الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَابُ الثَّالِثُ
فِي الطَّوَارِئِ الْمُوجِبَةِ لِلْفَسْخِ
فَالْفَسْخُ وَالِانْفِسَاخُ، يَثْبُتُ بِخَلَلٍ يَعْرِضُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ. إِحْدَاهَا: مَا يُنْقِصُ الْمَنْفَعَةَ. وَمَتَى ظَهَرَ بِالْمُسْتَأْجَرَةِ نَقْصٌ تَتَفَاوَتُ بِهِ الْأُجْرَةُ، فَهُوَ عَيْبٌ مُثْبِتٌ لِلْفَسْخِ، وَذَلِكَ كَمَرَضِ الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ، وَانْقِطَاعِ مَاءِ الْبِئْرِ وَتَغَيُّرِهِ بِحَيْثُ يَمْنَعُ الشُّرْبَ، وَانْكِسَارِ دَعَائِمِ الدَّارِ وَاعْوِجَاجِهَا، وَانْهِدَامِ بَعْضِ جُدْرَانِهَا، لَكِنْ لَوْ بَادَرَ الْمُؤَجِّرُ إِلَى الْإِصْلَاحِ، وَكَانَ قَابِلًا لِلْإِصْلَاحِ فِي الْحَالِ، سَقَطَ خِيَارُ الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا سَبَقَ.
وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَيْبُ سَابِقًا لِلْعَقْدِ أَوِ الْقَبْضِ، أَوْ حَادِثًا فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ. ثُمَّ إِنْ ظَهَرَ الْعَيْبُ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ، فَإِنْ شَاءَ فَسَخَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ أَجَازَ بِجَمِيعِ الْأُجْرَةِ. وَإِنْ ظَهَرَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ، فَالْوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ أَرَادَ الْفَسْخَ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ، فَهُوَ كَمَا لَوِ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا، ثُمَّ وَجَدَ بِالْبَاقِي عَيْبًا وَأَرَادَ الْفَسْخَ فِيهِمَا. وَإِنْ أَرَادَ الْفَسْخَ فِيمَا بَقِيَ مِنَ الْمُدَّةِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَرَادَ الْفَسْخَ فِي الْعَبْدِ الْبَاقِي وَحْدَهُ، وَحُكْمُهُمَا مَذْكُورٌ فِي الْبَيْعِ.
وَأَطْلَقَ الْجُمْهُورُ الْقَوْلَ بِأَنَّ لَهُ الْفَسْخَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا هَذَا التَّفْصِيلَ. وَمَتَى امْتَنَعَ الْفَسْخُ، فَلَهُ الْأَرْشُ، فَيُعْرَفُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ سَلِيمًا وَمَعِيبًا، وَيُعْرَفُ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا. هَذَا كُلُّهُ فِي إِجَارَةِ الْعَيْنِ. أَمَّا إِذَا وَجَدَ فِي إِجَارَةِ الذِّمَّةِ بِالدَّابَّةِ الْمُسَلَّمَةِ عَيْبًا، فَلَا فَسْخَ، بَلْ يَرُدُّهَا وَيَلْزَمُ الْمُؤَجِّرُ إِبْدَالَهَا.
فَصْلٌ
لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِالْأَعْذَارِ، سَوَاءٌ كَانَتْ إِجَارَةُ عَيْنٍ أَوْ ذِمَّةٍ، وَذَلِكَ كَمَا إِذَا
اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِلسَّفَرِ عَلَيْهَا فَمَرِضَ، أَوْ حَانُوتًا لِحِرْفَةٍ فَنَدِمَ أَوْ هَلَكَتْ آلَاتُ تِلْكَ الْحِرْفَةِ، أَوْ حَمَّامًا فَتَعَذَّرَ الْوَقُودُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعُذْرُ لِلْمُؤَجِّرِ، بِأَنْ مَرِضَ وَعَجَزَ عَنِ الْخُرُوجِ مَعَ الدَّابَّةِ، أَوْ أَكْرَى دَارَهُ وَأَهْلُهُ مُسَافِرُونَ، فَعَادُوا وَاحْتَاجَ إِلَى الدَّارِ، أَوْ تَأَهَّلَ، فَلَا فَسْخَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، إِذْ لَا خَلَلَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. وَلَوِ اكْتَرَى أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ، فَزَرَعَهَا، فَهَلَكَ الزَّرْعُ بِجَائِحَةٍ مِنْ سَيْلٍ أَوْ شِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ كَثْرَةِ مَطَرٍ وَنَحْوِهَا، فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ وَلَا حَطُّ شَيْءٍ مِنَ الْأُجْرَةِ، لِأَنَّ الْجَائِحَةَ لَحِقَتْ زَرْعَ الْمُسْتَأْجِرِ، لَا مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ، فَصَارَ كَمَا لَوِ اكْتَرَى دُكَّانًا لِبَيْعِ الْبَزِّ فَاحْتَرَقَ بَزُّهُ، لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ.
فَلَوْ فَسَدَتِ الْأَرْضُ بِجَائِحَةٍ أَبْطَلَتْ قُوَّةَ الْإِنْبَاتِ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، انْفَسَخَتِ الْإِجَارَةُ فِي الْمُدَّةِ الْبَاقِيَةِ. ثُمَّ إِنْ كَانَ فَسَادُ الْأَرْضِ بَعْدَ فَسَادِ الزَّرْعِ، فَهَلْ يَسْتَرِدُّ شَيْئًا مِنَ الْأُجْرَةِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ. أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْغَزَالِيِّ: الْمَنْعُ، لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَتْ صَلَاحِيَةُ الْأَرْضِ، لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِيهَا نَفْعٌ بَعْدَ فَوَاتِ الزَّرْعِ.
وَالثَّانِي وَبِهِ قَطَعَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْإِمَامِ: يَسْتَرِدُّ، لِأَنَّ بَقَاءَ الْأَرْضِ عَلَى صِفَتِهَا مَطْلُوبٌ. فَإِذَا زَالَ، ثَبَتَ الِانْفِسَاخُ. وَإِنْ كَانَ فَسَادُ الزَّرْعِ بَعْدَ فَسَادِ الْأَرْضِ، فَأَصَحُّ الِاحْتِمَالَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ: الِاسْتِرْدَادُ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: فَوَاتُ الْمَنْفَعَةِ بِالْكُلِّيَّةِ حِسًّا، فَمِنْ صُوَرِهِ مَوْتُ الدَّابَّةِ وَالْأَجِيرِ الْمُعَيَّنِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ عَقِبِهِ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ، انْفَسَخَ الْعَقْدُ. وَإِنْ كَانَ فِي خِلَالِ الْمُدَّةِ، انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِي الْبَاقِي وَفِي الْمَاضِي الطَّرِيقَانِ فِيمَا إِذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ، فَقَبَضَ أَحَدَهُمَا وَتَلِفَ الثَّانِي قَبْلَ الْقَبْضِ، هَلْ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فِي الْمَقْبُوضِ؟ فَإِنْ قُلْنَا: يَنْفَسِخُ فِي الْمَاضِي، سَقَطَ الْمُسَمَّى وَوَجَبَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمَا مَضَى. وَإِنْ قُلْنَا:
لَا يَنْفَسِخُ فِيهِ، فَهَلْ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْبَغَوِيِّ: لَا، لِأَنَّ مَنَافِعَهُ اسْتُهْلِكَتْ. وَالثَّانِي: نَعَمْ، وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ، لِأَنَّ جَمِيعَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَمْ يُسَلَّمْ. فَإِنْ قُلْنَا: لَهُ الْفَسْخُ، فَفَسَخَ، رَجَعَ إِلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا فَسْخَ، أَوْ أَجَازَ، وَجَبَ قِسْطُ مَا مَضَى مِنَ الْمُسَمَّى، وَالتَّوْزِيعُ عَلَى قِيمَةِ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، لَا عَلَى نَفْسِ الزَّمَانِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ، فَرُبَّمَا تَزِيدُ أُجْرَةُ شَهْرٍ عَلَى أُجْرَةِ شَهْرَيْنِ، لِكَثْرَةِ الرَّغَبَاتِ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ.
وَإِنْ كَانَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ سَنَةً، وَمَضَى نِصْفُهَا، وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ فِيهِ مِثْلَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي، وَجَبَ مِنَ الْمُسَمَّى ثُلْثَاهُ. وَإِنْ كَانَتْ بِالْعَكْسِ، فَثُلْثُهُ. وَإِذَا أَثْبَتْنَا الْخِيَارَ بِعَيْبٍ، فَفُسِخَ الْعَقْدُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَفِي الِانْفِسَاخِ فِي الْمَاضِي الطَّرِيقَانِ. فَإِنْ لَمْ يَنْفَسِخْ، فَطَرِيقُ التَّوْزِيعِ مَا بَيَّنَّاهُ. وَإِنْ أَجَازَهُ، فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ الْمُسَمَّاةُ بِتَمَامِهَا، كَمَا لَوْ رَضِيَ بِعَيْبِ الْمَبِيعِ، لَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ. وَسَوَاءٌ حَصَلَ التَّلَفُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، أَمْ بِفِعْلِ الْمُسْتَأْجِرِ، بَلْ لَوْ قَتَلَ الْعَبْدَ أَوِ الدَّابَّةَ الْمُعَيَّنَةَ، كَانَ حُكْمُ الِانْفِسَاخِ وَالْأُجْرَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ مَا أَتْلَفَ. وَعَنِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ تَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ الْمُسَمَّاةُ بِالْإِتْلَافِ كَمَا يَسْتَقِرُّ الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِإِتْلَافِهِ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ الْبَيْعَ وَرَدَ عَلَى الْعَيْنِ، فَإِذَا أَتْلَفَهَا صَارَ قَابِضًا، وَالْإِجَارَةُ وَارِدَةٌ عَلَى الْمَنَافِعِ، وَمَنَافِعُ الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ مَعْدُومَةٌ لَا يُتَصَوَّرُ وُرُودُ الْإِتْلَافِ عَلَيْهَا، وَعَلَى هَذَا لَوْ عَيَّبَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّارَ، أَوْ جَرَحَ الْعَبْدَ، فَهُوَ كَالتَّعَيُّبِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ.
فَرْعٌ
نُصَّ أَنَّ انْهِدَامَ الدَّارِ يَقْتَضِي الِانْفِسَاخَ، وَنُصَّ فِيمَا إِذَا اكْتَرَى أَرْضًا
لِلزِّرَاعَةِ وَلَهَا مَاءٌ: مُعْتَادٌ فَانْقَطَعَ، أَنَّ لَهُ فَسْخَ الْعَقْدِ، وَفِيهِمَا ثَلَاثَةُ طُرُقٍ. أَحَدُهَا: تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ، لِأَنَّ الدَّارَ لَمْ تَبْقَ دَارًا، وَالْأَرْضَ بَقِيَتْ أَرْضًا، وَلِأَنَّ الْأَرْضَ يُمْكِنُ زِرَاعَتُهَا بِالْأَمْطَارِ. وَالثَّانِي: الْقَطْعُ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ. وَأَصَحُّهَا: قَوْلَانِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. أَظْهَرُهُمَا: فِي الِانْهِدَامِ الِانْفِسَاخُ، وَفِي انْقِطَاعِ الْمَاءِ: ثُبُوتُ الْخِيَارِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ إِذَا انْقَطَعَتِ الزِّرَاعَةُ. فَإِنْ قَالَ الْمُؤَجِّرُ: أَنَا أَسُوقُ إِلَيْهَا مَاءً مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، سَقَطَ الْخِيَارُ كَمَا لَوْ بَادَرَ إِلَى إِصْلَاحِ الدَّارِ. فَإِنْ قُلْنَا بِالِانْفِسَاخِ، فَالْحُكْمُ كَمَوْتِ الْعَبْدِ، وَإِلَّا، فَلَهُ الْفَسْخُ فِي الْمُدَّةِ الْبَاقِيَةِ.
وَفِي الْمَاضِي الْوَجْهَانِ. فَإِنْ مَنَعْنَاهُ، فَعَلَيْهِ قِسْطُ مَا مَضَى مِنَ الْمُسَمَّى، وَإِنْ أَجَازَ، لَزِمَهُ الْمُسَمَّى كُلُّهُ، وَقِيلَ يُحَطُّ لِلِانْهِدَامِ وَانْقِطَاعِ الْمَاءِ مَا يَخُصُّهُ.
فَرْعٌ
لَوْ غُصِبَ الْعَبْدُ الْمُسْتَأْجَرُ أَوْ أَبَقَ، أَوْ نَدَّتِ الدَّابَّةُ، فَإِنْ كَانَتِ الْإِجَارَةُ فِي الذِّمَّةِ، فَعَلَى الْمُؤَجِّرِ الْإِبْدَالُ. فَإِنِ امْتَنَعَ، اسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَتْ إِجَارَةَ عَيْنٍ، أَوْ غُصِبَتِ الدَّارُ الْمُسْتَأْجَرَةُ، فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ، فَإِنِ اخْتَارَ الْفَسْخَ، فُسِخَ فِي الْبَاقِي. وَفِي الْمَاضِي الْخِلَافُ السَّابِقُ. وَإِنْ لَمْ يُفْسَخْ وَكَانَ قَدِ اسْتَأْجَرَ مُدَّةً مَعْلُومَةً فَانْقَضَتْ، بُنِيَ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا إِذَا أَتْلَفَ أَجْنَبِيٌّ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ، هَلْ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ، أَمْ لَا؟ إِنْ قُلْنَا: يَنْفَسِخُ، فَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ، وَيَسْتَرِدُّ الْأُجْرَةَ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَنْفَسِخُ، فَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ، وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ وَيَسْتَرِدَّ الْأُجْرَةَ، وَبَيْنَ أَنْ يُجِيزَ وَيُطَالِبَ الْغَاصِبَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ. وَالَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ
الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَالْأَصْحَابُ، انْفِسَاخُ الْإِجَارَةِ وَإِنْ كَانَ الْبِنَاءُ الْمَذْكُورُ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ عَدَمِ الِانْفِسَاخِ، لَكِنَّ الْمَذْهَبَ الِانْفِسَاخُ. وَعَلَى هَذَا، لَوْ عَادَ إِلَى يَدِهِ وَقَدْ بَقِيَ بَعْضُ الْمُدَّةِ، فَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ فِي الْبَاقِي، وَتَسْقُطَ حِصَّةُ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ، إِلَّا إِذَا قُلْنَا: إِنَّ الِانْفِسَاخَ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ يُوجِبُ الِانْفِسَاخَ فِي الْبَاقِي، فَلَيْسَ لَهُ الِانْتِفَاعُ فِي بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ. وَإِنْ كَانَ اسْتَأْجَرَهُ لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ، فَلَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِيهِ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ. وَإِذَا بَادَرَ الْمُؤَجِّرُ إِلَى الِانْتِزَاعِ مِنَ الْغَاصِبِ، وَلَمْ تَتَعَطَّلْ مَنْفَعَةٌ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، سَقَطَ خِيَارُهُ كَمَا سَبَقَ فِي إِصْلَاحِ الدَّارِ.
فَرْعٌ
إِذَا أَقَرَّ الْمُؤَجِّرُ بِالْمُسْتَأْجَرَةِ لِلْغَاصِبِ مِنَ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ لِغَيْرِهِ، فَفِي قَبُولِ إِقْرَارِهِ فِي الرَّقَبَةِ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: الْقَبُولُ. فَإِنْ قَبِلْنَاهُ، فَفِي بُطْلَانُ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ مِنَ الْمَنْفَعَةِ أَوْجُهٌ. أَصَحُّهَا: لَا يَبْطُلُ. وَالثَّانِي: يَبْطُلُ. وَالثَّالِثُ: إِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ تُرِكَتْ فِي يَدِهِ إِلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ. وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُقِرِّ لَهُ، لَمْ تُنْزَعْ مِنْهُ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْبُطْلَانِ، فَهَلْ يَحْلِفُ الْمُؤَجِّرُ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي أَنَّ الْمُرْتَهِنَ، هَلْ يَحْلِفُ الرَّاهِنُ إِذَا أَقَرَّ بِالْمَرْهُونِ وَقَبِلْنَاهُ؟
فَرْعٌ
لِلْمُؤَجِّرِ مُخَاصَمَةُ مَنْ غَصَبَ الْمُسْتَأْجَرَةَ أَوْ سَرَقَهَا، وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْمُخَاصَمَةُ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ كَالْمُودِعِ وَالْمُسْتَعِيرِ، وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي أَنَّ الْمُرْتَهِنَ هَلْ يُخَاصِمُ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا؟