الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الِاسْتِيفَاءِ، فَإِذَا اسْتُؤْجِرَ لِقَلْعِ سِنٍّ وَجِعَةٍ، أَوْ يَدٍ مُتَأَكِّلَةٍ، أَوْ لِاسْتِيفَاءِ قِصَاصٍ فِي نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ، فَالْإِجَارَةُ صَحِيحَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَبَقَ، فَإِذَا زَالَ الْوَجَعُ، أَوْ عُفِيَ عَنِ الْقِصَاصِ، فَقَدْ أَطْلَقَ الْجُمْهُورُ أَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ، وَفِيهِ كَلَامَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ مَضْبُوطَةٌ بِالْعَمَلِ دُونَ الزَّمَانِ، وَهُوَ غَيْرُ مَأْيُوسٍ مِنْهُ، لِاحْتِمَالِ عَوْدِ الْوَجَعِ، فَلْيَكُنْ زَوَالُ الْوَجَعِ كَغَصْبِ الْمُسْتَأْجَرَةِ حَتَّى يَثْبُتَ خِيَارُ الْفَسْخِ دُونَ الِانْفِسَاخِ. وَالثَّانِي: حَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَجْهًا أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ، بَلْ يَسْتَعْمِلُ الْأَجِيرُ فِي قَلْعِ مِسْمَارٍ أَوْ وَتَدٍ، وَيُرَاعَى تَدَانِي الْعَمَلَيْنِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ، وَالْقَوِيُّ مَا قِيلَ أَنَّ الْحُكْمَ بِالِانْفِسَاخِ جَوَابٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِهِ لَا يُبَدَّلُ، فَإِنْ جَوَّزْنَاهُ، أَمَرَهُ بِقَلْعِ سِنٍّ وَجِعَةٍ لِغَيْرِهِ.
فَصْلٌ
إِذَا أَجَّرَ الْوَقْفَ الْبَطْنَ الْأَوَّلَ، ثُمَّ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: تَبْقَى الْإِجَارَةُ بِحَالِهَا كَمَا لَوْ أَجَّرَ مِلْكَهُ فَمَاتَ. وَأَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ، لِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَعْدَ مَوْتِهِ لِغَيْرِهِ، وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، وَلَا نِيَابَةَ، ثُمَّ عِبَارَةُ الْجُمْهُورِ بِالِانْفِسَاخِ وَعَدَمِهِ، فَفِي وَجْهٌ: يَنْفَسِخُ. وَفِي وَجْهٍ: لَا يَنْفَسِخُ، وَاسْتَبْعَدَهَا الصَّيْدَلَانِيُّ وَالْإِمَامُ وَطَائِفَةٌ، لِأَنَّ الِانْفِسَاخَ يُشْعِرُ بِسَبْقِ الِانْعِقَادِ، وَجَعَلُوا الْخِلَافَ فِي أَنَّا هَلْ نَتَبَيَّنُ الْبُطْلَانَ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ؟ ثُمَّ إِنْ أَبْقَيْنَا الْإِجَارَةَ، فَحِصَّةُ الْمُدَّةِ الْبَاقِيَةِ مِنَ الْأُجْرَةِ تَكُونُ لِلْبَطْنِ الثَّانِي، فَإِنْ أَتْلَفَهَا الْأَوَّلُ، فَهِيَ دَيْنٌ فِي تَرِكَتِهِ، وَلَيْسَ كَمَا لَوْ أَجَّرَ مِلْكَهُ وَمَاتَ فِي الْمُدَّةِ، حَيْثُ تَكُونُ جَمِيعُ الْأُجْرَةِ تَرِكَةً تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ، لِأَنَّ التَّصَرُّفَ وَرَدَ عَلَى خَالِصِ مِلْكِهِ، وَالْبَاقِيَ لَهُ بَعْدَ الْإِجَارَةِ رَقَبَةٌ مَسْلُوبَةُ الْمَنْفَعَةِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَتَنْتَقِلُ إِلَى الْوَارِثِ كَذَلِكَ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا تَبْقَى الْإِجَارَةُ، فَهَلْ
تَبْطُلُ فِيمَا مَضَى؟ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: يُبْنَى عَلَى الْخِلَافِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. فَإِنْ قُلْنَا: لَا تُفَرَّقُ، كَانَ لِلْبَطْنِ الْأَوَّلِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمَا مَضَى. أَمَّا إِذَا أَجَّرَ الْوَقْفَ مُتَوَلِّيهِ، فَمَوْتُهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، لِأَنَّهُ نَاظِرٌ لِلْجَمِيعِ. وَقِيلَ: تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ كَمَا سَيَأْتِي فِي وَلِيِّ الصَّبِيِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَرْعٌ
لِلْوَلِيِّ إِجَارَةُ الطِّفْلِ وَمَالُهُ، أَبًا كَانَ أَوْ وَصِيًّا أَوْ قَيِّمًا، إِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهَا، لَكِنْ لَا يُجَاوِزُ مُدَّةَ بُلُوغِهِ بِالسِّنِّ. فَلَوْ أَجَّرَهُ مُدَّةً يَبْلُغُ فِي أَثْنَائِهَا، بِأَنْ كَانَ ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ، فَأَجَّرَهُ عَشْرَ سِنِينَ، فَطَرِيقَانِ. قَالَ الْجُمْهُورُ: يَبْطُلُ فِيمَا يَزِيدُ عَلَى مُدَّةِ الْبُلُوغِ، وَفِيمَا لَا يَزِيدُ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَالثَّانِي: الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ فِي الْجَمِيعِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْبَغَوِيِّ.
قُلْتُ: وَاخْتَارَهُ أَيْضًا ابْنُ الصَّبَّاغِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ مُدَّةً لَا يَبْلُغُ فِيهَا بِالسِّنِّ وَإِنِ احْتُمِلَ بُلُوغُهُ بِالِاحْتِلَامِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الصِّبَا فَلَوِ اتَّفَقَّ فِي الِاحْتِلَامِ فِي أَثْنَائِهَا، فَوَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا عِنْدَ صَاحِبِ «الْمُهَذَّبِ» وَالرُّوْيَانِيِّ: بَقَاءُ الْإِجَارَةِ. وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْمُتَوَلِّي: لَا تَبْقَى.
قُلْتُ: صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ الثَّانِيَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ التَّعْبِيرُ عَنْ هَذَا بِالِانْفِسَاخِ أَوْ تَبَيُّنِ الْبُطْلَانِ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْوَقْفِ.
وَإِذَا قُلْنَا: لَا تَبْقَى الْإِجَارَةُ، جَاءَ فِيمَا مَضَى خِلَافُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَإِذَا قُلْنَا: تَبْقَى، فَهَلْ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ إِذَا بَلَغَ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا، كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا ثُمَّ بَلَغَتْ.