المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فَرْعٌ ادَّعَاهُ امْرَأَتَانِ، وَأَقَامَتَا بَيِّنَتَيْنِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: أَرَيْتُهُ - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ٥

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الْغَصْبِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصِلَ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلِ

- ‌فَصْلِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصَلَ

- ‌فَصْلُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْقِرَاضِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ

- ‌كِتَابُ الْإِجَارَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْجَعَالَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْوَقْفِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْهِبَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابِ «الرَّهْنِ»

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ اللُّقَطَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصِلَ

- ‌كِتَابُ اللَّقِيطِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فْصِلَ

الفصل: فَرْعٌ ادَّعَاهُ امْرَأَتَانِ، وَأَقَامَتَا بَيِّنَتَيْنِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: أَرَيْتُهُ

فَرْعٌ

ادَّعَاهُ امْرَأَتَانِ، وَأَقَامَتَا بَيِّنَتَيْنِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: أَرَيْتُهُ الْقَائِفَ مَعَهُمَا، فَبِأَيَّتِهِمَا أَلْحَقَهُ لَحِقَهَا، وَلَحِقَ زَوْجَهَا. فَمِنَ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ: هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِ الِاسْتِعْمَالِ، وَتَرْجِيحٌ بِقَوْلِ الْقَائِفِ، كَمَا يُرَجَّحُ فِي الْأَمْلَاكِ بِالْقُرْعَةِ، وَهَذَا يُوَافِقُ مَا سَبَقَ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ. وَعَلَى هَذَا، يَلْحَقُ الزَّوْجَ قَطْعًا، لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْبَيِّنَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هَذَا جَوَابٌ عَلَى قَوْلِ التَّسَاقُطِ، وَكَأَنَّهُ لَا بَيِّنَةَ، فَيَرْجِعُ إِلَى الْقَائِفِ. وَعَلَى هَذَا، فَفِي لُحُوقِهِ بِالزَّوْجِ الْخِلَافُ السَّابِقُ.

فَرْعٌ

أَلْحَقَهُ الْقَائِفُ بِأَحَدِهِمَا، ثُمَّ بِالْآخَرِ، لَمْ يُنْقَلْ إِلَيْهِ، إِذْ الِاجْتِهَادُ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ.

فَرْعٌ

وَصَفَ أَحَدُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ أَثَرَ جِرَاحَةٍ، أَوْ نَحْوَهُ، أَوْ بِظَهْرِهِ، أَوْ بَعْضَ أَعْضَائِهِ الْبَاطِنَةِ، وَأَصَابَ، لَا يُقَدَّمُ.

‌فَصْلٌ

تَنَازَعَا فِي الِالْتِقَاطِ، وَوِلَايَةِ الْحِفْظِ وَالتَّعَهُّدِ، فَإِنْ تَنَازَعَا عِنْدَ الْأَخْذِ، أَوْ قَبْلَهُ، فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ. وَإِنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ: أَنَّا الْمُلْتَقِطُ فَلِيَ حِفْظُهُ، فَإِنِ اخْتَصَّ بِيَدٍ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَخَذَهُ مِنِّي، فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْيَدِ مَعَ يَمِينِهِ. فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ،

ص: 441

قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَهُوَ كَمَا لَوْ وَجَدَاهُ مَعًا، وَتَشَاحَّا فِي حِفْظِهِ، فَيَجْعَلُهُ الْحَاكِمُ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ مِنْهُمَا، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا. وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِمَا، فَإِنْ حَلَفَا، أَوْ نَكَلَا، فَحُكْمُهُ كَمَا ذَكَرْنَا إِذَا ازْدَحَمَا عَلَى الْأَخْذِ مَعًا، وَهُمَا مُتَسَاوِيَا الْحَالِ. وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ، خُصَّ بِهِ. وَلَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً، وَهُوَ فِي يَدِهِمَا، أَوْ لَا فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَتَا مُطْلَقَتَيْنِ، أَوْ مُؤَرَّخَتَيْنِ بِتَارِيخٍ وَاحِدٍ، أَوْ إِحْدَاهُمَا مُؤَرَّخَةٌ وَالْأُخْرَى مُطْلَقَةٌ، فَهُمَا مُتَعَارِضَتَانِ. فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّسَاقُطِ، فَكَأَنَّهُ لَا بَيِّنَةَ. وَإِنْ قُلْنَا بِالِاسْتِعْمَالِ، فَلَا يَجِيءُ الْوَقْفُ، وَلَا الْقِسْمَةُ، وَتَجِيءُ الْقُرْعَةُ، فَيُسَلَّمُ لِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ. وَإِنْ قُيِّدَتَا بِتَارِيخَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، قُدِّمَ السَّابِقُ، بِخِلَافِ الْمَالِ، فَإِنَّهُ لَا يُقَدَّمُ فِيهِ بِسَبْقِ التَّارِيخِ عَلَى الْأَظْهَرِ، لِأَنَّ الْأَمْوَالَ تَنْتَقِلُ، وَالْمُلْتَقِطُ لَا يَنْتَزِعُ مِنْهُ مَا دَامَتِ الْأَهْلِيَّةُ. فَإِذَا ثَبَتَ السَّبْقُ، لَزِمَ اسْتِمْرَارُهُ. هَكَذَا فَرَّقَ الْأَصْحَابُ، قَالَ أَبُو الْفَرَجِ الزَّازُ: هَذَا إِذَا قُلْنَا: مَنِ الْتَقَطَ اللَّقِيطَ، ثُمَّ نَبَذَهُ لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ. فَإِنْ أَسْقَطْنَاهُ، فَهُوَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْأَمْوَالِ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا نَبَذَهُ الْأَوَّلُ فَالْتَقَطَهُ غَيْرُهُ، وَهَذَا حَسَنٌ.

وَيَتَفَرَّعُ عَلَى تَقْدِيمِ الْبَيِّنَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِالسَّبْقِ، مَا إِذَا كَانَ اللَّقِيطُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَأَقَامَ مَنْ فِي يَدِهِ الْبَيِّنَةُ، وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ وَانْتَزَعَهُ مِنْهُ صَاحِبُ الْيَدِ، فَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الِانْتِزَاعِ، لِإِثْبَاتِهَا السَّبْقَ.

الْحُكْمُ الرَّابِعُ: الْحُرِّيَّةُ وَالرِّقُّ، وَلِلَّقِيطِ فِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ.

الْأَوَّلُ: أَنْ لَا يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالرِّقِّ، وَلَا يَدَّعِيَ رِقَّهُ أَحَدٌ، فَيُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ، لِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِهِ الْحُرِّيَّةُ، وَلِأَنَّ غَالِبَ النَّاسِ أَحْرَارٌ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ مِنَ الْأَصْحَابِ مَنْ يُتَوَقَّفُ فِي إِسْلَامِهِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَذَلِكَ التَّرَدُّدُ يَجْرِي هُنَا وَأَوْلَى، لِقُوَّةِ الْإِسْلَامِ، وَاقْتِضَائِهِ الِاسْتِتْبَاعَ لِلْوَالِدِ وَالسَّابِي، بِخِلَافِ الْحُرِّيَّةِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْإِمَامُ تَفْصِيلًا مُتَوَسِّطًا، فَقَالَ: يُجْزَمُ بِالْحُرِّيَّةِ مَا لَمْ يَنْتَهِ الْأَمْرُ إِلَى إِلْزَامِ الْغَيْرِ شَيْئًا،

ص: 442

فَإِنِ انْتَهَى، تَرَدَّدْنَا إِنْ لَمْ يَعْتَرِفِ الْمُلْتَزِمُ بِحُرِّيَّتِهِ، فَنَحْكُمُ لَهُ بِالْمِلْكِ فِيمَا نُصَادِفُهُ فِي يَدِهِ جَزْمًا. وَإِذَا أَتْلَفَهُ مُتْلِفٌ، أَخَذْنَا مِنْهُ الضَّمَانَ وَصَرَفْنَاهُ إِلَيْهِ، لِأَنَّ الْمَالَ الْمَعْصُومَ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُتْلِفِ، فَلَيْسَ التَّضْمِينُ بِالْحُرِّيَّةِ، وَمِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ قَطْعًا، وَأَرْشُ جِنَايَتِهِ الْخَطَأُ فِي بَيْتِ الْمَالِ قَطْعًا، قَالَ الْإِمَامُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخْرُجَ عَلَى التَّرَدُّدِ الْمَذْكُورِ، لِأَنَّ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ لَا يُبْذَلُ إِلَّا عَنْ تَحَقُّقٍ. وَلَوْ قُتِلَ اللَّقِيطُ، فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ خِلَافًا، وَيَنْضَمُّ إِلَيْهِ التَّرَدُّدُ فِي الْحُرِّيَّةِ، فَمَنْ لَا يَجْزِمُ الْقَوْلَ بِإِسْلَامِهِ وَحُرِّيَّتِهِ، لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ عَلَى الْحُرِّ الْمُسْلِمِ بِقَتْلِهِ، وَيُوجِبُهُ عَلَى الرَّقِيقِ الْكَافِرِ. وَمَنْ يَجْزِمُ بِهِمَا، يُخْرِجُ وُجُوبَ الْقِصَاصِ بِكُلِّ حَالٍ عَلَى قَوْلَيْنِ - بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ مُعَيَّنٌ - الْأَظْهَرُ: وَجُوبُهُ. وَإِذَا قُتِلَ خَطَأً، فَالْوَاجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الصَّحِيحِ، أَخْذًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَأَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الدِّيَةِ، وَالْقِيمَةِ فِي الثَّانِي، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحُرِّيَّةَ غَيْرُ مُتَيَقَّنَةٍ. قَالَ الْإِمَامُ: وَقِيَاسُ هَذَا أَنْ نُوجِبَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ عَبْدًا، وَدِيَةَ مَجُوسِيٍّ، لِإِمْكَانِ الْحَمْلِ عَلَى التَّمَجُّسِ، وَقَدْ يُرَتَّبُ الْقِصَاصُ عَلَى الدِّيَةِ فَيُقَالُ: إِنْ لَمْ نُوجِبِ الدِّيَةَ، فَالْقِصَاصُ أَوْلَى، وَإِلَّا، فَوَجْهَانِ.

الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَدَّعِيَ شَخْصٌ رِقَّهُ، وَلَا بَيِّنَةَ. وَمَنِ ادَّعَى رِقَّ صَغِيرٍ لَا تُتَيَقَّنُ حُرِّيَّتُهُ، سُمِعَتْ دَعْوَاهُ، لِإِمْكَانِهَا. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْحَرِيَّةُ، فَلَا تُتْرَكُ إِلَّا بِحُجَّةٍ، بِخِلَافِ النَّسَبِ، فَإِنَّ قَبُولَهُ مَصْلَحَةٌ لِلصَّبِيِّ وَثُبُوتُ حَقٍّ لَهُ. وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ وَقَدْ عَرَفْنَا اسْتِنَادَهَا إِلَى الْتِقَاطِهِ، فَقَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: يُحْكَمُ لَهُ بِالرِّقِّ كَيَدِ غَيْرِ الْمُلْتَقِطِ، وَكَمَا لَوِ الْتَقَطَ مَالًا وَادَّعَاهُ، وَلَا مُنَازِعَ، يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيَجُوزُ شِرَاؤُهُ مِنْهُ. وَأَظْهَرُهُمَا: لَا يُقْبَلُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ، وَيُخَالِفُ الْمَالَ، فَإِنَّهُ مَمْلُوكٌ وَلَيْسَ فِي دَعْوَاهُ تَغْيِيرُ صِفَةٍ لَهُ، وَاللَّقِيطُ حُرٌّ ظَاهِرًا، وَفِي دَعْوَاهُ تَغْيِيرُ صِفَةٍ. وَإِنْ لَمْ يُعْرَفِ اسْتِنَادُهَا إِلَى الِالْتِقَاطِ، حُكِمَ لِصَاحِبِهَا بِالرِّقِّ الَّذِي يَدَّعِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِمَّنْ فِي يَدِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ

ص: 443

الْمَالِكِينَ، وَلَا مُعَارِضَ لَهُ، وَلَا سَبَبَ يُحَالُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِلْكُهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الصَّغِيرُ مُمَيِّزًا، أَوْ غَيْرُهُ مُقِرًّا، أَوْ مُنْكِرًا عَلَى الْأَصَحِّ. وَالثَّانِي: إِنْ كَانَ مُمَيِّزًا مُنْكِرًا، احْتَاجَ الْمُدَّعِي إِلَى الْبَيِّنَةِ. فَعَلَى الْأَصَحِّ: يَحْلِفُ الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ. وَقِيلَ: مُسْتَحَبَّةٌ. ثُمَّ إِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ وَأَقَرَّ بِالرِّقِّ لِغَيْرِ صَاحِبِ الْيَدِ، لَمْ يُقْبَلْ. وَإِنْ قَالَ: أَنَا حُرٌّ، لَمْ يُقْبَلْ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ، إِلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِالْحُرِّيَّةِ، وَلَكِنْ لَهُ تَحْلِيفُ السَّيِّدِ، قَالَهُ الْبَغَوِيُّ. وَالثَّانِي: يُقْبَلُ، قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ الثَّقَفِيُّ.

فَرْعٌ

رَأَى صَغِيرًا فِي يَدِ إِنْسَانٍ يَأْمُرُهُ وَيَنْهَاهُ وَيَسْتَخْدِمُهُ، هَلْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِالْمِلْكِ؟ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ: فِيهِ وَجْهَانِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنْ سَمِعَهُ يَقُولُ: هُوَ عَبْدِي، أَوْ سَمِعَ النَّاسَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ عَبْدُهُ، شَهِدَ لَهُ بِالْمِلْكِ، وَإِلَّا، فَلَا.

قُلْتُ: هَذَا أَصَحُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ

صَغِيرَةٌ فِي يَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي نِكَاحَهَا، فَبَلَغَتْ وَأَنْكَرَتْ، يُقْبَلُ قَوْلُهَا، وَعَلَى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةُ. وَهَلْ يُحْكَمُ فِي صِغَرِهَا بِالنِّكَاحِ؟ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: نَعَمْ كَالرِّقِّ. وَالْأَصَحُّ: الْمَنْعُ. وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ، بِأَنَّ الْيَدَ فِي الْجُمْلَةِ دَالَّةٌ عَلَى الْمِلْكِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُولَدَ وَهُوَ مَمْلُوكٌ وَالنِّكَاحُ طَارِئٌ، فَيَحْتَاجُ إِلَى الْبَيِّنَةِ.

الْحَالُ الثَّالِثُ: أَنْ يَدَّعِيَ رِقَّهُ مُدَّعٍ وَيُقِيمَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً حَيْثُ يَحْتَاجُ مُدَّعِي الرِّقِّ إِلَى بَيِّنَةٍ كَمَا فَصَّلْنَاهُ. وَهَلْ يَكْفِي إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الرِّقِّ، أَوِ الْمِلْكِ مُطْلَقًا؟ قَوْلَانِ.

ص: 444

أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، كَمَا لَوْ شَهِدَ بِمِلْكِ دَارٍ، أَوْ ثَوْبٍ، وَغَيْرِهِمَا، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ، وَهُوَ نَصُّهُ فِي الدَّعَاوَى، وَفِي الْقَدِيمِ. وَالثَّانِي: لَا، لِاحْتِمَالِ اعْتِمَادِ الشَّاهِدِ ظَاهِرِ الْيَدِ، وَيَكُونُ يَدَ الْتِقَاطٍ. وَإِذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ اللَّقِيطَ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ بِظَاهِرِ الدَّارِ، لَمْ يَزُلْ ذَلِكَ إِلَّا بِيَقِينٍ، وَأَمْرُ الرِّقِّ خَطَرٌ، وَهَذَا نَصُّهُ [هُنَا] ، وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَالْبَغَوِيِّ، وَالرُّويَانِيِّ، وَآخَرِينَ، وَرَجَّحَ ابْنُ كَجٍّ، وَأَبُو الْفَرَجِ الزَّازُ الْأَوَّلَ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ مِنَ الْأَصْحَابِ مَنْ قَطَعَ بِهِ، وَحُمِلَ نَصُّهُ هُنَا عَلَى الِاحْتِيَاطِ، وَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ بِمُطْلَقِ الْمِلْكِ لَيْسَتْ بِأَقَلَّ مِنْ دَعْوَى غَيْرِ الْمُلْتَقِطِ رِقَّ الصَّغِيرِ فِي يَدِهِ.

قُلْتُ: كُلٌّ مِنَ التَّرْجِيحَيْنِ ظَاهِرٌ، وَقَدْ رَجَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي «الْمُحَرَّرِ» الثَّانِيَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُلْتَقِطُ، أَوْ غَيْرُهُ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ كَلَامًا يَتَخَرَّجُ مِنْهُ، وَمِمَّا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ قَوْلُ: أَنَّ الْبَيِّنَةَ الْمُطْلَقَةَ تَكْفِي فِي غَيْرِ الْمُلْتَقِطِ، وَلَا تَكْفِي فِيهِ. وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ. وَإِذَا قُلْنَا: لَمْ يُكْتَفَ بِالْبَيِّنَةِ الْمُطْلَقَةِ، شَرَطْنَا تَعَرُّضَ الشُّهُودِ لِسَبَبِ الْمِلْكِ مِنَ الْإِرْثِ، أَوِ الثَّرَاءِ، أَوْ الِالْتِهَابِ وَنَحْوِهَا. وَمِنَ الْأَسْبَابِ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ مَمْلُوكًا لَهُ. فَإِنِ اقْتَصَرُوا عَلَى أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ، أَوْ أَنَّهُ وَلَدُ أَمَتِهِ، فَطَرِيقَانِ. قَالَ الْجُمْهُورُ: قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: يَكْفِي. وَالثَّانِي: لَا. وَقِيلَ: يَكْفِي قَطْعًا، وَهُوَ نَصُّهُ هُنَا. وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ مِلْكُهُ وَلَدَتْهُ مَمْلُوكَتُهُ قَالَ الْبَغَوِيُّ: يَكْفِي قَطْعًا، وَهُوَ نَصُّهُ هُنَا. وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ مِلْكُهُ وَلَدَتْهُ مَمْلُوكَتُهُ، قَالَ الْبَغَوِيُّ: يَكْفِي قَطْعًا، وَإِنْ شَهِدُوا بِأَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: يَكْفِي قَطْعًا. وَقَالَ الْإِمَامُ: لَا يُكْتَفَى بِهِ تَفْرِيعًا عَلَى وُجُوبِ التَّعَرُّضِ لِسَبَبِ الْمِلْكِ، فَقَدْ تَلِدُ فِي مِلْكِهِ حُرًّا بِالشُّبْهَةِ، وَفِي نِكَاحِ الْغَرُورِ، وَقَدْ تَلِدُ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ بِأَنْ يُوصِيَ بِحَمْلِهَا، وَتَكُونَ الرَّقَبَةُ لِلْوَارِثِ، وَهَذَا حَقٌّ. وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ، وَيَكُونُ قَوْلُهُمْ: فِي مِلْكِهِ، مَصْرُوفًا إِلَى الْمَوْلُودِ - كَقَوْلِكَ: وَلَدَتْهُ فِي مَشِيمَةٍ -

ص: 445

لَا إِلَى الْوِلَادَةِ، وَلَا إِلَى الْوَالِدَةِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ قَوْلُهُمْ: وَلَدَتْهُ مَمْلُوكًا لَهُ، وَيَكْفِي الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ قَوْلُهُ: هُوَ مِلْكِي، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ السَّبَبِ إِنْ شَرَطْنَاهُ فِي صِيغَةِ الشُّهُودِ.

فَرْعٌ

تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ مِنْ رَجُلٍ، وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، لِأَنَّ الْغَرَضَ إِثْبَاتُ الْمِلْكِ. وَإِذَا اكْتَفَيْنَا بِالشَّهَادَةِ عَلَى أَنَّهُ وَلَدَتْهُ أَمَتُهُ، قُبِلَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ أَيْضًا، لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ، ثُمَّ يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي ضِمْنِهَا كَثُبُوتِ النَّسَبِ فِي ضِمْنِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ. وَلَوْ شَهِدْنَ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَلَدَتْهُ أَمَتُهُ، قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: ثَبَتَ الْمِلْكُ، وَالْوِلَادَةُ، وَذِكْرُ الْمِلْكِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْوِلَادَةِ، ثُمَّ يُثْبَتُ الْمِلْكُ ضِمْنًا لَا بِتَصْرِيحِهِنَّ.

فَرْعٌ

لَوْ شَهِدَتِ الْبَيِّنَةُ لِمُدَّعِي الرِّقِّ بِالْيَدِ، قَالَ فِي «الْمُهَذَّبِ» : إِنْ كَانَ الْمُدَّعِي الْمُلْتَقِطَ، لَمْ يُحْكَمْ لَهُ. وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ، فَقَوْلَانِ. وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ «الشَّامِلِ» ، وَغَيْرُهُ: أَنَّ الْمُدَّعِيَ إِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْتِقَاطِ الْمُلْتَقِطِ، قُبِلَتْ وَثَبَتَتْ يَدُهُ، ثُمَّ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الرِّقِّ، لِمَا سَبَقَ أَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ عَلَى الصَّغِيرِ إِذَا لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ يَدَهُ عَنِ الْتِقَاطٍ، يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الرِّقِّ، وَبِمِثْلِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيُّ فِيمَا إِذَا أَقَامَ الْمُلْتَقِطُ بَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ، قُبِلَ إِنِ الْتَقَطَهُ، لَكِنْ نَقَلَ ابْنُ كَجٍّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَنِ النَّصِّ، أَنَّهُ لَا يَرِقُّ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى سَبَبِ الْمِلْكِ.

الْحَالُ الرَّابِعُ: أَنْ يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالرِّقِّ وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ، فَيُنْظَرُ، إِنْ كَذَّبَهُ

ص: 446

الْمُقَرُّ لَهُ، لَمْ يَثْبُتِ الرِّقُّ. فَلَوْ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ فَصَدَّقَهُ، لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَذَّبَهُ ثَبَتَتْ حُرِّيَّتُهُ بِالْأَصْلِ، فَلَا يَعُودُ رَقِيقًا. وَإِنْ صَدَّقَهُ، نُظِرَ، إِنْ لَمْ يَسْبِقِ الْإِقْرَارَ مَا يُنَاقِضُهُ، قُبِلَ عَلَى الْمَشْهُورِ كَسَائِرِ الْأَقَارِيرِ. وَفِي قَوْلٍ حَكَاهُ صَاحِبُ «التَّقْرِيبِ» : لَا يُقْبَلُ، لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ بِالدَّارِ، فَلَا يُنْقَضُ، كَالْمَحْكُومِ بِإِسْلَامِهِ بِالدَّارِ، لَوْ أَفْصَحَ بِالْكُفْرِ، لَا يُنْقَضُ مَا حَكَمْنَا بِهِ فِي قَوْلٍ، بَلْ يُجْعَلُ مُرْتَدًّا. وَإِنْ سَبَقَهُ مَا يُنَاقِضُهُ، فَفِيهِ صُوَرٌ.

إِحْدَاهَا: إِذَا أَقَرَّ بِالْحُرِّيَّةِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، ثُمَّ أَقَرَّ بِالرِّقِّ، لَا يُقْبَلُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَطَعُ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ الْإِمَامُ وَجْهَيْنِ، ثَانِيهِمَا الْقَبُولُ.

الثَّانِيَةُ: إِذَا أَقَرَّ بِالرِّقِّ لِزَيْدٍ، فَكَذَّبَهُ، ثُمَّ أَقَرَّ لِعَمْرٍو، لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالْمَنْصُوصِ، وَالَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ، بَلْ يَكُونُ حُرًّا، وَعَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ قَبُولُهُ.

الثَّالِثَةُ: إِذَا وُجِدَتْ مِنْهُ تَصَرُّفَاتٌ يَقْتَضِي نُفُوذُهَا الْحُرِّيَّةَ، كَبَيْعٍ، وَنِكَاحٍ، وَغَيْرِهِمَا، ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِرِقِّهِ، نُقِضَتْ تَصَرُّفَاتُهُ الْمُقْتَضِيَّةُ لِلْحُرِّيَّةِ، وَجُعِلَتْ صَادِرَةً عَنْ عَبْدٍ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ، وَيَسْتَرِدُّ مَا قَبَضَهُ مِنْ زَكَاةٍ، أَوْ مِيرَاثٍ، وَمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَتُبَاعُ رَقَبَتُهُ فِيهَا. فَلَوْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ، لَكِنْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ «التَّقْرِيبِ» فَإِقْرَارُهُ لَاغٍ. لَكِنْ لَوْ كَانَ نَكَحَ، فَإِقْرَارُهُ اعْتِرَافٌ بِتَحْرِيمِهَا، فَيُؤَاخَذُ بِهِ. وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ، فَفِيهِ طُرُقٌ، حَاصِلُهَا أَنَّهُ تَثْبُتُ أَحْكَامُ الْأَرِقَّاءِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقَالَ ابْنُ سَلَمَةَ: قَوْلَانِ. ثَانِيهِمَا: أَنَّهُ يَبْقَى عَلَى أَحْكَامِ الْحُرِّيَّةِ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: يَبْقَى فِيمَا يَضُرُّ بِغَيْرِهِ، وَكِلَاهُمَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ. وَأَمَّا الْمَاضِي، فَيُقْبَلُ إِقْرَارُهُ فِيمَا يَضُرُّ بِهِ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ السَّابِقَةِ قَطْعًا، وَلَا يُقْبَلُ فِيمَا يَضُرُّ بِغَيْرِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فُرُوعٌ. أَحَدُهَا: إِذَا نَكَحَ قَبْلَ الْإِقْرَارِ، نُظِرَ، أَذَكَرٌ هُوَ، أَمْ أُنْثَى، فَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَزَوَّجَهَا الْحَاكِمُ عَلَى الْحُرِّيَّةِ، ثُمَّ أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ. فَإِنْ قَبِلْنَا

ص: 447

الْإِقْرَارَ فِيمَا يَضُرُّ غَيْرَهُ، فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الزَّوْجِ إِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَإِنْ دَخَلَ، فَعَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ لِلْمُقَرِّ لَهُ. فَإِنْ كَانَ سَلَّمَ الْمَهْرَ إِلَيْهَا، اسْتَرَدَّهُ إِنْ كَانَ بَاقِيًا، وَإِلَّا، رَجَعَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْعِتْقِ، وَالْأَوْلَادُ مِنْهَا أَحْرَارٌ، لِظَنِّهِ الْحُرِّيَّةَ، وَعَلَى الزَّوْجِ قِيمَتُهُمْ لِلْمُقَرِّ لَهُ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالْقِيمَةِ إِنْ كَانَتْ هِيَ الْغَارَّةَ. وَفِي الرُّجُوعِ بِالْمَهْرِ قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ. وَفِي الْعِدَّةِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: يَلْزَمُهَا قُرْءَانِ، لِأَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ النِّكَاحِ الصَّحِيحِ قُرْءَانِ، وَنِكَاحُ الشُّبْهَةِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ كَالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبَا «الْمُهَذَّبِ» ، وَ «الشَّامِلِ» . وَالثَّانِي: لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، إِذْ لَا نِكَاحَ، وَلَكِنْ تَسْتَبْرِئُ بِقُرْءٍ بِسَبَبِ الْوَطْءِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَيَجِبُ طَرْدُ هَذَا الْخِلَافَ فِي كُلِّ نِكَاحِ شُبْهَةٍ عَلَى أَمَةٍ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُقْبَلُ الْإِقْرَارُ فِيمَا يَضُرُّ غَيْرَهُ، فَالْكَلَامُ فِي أُمُورٍ.

أَحَدُهَا: لَا يُحْكَمُ بِانْفِسَاخِ نِكَاحِهَا، بَلْ يَبْقَى كَمَا كَانَ. قَالَ الْإِمَامُ: سَوَاءٌ فَرَّقْنَا بَيْنَ الْمَاضِي، وَالْمُسْتَقْبَلِ، أَمْ لَا، وَيَصِيرُ النِّكَاحُ كَالْمُسْتَوْفَى الْمَقْبُوضِ، وَاسْتَدْرَكَ ابْنُ كَجٍّ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ الزَّوْجُ مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ، انْفَسَخَ نِكَاحُهُ، لِأَنَّ الْأَوْلَادَ الَّذِينَ يَلِدُهُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَرِقَّاءُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَيْسَ لَهُ الثَّبَاتُ عَلَيْهِ، وَهَذَا حَسَنٌ، لَكِنْ صَرَّحَ ابْنُ الصَّبَّاغِ بِخِلَافِهِ.

قُلْتُ: الْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَنْفَسِخُ كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ، كَالْحُرِّ إِذَا وُجِدَ الطَّوْلُ بَعْدَ نِكَاحِ الْأَمَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ أَنَّ لِلزَّوْجِ خِيَارَ فَسْخِ النِّكَاحِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي «الْمُخْتَصَرِ» . قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: هَذَا إِذَا نَكَحَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ، فَإِنْ تَوَهَّمَ الْحُرِّيَّةَ، وَلَمْ يُجْرِ شَرْطَهَا، فَفِيهِ خِلَافٌ نَذْكُرُهُ فِي النِّكَاحِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -.

الثَّانِي: فِي الْمَهْرِ، وَمَتَى ثَبَتَ لِلزَّوْجِ الْخِيَارُ، فَفَسَخَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ،

ص: 448

وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ، لَزِمَهُ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الْمُسَمَّى وَمَهْرِ الْمِثْلِ. وَإِنْ أَجَازَ، لَزِمَهُ الْمُسَمَّى، قَالَهُ الْبَغَوِيُّ. فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْإِجَازَةِ، وَقَبْلَ الدُّخُولِ، لَزِمَهُ نِصْفُ الْمُسَمَّى، وَفِيهِ إِشْكَالٌ، لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ يَزْعُمُ فَسَادَ النِّكَاحِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ دُخُولٌ، وَجَبَ أَنْ لَا يُطَالِبَ بِشَيْءٍ، وَقَدْ يُشْعِرُ بِهَذَا إِطْلَاقُ الْغَزَالِيِّ.

قُلْتُ: الرَّاجِحُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِمَا ذَكَرَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ أَعْطَاهَا الصَّدَاقَ، لَمْ يُطَالَبْ بِهِ ثَانِيًا.

الثَّالِثُ: أَوْلَادُهَا، فَالَّذِينَ حَصَلُوا قَبْلَ الْإِقْرَارِ أَحْرَارٌ، وَلَا يَلْزَمُ لِلزَّوْجِ قِيمَتُهُمْ. وَالْحَادِثُونَ بَعْدَهُ أَرِقَّاءُ، لِأَنَّهُ وَطِئَهَا عَالِمًا بِرِقِّهَا. قَالَ الْإِمَامُ: هَذَا ظَاهِرٌ إِنْ قَبِلْنَا الْإِقْرَارَ فِيمَا يَضُرُّ بِالْغَيْرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. فَإِنْ لَمْ نَقْبَلْهُ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بَحُرِّيَّتِهِمْ لِصِيَانَةِ حَقِّ الزَّوْجِ، كَمَا أَدَمْنَا النِّكَاحَ صِيَانَةً لَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِرِقِّهِمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ، لِأَنَّ الْعُلُوقَ مُتَوَهَّمٌ فَلَا يُجْعَلُ مُسْتَحَقًّا بِالنِّكَاحِ، بِخِلَافِ الْوَطْءِ.

الرَّابِعُ: تَرَدُّدُ الْإِمَامِ فِي أَنَّا إِذَا أَدَمْنَا النِّكَاحَ، تُسَلَّمُ إِلَى الزَّوْجِ تَسْلِيمَ الْإِمَاءِ، أَمْ تَسْلِيمَ الْحَرَائِرِ؟ فَالظَّاهِرُ: الثَّانِي، وَإِلَّا، لِعِظَمِ الضَّرَرِ عَلَى الزَّوْجِ، وَاخْتَلَّتْ مَقَاصِدُ النِّكَاحِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي «الْمُخْتَصَرِ» : لَا أُصَدِّقُهَا عَلَى فَسَادِ النِّكَاحِ، وَلَا عَلَى مَا يَجِبُ عَلَيْهَا لِلزَّوْجِ.

الْخَامِسُ: فِي الْعِدَّةِ. وَأَمَّا عِدَّةُ الطَّلَاقِ، فَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا وَطَلَّقَهَا، ثُمَّ أَقَرَّتْ، فَعَلَيْهَا ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ، وَلَهُ الرَّجْعَةُ فِي جَمِيعِهَا، لِأَنَّهُ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالطَّلَاقِ. وَإِنْ أَقَرَّتْ ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَكَذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ، لِأَنَّ النِّكَاحَ أَثْبَتَ لَهُ

ص: 449

الرَّجْعَةَ فِي ثَلَاثَةِ أَقَرَاءٍ. وَالثَّانِي: تَعْتَدُّ بِقُرْئَيْنِ، لِأَنَّهُ أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَقْبَلِ كَإِرْقَاقِ أَوْلَادِهَا، وَصَحَّحَهُ أَبُو الْفَرَجِ الزَّازُ، وَحَكَاهُ عَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ. وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا، فَهُوَ كَالرَّجْعِيِّ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّ الْعِدَّةَ فِيهِمَا لَا تَخْتَلِفُ. وَالثَّانِي: تَعْتَدُّ بِقُرْئَيْنِ مُطْلَقًا، لِأَنَّهَا رَقِيقَةٌ وَلَيْسَتْ لِلزَّوْجِ رَجْعَةٌ. وَأَمَّا عِدَّةُ الْوَفَاةِ، فَإِنَّهَا بِشَهْرَيْنِ، وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ، عِدَّةُ الْإِمَاءِ، نَصَّ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَقَرَّتْ قَبْلَ مَوْتِ الزَّوْجِ أَوْ بَعْدَهُ فِي الْعِدَّةِ، لِأَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَبِلَ فِي قَوْلِهَا انْتِقَاضَهَا، وَلَيْسَ فِيهَا إِضْرَارٌ بِأَحَدٍ. وَفِي وَجْهٍ: لَا يَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ أَصْلًا، لِأَنَّهَا تَزْعُمُ بُطْلَانَ النِّكَاحِ مِنْ أَصْلِهِ، وَقَدْ مَاتَ الزَّوْجُ، فَعَلَى هَذَا، إِنْ جَرَى دُخُولٌ، لَزِمَهَا الِاسْتِبْرَاءُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَالْقَوْلُ فِي أَنَّهُ بِقُرْءٍ، أَمْ بِقُرْئَيْنِ، عَلَى مَا سَبَقَ فِي التَّفْرِيعِ عَلَى الْقَوْلِ. فَإِنْ لَمْ يَجْرِ دُخُولٌ، فَهَلْ تَسْتَبْرِئُ بِقُرْءٍ كَمَا لَوِ اشْتَرَيْتُ مِنِ امْرَأَةٍ، أَوْ مَجْبُوبٍ، أَمْ لَا اسْتِبْرَاءَ أَصْلًا لِانْقِطَاعِ حُقُوقِ الزَّوْجِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ، وَبِالثَّانِي قَطَعَ الْغَزَالِيُّ. هَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ الْمُقِرُّ أُنْثَى. فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا فَبَلَغَ، وَنَكَحَ، ثُمَّ أَقَرَّ بِالرِّقِّ، فَإِنْ قَبِلْنَا إِقْرَارَهُ مُطْلَقًا، فَهَذَا نِكَاحٌ فَاسِدٌ، فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَلَا مَهْرَ إِنْ لَمْ يَقَعْ دُخُولٌ، وَإِنْ وَقَعَ، فَعَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ، كَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ فِي «الْمُهَذَّبِ» - وَأَبْدَاهُ الْإِمَامُ احْتِمَالًا -: أَنَّ عَلَيْهِ الْأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَالْمُسَمَّى. ثُمَّ مُتَعَلَّقُ الْوَاجِبِ ذِمَّتُهُ، أَمْ رَقَبَتُهُ؟ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا: الْأَوَّلُ. وَإِنْ قَبِلْنَا إِقْرَارَهُ فِيمَا يَضُرُّهُ دُونَ غَيْرِهِ، حَكَمْنَا بِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ، وَلَمْ نَقْبَلْ قَوْلَهُ فِي الْمَهْرِ، فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمُسَمَّى إِنْ لَمْ يَدْخُلْ، وَجَمِيعُهُ إِنْ دَخَلَ، وَيُؤَدِّي ذَلِكَ مِمَّا فِي يَدِهِ، أَوْ مِنْ كَسْبِهِ فِي الْحَالِ، أَوِ الْمُسْتَقْبَلِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ، فَفِي ذِمَّتِهِ إِلَى أَنْ يُعْتَقَ.

الْفَرْعُ الثَّانِي: إِذَا كَانَتْ عَلَيْهِ دُيُونٌ وَقْتَ الْإِقْرَارِ بِالرِّقِّ، وَفِي يَدِهِ أَمْوَالٌ، فَإِنْ قَبِلْنَا إِقْرَارَهُ مُطْلَقًا، فَالْأَمْوَالُ تُسَلَّمُ لِلْمُقَرِّ لَهُ، وَالدُّيُونُ فِي ذِمَّتِهِ. وَإِنْ قَبِلْنَاهُ فِيمَا يَضُرُّهُ دُونَ غَيْرِهِ، قَضَيْنَا الدُّيُونَ مِمَّا فِي يَدِهِ. فَإِنْ فَضَلَ مِنَ الْمَالِ شَيْءٌ، فَهُوَ لِلْمُقَرِّ لَهُ، وَإِنْ بَقِيَ مِنَ الدَّيْنِ شَيْءٌ، فَفِي ذِمَّتِهِ إِلَى أَنْ يَعْتِقَ.

ص: 450

الْفَرْعُ الثَّالِثُ: إِذَا بَاعَ، أَوِ اشْتَرَى بَعْدَ الْبُلُوغِ، ثُمَّ أَقَرَّ بِالرِّقِّ، فَإِنْ قَبِلْنَا الْإِقْرَارَ مُطْلَقًا، فَالْبَيْعُ، وَالشِّرَاءُ بَاطِلَانِ، فَإِنْ كَانَ مَا بَاعَهُ بَاقِيًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، أَخَذَهُ الْمُقَرُّ لَهُ، وَإِلَّا، طَالَبَهُ بِقِيمَتِهِ. وَالثَّمَنُ إِنْ أَخَذَهُ الْمُقِرُّ وَأَتْلَفَهُ، فَهُوَ فِي ذِمَّتِهِ إِلَى أَنْ يَعْتِقَ، وَإِنْ كَانَ بَاقِيًا رَدَّهُ، وَمَا اشْتَرَاهُ إِنْ كَانَ بَاقِيًا فِي يَدِهِ، رَدَّهُ إِلَى بَائِعِهِ، وَإِلَّا، اسْتَرَدَّ الثَّمَنَ مِنَ الْبَائِعِ، وَحَقُّ الْبَائِعِ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُقْبَلُ فِيمَا يَضُرُّ غَيْرَهُ، لَمْ نُبْطِلْهُمَا، ثُمَّ مَا بَاعَهُ إِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ ثَمَنَهُ، اسْتَوْفَاهُ الْمُقَرُّ لَهُ، وَإِنْ كَانَ اسْتَوْفَاهُ، لَمْ يُطَالِبِ الْمُشْتَرِيَ ثَانِيًا، وَمَا اشْتَرَاهُ إِنْ كَانَ وَزَنَ ثَمَنَهُ، فَقَدْ تَمَّ الْعَقْدُ، وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ لِلْمُقَرِّ لَهُ. وَإِنْ لَمْ يَزِنْ، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ حِينَ أَقَرَّ بِالرِّقِّ، وَزَنَ الثَّمَنَ مِنْهُ، وَإِلَّا، فَهُوَ كَإِفْلَاسِ الْمُشْتَرِي، فَيَرْجِعُ الْبَائِعُ إِلَى عَيْنِ مَالِهِ إِنْ كَانَ بَاقِيًا، وَإِلَّا، فَهُوَ فِي ذِمَّةِ الْمُقِرِّ حَتَّى يَعْتِقَ.

الْفَرْعُ الرَّابِعُ: جَنَى ثُمَّ أَقَرَّ بِالرِّقِّ، فَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَمْدًا، فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ حُرًّا أَوْ عَبْدًا. وَإِنْ كَانَتْ خَطَأً، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ، أُخِذَ الْأَرْشُ مِنْهُ، كَذَا قَالَهُ الْبَغَوِيُّ، وَهُوَ خِلَافُ قِيَاسِ الْقَوْلَيْنِ، لِأَنَّ أَرْشَ الْخَطَأِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا فِي يَدِ الْجَانِي حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ مَالٌ، تَعَلَّقَ الْأَرْشُ بِرَقَبَتِهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: إِنْ قُلْنَا: لَا يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ فِيمَا يَضُرُّ غَيْرَهُ، فَالْأَرْشُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. فَلَوْ زَادَ الْأَرْشُ عَلَى قِيمَةِ الرَّقَبَةِ، فَالزِّيَادَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَطْعًا.

[الْفَرْعُ] الْخَامِسُ: جُنِيَ عَلَيْهِ فَقَطَعَ طَرَفَهُ، ثُمَّ أَقَرَّ بِالرِّقِّ، فَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَمْدًا وَالْجَانِي عَبْدًا، اقْتُصَّ مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ حُرًّا، فَلَا قِصَاصَ، وَيَكُونُ كَالْخَطَأِ. وَإِنْ كَانَتْ خَطَأً، فَإِنْ قَبِلْنَا إِقْرَارَهُ مُطْلَقًا، فَعَلَى الْجَانِي كَمَالُ قِيمَتِهِ إِنْ صَارَتْ قَتْلًا، وَإِلَّا، فَمَا تَقْتَضِيهِ جِرَاحَةُ الْعَبْدِ. وَإِنْ قَبِلْنَاهُ فِيمَا يَضُرُّهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَكَانَتِ الْجِنَايَةُ قَطْعَ يَدٍ، فَإِنْ لَمْ يَزِدْ نِصْفَ الْقِيمَةِ عَلَى نِصْفِ الدِّيَةِ، فَالْوَاجِبُ نِصْفُ الْقِيمَةِ، وَإِنْ زَادَ، فَهَلْ يَجِبُ

ص: 451