الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ اللَّقِيطِ
يُقَالُ لِلصَّبِيِّ الْمُلْقَى الضَّائِعِ: لَقِيطٌ، وَمَلْقُوطٌ، وَمَنْبُوذٌ، وَفِيهِ بَابَانِ.
[الْبَابُ] الْأَوَّلُ: فِي أَرْكَانِ الِالْتِقَاطِ الشَّرْعِيِّ وَأَحْكَامِهِ. أَمَّا الْأَرْكَانُ، فَثَلَاثَةٌ. أَحَدُهَا: نَفْسُ الِالْتِقَاطِ، وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ. وَمَنْ أَخَذَ لَقِيطًا، لَزِمَهُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ لِئَلَّا يَضِيعَ نَسَبُهُ. وَقِيلَ: فِي وُجُوبِهِ قَوْلَانِ أَوْ وَجْهَانِ كَاللُّقَطَةِ. وَقِيلَ: إِنْ كَانَ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ، لَمْ يَلْزَمْهُ. وَإِنْ كَانَ مَسْتُورَهَا، لَزِمَهُ. فَإِنْ أَوْجَبْنَا الْإِشْهَادَ فَتَرَكَهُ، قَالَ فِي «الْوَسِيطِ» : لَا تَثْبُتُ وِلَايَةُ الْحَضَانَةِ، وَيَجُوزُ الِانْتِزَاعُ، وَهَذَا يُشْعِرُ بِاخْتِصَاصِ الْإِشْهَادِ الْوَاجِبِ بِابْتِدَاءِ الِالْتِقَاطِ. وَإِذَا أَشْهَدَ، فَلْيَشْهَدْ عَلَى اللَّقِيطِ وَمَا مَعَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ.
الرُّكْنُ الثَّانِي: اللَّقِيطُ، وَهُوَ كُلُّ صَبِيٍّ ضَائِعٍ لَا كَافِلَ لَهُ، فَيَخْرُجُ بِقَيْدِ الصَّبِيِّ الْبَالِغِ، لِأَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنِ الْحَضَانَةِ، وَالتَّعَهُّدِ، فَلَا مَعْنَى لِلِالْتِقَاطِ. لَكِنْ لَوْ وَقَعَ فِي مَعْرِضِ هَلَاكٍ، أُعِينَ لِيَتَخَلَّصَ. وَفِي الصَّبِيِّ الَّذِي بَلَغَ سِنَّ التَّمْيِيزِ تَرَدُّدٌ لِلْإِمَامِ، وَالْأَوْفَقُ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ يُلْتَقَطُ، لِحَاجَتِهِ إِلَى التَّعَهُّدِ. وَالْمُرَادُ بِالضَّائِعِ: الْمَنْبُوذُ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمَنْبُوذِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ وَلَا جَدٌّ وَلَا وَصِيٌّ، فَحِفْظُهُ مِنْ وَظِيفَةِ الْقَاضِي، فَيُسَلِّمُهُ إِلَى مَنْ يَقُومُ بِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ كَافِلٌ مَعْلُومٌ، فَإِذَا فُقِدَ، قَامَ الْقَاضِي مَقَامَهُ. وَقَوْلُنَا: لَا كَافِلَ لَهُ، الْمُرَادُ بِالْكَافِلِ: الْأَبُ وَالْجَدُّ وَمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمَا. وَالْمُلْتَقَطُ مِمَّنْ هُوَ فِي حَضَانَةِ أَحَدِ هَؤُلَاءِ، لَا مَعْنَى لِالْتِقَاطِهِ، إِلَّا أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ فِي مَضْيَعَةٍ أُخِذَ لِيُرَدَّ إِلَى حَاضِنِهِ.
قُلْتُ: مَعْنَاهُ: يَجِبُ أَخْذُهُ لِرَدِّهِ إِلَى حَاضِنِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الرُّكْنُ الثَّالِثُ: الْمُلْتَقِطُ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أُمُورٌ. أَحَدُهَا: التَّكْلِيفُ، فَلَا يَصِحُّ الْتِقَاطُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، الثَّانِي: الْحُرِّيَّةُ، فَالْعَبْدُ إِذَا الْتَقَطَ يُنْتَزَعُ مِنْهُ إِنْ لَمْ يَأْذَنْ سَيِّدُهُ. وَإِنْ أَذِنَ أَوْ عَلِمَ بِهِ فَأَقَرَّهُ فِي يَدِهِ، جَازَ وَكَانَ السَّيِّدُ هُوَ الْمُلْتَقِطُ، وَهُوَ نَائِبُهُ فِي الْأَخْذِ وَالتَّرْبِيَةِ، وَالْمُكَاتَبُ إِذَا الْتَقَطَ بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ، انْتُزِعَ مِنْهُ أَيْضًا. وَإِنِ الْتَقَطَ بِإِذْنِهِ، فَفِيهِ الْخِلَافُ فِي تَبَرُّعَاتِهِ بِالْإِذْنِ، لَكِنَّ الْمَذْهَبَ الِانْتِزَاعُ، لِأَنَّ فِي الِالْتِقَاطِ وِلَايَةً وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا. فَإِنْ قَالَ لَهُ السَّيِّدُ: الْتَقِطْ لِي صَغِيرًا، فَالسَّيِّدُ هُوَ الْمُلْتَقِطُ. وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ إِذَا الْتُقِطَ فِي يَوْمِهِ، هَلْ يَسْتَحِقُّ كَفَالَتَهُ؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا فِي «الْمُعْتَمَدِ» .
الثَّالِثُ: الْإِسْلَامُ، فَالْكَافِرُ يَلْتَقِطُ الطِّفْلَ الْكَافِرَ دُونَ الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ أَوْلَى بِهِ، وَلِلْمُسْلِمِ الْتِقَاطُ الصَّبِيِّ الْمَحْكُومِ بِكُفْرِهِ.
الرَّابِعُ: الْعَدَالَةُ، فَلَيْسَ لِلْفَاسِقِ الِالْتِقَاطُ. وَلَوِ الْتَقَطَ، انْتُزِعَ مِنْهُ، وَأَمَّا مَنْ ظَاهِرُ حَالِهِ الْأَمَانَةُ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُخْتَبَرْ، فَلَا يُنْتَزَعُ مِنْ يَدِهِ، لَكِنْ يُوكِلُ الْقَاضِي بِهِ مَنْ يُرَاقِبُهُ بِحَيْثُ لَا يَعْلَمُ لِئَلَّا يَتَأَذَّى. فَإِذَا وَثِقَ بِهِ، صَارَ كَمَعْلُومِ الْعَدَالَةِ. وَقَبْلَ ذَلِكَ لَوْ أَرَادَ الْمُسَافَرَةَ بِهِ مُنِعَ وَانْتُزِعَ مِنْهُ، لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَسْتَرِقَّهُ.
الْخَامِسُ: الرُّشْدُ، فَالْمُبَذِّرُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ، لَا يُقِرُّ اللَّقِيطَ فِي يَدِهِ.
فَرْعٌ
لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُلْتَقِطِ الذُّكُورَةُ قَطْعًا، وَلَا الْغِنَى. وَقِيلَ: لَا يُقِرُّ فِي يَدِ الْفَقِيرِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.