الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَلَا يُحْسَبُ مِنَ الثُّلُثِ وَلَوْ سَاقَاهُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَزَادَ عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ، حُسِبَتِ الزِّيَادَةُ مِنَ الثُّلُثِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْفَرْقُ: أَنَّ النَّمَاءَ فِي الْمُسَاقَاةِ مِنْ عَيْنِ الْمَالِ.
فَصْلٌ
يَجُوزُ أَنْ يُقَارِضَ الْوَاحِدُ اثْنَيْنِ وَعَكْسُهُ. فَإِذَا قَارَضَ اثْنَيْنِ، وَشَرَطَ لَهُمَا نِصْفَ الرِّبْحِ بِالسَّوِيَّةِ، جَازَ، وَلَوْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثَ الرِّبْحِ، وَلِلْآخَرِ رُبُعَهُ، فَإِنْ أَبْهَمَ لَمْ يَجُزْ. وَإِنْ عَيَّنَ صَاحِبَ الثُّلُثِ وَصَاحِبَ الرُّبُعِ، جَازَ. قَالَ الْإِمَامُ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُقَارِضَ اثْنَيْنِ إِذَا أَثْبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ الِاسْتِقْلَالَ. فَإِنْ شَرَطَ كُلُّ وَاحِدٍ مُرَاجَعَةَ الْآخَرِ، لَمْ يَجُزْ. هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ، وَمَا أَظُنُّ الْأَصْحَابَ يُسَاعِدُونَهُ عَلَيْهِ. وَإِذَا قَارَضَ اثْنَانِ وَاحِدًا، فَلْيُبَيِّنَا نَصِيبَ الْعَامِلِ مِنَ الرِّبْحِ، وَيَكُونُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَالَيْهِمَا. وَلَوْ قَالَا: لَكَ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِنَا مِنَ الرِّبْحِ الثُّلُثُ، وَمِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ الرُّبُعُ، فَإِنْ أَبْهَمَا لَمْ يَجُزْ. وَإِنْ عَيَّنَا وَهُوَ عَالِمٌ بِقَدْرِ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ جَازَ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَا كَوْنَ الْبَاقِي بَيْنَ الْمَالِكَيْنِ عَلَى غَيْرِ مَا تَقْتَضِيهِ نِسْبَةُ الْمَالَيْنِ.
فَصْلٌ
إِذَا فَسَدَ الْقِرَاضُ بِتَخَلُّفِ بَعْضِ الشُّرُوطِ، فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ. أَحَدُهَا: تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ كَنُفُوذِهَا فِي الْقِرَاضِ الصَّحِيحِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ كَالْوَكَالَةِ الْفَاسِدَةِ. الثَّانِي: سَلَامَةُ الرِّبْحِ بِكَمَالِهِ لِلْمَالِكِ. الثَّالِثُ: اسْتِحْقَاقُ الْعَامِلِ أُجْرَةَ مِثْلِ عَمَلِهِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ، أَمْ لَا، وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ مُطَّرِدَةٌ فِي صُوَرِ الْفَسَادِ، لَكِنْ لَوْ قَالَ: قَارَضْتُكَ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الرِّبْحِ لِي، وَقُلْنَا: هُوَ قِرَاضٌ فَاسِدٌ، لَا إِبْضَاعَ، فَفِي اسْتِحْقَاقِ الْعَامِلِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ لِأَنَّهُ عَمِلَ مَجَّانًا.
فَرْعٌ
قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ لَوْ دَفَعَ إِلَيْهِ أَلْفًا وَقَالَ: اشْتَرِ بِهَا هَرَوِيًّا أَوْ مَرْوِيًّا بِالنِّصْفِ، فَهُوَ فَاسِدٌ. وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ فَسَادِهِ، فَالْأَصَحُّ، وَفِي سِيَاقِ الْكَلَامِ مَا يَقْتَضِيهِ: أَنَّهُ تَعَرُّضٌ لِلشِّرَاءِ دُونَ الْبَيْعِ، وَهَذَا تَقْرِيعٌ عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ التَّعَرُّضَ لِلشِّرَاءِ لَا يُغْنِي عَنِ التَّعَرُّضِ لِلْبَيْعِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظِ الْمُضَارَبَةِ وَنَحْوِهَا لِتَنَاوُلِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، أَوْ [مِنْ] لَفْظِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ جَمِيعًا. وَإِذَا اقْتَصَرَ عَلَى الشِّرَاءِ، فَلِلْمَدْفُوعِ إِلَيْهِ الشِّرَاءُ دُونَ الْبَيْعِ، وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْمَالِكِ، وَالْخُسْرَانُ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يَكْفِي التَّعَرُّضُ لِلشِّرَاءِ، وَيَتَضَمَّنُ الْإِذْنَ فِي الْبَيْعِ بَعْدَهُ، وَقِيلَ: إِذَا أَتَى بِلَفْظِ الْمُضَارَبَةِ أَوِ الْقِرَاضِ كَانَ كَقَوْلِهِ: اشْتَرِ، مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْبَيْعِ. وَالصَّحِيحُ: الصِّحَّةُ. وَقِيلَ: سَبَبُهُ أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ لِمَنِ النِّصْفُ.
وَاعْتَرَضَ ابْنُ سُرَيْجٍ عَلَى هَذَا، بِأَنَّ الشَّرْطَ يَنْصَرِفُ إِلَى الْعَامِلِ، لِأَنَّ الْمَالِكَ يَسْتَحِقُّ بِالْمَالِ، لَا بِالشَّرْطِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: سَبَبُ الْفَسَادِ، أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ أَحَدَ النَّوْعَيْنِ، وَلَا أَطْلَقَ التَّصَرُّفَ فِي أَنْوَاعِ الْأَمْتِعَةِ. وَاعْتَرَضَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَلَيْهِ، بِأَنَّهُ لَوْ عُيِّنَ أَحَدُهُمَا، حَكَمْنَا بِالصِّحَّةِ، فَإِذَا ذَكَرَهُمَا عَلَى التَّرْدِيدِ، زَادَ الْعَامِلُ بَسْطَةً وَتَخْيِيرًا، فَهُوَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ.
قُلْتُ: هَذَا الِاعْتِرَاضُ لَيْسَ بِمَقْبُولٍ، لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّهُ حَمَلَ لَفْظَةَ «أَوْ» عَلَى التَّخْيِيرِ، وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يُنْكِرُ ذَلِكَ وَيَقُولُ: إِنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي أَحَدِهِمَا وَشَكَّ فِي الْمُرَادِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقِيلَ: سَبَبُهُ أَنَّ الْقِرَاضَ إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا أَطْلَقَ التَّصَرُّفَ فِي الْأَمْتِعَةِ، أَوْ عَيَّنَ جِنْسًا يَعُمُّ وُجُودُهُ، وَالْهَرَوِيُّ وَالْمَرْوِيُّ لَيْسَا كَذَلِكَ، وَكَأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ يُقْرِضُهُ
فِي بَلَدٍ لَا يَعُمَّانِ فِيهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهُ أَنَّهُ أَرْسَلَ ذِكْرَ النِّصْفِ وَلَمْ يَقُلْ: نِصْفُ الرِّبْحِ.
الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الْقِرَاضِ الصَّحِيحِ
هِيَ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ.
الْأَوَّلُ: تَقَيُّدُ تَصَرُّفِ الْعَامِلِ بِالْمَصْلَحَةِ كَتَصَرُّفِ الْوَكِيلِ، ثُمَّ قَدْ تَقْتَضِي الْمَصْلَحَةُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ تَقْتَضِي الْفَرْقَ، فَبَيْعُ الْعَامِلِ وَشِرَاؤُهُ بِالْغَبْنِ كَالْوَكِيلِ، وَلَا يَبِيعُ أَيْضًا نَسِيئَةً، وَلَا يَشْتَرِي بِهَا. فَإِنْ أَذِنَ الْمَالِكُ فِي الْبَيْعِ نَسِيئَةً، فَفَعَلَ، وَجَبَ الْإِشْهَادُ، فَإِنْ تَرْكَهُ ضَمِنَ، وَلَا حَاجَةَ إِلَيْهِ فِي الْبَيْعِ حَالًا لِأَنَّهُ يَحْبِسُ الْمَبِيعَ إِلَى اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ، وَلَوْ سَلَّمَهُ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ ضَمِنَ، كَالْوَكِيلِ. فَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التَّسْلِيمِ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ سَلَّمَهُ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ الْإِشْهَادُ، لِأَنَّ الْعَادَةَ تَرْكُ الْإِشْهَادِ فِي الْبَيْعِ الْحَالِّ. وَيَجُوزُ لِلْعَامِلِ الْبَيْعُ بِالْعَرَضِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، لِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِ الْقِرَاضِ، وَكَذَا لَهُ شِرَاءُ الْمَعِيبِ إِذَا رَأَى فِيهِ رِبْحًا، فَإِنِ اشْتَرَاهُ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ، قَالَ الْمُتَوَلِّي: فِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ، لِأَنَّ الرَّغَبَاتِ تَقِلُّ فِي الْمَعِيبِ.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ: الْجَوَازُ إِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِنِ اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى ظَنِّ السَّلَامَةِ، فَبَانَ مَعِيبًا، فَلَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِرَدِّهِ إِنْ كَانَتْ فِيهِ غِبْطَةٌ، وَلَا يَمْنَعُهُ [مِنْهُ] رِضَا الْمَالِكِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، لِأَنَّ الْعَامِلَ صَاحِبُ حَقٍّ فِي الْمَالِ. وَإِنْ كَانَتِ الْغِبْطَةُ فِي إِمْسَاكِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهُ عَلَى الْأَصَحِّ، لِإِخْلَالِهِ بِالْمَقْصُودِ. وَحَيْثُ ثَبَتَ الرَّدُّ لِلْعَامِلِ، فَلِلْمَالِكِ أَوْلَى. قَالَ الْإِمَامُ: ثُمَّ الْعَامِلُ
يَرُدُّ عَلَى الْبَائِعِ وَيَنْقُضُ الْبَيْعَ. وَأَمَّا الْمَالِكُ، فَإِنْ كَانَ الشِّرَاءُ بِعَيْنِ مَالِ الْقِرَاضِ، فَكَمِثْلٍ، وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ، فَيَصْرِفُهُ الْمَالِكُ عَنْ مَالِ الْقِرَاضِ. وَفِي انْصِرَافِهِ إِلَى الْعَامِلِ مَا سَبَقَ فِي انْصِرَافِ الْعَقْدِ إِلَى الْوَكِيلِ إِذَا لَمْ يَقَعْ لِلْمُوَكِّلِ. وَلَوْ تَنَازَعَ الْمَالِكُ وَالْعَامِلُ فِي الرَّدِّ وَتَرْكِهِ عُمِلَ بِالْمَصْلَحَةِ.
فَرْعٌ
لَا يَجُوزُ لِلْمَالِكِ مُعَامَلَةُ الْعَامِلِ، بِأَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ شَيْئًا، لِأَنَّهُ مِلْكَهُ كَالسَّيِّدِ مَعَ الْمَأْذُونِ لَهُ.
فَرْعٌ
لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِلْقِرَاضِ بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. فَلَوْ فَعَلَ، لَمْ يَقَعْ مَا زَادَ عَنْ جِهَةِ الْقِرَاضِ. فَلَوْ دَفَعَ إِلَيْهِ مِائَةً قِرَاضًا، فَاشْتَرَى عَبْدًا بِمِائَةٍ، ثُمَّ آخَرَ بِمِائَةٍ لِلْقِرَاضِ أَيْضًا، لَمْ يَقَعِ الثَّانِي لِلْقِرَاضِ، بَلْ يُنْظَرُ إِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ بِعَيْنِ الْمِائَةِ فَالشِّرَاءُ بَاطِلٌ، سَوَاءٌ اشْتَرَى الْأَوَّلَ بِعَيْنِ الْمِائَةِ أَوْ فِي الذِّمَّةِ. وَإِنِ اشْتَرَاهُ فِي الذِّمَّةِ، انْصَرَفَ إِلَى الْعَامِلِ حَيْثُ يَنْصَرِفُ شِرَاءُ الْوَكِيلِ الْمُخَالِفِ إِلَيْهِ. وَإِذَا انْصَرَفَ إِلَيْهِ، فَصَرَفَ مِائَةَ الْقِرَاضِ فِي ثَمَنِهِ، فَقَدْ تَعَدَّى، وَدَخَلَتِ الْمِائَةُ فِي ضَمَانِهِ، لَكِنَّ الْعَبْدَ الْأَوَّلَ يَبْقَى أَمَانَةً فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ فِيهِ. فَإِنْ تَلِفَتِ الْمِائَةُ وَالشِّرَاءُ الْأَوَّلُ بِعَيْنِهَا انْفَسَخَ، وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ، لَمْ يَنْفَسِخْ، وَثَبَتَ لِلْمَالِكِ عَلَى الْعَامِلِ مِائَةٌ، وَالْعَبْدُ الْأَوَّلُ لِلْمَالِكِ، وَعَلَيْهِ لِبَائِعِهِ مِائَةٌ، فَإِنْ أَدَّاهَا الْعَامِلُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، وَشَرَطَ الرُّجُوعَ، ثَبَتَ لَهُ مِائَةٌ عَلَى الْمَالِكِ، وَوَقَعَ الْكَلَامُ فِي التَّقَاصِّ. وَإِنْ أَدَّاهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ بَرِئَ الْمَالِكُ عَنْ حَقِّ صَاحِبِ الْعَبْدِ، وَيَبْقَى حَقُّهُ عَلَى الْعَامِلِ.