الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي الْحَالِ. أَمَّا الْمُتَوَلَّدُ مِنْهُ، فَيَجِبُ قَطْعُ النَّظَرِ عَنْهُ، إِذِ الْكَلَامُ فِي نَقْصٍ لَا تَقِفُ سِرَايَتُهُ إِلَى الْهَلَاكِ. فَلَوْ نَظَرْنَا إِلَى الْمُتَوَلَّدِ مِنْهُ، لَانْجَرَّ إِلَى تَمَامِ الْقِيمَةِ، وَهُوَ عَوْدٌ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ بَيَّنَ مَا قُلْنَاهُ أَبُو خَلَفٍ السُّلَمِيُّ فِي شَرْحِ الْمِفْتَاحِ فَقَالَ فِي قَوْلِ التَّخْيِيرِ: إِنْ شَاءَ الْمَالِكُ غَرَّمَهُ مَا نَقَصَ إِلَى الْآنَ، ثُمَّ لَا شَيْءَ لَهُ فِي زِيَادَةِ فَسَادٍ حَصَلَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ لَهُ وَطَالَبَهُ بِجَمِيعِ الْبَدَلِ.
فَرْعٌ
مِنْ صُوَرِ هَذَا الضَّرْبِ مَا إِذَا صَبَّ الْمَاءَ فِي الزَّيْتِ وَتَعَذَّرَ تَخْلِيصُهُ مِنْهُ، فَأَشْرَفَ عَلَى الْفَسَادِ. وَعَنِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ تَرَدُّدٌ فِي مَرَضِ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ إِذَا كَانَ سَارِيًا عَسِرَ الْعِلَاجُ، كَالسُّلِّ وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَلَمْ يَرْضَهُ الْإِمَامُ، لِأَنَّ الْمَرِيضَ الْمَأْيُوسَ مِنْهُ قَدْ يَبْرَأُ، وَالْعَفَنُ الْمَفْرُوضُ فِي الْحِنْطَةِ يُفْضِي إِلَى الْفَسَادِ قَطْعًا.
قُلْتُ: وَلَوْ عَفِنَ الطَّعَامُ فِي يَدِهِ لِطُولِ الْمُكْثِ، فَطَرِيقَانِ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: هُوَ كَبَلِّ الْحِنْطَةِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: يَتَعَيَّنُ أَخْذُهُ مَعَ الْأَرْشِ قَطْعًا، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ
أَمَّا جِنَايَتُهُ، فَيُنْظَرُ إِنْ جَنَى جِنَايَةً تُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَاقْتُصَّ مِنْهُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، غَرِمَ الْغَاصِبُ أَقْصَى قِيمَةٍ مِنَ الْغَصْبِ إِلَى الْقِصَاصِ. وَإِنْ جَنَى بِمَا يُوجِبُ قِصَاصًا فِي الطَّرَفِ، وَاقْتُصَّ مِنْهُ فِي يَدِهِ، غَرِمَ بَدَلَهُ، كَمَا لَوْ سَقَطَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ. وَلَوِ اقْتُصَّ مِنْهُ
بَعْدَ الْوَفَاءِ إِلَى السَّيِّدِ، يُلْزَمُ الْغَاصِبُ أَيْضًا، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوِ ارْتَدَّ أَوْ سَرَقَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، ثُمَّ قُتِلَ أَوْ قُطِعَ بَعْدَ الرَّدِّ إِلَى الْمَالِكِ. وَلَوْ غَصَبَ مُرْتَدًّا أَوْ سَارِقًا فَقُتِلَ أَوْ قُطِعَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، فَهَلْ يَضْمَنُهُ الْغَاصِبُ؟ وَجْهَانِ، كَمَنِ اشْتَرَى مُرْتَدًّا أَوْ سَارِقًا فَقُتِلَ أَوْ قُطِعَ فِي يَدِهِ، فَمِنْ ضَمَانِ مَنْ يَكُونُ الْقَتْلُ أَوِ الْقَطْعُ؟ أَمَّا إِذَا جَنَى الْمَغْصُوبُ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ جِنَايَةً تُوجِبُ الْمَالَ مُتَعَلِّقًا بِرَقَبَتِهِ، فَعَلَى الْغَاصِبِ تَخْلِيصُهُ بِالْفِدَاءِ. وَبِمَاذَا يَفْدِيهِ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ. الْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يَفْدِيهِ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الْأَرْشِ وَقِيمَةِ الْعَبْدِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ: فِيهِ قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: هَذَا. وَالثَّانِي: بِالْأَرْشِ وَإِنْ زَادَ كَالْقَوْلَيْنِ فِيمَا إِذَا أَرَادَ السَّيِّدُ فِدَاءَ الْجَانِي. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْجَانِيَ وَالْجِنَايَةَ مَضْمُونَانِ عَلَى الْغَاصِبِ، لَمْ يَخْلُ، إِمَّا أَنْ يَتْلَفَ الْجَانِي فِي يَدِ الْغَاصِبِ، وَإِمَّا أَنْ يَرُدَّهُ. فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ، فَلِلْمَالِكِ تَغْرِيمُهُ أَقْصَى الْقِيَمِ. فَإِذَا أَخَذَهَا، فَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يُغَرِّمَ الْغَاصِبَ إِنْ لَمْ يَكُنْ غَرَّمَهُ، وَلَهُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْقِيمَةِ الَّتِي أَخَذَهَا الْمَالِكُ، لِأَنَّ حَقَّهُ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالرَّقَبَةِ فَيَتَعَلَّقُ بِبَدَلِهَا كَمَا إِذَا تَلِفَ الْمَرْهُونُ كَانَتْ قِيمَتُهُ رَهْنًا. وَفِي وَجْهٍ: لَا مُطَالَبَةَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِمَا أَخَذَهُ الْمَالِكُ. وَالصَّحِيحُ: الْأَوَّلُ. فَإِذَا أَخَذَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حَقَّهُ فِي تِلْكَ الْقِيمَةِ، رَجَعَ الْمَالِكُ بِمَا أَخَذَهُ عَلَى الْغَاصِبِ. وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ يُسَاوِي أَلْفًا، فَرَجَعَ بِانْخِفَاضِ السِّعْرِ إِلَى خَمْسِمِائَةٍ، ثُمَّ جَنَى وَمَاتَ عِنْدَ الْغَاصِبِ، فَغَرَّمَهُ الْمَالِكُ الْأَلْفَ، لَمْ يَكُنْ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إِلَّا خَمْسُمِائَةٍ وَإِنْ كَانَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ أَلْفًا فَأَكْثَرَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إِلَّا قَدْرُ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْجِنَايَةِ وَإِنْ رَدَّ الْعَبْدَ إِلَى الْمَالِكِ، نُظِرَ، إِنْ رَدَّهُ بَعْدَمَا غَرِمَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، فَذَاكَ، وَإِنْ رَدَّ قَبْلَهُ فَبِيعَ فِي الْجِنَايَةِ رَجَعَ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ بِمَا أُخِذَ مِنْهُ، لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ حِينَ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا جَنَى فِي يَدِ الْمَالِكِ ثُمَّ غَصَبَهُ رَجُلٌ وَرَدَّهُ ثُمَّ بِيعَ فِي تِلْكَ الْجِنَايَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ الْمَالِكُ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ وَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ.
وَفَرَّعَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَغَيْرُهُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالُوا: إِذَا جَنَى فِي يَدِ الْمَالِكِ جِنَايَةً تَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهُ، ثُمَّ غُصِبَ وَجَنَى فِي يَدِ الْغَاصِبِ جِنَايَةً مُسْتَغْرِقَةً. ثُمَّ رَدَّهُ الْمَالِكُ، ثُمَّ بِيعَ فِي الْجِنَايَتَيْنِ وَقُسِمَ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، يَرْجِعُ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ. وَلَوْ كَانَ الْفَرْعُ بِحَالِهِ، وَتَلِفَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْجِنَايَتَيْنِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، فَلَهُ طَلَبُ الْقِيمَةِ مِنَ الْغَاصِبِ، وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِمَا أَخْذُهَا، فَإِذَا أَخَذَاهَا، فَلِلْمَالِكِ الرُّجُوعُ بِنِصْفِهَا عَلَى الْغَاصِبِ، لِأَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَهَا بِجِنَايَةٍ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، فَإِذَا رَجَعَ بِهِ، فَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْأَوَّلِ أَخْذُهُ، لِأَنَّهُ بَدَلُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُ قَبْلَ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ. وَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَاصِبِ مَرَّةً أُخْرَى، لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِجِنَايَةٍ غَيْرِ مَضْمُونَةٍ عَلَى الْغَاصِبِ. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الصُّورَتَيْنِ.
وَقِيلَ: إِذَا رُدَّ الْعَبْدُ وَبِيعَ فِي الْجِنَايَةِ، فَالنِّصْفُ الْأَوَّلُ يَرْجِعُ بِهِ الْمَالِكُ وَيُسَلَّمُ لَهُ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يُطَالِبُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ الْغَاصِبَ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ. وَإِذَا تَلِفَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ بَعْدَ الْجِنَايَتَيْنِ، لَا يَأْخُذُ الْمَالِكُ شَيْئًا، وَلَكِنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ الْأَوَّلَ يُطَالِبُ الْغَاصِبَ بِتَمَامِ الْقِيمَةِ وَالْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ الثَّانِي يُطَالِبُهُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ. وَلَوْ جَنَى الْمَغْصُوبُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوَّلًا، ثُمَّ رَدَّهُ إِلَى الْمَالِكِ فَجَنَى فِي يَدِهِ أُخْرَى، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَسْتَغْرِقُ الْقِيمَةَ، فَبِيعَ فِيهِمَا وَقُسِمَ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا، فَلِلْمَالِكِ الرُّجُوعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ لِلْجِنَايَةِ الَّتِي هِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: سَمِعْتُ الْقَفَّالَ مَرَّةً يَقُولُ: لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِمَا أَخْذُ هَذَا النِّصْفِ مِنَ الْمَالِ. أَمَّا الثَّانِي، فَلِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَيْهِ مَسْبُوقَةٌ بِجِنَايَةٍ مُسْتَغْرِقَةٍ، وَحَقُّهُ لَمْ يَثْبُتْ إِلَّا فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ وَقَدْ أَخَذَهُ. وَأَمَّا الْأَوَّلُ، فِلِأَنَّ حَقَّ السَّيِّدِ يَثْبُتُ فِي الْقِيمَةِ بِنَفْسِ الْغَصْبِ، وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، فَمَا لَمْ يَصِرْ حَقُّهُ إِلَيْهِ لَا يَرْجِعُ إِلَى غَيْرِهِ شَيْءٌ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، بَلْ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْأَوَّلِ أَخْذُهُ كَمَا فِي الْجِنَايَةِ السَّابِقَةِ، وَلَا عِبْرَةَ بِثُبُوتِ حَقِّ السَّيِّدِ فِي الْقِيمَةِ، فَإِنَّ حَقَّهُ وَإِنْ تَقَدَّمَ، فَحَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مُقَدَّمٌ كَمَا فِي الرَّقَبَةِ. قَالَ: وَنَاظَرْتُ الْقَفَّالَ فِيهِ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْلِي. وَعَلَى هَذَا إِذَا
أَخَذَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ، رَجَعَ بِهِ الْمَالِكُ عَلَى الْغَاصِبِ مَرَّةً أُخْرَى، وَيُسَلِّمُ لَهُ الْمَأْخُوذَ ثَانِيًا، لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَخَذَ تَمَامَ الْقِيمَةِ وَالثَّانِيَ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُ إِلَّا بِالنِّصْفِ وَقَدْ أَخَذَهُ. وَلَوْ جَنَى فِي يَدِ الْغَاصِبِ ثُمَّ فِي يَدِ الْمَالِكِ كَمَا صَوَّرْنَاهُ، ثُمَّ قَتَلَهُ الْغَاصِبُ أَوْ غَصَبَهُ ثَانِيًا فَمَاتَ عِنْدَهُ، أُخِذَتِ الْقِيمَةُ مِنْهُ وَقُسِمَتْ بَيْنَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ لِلْمَالِكِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ نِصْفَ الْقِيمَةِ، لِأَنَّهُ أُخِذَ مِنْهُ بِسَبَبِ جِنَايَةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ. فَإِذَا أَخَذَهُ كَانَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْأَوَّلِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ، ثُمَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ مَرَّةً أُخْرَى وَيُسَلِّمَ لَهُ الْمَأْخُوذَ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ، وَقَدْ غَرِمَ الْغَاصِبُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ الْقِيمَةَ مَرَّتَيْنِ، مَرَّةً بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ فِي يَدِهِ، وَمَرَّةً بِالْقَتْلِ.
أَمَّا الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ، فَإِنْ قُتِلَ، نُظِرَ، إِنْ وَجَبَ الْقِصَاصُ بِأَنْ كَانَ الْقَاتِلُ عَبْدًا وَالْقَتْلُ عَمْدًا، فَلِلْمَالِكِ الْقِصَاصُ. فَإِذَا اقْتَصَّ، بَرِئَ الْغَاصِبُ، لِأَنَّهُ أَخَذَ بَدَلَ حَقِّهِ، وَلَا نَظَرَ مَعَ الْقِصَاصِ إِلَى تَفَاوُتِ الْقِيمَةِ، كَمَا لَا نَظَرَ فِي الْأَحْرَارِ إِلَى تَفَاوُتِ الدِّيَةِ. وَإِنْ لَمْ يَجِبِ الْقِصَاصُ. فَإِنْ كَانَ الْجَانِي حُرًّا لَزِمَهُ لِلْجِنَايَةِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَتْلِ، سَوَاءٌ قَتَلَهُ الْغَاصِبُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ، وَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ، بَيْنَ أَنْ يُطَالِبَ بِهَا الْغَاصِبَ أَوِ الْجَانِيَ، لَكِنَّ الْقَرَارَ عَلَى الْجَانِي.
ثُمَّ إِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ قَبْلَ يَوْمِ الْقَتْلِ أَكْثَرَ، وَنَقَصَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، لَزِمَهُ مَا نَقَصَ بِحُكْمِ الْيَدِ. وَإِنْ كَانَ الْجَانِي عَبْدًا، فَإِنْ سَلَّمَهُ سَيِّدُهُ فَبِيعَ فِي الْجِنَايَةِ، نُظِرَ، إِنْ كَانَ الثَّمَنُ مِثْلَ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ أَخَذَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْغَاصِبِ إِلَّا إِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ قَدْ نَقَصَتْ عِنْدَهُ قَبْلَ الْقَتْلِ. وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ أَقَلَّ، أَخَذَ الْبَاقِيَ مِنَ الْغَاصِبِ. وَإِنِ اخْتَارَ سَيِّدُهُ فِدَاهُ، فَإِنْ قُلْنَا: يَفْدِيهِ بِالْأَرْشِ، أَخَذَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْغَاصِبِ إِلَّا عَلَى التَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ. وَإِنْ قُلْنَا: يَفْدِي بِالْأَقَلِّ مِنَ الْأَرْشِ وَالْقِيمَةِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمَغْصُوبِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْجَانِي، فَالْبَاقِي عَلَى الْغَاصِبِ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ أَوْ مِثْلَهَا أَخَذَهَا الْمَالِكُ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْغَاصِبِ إِلَّا عَلَى التَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ.
وَلَوِ اخْتَارَ الْمَالِكُ تَغْرِيمَ الْغَاصِبِ ابْتِدَاءً فَلَهُ ذَلِكَ، وَيَأْخُذُ مِنْهُ جَمِيعَ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْغَاصِبُ عَلَى سَيِّدِ الْجَانِي بِمَا غَرِمَ إِلَّا مَا لَا يُطَالَبُ بِهِ إِلَّا الْغَاصِبُ. هَذَا إِذَا كَانَتِ الْجِنَايَةُ قَتْلًا،
فَأَمَّا الْجِرَاحَاتُ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فِي الْحُرِّ، وَإِمَّا لَا، وَالْوَاجِبُ فِي الْحَالَيْنِ، مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ بِالْجِنَايَةِ، كَانَ الْمُعْتَبَرُ حَالَ الِانْدِمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ نَقْصٌ لَمْ يُطَالَبْ بِشَيْءٍ. وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ مُقَدَّرًا مِنَ الْقِيمَةِ كَالْمُقَدَّرِ مِنَ الدِّيَةِ، فَهَلْ يُؤْخَذُ فِي الْحَالِ، أَمْ يُؤْخَذُ فِي الِانْدِمَالِ؟ قَوْلَانِ، كَمَا لَوْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَى حُرٍّ، وَسَيَأْتِي
[ذَلِكَ] فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَإِذَا كَانَ الْجَانِي غَيْرَ الْغَاصِبِ وَغَرَّمْنَاهُ الْمُقَدَّرَ مِنَ الْقِيمَةِ، وَكَانَ النَّاقِصُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ، فَعَلَى الْغَاصِبِ مَا زَادَ. وَإِنْ كَانَ الْمُقَدَّرُ أَكْثَرَ مِمَّا نَقَصَ مِنَ الْقِيمَةِ، فَهَلْ يُطَالِبُ الْغَاصِبُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى مَا نَقَصَ؟ ذَكَرْنَا فِيمَا إِذَا سَقَطَتْ يَدُهُ بِآفَةٍ: أَنَّ الْأَصَحَّ: أَنَّهُ لَا يُطَالِبُ. وَهُنَا الْأَصَحُّ: أَنَّهُ يُطَالِبُ، وَالْقَرَارُ عَلَى الْجَانِي. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا، لِأَنَّهُ يُشْبِهُ السُّقُوطَ بِآفَةٍ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ تَلَفٌ لَا بَدَلَ لَهُ، وَيُشْبِهُ الْجِنَايَةَ مِنْ حَيْثُ حُصُولُهُ بِالِاخْتِيَارِ.
فَرْعٌ
لَوِ اجْتَمَعَتْ جِنَايَةُ الْمَغْصُوبِ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ، بِأَنْ قَتَلَ إِنْسَانًا، ثُمَّ قَتَلَهُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ عَبْدُ رَجُلٍ، فَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَقْتَصَّ وَيَسْقُطُ بِهِ الضَّمَانُ عَنِ الْغَاصِبِ، وَيَسْقُطُ حَقُّ وَرَثَةِ مَنْ قَتَلَهُ الْمَغْصُوبُ، لِأَنَّ الْعَبْدَ الْجَانِيَ إِذَا هَلَكَ [وَ] لَمْ يَحْصُلْ لَهُ عِوَضٌ، يَضِيعُ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، لَكِنْ لَوْ كَانَ الْمَغْصُوبُ قَدْ نَقَصَ عِنْدَ الْغَاصِبِ بِحُدُوثِ عَيْبٍ بَعْدَمَا جَنَى، لَمْ يَبْرَأِ الْغَاصِبُ مِنْ أَرْشِ ذَلِكَ النَّقْصِ، وَلِوَلِيِّ مَنْ قَتَلَهُ التَّمَسُّكُ بِهِ، وَإِنْ حَدَثَ الْعَيْبُ قَبْلَ جِنَايَتِهِ، فَازَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْأَرْشِ. فَلَوْ لَمْ يَقْتَصَّ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بَلْ عَفَا عَلَى مَالٍ، أَوْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلْمَالِ، فَحُكْمُ تَغْرِيمِهِ وَأَخْذِهِ الْمَالَ عَلَى مَا سَبَقَ