الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْجُمْهُورُ: أَنَّهَا عَلَى الْمَالِكِ. وَفِي وَجْهٍ: عَلَى الْعَامِلِ، حَكَاهُ فِي «الْمُهَذَّبِ» . وَلِصَاحِبِ «الْإِفْصَاحِ» احْتِمَالَانِ آخَرَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مِنَ الثَّمَرَةِ، وَالْآخَرُ، يَفْسُدُ الْعَقْدُ، وَلَا يَجُوزُ لِلْعَامِلِ اسْتِعْمَالُ الْغُلَامِ فِي عَمَلِ نَفْسِهِ. وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَعْمَلَ لَهُ، بَطَلَ الْعَقْدُ. وَلَوْ كَانَ بِرَسْمِ الْحَدِيقَةِ غِلْمَانٌ يَعْمَلُونَ فِيهَا، لَمْ يَدْخُلُوا فِي مُطْلَقِ الْمُسَاقَاةِ. وَلَوْ شَرَطَ اسْتِئْجَارَ الْعَامِلِ مَنْ يَعْمَلُ مَعَهُ مِنَ الثَّمَرَةِ، بَطَلَ الْعَقْدُ. وَلَوْ شَرَطَ كَوْنَ أُجْرَةِ مَنْ يَعْمَلُ مَعَهُ عَلَى الْمَالِكِ، بَطَلَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ، وَشَذَّ الْغَزَالِيُّ، فَذَكَرَ فِي جَوَازِهِ وَجْهَيْنِ.
فَصْلٌ
يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْمُسَاقَاةِ، أَنْ تَكُونَ مُؤَقَّتَةً. فَإِنْ وَقَّتَ بِالشُّهُورِ أَوِ السِّنِينَ الْعَرَبِيَّةِ، فَذَاكَ، وَلَوْ وَقَّتَ بِالرُّومِيَّةِ وَغَيْرِهَا جَازَ إِذَا عَلِمَاهَا، فَإِنْ أَطْلَقَا لَفْظَ السَّنَةِ، انْصَرَفَ إِلَى الْعَرَبِيَّةِ. وَإِنْ وَقَّتَ بِإِدْرَاكِ الثَّمَرَةِ، فَهَلْ يَبْطُلُ كَالْإِجَارَةِ، أَمْ يَصِحُّ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ: أَوَّلُهُمَا، وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيُّ، وَصَحَّحَ الْغَزَالِيُّ الثَّانِيَ. فَعَلَى الثَّانِي لَوْ قَالَ: سَاقَيْتُكَ سَنَةً، وَأَطْلَقَ، فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى السَّنَةِ الْعَرَبِيَّةِ، أَمْ سَنَةِ الْإِدْرَاكِ؟ وَجْهَانِ، زَعَمَ أَبُو الْفَرَجِ السَّرَخْسِيُّ [أَنَّ] أَصَحَّهُمَا: الثَّانِي. فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ، أَوْ وَقَّتَ بِالزَّمَانِ، فَأُدْرِكَتِ الثِّمَارُ وَالْمُدَّةُ بَاقِيَةٌ، لَزِمَ الْعَامِلَ أَنْ يَعْمَلَ فِي تِلْكَ الْبَقِيَّةِ، وَلَا أُجْرَةَ لَهُ. وَإِنِ انْقَضَتِ الْمُدَّةُ وَعَلَى الشَّجَرِ طَلْعٌ أَوْ بَلَحٌ، فَلِلْعَامِلِ نَصِيبُهُ مِنْهَا، وَعَلَى الْمَالِكِ التَّعَهُّدُ إِلَى الْإِدْرَاكِ. وَإِنْ حَدَثَ الطَّلْعُ بَعْدَ الْمُدَّةِ، فَلَا حَقَّ لِلْعَامِلِ فِيهِ. وَلَوْ سَاقَاهُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، فَفِي صِحَّتِهِ الْأَقْوَالُ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِجَارَةِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، فَإِنْ جَوَّزْنَا، فَهَلْ يَجِبُ بَيَانُ حِصَّةِ كُلِّ سَنَةٍ، أَمْ يَكْفِي قَوْلُهُ: سَاقَيْتُكَ عَلَى النِّصْفِ لِاسْتِحْقَاقِ النِّصْفِ كُلَّ سُنَّةٍ؟
قَوْلَانِ، أَوْ وَجْهَانِ كَالْإِجَارَةِ. وَقِيلَ: يَجِبُ هُنَا قَطْعًا، لِكَثْرَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَرِ، بِخِلَافِ الْمَنَافِعِ، فَلَوْ فَاوَتَ بَيْنَ الْجُزْءِ الْمَشْرُوطِ فِي السِّنِينَ، لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: قَوْلَانِ كَالسَّلَمِ إِلَى آجَالٍ. وَلَوْ سَاقَاهُ سِنِينَ، وَشَرَطَ لَهُ ثَمَرَةَ سَنَةٍ بِعَيْنِهَا، وَالْأَشْجَارُ بِحَيْثُ تُثْمِرُ كُلَّ سَنَةٍ، لَمْ يَصِحَّ.
قُلْتُ: وَلَوْ سَاقَاهُ تِسْعَ سِنِينَ، وَشَرَطَ لَهُ ثَمَرَةَ الْعَاشِرَةِ، لَمْ يَصِحَّ قَطْعًا، وَكَذَا إِنْ شَرَطَ لَهُ ثَمَرَةَ التَّاسِعَةِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الرُّكْنُ الْخَامِسُ: الصِّيغَةُ، وَلَا تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ بِدُونِهَا عَلَى الصَّحِيحِ. وَفِيهَا الْوَجْهُ الْمُكْتَفَى فِي الْعُقُودِ بِالتَّرَاضِي وَالْمُعَاطَاةِ، وَكَذَا فِي الْقِرَاضِ وَغَيْرِهِ.
ثُمَّ أَشْهَرُ الصِّيَغِ: سَاقَيْتُكَ عَلَى هَذِهِ النَّخِيلِ بِكَذَا، أَوْ عَقَدْتُ مَعَكَ عَقْدَ الْمُسَاقَاةِ.
قَالَ الْأَصْحَابُ: وَيَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظٍ يُؤَدِّي مَعْنَاهَا، كَقَوْلِهِ: سَلَّمْتُ إِلَيْكَ نَخِيلِي لِتَتَعَهَّدَهَا عَلَى كَذَا، أَوِ اعْمَلْ عَلَى هَذَا النَّخِيلِ، أَوْ تَعَهَّدْ نَخِيلِي بِكَذَا، وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ مِثْلَهُ مِنَ الْعُقُودِ يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَهَابًا إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَرِيحَةٌ، وَيُعْتَبَرُ فِي الْمُسَاقَاةِ الْقَبُولُ قَطْعًا، وَلَا يَجِيءُ فِيهَا الْوَجْهُ الْمَذْكُورُ فِي الْقِرَاضِ وَالْوَكَالَةِ، لِلُزُومِهِمَا.
فَرْعٌ
لَوْ عَقَدَا بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ، فَقَالَ: اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَتَعَهَّدَ نَخِيلِي بِكَذَا مِنْ ثِمَارِهَا، أَوْ عَقَدَا الْإِجَارَةَ بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ، فَوَجْهَانِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. أَحَدُهُمَا: الصِّحَّةُ، لِمَا بَيْنَ الْبَابَيْنِ مِنَ الْمُشَابَهَةِ وَاحْتِمَالِ كُلِّ لَفْظٍ مَعْنَى الْآخَرِ. وَأَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ، لِأَنَّ لَفْظَ الْإِجَارَةِ صَرِيحٌ فِي غَيْرِ الْمُسَاقَاةِ، فَإِنْ أَمْكَنَ تَنْفِيذُهُ فِي مَوْضُوعِهِ نُفِّذَ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ
إِجَارَةٌ فَاسِدَةٌ، وَالْخِلَافُ رَاجِعٌ إِلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِاللَّفْظِ أَوِ الْمَعْنَى؟ وَلَوْ قَالَ: سَاقَيْتُكَ عَلَى هَذِهِ النَّخِيلِ بِكَذَا لِيَكُونَ أُجْرَةً لَكَ، فَلَا بَأْسَ، لَسَبْقِ لَفْظِ الْمُسَاقَاةِ.
هَذَا إِذَا قَصَدَا بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ الْمُسَاقَاةَ، أَمَّا إِذَا قَصَدَا الْإِجَارَةَ نَفْسَهَا، فَيُنْظَرُ، إِنْ لَمْ تَكُنْ خَرَجَتِ الثَّمَرَةُ، لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ شَرْطَ الْأُجْرَةِ أَنْ تَكُونَ فِي الذِّمَّةِ أَوْ مَوْجُودَةً مَعْلُومَةً. وَإِنْ كَانَتْ خَرَجَتْ، وَبَدَا فِيهَا الصَّلَاحُ، جَازَ، سَوَاءٌ شَرَطَ ثَمَرَةَ نَخْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ جُزْءًا شَائِعًا، كَذَا أَطْلَقُوهُ، وَلَكِنْ يَجِيءُ فِيهِ مَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَسْأَلَةِ قَفِيزِ الطَّحَّانِ وَأَخَوَاتِهَا. وَإِنْ لَمْ يَبْدُ فِيهَا الصَّلَاحُ، فَإِنْ شَرَطَ لَهُ ثَمَرَةَ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهَا، جَازَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَ كُلَّ الثِّمَارِ لِلْعَامِلِ. وَإِنْ شَرَطَ جُزْءًا شَائِعًا، لَمْ يَجُزْ وَإِنْ شَرَطَ الْقَطْعَ، لِمَا سَبَقَ فِي الْبَيْعِ. وَإِذَا عَقَدَا بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ، فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إِلَى تَفْصِيلِ الْأَعْمَالِ، بَلْ يُحْمَلُ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ عَلَى عُرْفِهَا الْغَالِبِ. وَقِيلَ: يَجِبُ تَفْصِيلُهَا. وَهَذَا الْخِلَافُ إِذَا عَلِمَ الْمُتَعَاقِدَانِ الْعُرْفَ الْمَحْمُولَ عَلَيْهِ. فَإِنْ جَهِلَهُ أَحَدُهُمَا وَجَبَ التَّفْصِيلُ قَطْعًا.
الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الْمُسَاقَاةِ
وَيَجْمَعُهَا حُكْمَانِ. أَحَدُهُمَا: مَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ وَالْمَالِكَ. وَالثَّانِي: فِي لُزُومِهَا.
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَكُلُّ عَمَلٍ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ الثِّمَارُ لِزِيَادَتِهَا، أَوْ صَلَاحٍ، وَيَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ، فَهُوَ عَلَى الْعَامِلِ. وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا التَّكْرَارَ، لِأَنَّ مَا يَتَكَرَّرُ يَبْقَى أَثَرُهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُسَاقَاةِ، وَتَكْلِيفُ الْعَامِلِ مِثْلَ هَذَا، إِجْحَافٌ بِهِ. فَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ السَّقْيُ، وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ إِصْلَاحِ طَرِيقِ الْمَاءِ وَالْأَجَاجِينِ الَّتِي يَقِفُ فِيهَا الْمَاءُ، وَتَنْقِيَةِ الْآبَارِ وَالْأَنْهَارِ مِنَ الْحَمْأَةِ وَنَحْوِهَا. وَإِدَارَةِ الدُّولَابِ وَفَتْحِ رَأْسِ السَّاقِيَةِ، وَسَدِّهَا عِنْدَ السَّقْيِ، عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ.
وَفِي تَنْقِيَةِ النَّهْرِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ: أَنَّهَا عَلَى الْمَالِكِ. وَوَجْهٌ: أَنَّهَا عَلَى مَنْ شُرِطَتْ عَلَيْهِ مِنْهُمَا. فَإِنْ لَمْ يَذْكُرَاهَا، فَسَدَ الْعَقْدُ.
وَمِنْهُ: تَقْلِيبُ الْأَرْضِ بِالْمَسَاحِي وَكِرَابُهَا فِي الْمُزَارَعَةِ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَكَذَا تَقْوِيَتُهَا بِالزِّبْلِ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ الْعَادَةِ.
وَمِنْهُ: التَّلْقِيحُ، ثُمَّ الطَّلْعُ الَّذِي يُلَقَّحُ بِهِ عَلَى الْمَالِكِ، لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالٍ، وَإِنَّمَا يُكَلَّفُ الْعَامِلُ الْعَمَلَ.
وَمِنْهَا: تَنْحِيَةُ الْحَشِيشِ الْمُضِرِّ وَالْقُضْبَانِ الْمُضِرَّةِ بِالشَّجَرِ.
وَمِنْهُ: تَصْرِيفُ الْجَرِيدِ. - وَالْجَرِيدُ: سَعَفُ النَّخْلِ -. وَحَاصِلُ مَا قَالُوهُ فِي تَفْسِيرِهِ شَيْئَانِ. أَحَدُهُمَا: قَطْعُ مَا يَضُرُّ تَرْكُهُ يَابِسًا وَغَيْرَ يَابِسٍ. وَالثَّانِي: رَدُّهَا عَنْ وُجُوهِ الْعَنَاقِيدِ بَيْنَهَا لِتُصِيبَهَا الشَّمْسُ، وَلِيَتَيَسَّرَ قَطْعُهَا عِنْدَ الْإِدْرَاكِ.
وَمِنْهُ: تَعْرِيشُ شَجَرِ الْعِنَبِ حَيْثُ جَرَتِ الْعَادَةُ بِهِ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَوَضْعُ الْحَشِيشِ فَوْقَ الْعَنَاقِيدِ صَوْنًا عَنِ الشَّمْسِ عِنْدَ الْحَاجَةِ. وَفِي حِفْظِ الثِّمَارِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: عَلَى الْعَامِلِ كَحِفْظِ مَالِ الْقِرَاضِ. فَإِنْ لَمْ يُحْفَظْ بِنَفْسِهِ، فَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ مَنْ يَحْفَظُهُ. وَالثَّانِي: عَلَى الْعَامِلِ وَالْمَالِكِ جَمِيعًا بِحَسَبِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الثِّمَارِ، لِأَنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْعَامِلِ مَا يَتَعَلَّقُ بِزِيَادَةِ الثَّمَرِ وَتَنْمِيَتِهِ، وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي حِفْظِ الثَّمَرِ عَنِ الطُّيُورِ وَالزَّنَابِيرِ، بِأَنْ يُجْعَلَ كُلُّ عُنْقُودٍ فِي قَوْصَرَّةٍ، فَيَلْزَمُ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ جَرَيَانِ الْعَادَةِ [بِهِ] وَهَذِهِ الْقَوْصَرَّةُ عَلَى الْمَالِكِ، وَيَلْزَمُ الْعَامِلَ جِدَادُ الثَّمَرَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ، لِأَنَّهُ مِنَ الصَّلَاحِ.
وَقِيلَ: لَا، لِأَنَّهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ. وَيَلْزَمُهُ تَجْفِيفُ الثِّمَارِ عَلَى الصَّحِيحِ إِذَا طُرِدَتِ الْعَادَةُ، أَوْ شَرْطَاهُ. وَإِذَا وَجَبَ التَّجْفِيفُ، وَجَبَ تَهْيِئَةُ مَوْضِعِهِ وَتَسْوِيَتُهُ، وَيُسَمَّى: الْبَيْدَرَ وَالْجَرِينَ، وَنَقْلُ الثِّمَارِ إِلَيْهِ، وَتَقْلِيبُهَا فِي الشَّمْسِ.
وَأَمَّا مَا لَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ سَنَةٍ وَيُقْصَدُ بِهِ حِفْظُ الْأُصُولِ، فَهُوَ مِنْ وَظِيفَةِ الْمَالِكِ، وَذَلِكَ كَحَفْرِ الْآبَارِ وَالْأَنْهَارِ الْجَدِيدَةِ، وَالَّتِي انْهَارَتْ، وَبِنَاءِ الْحِيطَانِ، وَنَصْبِ
الْأَبْوَابِ وَالدُّولَابِ وَنَحْوِهَا. وَفِي رَدْمِ الثُّلَمِ الْيَسِيرَةِ الَّتِي تَتَّفِقُ فِي الْجُدْرَانِ، وَوَضْعِ الشَّوْكِ عَلَى رَأْسِ الْجِدَارِ، وَجْهَانِ كَتَنْقِيَةِ الْأَنْهَارِ. وَالْأَصَحُّ: اتِّبَاعُ الْعُرْفِ. وَأَمَّا الْآلَاتُ الَّتِي يَتَوَفَّرُ بِهَا الْعَمَلُ، كَالْفَأْسِ، وَالْمِعْوَلِ، وَالْمِسْحَاةِ، وَالثِّيرَانِ، وَالْفَدَّانِ فِي الْمَزْرَعَةِ، وَالثَّوْرِ الَّذِي يُدِيرُ الدُّولَابَ، فَالصَّحِيحُ: أَنَّهَا عَلَى الْمَالِكِ. وَقِيلَ: هِيَ عَلَى مَنْ شُرِطَتْ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ السُّكُوتُ عَنْهَا، وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، وَأَبُو الْفَرَجِ السَّرَخْسِيُّ.
وَخَرَاجُ الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ عَلَى الْمَالِكِ قَطْعًا، وَكَذَا كُلُّ عَيْنٍ تَتْلَفُ فِي الْعَمَلِ، فَعَلَى الْمَالِكِ قَطْعًا. ثُمَّ كُلُّ مَا وَجَبَ عَلَى الْعَامِلِ، فَلَهُ اسْتِئْجَارُ الْمَالِكِ عَلَيْهِ، وَيَجِيءُ فِيهِ وَجْهٌ. وَلَوْ شَرَطَ عَلَى الْمَالِكِ فِي الْعَقْدِ، بَطَلَ الْعَقْدُ، وَكَذَا مَا عَلَى الْمَالِكِ لَوْ شَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ، بَطَلَ الْعَقْدُ، وَلَوْ فَعَلَهُ الْعَامِلُ بِلَا إِذْنٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، وَإِنْ فَعَلَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ. وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الصَّحِيحِ، فِي أَنَّ تَفْصِيلَ الْأَعْمَالِ لَا يَجِبُ فِي الْعَقْدِ. فَإِنْ أَوْجَبْنَاهُ، فَالْمُتَّبَعُ الشَّرْطُ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ مُغَيِّرًا مُقْتَضَى الْعَقْدِ.
الْحُكْمُ الثَّانِي: الْمُسَاقَاةُ عَقْدٌ لَازِمٌ كَالْإِجَارَةِ، وَيَمْلِكُ الْعَامِلُ حِصَّتَهُ مِنَ الثَّمَرَةِ بِالظُّهُورِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: قَوْلَانِ كَالْقِرَاضِ. وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَذْهَبِ: أَنَّ الرِّبْحَ فِي الْقِرَاضِ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ، بِخِلَافِ الثَّمَرِ.
فَرْعٌ
إِذَا هَرَبَ الْعَامِلُ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ، نُظِرَ، إِنْ تَبَرَّعَ الْمَالِكُ بِالْعَمَلِ، أَوْ بِمُؤْنَةِ مَنْ يَعْمَلُ، بَقِيَ اسْتِحْقَاقُ الْعَامِلِ بِحَالِهِ، وَإِلَّا رَفَعَ الْأَمْرَ إِلَى الْحَاكِمِ، وَأَثْبَتَ عِنْدَهُ الْمُسَاقَاةَ لِيَطْلُبَهُ الْحَاكِمُ، فَإِنْ وَجَدَهُ، أَجْبَرَهُ عَلَى الْعَمَلِ، وَإِلَّا اسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ مَنْ يَعْمَلُ. وَمِنْ أَيْنَ يَسْتَأْجِرُ؟ يُنْظَرُ، إِنْ كَانَ لِلْعَامِلِ مَالٌ، فَمِنْهُ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ،
بَاعَ نَصِيبَ الْعَامِلِ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ لِلْمَالِكِ أَوْ غَيْرِهِ، وَاسْتَأْجَرَ بِثَمَنِهِ. وَإِنْ كَانَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، إِمَّا قَبْلَ خُرُوجِ الثَّمَرَةِ أَوْ بَعْدَهُ، اسْتَقْرَضَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَالِكِ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَاسْتَأْجَرَ بِهِ، ثُمَّ يَقْضِيهِ الْعَامِلُ إِذَا رَجَعَ، أَوْ يُقْضَى مِنْ نَصِيبِهِ مِنَ الثَّمَرَةِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، أَوِ الْإِدْرَاكِ.
وَلَوْ وَجَدَ مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ بِأُجْرَةٍ مُؤَجَّلَةٍ، اسْتَغْنَى عَنِ الِاقْتِرَاضِ. وَإِنْ فَعَلَ الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ، أَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ لِيَرْجِعَ، يُنْظَرُ، إِنْ قَدَرَ عَلَى مُرَاجَعَةِ الْحَاكِمِ، أَوْ لَمْ يَقْدِرْ وَقَدَرَ عَلَى الْإِشْهَادِ فَلَمْ يَفْعَلْ، لَمْ يَرْجِعْ. وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْإِشْهَادُ، فَفِي رُجُوعِهِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ: لَا يَرْجِعُ، لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ.
وَحُكِيَ وَجْهٌ: أَنَّهُ يَرْجِعُ وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنَ الْإِشْهَادِ، وَهُوَ شَاذٌّ. وَإِنْ أَشْهَدْ، رَجَعَ عَلَى الْأَصَحِّ، لِلضَّرُورَةِ. وَقِيلَ: لَا، لِئَلَّا يَصِيرَ حَاكِمًا لِنَفْسِهِ.
ثُمَّ الْإِشْهَادُ الْمُعْتَبَرُ، أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْعَمَلِ أَوِ الِاسْتِئْجَارِ، وَأَنَّهُ بَذَلَ ذَلِكَ بِشَرْطِ الرُّجُوعِ. فَأَمَّا الْإِشْهَادُ عَلَى الْعَمَلِ أَوِ الِاسْتِئْجَارِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلرُّجُوعِ، فَهُوَ كَتَرْكِ الْإِشْهَادِ، قَالَهُ فِي «الشَّامِلِ» . وَإِذَا أَنْفَقَ الْمَالِكُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ لِيَرْجِعَ، فَوَجْهَانِ. وَجْهُ الْمَنْعِ: أَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ. فَطَرِيقُهُ: أَنْ يُسَلِّمَ الْمَالَ إِلَى الْحَاكِمِ لِيَأْمُرَ غَيْرَهُ بِالْإِنْفَاقِ. وَلَوِ اسْتَأْجَرَهُ لِبَاقِي الْعَمَلِ، فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى مَا لَوْ أَجَّرَ دَارَهُ، ثُمَّ اسْتَأْجَرَهَا مِنَ الْمُسْتَأْجِرِ. وَمَتَى تَعَذَّرَ إِتْمَامُ الْعَمَلِ بِالِاسْتِقْرَاضِ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنِ الثَّمَرَةُ خَرَجَتْ، فَلِلْمَالِكِ فَسْخُ الْعَقْدِ عَلَى الصَّحِيحِ، لِلتَّعَذُّرِ وَالضَّرُورَةِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: لَا يَفْسَخُ، لَكِنْ يَطْلُبُ الْحَاكِمُ مَنْ يُسَاقِي عَنِ الْعَامِلِ، فَرُبَّمَا فَضَلَ لَهُ شَيْءٌ.
وَإِنْ كَانَتِ الثَّمَرَةُ قَدْ خَرَجَتْ، فَهِيَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا. فَإِنْ بَدَا صَلَاحُهَا، بِيعَ نَصِيبُ الْعَامِلِ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ بِقَدْرِ مَا يُسْتَأْجَرُ بِهِ عَامِلٌ. وَإِنْ لَمْ يَبْدُ، تَعَذَّرَ [بِيعَ] نَصِيبُهُ وَحْدَهُ، لِأَنَّ شَرْطَ الْقَطْعِ فِي الْمَشَاعِ لَا يَكْفِي. فَإِمَّا أَنْ يَبِيعَ الْمَالِكُ نَصِيبَهُ مَعَهُ لِيَشْرُطَ الْقَطْعَ فِي الْجَمِيعِ، وَإِمَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الْمَالِكُ نَصِيبَهُ، فَيَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ