقِيَتِ الْهَدِيَّةُ لِلْمُهْدِي. وَلَوْ مَاتَ الْمُهْدِي، لَمْ يَكُنْ لِلرَّسُولِ حَمْلُهَا إِلَى الْمُهْدَى إِلَيْهِ، وَكَذَا الْمُسَافِرُ إِذَا اشْتَرَى لِأَصْدِقَائِهِ هَدَايَا، فَمَاتَ قَبْلَ وُصُولِهَا إِلَيْهِمْ، فَهِيَ لَهُ تَرِكَةٌ.
فَرْعٌ
كَيْفِيَّةُ الْقَبْضِ فِي الْعَقَارِ وَالْمَنْقُولِ، كَمَا سَبَقَ فِي الْبَيْعِ. وَحَكَيْنَا هُنَا قَوْلًا، أَنَّ التَّخْلِيَةَ فِي الْمَنْقُولِ قَبْضٌ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: لَا جَرَيَانَ لَهُ هُنَا، لِأَنَّ الْقَبْضَ هُنَاكَ مُسْتَحَقٌّ، وَلِلْمُشْتَرِي الْمُطَالَبَةُ بِهِ، فَجُعِلَ التَّمْكِينُ قَبْضًا، وَفِي الْهِبَةِ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ، فَاعْتُبِرَ تَحْقِيقُهُ وَلَمْ يَكْتَفَ بِالْوَضْعِ بَيْنَ يَدَيْهِ.
قُلْتُ: فَلَوْ كَانَ الْمَوْهُوبُ مَشَاعًا، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَنْقُولٍ، فَقَبَضَهُ بِالتَّخْلِيَةِ، وَإِنْ كَانَ مَنْقُولًا، فَقَبَضَهُ بِقَبْضِ الْجَمِيعِ. قَالَ أَصْحَابُنَا: صَاحِبُ «الشَّامِلِ» وَآخَرُونَ: فَيُقَالُ لِلشَّرِيكِ لِيَرْضَى بِتَسْلِيمِ نَصِيبِهِ أَيْضًا إِلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، لِيَكُونَ فِي يَدِهِ وَدِيعَةً حَتَّى يَتَأَتَّى الْقَبْضُ ثُمَّ يَرُدُّهُ إِلَيْهِ. فَإِنْ فَعَلَ [فَقَبَضَ الْمَوْهُوبُ الْجَمِيعَ، مَلَكَ. وَإِنِ
امْتَنَعَ، قِيلَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ: وَكِّلِ الشَّرِيكَ فِي الْقَبْضِ لَكَ. فَإِنْ فَعَلَ] نَقَلَهُ الشَّرِيكُ وَقَبَضَهُ لَهُ. فَإِنِ امْتَنَعَا، نَصَّبَ الْحَاكِمُ مَنْ يَكُونُ فِي يَدِهِ لَهُمَا فَيَنْقُلُهُ لِيَحْصُلَ الْقَبْضُ، لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِمَا.
[وَاللَّهُ أَعْلَمُ]
فَرْعٌ
لَوْ أَتْلَفَ الْمُتَّهِبُ الْمَوْهُوبَ، لَمْ يَصِرْ قَابِضًا، بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي إِذَا أَتْلَفَ الْمَبِيعَ، وَالْفَرْقُ مَا سَبَقَ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ. وَلَوْ أَذِنَ الْوَاهِبُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فِي أَكْلِ طَعَامِ الْمَوْهُوبِ، فَأَكَلَهُ، أَوْ فِي إِعْتَاقِ الْمَوْهُوبِ، فَأَعْتَقَهُ، أَوْ أَمَرَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْوَاهِبَ بِإِعْتَاقِهِ، فَأَعْتَقَهُ، كَانَ قَابِضًا.
فَرْعٌ
لَوْ بَاعَ الْوَاهِبُ الْمَوْهُوبَ قَبْلَ الْإِقْبَاضِ، حَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْهِبَةَ غَيْرُ لَازِمَةٍ، صَحَّ بَيْعُهُ وَبَطَلَتِ الْهِبَةُ. وَإِنِ اعْتَقَدَ لُزُومَهَا وَحُصُولَ الْمِلْكِ بِالْعَقْدِ، فَفِي صِحَّةِ بَيْعِهِ قَوْلَانِ، كَمَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ يَظُنُّ أَنَّهُ حَيٌّ، فَبَانَ مَيِّتًا.