الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ تَصْرِيحًا بِجَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ بَيَانِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَصْلٌ
قَدْ عَرَفْتَ انْقِسَامَ الْإِجَارَةِ إِلَى وَارِدَةٍ عَلَى الْعَيْنِ، وَعَلَى الذِّمَّةِ. أَمَّا إِجَارَةُ الْعَيْنِ، فَلَا يَصِحُّ إِيرَادُهَا عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ، كَإِجَارَةِ الدَّارِ السَّنَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ، وَالشَّهْرَ الْآتِيَ. وَكَذَا إِذَا قَالَ: أَجَّرْتُكَ سَنَةً أَوَّلُهَا مِنْ غَدٍ، أَوْ أَجَّرْتُكَ هَذِهِ الدَّابَّةَ لِلرُّكُوبِ إِلَى مَوْضِعِ كَذَا عَلَى أَنْ تَخْرُجَ غَدًا. وَلَوْ قَالَ: أَجَّرْتُكَ سَنَةً، فَإِذَا انْقَضَتْ، فَقَدْ أَجَّرْتُكَ سَنَةً أُخْرَى، فَالْعَقْدُ الثَّانِي بَاطِلٌ عَلَى الصَّحِيحِ، كَمَا لَوْ قَالَ: إِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ، فَقَدْ أَجَّرْتُكَ شَهْرًا.
أَمَّا الْوَارِدَةُ عَلَى الذِّمَّةِ، فَيُحْتَمَلُ فِيهَا التَّأْجِيلُ وَالتَّأْخِيرُ، كَمَا إِذَا قَالَ: أَلْزَمْتُ ذِمَّتَكَ حَمْلِي إِلَى مَوْضِعِ كَذَا فِي دَابَّةٍ صِفَتُهَا كَذَا غَدًا أَوْ غُرَّةَ شَهْرِ كَذَا، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ مُؤَجِّلًا، وَإِنْ أَطْلَقَ، كَانَتْ حَالَّةً. وَلَوْ أَجَّرَ دَارَهُ لِزَيْدٍ سَنَةً، ثُمَّ أَجَّرَهَا لِغَيْرِهِ السَّنَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأُولَى، لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ أَجَّرَهَا لِزَيْدٍ نَفْسِهِ، فَوَجْهَانِ. وَقِيلَ: قَوْلَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْجَوَازُ، لِاتِّصَالِ الْمُدَّتَيْنِ. وَلَوْ أَجَّرَهَا أَوَّلًا لِزَيْدٍ سَنَةً، ثُمَّ أَجَّرَهَا زَيْدٌ لِعَمْرٍو، ثُمَّ أَجَّرَهَا الْمَالِكُ لِعَمْرٍو السَّنَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأُولَى، فَفِيهِ الْوَجْهَانِ، وَلَا يَجُوزُ إِجَارَتُهَا لِزَيْدٍ، كَذَا قَالَهُ الْبَغَوِيُّ. وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا لِزَيْدٍ، وَلَا يَجُوزَ أَنْ يُؤَجِّرَهَا لِعَمْرٍو، لِأَنَّ زَيْدًا هُوَ الَّذِي عَاقَدَهُ، فَيَضُمُّ إِلَى مَا اسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ السَّنَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ. قَالَ: وَلَوْ أَجَّرَ دَارَهُ سَنَةً، ثُمَّ بَاعَهَا فِي الْمُدَّةِ، وَجَوَّزْنَاهُ، لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُؤَجِّرَهَا السَّنَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ لِلْمُسْتَأْجِرِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُعَاقَدَةٌ، وَتَرَدَّدَ فِي أَنَّ الْوَارِثَ، هَلْ يَتَمَكَّنُ مِنْهُ إِذَا مَاتَ الْمُكْرِي لِأَنَّ الْوَارِثَ نَائِبُهُ؟
فَرْعٌ
إِيجَارُ الدَّارِ وَالْحَانُوتِ شَهْرًا عَلَى أَنْ يُنْتَفَعَ بِهِمَا الْأَيَّامَ دُونَ اللَّيَالِي، بَاطِلٌ، لِأَنَّ زَمَانَ الِانْتِفَاعِ لَا يَتَّصِلُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، فَيَكُونُ إِجَارَةُ زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ، بِخِلَافِ مِثْلِهِ فِي الْعَبْدِ وَالْبَهِيمَةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ، لِأَنَّهُمَا لَا يُطِيقَانِ الْعَمَلَ دَائِمًا، وَيُرَفَّهَانِ فِي اللَّيْلِ عَلَى الْعَادَةِ عِنْدَ إِطْلَاقِ الْإِجَارَةِ. وَلَوْ أَجَّرَ دَابَّةً إِلَى مَوْضِعٍ لِيَرْكَبَهَا الْمُكْرِي زَمَانًا، ثُمَّ الْمُكْتَرِي زَمَانًا، لَمْ يَصِحَّ، لِتَأَخُّرِ حَقِّ الْمُكْتَرِي وَتَعَلُّقِ الْإِجَارَةِ بِمُسْتَقْبَلٍ. وَإِنْ أَجَّرَهُ لِيَرْكَبَ الْمُكْتَرِي بَعْضَ الطَّرِيقِ وَيَنْزِلَ فَيَمْشِيَ بَعْضَهَا، أَوْ أَجَّرَ اثْنَيْنِ لِيَرْكَبَ هَذَا زَمَانًا، وَهَذَا مِثْلَهُ، فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ. أَصَحُّهَا وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي «الْأُمِّ» : صَحَّتِ الْإِجَارَةُ فِي الصُّورَتَيْنِ، سَوَاءٌ وَرَدَتِ الْإِجَارَةُ عَلَى الذِّمَّةِ، أَوِ الْعَيْنِ، وَيَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ فِي الْحَالِ، ثُمَّ يَقْتَسِمُ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي [أَوِ الْمُكْتَرِيَانِ] ، وَيَكُونُ التَّأَخُّرُ الْوَاقِعُ مِنْ ضَرُورَةِ الْقِسْمَةِ وَالتَّسْلِيمِ، فَلَا يَضُرُّ.
وَالثَّانِي: تَصِحُّ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى، لِاتِّصَالِ زَمَنِ الْإِجَارَةِ فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى. وَالثَّالِثُ: تَبْطُلُ فِيهِمَا، لِأَنَّهَا إِجَارَةُ أَزْمَانٍ مُتَقَطِّعَةٍ. وَالرَّابِعُ: تَصِحُّ فِي الصُّورَتَيْنِ إِنْ كَانَتْ مَضْمُونَةً فِي الذِّمَّةِ، وَلَا تَصِحُّ عَلَى دَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُعْرَفُ بِـ «كِرَاءِ الْعُقَبِ» وَهُوَ جَمْعُ عُقْبَةٍ وَهِيَ النَّوْبَةُ. فَإِذَا قُلْنَا بِالْجَوَازِ، فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الطَّرِيقِ عَادَةٌ مَضْبُوطَةٌ، إِمَّا بِالزَّمَانِ، بِأَنْ يَرْكَبَ يَوْمًا وَيَنْزِلَ يَوْمًا، وَإِمَّا بِالْمَسَافَةِ، بِأَنْ يَرْكَبَ فَرْسَخًا وَيَمْشِيَ فَرْسَخًا، حُمِلَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَطْلُبَ الرُّكُوبَ [ثَلَاثًا] وَالنُّزُولَ ثَلَاثًا، [لِمَا] فِي دَوَامِ الْمَشْيِ مِنَ التَّعَبِ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَادَةً مَضْبُوطَةً، فَلَا بُدَّ مِنَ الْبَيَانِ فِي الِابْتِدَاءِ. وَإِنِ اخْتَلَفَا فِيمَنْ يَبْدَأُ بِالرُّكُوبِ، أُقْرِعَ. وَلَوْ أَكْرَى دَابَّةً لِاثْنَيْنِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّعَاقُبِ، قَالَ الْمُتَوَلِّي: إِنِ احْتَمَلَتِ الدَّابَّةُ رُكُوبَ شَخْصَيْنِ، اجْتَمَعَا عَلَى الرُّكُوبِ،