الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
إِذَا كَانَ لِلَّقِيطٍ مَالٌ، هَلْ يَسْتَقِلُّ الْمُلْتَقِطُ بِحِفْظِهِ؟ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا، بَلْ يَحْتَاجُ إِلَى إِذْنِ الْقَاضِي، إِذْ لَا وِلَايَةَ لِلْمُلْتَقِطِ. وَأَرْجَحُهُمَا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْبَغَوِيِّ: الِاسْتِقْلَالُ.
قُلْتُ: رَجَّحَ [الْإِمَامُ] الرَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي «الْمُحَرَّرِ» هَذَا الثَّانِيَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ ظَهَرَ مُنَازِعٌ فِي الْمَالِ الْمَخْصُوصِ بِاللَّقِيطِ، فَلَيْسَ لِلْمُلْتَقِطِ مُخَاصَمَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَسَوَاءٌ قُلْنَا: لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِالْحِفْظِ أَمْ لَا، فَلَيْسَ لَهُ إِنْفَاقُهُ عَلَى اللَّقِيطِ إِلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي إِذَا أَمْكَنَ مُرَاجَعَتُهُ. فَإِنْ أَنْفَقَ، ضَمِنَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى اللَّقِيطِ كَمَنْ فِي يَدِهِ مَالُ وَدِيعَةٍ لِيَتِيمٍ أَنْفَقَهَا عَلَيْهِ. وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ [وَهُوَ شَاذٌّ] ، وَإِذَا رُفِعَ الْأَمْرُ إِلَى الْحَاكِمِ، فَلْيَأْخُذِ الْمَالَ مِنْهُ وَيُسَلِّمْهُ إِلَى أَمِينٍ لِيُنْفِقَ مِنْهُ عَلَى اللَّقِيطِ بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ يَصْرِفَهُ إِلَى الْمُلْتَقِطِ يَوْمًا يَوْمًا. ثُمَّ إِنْ خَالَفَ الْأَمِينُ وَقَتَّرَ عَلَيْهِ، مُنِعَ مِنْهُ، وَإِنْ أَسْرَفَ، ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمِينِ وَالْمُلْتَقِطِ الزِّيَادَةَ، وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ إِنْ كَانَ سَلَّمَ إِلَيْهِ، لِحُصُولِ الْهَلَاكِ فِي يَدِهِ. وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَ الْمَالَ فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ وَيَأْذَنَ لَهُ فِي الْإِنْفَاقِ مِنْهُ؟ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ مَسْأَلَةٌ، وَهِيَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلَّقِيطِ مَالٌ وَاحْتِيجَ إِلَى الِاقْتِرَاضِ لَهُ، هَلْ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْذَنَ لِلْمُلْتَقِطِ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ [لِيَرْجِعَ] ؟ نَصَّ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَنَصَّ فِي الضَّالَّةِ، أَنَّهُ لَا يَأْذَنُ لِوَاجِدِهَا فِي الْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهَا، بَلْ يَأْخُذُ الْمَالَ مِنْهُ وَيَدْفَعُهُ. إِلَى أَمِينٍ، ثُمَّ الْأَمِينُ يَدْفَعُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرَ الْحَاجَةِ، فَقَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ: الْمَسْأَلَتَانِ عَلَى قَوْلَيْنِ. أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ فِيهِمَا. وَأَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ: الْجَوَازُ فِيهِمَا لِلْحَاجَةِ، لِكَثْرَةِ الْمَشَقَّةِ، وَيُلْحَقُ لَا أَمِينَ
بِالْأَبِ فِي ذَلِكَ، وَسَبَقَ مِثْلُ هَذَا الْخِلَافِ فِي إِنْفَاقِ الْمَالِكِ عِنْدَ هَرَبِ عَامِلِ الْمُسَاقَاةِ، وَالْجَمَّالِ، وَأَجْرَاهُ أَبُو الْفَرَجِ السَّرَخْسِيُّ فِي إِنْفَاقِ قَيِّمِ الطِّفْلِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِظَاهِرِ النَّصَّيْنِ، وَفَرَّقُوا بِأَنَّ اللَّقِيطَ لَا وَلِيَّ لَهُ فِي الظَّاهِرِ. رَجَعْنَا إِلَى إِذْنِ الْحَاكِمِ لِلْمُلْتَقِطِ فِي الْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِ اللَّقِيطِ، فَالْأَكْثَرُونَ طَرَدُوا الطَّرِيقَيْنِ فِي جَوَازِهِ، وَالْأَحْسَنُ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ، وَهُوَ الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ كَقَيِّمِ الْيَتِيمِ يَأْذَنُ لَهُ الْقَاضِي فِي الْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهِ عَلَيْهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ هَذَا الْخِلَافُ فِي تَسْلِيمِ مَا اقْتَرَضَهُ الْقَاضِي عَلَى الجَّمَّالِ الْهَارِبِ إِلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَلَا ذِكْرَ لَهُ هُنَاكَ. وَإِذَا جَوَّزْنَاهُ، فَبَلَغَ اللَّقِيطُ وَاخْتَلَفَا فِيمَا أَنْفَقَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُلْتَقِطِ إِذَا ادَّعَى قُدِّرَ الْإِيفَاءُ فِي الْحَالِ، وَقَدْ سَبَقَ فِي هَرَبِ الجَّمَّالِ وَجْهٌ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الجَّمَّالِ، وَالْقِيَاسُ طَرْدُهُ هُنَا. وَإِنِ ادَّعَى زِيَادَةً عَلَى اللَّائِقِ، فَهُوَ مَقِرٌّ بِتَفْرِيطِهِ، فَيَضْمَنُ، وَلَا مَعْنَى لِلتَّحْلِيفِ. قَالَ الْإِمَامُ: لَكِنْ لَوْ وَقَعَ النِّزَاعُ فِي عَيْنٍ، فَزَعَمَ الْمُلْتَقِطُ أَنَّهُ أَنْفَقَهَا، فَيُصَدَّقُ لِتَنْقَطِعَ الْمُطَالَبَةُ بِالْعَيْنِ، ثُمَّ يَضْمَنُ كَالْغَاصِبِ إِذَا ادَّعَى التَّلَفَ، هَذَا كُلُّهُ إِذَا أَمْكَنَ مُرَاجَعَةُ الْقَاضِي. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَاضٍ، فَهَلْ يُنْفِقُ مِنْ مَالِ اللَّقِيطِ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ، أَمْ يَدْفَعُهُ إِلَى أَمِينٍ لِيُنْفِقَ عَلَيْهِ؟ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: الْأَوَّلُ. فَعَلَى هَذَا، إِنْ أَشْهَدَ لَمْ يَضْمَنْ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِلَّا، ضَمِنَ عَلَى الْأَصَحِّ.
الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ اللَّقِيطِ
هِيَ أَرْبَعَةٌ.
الْأَوَّلُ: الْإِسْلَامُ، وَإِسْلَامُ الشَّخْصِ قَدْ يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ اسْتِقْلَالًا، وَقَدْ يَثْبُتُ تَبَعًا. أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ، فَالْبَالِغُ الْعَاقِلُ، يَصِحُّ مِنْهُ مُبَاشَرَةُ الْإِسْلَامِ بِالنُّطْقِ إِنْ كَانَ نَاطِقًا،