الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْجَوَازُ، لِأَنَّهُ كَالرَّاكِبِ. وَالْخِلَافُ جَارٍ فِي انْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ بِتَلَفِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي الْمُدَّةِ، وَمَيْلُ الْعِرَاقِيِّينَ إِلَى تَرْجِيحِ الِانْفِسَاخِ، وَقَالُوا: هُوَ الْمَنْصُوصُ. وَالثَّانِي: مُخَرَّجٌ. وَسَنَزِيدُ الْمَسْأَلَةَ إِيضَاحًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْبَابِ الثَّالِثِ.
وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا لَمْ يَلْتَقِمِ الصَّبِيُّ الْمُعَيَّنُ ثَدْيَهَا، فَعَلَى رَأْيٍ، يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ، وَعَلَى رَأْيٍ، يُبَدَّلُ.
فَصْلٌ
اسْتِئْجَارُ الثِّيَابِ لِلُّبْسِ، وَالْبُسُطِ وَالزَّلَالِيِّ لِلْفِرَاشِ، وَاللُّحُفِ لِلِالْتِحَافِ، جَائِزٌ. وَإِذَا اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا لِيَلْبَسَهُ مُدَّةً، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنَامَ فِيهِ بِاللَّيْلِ. وَهَلْ لَهُ النَّوْمُ فِيهِ [فِي] وَقْتِ الْقَيْلُولَةِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ: جَوَازُهُ لِلْعَادَةِ. لَكِنْ لَوْ كَانَ الْمُسْتَأْجَرُ الْقَمِيصَ الْفَوْقَانِيَّ، لَزِمَهُ نَزْعُهُ بَلْ يَلْزَمُهُ نَزْعُهُ فِي سَائِرِ أَوْقَاتِ الْخَلْوَةِ، وَإِنَّمَا تُلْبَسُ ثِيَابُ التَّجَمُّلِ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي جَرَتِ الْعَادَةُ فِيهَا بِالتَّجَمُّلِ، كَحَالَةِ الْخُرُوجِ إِلَى السُّوقِ وَنَحْوِهِ، وَدُخُولِ النَّاسِ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ الِاتِّزَارُ بِمَا يَسْتَأْجِرُ لِلُّبْسِ، وَيَجُوزُ الِارْتِدَاءُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَإِذَا اسْتَأْجَرَ لِلِارْتِدَاءِ، لَمْ يَجُزِ الِاتِّزَارُ، وَيَجُوزُ التَّعَمُّمُ.
قُلْتُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ فِي النَّوْمِ فِي الثَّوْبِ، هُوَ الَّذِي أَطْلَقَهُ الْجُمْهُورُ، إِلَّا قَوْلَهُ: هَلْ يَجُوزُ النَّوْمُ فِي وَقْتِ الْقَيْلُولَةِ؟ فَإِنَّ الْأَكْثَرِينَ قَالُوا: يَجُوزُ النَّوْمُ فِيهِ بِالنَّهَارِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالْقَيْلُولَةِ، وَلَكِنْ ضَبَطَهُ الصَّيْمَرِيُّ فَقَالَ: إِنْ نَامَ سَاعَةً أَوْ سَاعَتَيْنِ، جَازَ، لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ. وَإِنْ نَامَ أَكْثَرَ النَّهَارِ، لَمْ يَجُزْ. قَالُوا: وَإِذَا اسْتَأْجَرَ لِلُّبْسِ مُطْلَقًا، فَلَهُ لُبْسُهُ لَيْلًا وَنَهَارًا إِذَا كَانَ مُسْتَيْقِظًا قَطْعًا. وَلَوِ اسْتَأْجَرَ لِلُّبْسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّيَالِيَ، فَالصَّحِيحُ دُخُولُ اللَّيَالِي. وَقِيلَ: لَا تَدْخُلُ، حَكَيَاهُ فِي
«الْعُدَّةِ» وَ «الْبَيَانِ» . وَإِذَا اسْتَأْجَرَ يَوْمًا كَامِلًا، فَوَقْتُهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ. وَإِنْ قَالَ: يَوْمًا، وَأَطْلَقَ، قَالَ الصَّيْمَرِيُّ: كَانَ مِنْ وَقْتِهِ إِلَى مِثْلِهِ مِنَ الْغَدِ. وَإِنِ اسْتَأْجَرَ نَهَارَ يَوْمٍ، قَالَ فِي الْبَيَانِ: فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الصَّيْمَرِيُّ. أَحَدُهُمَا: مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ. وَالثَّانِي: مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى غُرُوبِهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الطَّرَفُ الثَّانِي: فِي بَيَانِ حُكْمِ الْإِجَارَةِ فِي الْأَمَانَةِ وَالضَّمَانِ. مَالُ الْإِجَارَةِ، تَارَةً يَكُونُ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَتَارَةً فِي يَدِ الْأَجِيرِ عَلَى الْعَمَلِ. وَأَمَّا الْمُسْتَأْجِرُ، فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ. إِحْدَاهُمَا: يَدُهُ عَلَى الدَّابَّةِ وَالدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ يَدُ أَمَانَةٍ، فَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ مِنْهَا بِغَيْرِ تَعَدٍّ وَتَقْصِيرٍ وَهَلْ يَضْمَنُ مَا يُتْلَفُ فِي يَدِهِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ؟ يُبْنَى عَلَى أَنَّهُ هَلْ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الرَّدُّ وَمُؤْنَتُهُ؟ وَفِيهِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْغَزَالِيِّ: لَا، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ التَّخْلِيَةُ بَيْنَ الْمَالِكِ وَبَيْنَهَا إِذَا طَلَبَ، لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فَأَشْبَهَ الْوَدِيعَةَ. وَأَقْرَبُهُمَا إِلَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه: يَلْزَمُهُ الرَّدُّ وَمُؤْنَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبِ الْمَالِكُ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِي الْإِمْسَاكِ بَعْدَ الْمُدَّةِ، وَلِأَنَّهُ أَخَذَ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ، فَأَشْبَهَ الْمُسْتَعِيرَ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الرَّدَّ، لَزِمَهُ بِلَا خِلَافٍ، وَمَنَعَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَقَالَ: مَنْ لَا يُوجِبُهُ عَلَيْهِ، يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ شَرْطُهُ. فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَلْزَمُهُ الرَّدُّ، فَلَا ضَمَانَ. وَإِنْ قُلْنَا: يَلْزَمُهُ الرَّدُّ، لَزِمَهُ الضَّمَانُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِمْسَاكُ بِعُذْرٍ.
قُلْتُ: صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيَتَرَتَّبُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، ضَمَانُهُ أُجْرَةَ الْمَنَافِعِ الَّتِي تَتْلَفُ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْمُدَّةِ. فَإِنْ أَلْزَمْنَاهُ الرَّدَّ، ضَمَّنَّاهُ، وَإِلَّا، فَلَا.
قُلْتُ: وَفِي فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ، الْقَطْعُ بِأَنَّ الْإِجَارَةَ إِذَا انْفَسَخَتْ بِسَبَبٍ، لَا يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرُ ضَمَانَ الْمَنَافِعِ التَّالِفَةِ عِنْدَهُ، لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا عَلِمَ الْمَالِكُ بِأَنَّهَا انْفَسَخَتْ، وَإِلَّا، فَيَجِبُ أَنْ يُعْلِمَهُ. وَإِذَا لَمْ يُعْلِمْهُ، كَانَ مُقَصِّرًا ضَامِنًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ غُصِبَتِ الدَّابَّةُ الْمُسْتَأْجَرَةُ مَعَ دَوَابِّ الرُّفْقَةِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ فِي الطَّلَبِ، وَلَمْ يَذْهَبِ الْمُسْتَأْجِرُ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَلْزَمُهُ الرَّدُّ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَإِنْ أَلْزَمْنَاهُ، فَإِنِ اسْتَرَدَّ مَنْ ذَهَبَ بِلَا مَشَقَّةٍ وَلَا غَرَامَةٍ، ضَمِنَ الْمُسْتَأْجِرُ الْمُتَخَلِّفُ. وَإِنْ لَحِقَهُ غَرَامَةٌ وَمَشَقَّةٌ، لَمْ يَضْمَنْ، قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَاصِمٍ الْعُبَّادِيُّ.
فَرْعٌ
لَوِ اسْتَأْجَرَ قِدْرًا مُدَّةً لِيَطْبُخَ فِيهَا، ثُمَّ حَمَلَهَا بَعْدَ الْمُدَّةِ لِيَرُدَّهَا، فَسَقَطَ الْحِمَارُ فَانْكَسَرَتْ، قَالَ أَبُو عَاصِمٍ: إِنْ كَانَ لَا يَسْتَقِلُّ بِحَمْلِهَا، فَلَا ضَمَانَ. وَإِنْ كَانَ يَسْتَقِلُّ، فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، سَوَاءٌ أَلْزَمْنَاهُ الرَّدَّ، أَمْ لَا، لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْقِدْرَ لَا تَرِدُ بِالْحِمَارِ مَعَ اسْتِقْلَالِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ حَمَّالٍ بِهَا.
المَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الدَّابَّةُ الْمُسْتَأْجَرَةُ لِلْحَمْلِ أَوِ الرُّكُوبِ، إِذَا رَبَطَهَا الْمُسْتَأْجِرُ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا فِي الْمُدَّةِ، فَالْقَوْلُ فِي اسْتِقْرَارِ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ، سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَوْ مَاتَتْ فِي الْإِصْطَبْلِ. فَلَوِ انْهَدَمَ عَلَيْهَا فَهَلَكَتْ بِهِ، نُظِرَ، إِنْ كَانَ الْمَعْهُودُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ لَوْ خَرَجَ بِهَا أَنْ يَكُونَ فِي الطَّرِيقِ، وَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهَا. وَإِنْ كَانَ الْمَعْهُودُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ أَنْ يَكُونَ تَحْتَ السَّقْفِ، كَجُنْحِ اللَّيْلِ فِي الشِّتَاءِ، فَلَا ضَمَانَ.