الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَرْعٌ
قَالَ: وَهَبْتُكَ بِبَدَلٍ، فَقَالَ: بِلَا بَدَلٍ، وَقُلْنَا: مُطْلَقُ الْهِبَةِ لَا يَقْتَضِي ثَوَابًا، فَهَلِ الْمُصَدِّقُ الْوَاهِبُ، أَمِ الْمُتَّهِبُ؟ وَجْهَانِ، وَبِالْأَوَّلِ قَطَعَ ابْنُ كَجٍّ.
قُلْتُ: الثَّانِي أَصَحُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْكِتَابِ
هِبَةُ مَنَافِعِ الدَّارِ، هَلْ هِيَ إِعَارَةٌ؟ لَهَا وَجْهَانِ فِي «الْجُرْجَانِيَّاتِ» ، وَلَا يَحْصُلُ الْمِلْكُ بِالْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ. وَهَلِ الْمَقْبُوضُ بِهَا مَضْمُونٌ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ؟ أَمْ لَا، كَالْهِبَةِ الصَّحِيحَةِ؟ وَجْهَانِ. وَيُقَالُ: قَوْلَانِ.
قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا: لَا ضَمَانَ، وَهُوَ الْمَقْطُوعُ بِهِ فِي «النِّهَايَةِ» ، وَ «الْعُدَّةِ» ، وَ «الْبَحْرِ» وَ «الْبَيَانِ» ، ذَكَرُوهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَإِذَا حَكَمْنَا بِفَسَادِ الْهِبَةِ، فَسَلَّمَ الْمَالَ بَعْدَ ذَلِكَ هِبَةٌ، فَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ فَسَادَ الْأُولَى، صَحَّتِ الثَّانِيَةُ، وَإِلَّا، فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى مَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ عَلَى أَنَّهُ حَيٌّ فَكَانَ مَيِّتًا.
وَهَذِهِ مَسَائِلُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْكِتَابِ. إِحْدَاهَا: قَالَ لِرَجُلٍ: كَسَوْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ، ثُمَّ قَالَ: لَمْ أُرِدِ الْهِبَةَ، قَالَ صَاحِبُ «الْعُدَّةِ» : يُقْبَلُ قَوْلُهُ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِلْعَارِيَّةِ، فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا فِي الْهِبَةِ.
الثَّانِيَةُ: قَالَ: مَنَحْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ، أَوِ الثَّوْبَ، فَقَالَ: قَبِلْتُ، وَأَقْبِضُهُ، فَهُوَ هِبَةٌ، قَالَهُ فِي «الْعُدَّةِ» .
الثَّالِثَةُ: فِي «فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ» : لَوْ كَانَ فِي يَدِ ابْنِ الْمَيِّتِ عَيْنٌ، فَقَالَ: وَهَبَنِيهَا أَبِي وَأَقْبَضَنِيهَا فِي الصِّحَّةِ، فَأَقَامَ بَاقِي الْوَرَثَةِ بَيِّنَةً بِأَنَّ الْأَبَ رَجَعَ فِيمَا وَهَبَ لِابْنِهِ، وَلَمْ تَذْكُرِ الْبَيِّنَةُ مَا رَجَعَ فِيهِ، لَا تَنْتَزِعُ مِنْ يَدِهِ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ، لِاحْتِمَالِ أَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ لَيْسَتْ مِنَ الْمَرْجُوعِ فِيهِ. وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا، لَوْ وَهَبَ وَأَقْبَضَ وَمَاتَ، فَادَّعَى الْوَارِثُ كَوْنَ ذَلِكَ فِي الْمَرَضِ، وَادَّعَى الْمُتَّهِبُ كَوْنَهُ فِي الصِّحَّةِ، فَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُتَّهِبِ.
الرَّابِعَةُ: دَفَعَ إِلَيْهِ ثَوْبًا بِنِيَّةِ الصَّدَقَةِ، فَأَخَذَهُ الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ ظَانًّا أَنَّهُ وَدِيعَةٌ، أَوْ عَارِيَّةٌ، فَرَدَّهُ عَلَى الدَّافِعِ، لَا يَحِلُّ لِلدَّافِعِ قَبْضُهُ، لِأَنَّهُ زَالَ مِلْكُهُ، فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ بِنِيَّةِ الدَّافِعِ. فَإِنْ قَبَضَهُ، لَزِمَهُ رَدُّهُ إِلَى الْمَدْفُوعِ إِلَيْهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ.
الْخَامِسَةُ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ مَأْمُورٌ بِهِ، وَعُقُوقُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحَرَّمٌ مَعْدُودٌ مِنَ الْكَبَائِرِ بِنَصِّ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ مَأْمُورٌ بِهَا، فَأَمَّا بِرُّهُمَا، فَهُوَ الْإِحْسَانُ إِلَيْهِمَا، وَفِعْلُ الْجَمِيلِ مَعَهُمَا، وَفِعْلُ مَا يَسُرُّهُمَا مِنَ الطَّاعَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَغَيْرِهَا مِمَّا لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْإِحْسَانُ إِلَى صَدِيقِهِمَا، فَفِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ. وَأَمَّا الْعُقُوقُ، فَهُوَ كُلُّ مَا أَتَى بِهِ الْوَلَدُ مِمَّا يَتَأَذَّى [بِهِ] الْوَالِدُ، أَوْ نَحْوُهُ تَأَذِّيًا لَيْسَ بِالْهَيِّنِ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ. وَقِيلَ: تَجِبُ طَاعَتُهُمَا فِي كُلِّ مَا لَيْسَ بِحَرَامٍ، فَتَجِبُ طَاعَتُهُمَا فِي الشُّبُهَاتِ.
وَقَدْ حَكَى الْغَزَالِيُّ هَذَا فِي «الْإِحْيَاءِ» عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، أَوْ أَكْثَرِهِمْ. وَأَمَّا صِلَةُ الرَّحِمِ، فَفِعْلُكَ مَعَ قَرِيبِكَ مَا تُعَدُّ بِهِ وَاصِلًا غَيْرَ مُنَافِرٍ وَمُقَاطِعٍ لَهُ، وَيَحْصُلُ ذَلِكَ تَارَةً بِالْمَالِ، وَتَارَةً بِقَضَاءِ حَاجَتِهِ أَوْ خِدْمَتِهِ أَوْ زِيَارَتِهِ. وَفِي حَقِّ الْغَائِبِ بِنَحْوِ هَذَا، وَبِالْمُكَاتَبَةِ وَإِرْسَالِ السَّلَامِ عَلَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
السَّادِسَةُ: الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ، مُسْتَحَبٌّ اسْتِحْبَابًا مُتَأَكِّدًا، وَيُكْرَهُ إِخْلَافُهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً، وَدَلَائِلُهُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَعْلُومَةٌ، وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي كِتَابِ «الْأَذْكَارِ» فِيهِ بَابًا، وَبَيَّنْتُ فِيهِ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.