الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأُجْرَةَ، وَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ مُطَالَبَتِهِ بِقَلْعِهِ، وَبَيْنَ تَرْكِهِ، كَمَا لَوِ اسْتَأْجَرَهُ لِيَخِيطَ [لَهُ] ثَوْبًا. قُلْنَا: هَذَا الَّذِي قَالَهُ، لَا يُخَالِفُ قَوْلَ صَاحِبِ «الشَّامِلِ» . وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
يَجُوزُ لِغَيْرِ الزَّوْجِ اسْتِئْجَارُ الزَّوْجَةِ لِلْإِرْضَاعِ وَغَيْرِهِ بِإِذْنِ الزَّوْجِ، وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّ أَوْقَاتَهَا مُسْتَغْرِقَةٌ بِحَقِّهِ، وَالثَّانِي: يَصِحُّ، وَلِلزَّوْجِ فَسْخُهُ، حِفْظًا لِحَقِّهِ. وَلَوْ أَجَّرَتْ نَفْسَهَا وَلَا زَوْجَ لَهَا، ثُمَّ نُكِحَتْ فِي الْمُدَّةِ، فَالْإِجَارَةُ بِحَالِهَا، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنْ تَوْفِيَةِ مَا الْتَزَمَتْهُ، كَمَا لَوْ أَجَّرَتْ نَفْسَهَا بِإِذْنِهِ، لَكِنْ يَسْتَمْتِعُ بِهَا فِي أَوْقَاتِ فَرَاغِهَا، فَإِنْ كَانَتِ الْإِجَارَةُ لِلْإِرْضَاعِ، فَهَلْ لِوَلِيِّ الطِّفْلِ الَّذِي اسْتَأْجَرَهَا لِإِرْضَاعِهِ مَنْعُ الزَّوْجِ مِنْ وَطْئِهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا حَبِلَتْ فَيَنْقَطِعُ اللَّبَنُ أَوْ يَقِلُّ، وَإِلَّا، فَيَضُرُّ بِالطِّفْلِ. وَالثَّانِي: لَا، وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ، لِأَنَّ الْحَبَلَ مُتَوَهَّمٌ، فَلَا يُمْنَعُ بِهِ الْوَطْءُ الْمُسْتَحَقُّ. فَإِنْ مَنَعْنَاهُ، فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ أَجَّرَ أَمَتَهُ الْمُزَوَّجَةَ، جَازَ، وَلَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنَ الْمُسْتَأْجِرِ، لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ السَّيِّدِ فِي الِانْتِفَاعِ. أَمَّا الزَّوْجُ، فَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُهُ امْرَأَتَهُ، إِلَّا إِذَا اسْتَأْجَرَهَا لِإِرْضَاعِ وَلَدِهِ مِنْهَا، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا. الْمَنْعُ، وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ. وَأَصَحُّهُمَا: الْجَوَازُ، كَمَا لَوِ اسْتَأْجَرَهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ، وَكَمَا لَوِ اسْتَأْجَرَهَا لِلطَّبْخِ وَنَحْوِهِ. وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ، اسْتِئْجَارُ الْوَالِدِ وَلَدَهُ لِلْخِدْمَةِ. وَفِي عَكْسِهِ وَجْهَانِ إِنْ كَانَتِ الْإِجَارَةُ عَلَى عَيْنِهِ، كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا إِذَا أَجَّرَ الْمُسْلِمُ نَفْسَهُ لِكَافِرٍ.
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: حُصُولُ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَأَكْثَرُ الْعِنَايَةِ فِي هَذَا الشَّرْطِ بِالْقُرَبِ، وَضَبَطَهَا الْإِمَامُ فَقَالَ: هِيَ قِسْمَانِ. أَحَدُهُمَا: قُرَبٌ يَتَوَقَّفُ الِاعْتِدَادُ بِهَا عَلَى النِّيَّةِ. فَمَا لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ مِنْهَا، لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ، وَمَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ، جَازَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ، كَالْحَجِّ، وَتَفْرِقَةِ الزَّكَاةِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَمِنْ هَذَا، غُسْلُ الْمَيِّتِ إِذَا أَوْجَبْنَا فِيهِ النِّيَّةَ. الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى النِّيَّةِ، وَهُوَ نَوْعَانِ. فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَشِعَارُ غَيْرِ فَرْضٍ. وَالْأَوَّلُ ضَرْبَانِ. أَحَدُهُمَا: يَخْتَصُّ افْتِرَاضُهُ فِي الْأَصْلِ بِشَخْصٍ وَمَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ، ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ غَيْرُهُ إِنْ عَجَزَ، كَتَجْهِيزِ الْمَوْتَى بِالتَّكْفِينِ وَالْغُسْلِ وَالْحَفْرِ وَحَمْلِ الْمَيِّتِ وَدَفْنِهِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْمُؤَنَ تَخْتَصُّ بِالتَّرِكَةِ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ، فَعَلَى النَّاسِ الْقِيَامُ بِهَا. فَمِثْلُ هَذَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْأَجِيرَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِفِعْلِهِ حَتَّى يَقَعَ عَنْهُ. وَمِنْ هَذَا، تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَخْتَصُّ بِوُجُوبِ التَّعْلِيمِ وَإِنْ كَانَ نَشْرُ الْقُرْآنِ وَإِشَاعَتُهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ وَاحِدٌ لِمُبَاشَرَةِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ، فَإِنْ تَعَيَّنَ وَاحِدٌ لِتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ، أَوْ تَعْلِيمِ الْفَاتِحَةِ، جَازَ اسْتِئْجَارُهُ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ، كَالْمُضْطَرِّ، يَجِبُ إِطْعَامُهُ بِبَدَلِهِ. وَقِيلَ: لَا، كَفَرْضِ الْعَيْنِ ابْتِدَاءً. الضَّرْبُ الثَّانِي: مَا يَثْبُتُ فَرْضُهُ فِي الْأَصْلِ شَائِعًا غَيْرَ مُخْتَصٍّ، كَالْجِهَادِ، فَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الذِّمِّيِّ عَلَى الصَّحِيحِ.
النَّوْعُ الثَّانِي: شِعَارٌ غَيْرُ فَرْضٍ، كَالْأَذَانِ، تَفْرِيعًا عَلَى الْأَصَحِّ. وَفِي جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهِ، ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ ذَكَرْنَاهَا فِي بَابِهِ. فَإِنْ جَوَّزْنَا، فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ يَأْخُذُ الْأُجْرَةَ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ. أَصَحُّهَا: عَلَى جَمِيعِ الْأَذَانِ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ، وَلَا يَبْعُدُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَإِنِ اشْتَمَلَ عَلَى قِرَاءَةِ الْمُعَلِّمِ. وَالثَّانِي:
عَلَى رِعَايَةِ الْمَوَاقِيتِ. وَالثَّالِثُ: عَلَى رَفْعِ الصَّوْتِ. وَالرَّابِعُ: عَلَى الْحَيْعَلَتَيْنِ، فَإِنَّهُمَا لَيْسَتَا ذِكْرًا.
فَرْعٌ
الِاسْتِئْجَارُ لِإِمَامَةِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ، بَاطِلٌ، وَكَذَا لِلتَّرَاوِيحِ وَسَائِرِ النَّوَافِلِ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ مُصَلٍّ لِنَفْسِهِ. وَمَتَى صَلَّى، اقْتَدَى بِهِ مَنْ أَرَادَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ. وَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَى نِيَّتِهِ شَيْءٌ، فَهُوَ إِحْرَازُ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، وَهَذِهِ فَائِدَةٌ تَخْتَصُّ بِهِ. وَمَنْ جَوَّزَهُ، شَبَّهَهُ بِالْأَذَانِ فِي الشِّعَارِ.
فَرْعٌ
الِاسْتِئْجَارُ لِلْقَضَاءِ بَاطِلٌ.
فَرْعٌ
أَطْلَقُوا الْقَوْلَ بِبُطْلَانِ الِاسْتِئْجَارِ لِلتَّدْرِيسِ. وَعَنِ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الطُّوسِيِّ تَرْدِيدُ جَوَابٍ فِي الِاسْتِئْجَارِ لِإِعَادَةِ الدَّرْسِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَوْ عَيَّنَ شَخْصًا أَوْ جَمَاعَةً لِيُعَلِّمَهُمْ مَسْأَلَةً أَوْ مَسَائِلَ مَضْبُوطَةً، فَهُوَ جَائِزٌ، وَالَّذِي أَطْلَقُوهُ، مَحْمُولٌ عَلَى اسْتِئْجَارِ مَنْ يَتَصَدَّى لِلتَّدْرِيسِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَنْ يُعَلِّمُهُ وَمَا يُعَلِّمُهُ، لِأَنَّهُ كَالْجِهَادِ فِي أَنَّهُ إِقَامَةُ مَفْرُوضٍ عَلَى الْكِفَايَةِ ثَابِتٍ عَلَى الشُّيُوعِ. وَكَذَلِكَ يَمْتَنِعُ اسْتِئْجَارُ مُقْرِئٍ يُقْرِئُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ.
الشَّرْطُ الْخَامِسُ: كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مَعْلُومَةَ الْعَيْنِ وَالْقَدْرِ وَالصِّفَةِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ
يَقُولَ: أَجَّرْتُكَ أَحَدَهُمَا. ثُمَّ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَيْنِ الْمُعَيَّنَةِ إِلَّا مَنْفَعَةٌ، فَالْإِجَارَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ لَهَا مَنَافِعُ، وَجَبَ الْبَيَانُ. وَأَمَّا الصِّفَةُ، فَإِجَارَةُ الْغَائِبَةِ، فِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ. وَأَمَّا الْقَدْرُ، فَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِهِ، سَوَاءٌ فِيهِ إِجَارَةُ الْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ. ثُمَّ الْمَنَافِعُ تُقَدَّرُ بِطَرِيقَتَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: الزَّمَانُ، كَاسْتَأْجَرْتُ الدَّارَ لِلسُّكْنَى سَنَةً. وَالثَّانِي: الْعَمَلُ، كَاسْتَأْجَرْتُكَ لِتَخِيطَ هَذَا الثَّوْبَ. ثُمَّ قَدْ يَتَعَيَّنُ الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ، كَاسْتِئْجَارِ الْعَقَارِ، فَإِنَّ مَنْفَعَتَهُ لَا تَنْضَبِطُ إِلَّا بِالزَّمَانِ، وَكَالْإِرْضَاعِ، فَإِنَّ تَقْدِيرَ اللَّبَنِ لَا يُمْكِنُ، وَلَا سَبِيلَ فِيهِ إِلَّا الضَّبْطُ بِالزَّمَانِ.
وَقَدْ يَسُوغُ الطَّرِيقَانِ، كَمَا إِذَا اسْتَأْجَرَ عَيْنَ شَخْصٍ أَوْ دَابَّةٍ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ فِي الشَّخْصِ: لِيَعْمَلَ لِي كَذَا شَهْرًا، وَأَنْ يَقُولَ: لِيَخِيطَ لِي هَذَا الثَّوْبَ. وَفِي الدَّابَّةِ يَقُولُ: لِأَتَرَدَّدَ عَلَيْهَا فِي حَوَائِجِي الْيَوْمَ، أَوْ يَقُولُ: لِأَرْكَبَهَا إِلَى مَوْضِعِ كَذَا، فَأَيُّهُمَا كَانَ، كَفَى، لِتَعْرِيفِ الْمِقْدَارِ. فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَخِيطَ لِي هَذَا الْقَمِيصَ الْيَوْمَ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: بُطْلَانُ الْعَقْدِ.
وَالثَّانِي: صِحَّتُهُ، وَعَلَى هَذَا وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِأَسْرَعِهِمَا، فَإِنِ انْقَضَى الْيَوْمُ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ، اسْتَحَقَّهَا، فَإِنْ تَمَّ الْعَمَلُ قَبْلَ تَمَامِ الْيَوْمِ، اسْتَحَقَّهَا. وَالثَّانِي: الِاعْتِبَارُ بِالْعَمَلِ، فَإِنْ تَمَّ [الْعَمَلُ] أَوَّلًا، اسْتَحَقَّهَا. وَإِنْ تَمَّ الْيَوْمُ أَوَّلًا، وَجَبَ إِتْمَامُهُ. وَإِنْ قَالَ: عَلَى أَنَّكَ إِنْ فَرَغْتَ قَبْلَ تَمَامِ الْيَوْمِ، لَمْ تَخِطْ غَيْرَهُ، بَطُلَتِ الْإِجَارَةُ، لِأَنَّ زَمَنَ الْعَمَلِ يَصِيرُ مَجْهُولًا. فَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا، فَالْمَنَافِعُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْأَعْيَانِ، تَابِعَةٌ لَهَا، وَعَدَدُ الْأَعْيَانِ الَّتِي يُسْتَأْجَرُ لَهَا كَالْمُتَعَذِّرِ، فَعُنِيَ الْأَصْحَابُ بِثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ تَكْثُرُ إِجَارَتُهَا لِيُعْرَفَ طَرِيقُ الضَّبْطِ بِهَا، ثُمَّ يُقَاسُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا.
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: الْآدَمِيُّ يُسْتَأْجَرُ لِعَمَلٍ أَوْ صَنْعَةٍ، كَخِيَاطَةٍ، فَإِنْ كَانَتِ الْإِجَارَةُ فِي الذِّمَّةِ، قَالَ: أَلْزَمْتُ ذِمَّتَكَ
عَمَلَ الْخِيَاطَةِ كَذَا يَوْمًا، لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ خَيَّاطًا وَلَا ثَوْبًا. وَلَوِ اسْتَأْجَرَ عَيْنَهُ، قَالَ: اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَخِيطَ هَذَا الثَّوْبَ. وَلَوْ قَالَ: لِتَخِيطَ لِي يَوْمًا أَوْ شَهْرًا، قَالَ الْأَكْثَرُونَ: يَجُوزُ أَيْضًا. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُبَيِّنَ الثَّوْبَ وَمَا يُرِيدُ مِنْهُ مِنْ قَمِيصٍ، أَوْ قَبَاءٍ، أَوْ سَرَاوِيلَ، وَالطُّولِ، وَالْعَرْضِ، وَأَنْ يُبَيِّنَ نَوْعَ الْخِيَاطَةِ، أَهِيَ رُومِيَّةٌ، أَوْ فَارِسِيَّةٌ؟ إِلَّا أَنْ تَطَّرِدَ الْعَادَةُ بِنَوْعٍ، فَيُحْمَلَ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ.
فَرْعٌ
مِنْ هَذَا النَّوْعِ، الِاسْتِئْجَارُ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، فَلْيُعَيِّنِ السُّورَةَ وَالْآيَاتِ الَّتِي يُعَلِّمُهَا، فَإِنْ أَخَلَّ بِأَحَدِهِمَا، لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينٌ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، بَلْ يَكْفِي ذِكْرُ عَشْرِ آيَاتٍ مَثَلًا. وَقِيلَ: تُشْتَرَطُ السُّورَةُ دُونَ الْآيَاتِ. وَهَلْ يَكْفِي التَّقْدِيرُ بِالْمُدَّةِ فَيَقُولُ: لِتُعَلِّمَنِي شَهْرًا؟ وَجْهَانِ، قَطَعَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ بِالِاكْتِفَاءِ، وَإِيرَادُ غَيْرِهِمَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ.
قُلْتُ: الِاكْتِفَاءُ أَصَحُّ وَأَقْوَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي وُجُوبِ تَعْيِينِ قِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ أَوْ نَافِعٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا، إِذِ الْأَمْرُ فِيهَا قَرِيبٌ. قَالَ الْإِمَامُ: وَكُنْتُ أَوَدُّ أَنْ لَا يَصِحَّ الِاسْتِئْجَارُ لِلتَّعْلِيمِ حَتَّى يُخْتَبَرَ حِفْظُ الْمُتَعَلِّمِ، كَمَا لَا يَصِحُّ إِيجَارُ الدَّابَّةِ لِلرُّكُوبِ حَتَّى يُعْرَفَ حَالُ الرَّاكِبِ، لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ، وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ يَدُلُّ عَلَيْهِ فِي الَّذِي تَزَوَّجَ عَلَى تَعْلِيمِ مَا مَعَهُ مِنَ الْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ إِذَا كَانَ الْمُتَعَلِّمُ مُسْلِمًا، أَوْ كَافِرًا يُرْجَى إِسْلَامُهُ، فَإِنْ لَمْ يُرْجَ، لَمْ يُعَلَّمْ، كَمَا لَا يُبَاعُ الْمُصْحَفُ لِكَافِرٍ، فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ.
فَرْعٌ
إِذَا كَانَ يَتَعَلَّمُ الشَّيْءَ بَعْدَ الشَّيْءِ، ثُمَّ يَنْسَى، فَهَلْ عَلَى الْأَجِيرِ إِعَادَةُ تَعْلِيمِهِ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ. أَحَدُهَا: إِنْ تَعَلَّمَ آيَةً ثُمَّ نَسِيَهَا، لَمْ يَجِبْ تَعْلِيمُهَا ثَانِيًا، وَإِنْ كَانَ دُونَ آيَةٍ، وَجَبَ وَالثَّانِي: الِاعْتِبَارُ بِالسُّورَةِ وَالثَّالِثُ: إِنْ نَسِيَ فِي مَجْلِسِ التَّعْلِيمِ، وَجَبَ إِعَادَتُهُ. وَإِنْ نَسِيَ بَعْدَهُ، فَلَا. وَالرَّابِعُ: يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى الْعُرْفِ الْغَالِبِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ.
فَرْعٌ
عَنِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي «الْفَتَاوَى» : أَنَّ الِاسْتِئْجَارَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى رَأْسِ الْقَبْرِ مُدَّةً، جَائِزٌ، كَالِاسْتِئْجَارِ لِلْأَذَانِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ عَوْدَ الْمَنْفَعَةِ إِلَى الْمُسْتَأْجِرِ شَرْطٌ، فَيَجِبُ عَوْدُهَا فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ إِلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ مَيِّتِهِ، فَالْمُسْتَأْجِرُ لَا يَنْتَفِعُ بِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَلْحَقُهُ ثَوَابُ الْقِرَاءَةِ الْمُجَرَّدَةِ، فَالْوَجْهُ: تَنْزِيلُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى صُورَةِ انْتِفَاعِ الْمَيِّتِ بِالْقِرَاءَةِ. وَذَكَرُوا لَهُ طَرِيقَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُعْقِبَ الْقِرَاءَةَ بِالدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ، لِأَنَّ الدُّعَاءَ يَلْحَقُهُ، وَالدُّعَاءُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ أَقْرَبُ إِجَابَةً وَأَكْثَرُ بَرَكَةً. وَالثَّانِي: ذَكَرَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْكَرِيمِ السَّالُوسِيُّ، أَنَّهُ إِنْ نَوَى الْقَارِئُ بِقِرَاءَتِهِ أَنْ يَكُونَ ثَوَابُهَا لِلْمَيِّتِ، لَمْ يَلْحَقْهُ. وَإِنْ قَرَأَ، ثُمَّ جَعَلَ مَا حَصَلَ مِنَ الْأَجْرِ لَهُ، فَهَذَا دُعَاءٌ بِحُصُولِ ذَلِكَ الْأَجْرِ لِلْمَيِّتِ، فَيَنْفَعُ الْمَيِّتَ.
قُلْتُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ: صِحَّةُ الْإِجَارَةِ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، فَإِنَّ مَوْضِعَ الْقِرَاءَةِ مَوْضِعُ بَرَكَةٍ، وَبِهِ تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ، وَهَذَا مَقْصُودٌ يَنْفَعُ الْمَيِّتَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.