الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَبِيعِ رَدِيئًا، فَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ بَيْنَ الرِّضَا بِهِ وَالِاسْتِبْدَالِ. فَإِنْ رَضِيَ، لَمْ يَلْزَمِ الْمُشْتَرِيَ الرِّضَا بِمِثْلِهِ، بَلْ يَأْخُذُ مِنَ الشَّفِيعِ مَا اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ، ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ.
قُلْتُ: وَفِي هَذَا احْتِمَالٌ ظَاهِرٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ خَرَجَ مَا دَفَعَهُ الشَّفِيعُ رَدِيئًا، لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ عَالِمًا كَانَ أَوْ جَاهِلًا. وَقِيلَ: هُوَ كَخُرُوجِهِ مُسْتَحَقًّا، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ.
فَصْلٌ
إِذَا بَنَى الْمُشْتَرِي، أَوْ غَرَسَ، أَوْ زَرَعَ، فِي الْمَشْفُوعِ، ثُمَّ عَلِمَ الشَّفِيعُ، فَلَهُ الْأَخْذُ وَقَلْعُ بِنَائِهِ وَغِرَاسِهِ وَزَرْعِهِ مَجَّانًا، لَا بِحَقِّ الشُّفْعَةِ، بَلْ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ. وَأَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إِذَا انْفَرَدَ بِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فِي الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ، كَانَ لِلْآخَرِ أَنْ يَقْلَعَ مَجَّانًا. وَإِنْ بَنَى أَوْ غَرَسَ الْمُشْتَرِي فِي نَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَالتَّمْيِيزِ، ثُمَّ عَلِمَ الشَّفِيعُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ قَلْعُهُ مَجَّانًا، كَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رضي الله عنهم. وَفِي الْمَسْأَلَةِ إِشْكَالَانِ. أَحَدُهُمَا: قَالَ الْمُزَنِيُّ: الْمُقَاسَمَةُ تَتَضَمَّنُ الرِّضَا مِنَ الشَّفِيعِ، وَإِذَا رَضِيَ بِتَمَلُّكِ الْمُشْتَرِي بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ؟ الثَّانِي أَنَّ الْقِسْمَةَ تَقْطَعُ الشَّرِكَةَ، فَيَصِيرَانِ جَارَيْنِ، وَلَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ. وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنِ الْأَوَّلِ، فَصَوَّرُوا صِحَّةَ الْقِسْمَةِ مَعَ بَقَاءِ الشُّفْعَةِ فِي صُوَرٍ.
مِنْهَا: أَنْ يُقَالَ لِلشَّفِيعِ: جَرَى الشِّرَاءُ بِأَلْفٍ، فَيَعْفُو وَيُقَاسِمُ، أَوْ أَنَّ الشِّقْصَ مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ فَيُقَاسِمُ، ثُمَّ بِأَنَّ الشِّرَاءَ كَانَ بِدُونِ أَلْفٍ، وَأَنَّ الْمِلْكَ حَصَلَ بِالْبَيْعِ، فَتَصِحُّ الْقِسْمَةُ وَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ.
وَمِنْهَا: أَنْ يُقَاسِمَ الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِيَ عَلَى ظَنٍّ أَنَّهُ وَكِيلٌ لِلْبَائِعِ بِإِخْبَارِهِ، أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ لِلشَّفِيعِ وَكِيلٌ بِالْقِسْمَةِ مَعَ شُرَكَائِهِ وَمَعَ الْمُشْتَرِينَ مِنْهُمْ، فَيُقَاسِمُ الْوَكِيلُ الْمُشْتَرِيَ بِغَيْرِ عِلْمِ الشَّفِيعِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ لَهُ وَكِيلٌ فِي الْقِسْمَةِ وَفِي أَخْذِ الْأَشْقَاصِ بِالشُّفْعَةِ، فَرَأَى فِي شِقْصٍ الْحَظَّ فِي تَرْكِهِ، فَيَتْرُكُهُ وَيُقَاسِمُ، ثُمَّ يَقْدُمُ الشَّفِيعَ، وَيَظْهَرُ لَهُ أَنَّ لَهُ الْحَظَّ فِي الْأَخْذِ، وَكَذَلِكَ وَلِيُّ الْيَتِيمِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الشَّفِيعُ غَائِبًا، فَيُطَالِبُ الْمُشْتَرِي الْحَاكِمَ بِالْقِسْمَةِ، فَيُجِيبُهُ وَإِنْ عَلِمَ بِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ، كَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ فِي إِجَابَتِهِ إِذَا عَلِمَ ثُبُوتَ الشُّفْعَةِ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّ الْجَوَازَ إِنَّمَا لَا يَكْفِي فِي الِابْتِدَاءِ.
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَاهُ، فَإِنِ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي قَلْعَ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ، فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَا يُكَلَّفُ تَسْوِيَةَ الْأَرْضِ، لِأَنَّهُ كَانَ مُتَصَرِّفًا فِي مِلْكِهِ.
فَإِنْ حَدَثَ فِي الْأَرْضِ نَقْصٌ، فَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ عَلَى صِفَتِهِ، أَوْ يَتْرُكُ. وَإِنْ لَمْ يَخْتَرِ الْمُشْتَرِي الْقَلْعَ، فَلِلشَّفِيعِ الْخِيَارُ بَيْنَ إِبْقَاءِ مِلْكِهِ فِي الْأَرْضِ بِأُجْرَةٍ، وَبَيْنَ تَمَلُّكِهِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْأَخْذِ، وَبَيْنَ أَنْ يَنْقُضَهُ وَيَغْرَمَ أَرْشَ النَّقْصِ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمُعِيرِ إِذَا رَجَعَ وَقَدْ بَنَى الْمُسْتَعِيرُ أَوْ غَرَسَ بِلَا فَرْقٍ. وَإِنْ كَانَ قَدْ زَرَعَ، بَقِيَ زَرْعُهُ إِلَى أَنْ يُدْرَكَ فَيَحْصُدَ.
وَقِيَاسُ الْبَابِ: أَنْ يَجِيءَ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ هُنَاكَ فِي زَرْعِ الْأَرْضِ الْمُسْتَعَارَةِ. وَالْمَذْهَبُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، تَبْقِيَةُ الزَّرْعِ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ: فِي مُطَالَبَةِ الشَّفِيعِ لِلْمُشْتَرِي بِالْأُجْرَةِ، الْخِلَافُ فِي الْمُعِيرِ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا مُطَالَبَةَ هُنَا قَطْعًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، لِأَنَّهُ زَرَعَ مِلْكَ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ، فَأَشْبَهَ مَنْ بَاعَ أَرْضًا مَزْرُوعَةً، لَا مُطَالَبَةَ لِلْمُشْتَرِي بِأُجْرَةِ مُدَّةِ بَقَاءِ الزَّرْعِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْبَيْعَ.