الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَرْعٌ
إِذَا زَرَعَ الْمُشْتَرِي، فَلِلشَّفِيعِ تَأْخِيرُ الشُّفْعَةِ إِلَى الْإِدْرَاكِ وَالْحَصَادِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجُوزَ التَّأْخِيرُ وَإِنْ تَأَخَّرَتِ الْمَنْفَعَةُ، كَمَا لَوْ بِيعَتِ الْأَرْضُ فِي غَيْرِ وَقْتِ الِانْتِفَاعِ، لَا يُؤَخَّرُ الْأَخْذُ إِلَى وَقْتِهِ. وَلَوْ كَانَ فِي الشِّقْصِ شَجَرٌ عَلَيْهِ ثَمَرٌ لَا يُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ، فَفِي جَوَازِ تَأْخِيرِهِ إِلَى الْقِطَافِ وَجْهَانِ، لِأَنَّ الثَّمَرَ لَا يَمْنَعُ الِانْتِفَاعَ بِالْمَأْخُوذِ.
فَصْلٌ
تَصَرُّفَاتُ الْمُشْتَرِي فِي الشِّقْصِ مِنَ الْبَيْعِ وَالْوَقْفِ وَغَيْرِهِمَا صَحِيحَةٌ، لِأَنَّهَا فِي مِلْكِهِ. وَقِيلَ: بَاطِلَةٌ، وَهُوَ شَاذٌّ. فَعَلَى الصَّحِيحِ: يُنْظَرُ إِنْ كَانَ التَّصَرُّفُ مِمَّا لَا تَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ كَالْوَقْفِ، وَالْهِبَةِ، وَالْإِجَارَةِ، فَلِلشَّفِيعِ نَقْضُهُ وَأَخْذُ الشِّقْصِ بِالشُّفْعَةِ. وَإِنْ كَانَ مِمَّا تَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ كَالْبَيْعِ وَالْأَصْدَاقِ، فَهُوَ كَالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَنْقُضَهُ وَيَأْخُذَ الشِّقْصَ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَبَيْنَ أَنْ لَا يَنْقُضَ وَيَأْخُذَ بِالْعَقْدِ الثَّانِي. هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. وَفِي وَجْهٍ: لَا يَنْقُضُ تَصَرُّفُهُ. وَفِي وَجْهٍ: لَا يُنْقَضُ مَا تَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ، لَكِنْ يَتَجَدَّدُ حَقُّ الشُّفْعَةِ بِذَلِكَ. وَقِيلَ: لَا يَتَجَدَّدُ أَيْضًا، لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ يُبْطِلُ الشُّفْعَةَ، فَلَا يُثْبِتُهَا. وَفِي وَجْهٍ: لَا يُنْقَضُ الْوَقْفُ، وَيُنْقَضُ مَا سِوَاهُ.
فَصْلٌ
فِي الِاخْتِلَافِ
وَفِيهِ مَسَائِلُ.
الْأُولَى: قَالَ الْمُشْتَرِي: عَفَوْتَ عَنْ شُفْعَتِكَ، أَوْ قَصَرْتَ، فَسَقَطَتْ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الشَّفِيعِ.
الثَّانِيَةُ: قَالَ: اشْتَرَيْتُ بِأَلْفٍ، فَقَالَ الشَّفِيعُ: بَلْ بِخَمْسِمِائَةٍ. صُدِّقَ الْمُشْتَرِي، لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِعَقْدِهِ. وَكَذَا لَوْ كَانَ الثَّمَنُ عَرَضًا، وَتَلِفَ، وَاخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ، فَإِنْ نَكَلَ الْمُشْتَرِي، حَلَفَ الشَّفِيعُ وَأَخَذَ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ. فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ، قُضِيَ بِهَا. وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الصَّحِيحِ، لِأَنَّهُ يَشْهَدُ بِحَقِّ نَفْسِهِ. وَقِيلَ: تُقْبَلُ، لِأَنَّهُ لَا يَجُرُّ لِنَفْسِهِ نَفْعًا، وَالثَّمَنُ ثَابِتٌ لَهُ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي. وَلَوْ شَهِدَ لِلشَّفِيعِ، فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ. أَحَدُهَا: لَا، وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ، لِأَنَّهُ يَشْهَدُ عَلَى فِعْلِهِ. وَالثَّانِي: نَعَمْ، وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيُّ، لِأَنَّهُ يَنْقُضُ حَقَّهُ. وَالثَّالِثُ: إِنْ شَهِدَ قَبْلَ قَبْضِهِ الثَّمَنَ، قُبِلَتْ، لِأَنَّهُ يَنْقُضُ حَقَّهُ، إِذْ لَا يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِمَّا شَهِدَ بِهِ، وَإِنْ شَهِدَ بَعْدَهُ، فَلَا، لِأَنَّهُ يَجُرُّ إِلَى نَفْسِهِ نَفْعًا، فَإِنَّهُ إِذَا قَلَّ الثَّمَنُ، قَلَّ مَا يَغْرَمُهُ عِنْدَ ظُهُورِ الِاسْتِحْقَاقِ. وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً، فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي، كَمَا أَنَّ بَيِّنَةَ الدَّاخِلِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ. وَأَصَحُّهُمَا: أَنَّهُمَا تَتَعَارَضَانِ، لِأَنَّ النِّزَاعَ هُنَا فِيمَا وَقَعَ الْعَقْدُ بِهِ، وَلَا دَلَالَةَ لِلْيَدِ عَلَيْهِ. فَعَلَى هَذَا إِنْ قُلْنَا: تَسْقُطَانِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ. وَإِنْ قُلْنَا تُسْتَعْمَلَانِ، فَالِاسْتِعْمَالُ هُنَا بِالْقُرْعَةِ أَوِ الْوَقْفِ.
الثَّالِثَةُ: اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، فَإِنْ ثَبَتَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، فَذَاكَ، وَإِنْ ثَبَتَ قَوْلُ الْبَائِعِ بِالْبَيِّنَةِ أَوِ الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ، لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ [مَا ادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَأَخَذَ الشَّفِيعُ بِمَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي] . وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّفِيعِ لِلْبَائِعِ، وَلَا تُقْبَلُ لِلْمُشْتَرِي، لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي تَقْلِيلِ الثَّمَنِ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ، وَتَحَالَفَا، وَفُسِخَ عَقْدُهُمَا أَوِ انْفَسَخَ، فَإِنْ جَرَى ذَلِكَ بَعْدَمَا أَخَذَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ، أُقِرَّ فِي يَدِهِ، وَعَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَةُ الشِّقْصِ لِلْبَائِعِ. وَإِنْ جَرَى قَبْلَ الْأَخْذِ، فَفِي سُقُوطِ حَقِّهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي
خُرُوجِهِ مَعِيبًا. فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَسْقُطُ، أَخَذَهُ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ، لِأَنَّ الْبَائِعَ اعْتَرَفَ بِاسْتِحْقَاقِ الشَّفِيعِ الْأَخْذَ بِذَلِكَ الثَّمَنِ، فَيَأْخُذُهُ مِنْهُ وَتَكُونُ عُهْدَتُهُ عَلَى الْبَائِعِ.
الرَّابِعَةُ: أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي كَوْنَ الطَّالِبِ شَرِيكًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ، فَيَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِشَرِكَتِهِ، لَا عَلَى نَفْيِ شَرِكَتِهِ، فَإِنْ نَكَلَ، حَلَفَ الطَّالِبُ عَلَى الْبَتِّ وَأَخَذَ بِالشُّفْعَةِ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ أَنْكَرَ تَقَدُّمَ مِلْكِ الطَّالِبِ عَلَى مِلْكِهِ.
الْخَامِسَةُ: إِذَا كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي عَقَارٍ، فَغَابَ أَحَدُهُمَا، وَرَأَيْنَا نَصِيبَهُ فِي يَدِ ثَالِثٍ، فَادَّعَى الْحَاضِرُ عَلَيْهِ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ، وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِالشُّفْعَةِ، فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ، قُضِيَ بِهَا وَأَخَذَهُ بِالشُّفْعَةِ. ثُمَّ إِنِ اعْتَرَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، سُلِّمَ الثَّمَنُ إِلَيْهِ، وَإِلَّا فَهَلْ يُتْرَكُ الثَّمَنُ فِي يَدِ الْمُدَّعِي إِلَى أَنْ يُقِرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَمْ يَأْخُذُهُ الْقَاضِي وَيَحْفَظُهُ، أَمْ يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ أَوِ الْإِبْرَاءِ مِنْهُ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَذْكُورَةٍ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ وَغَيْرِهِ.
وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً، وَجَاءَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ وَرِثَهُ أَوِ اتَّهَبَهُ، تَعَارَضَتَا. وَإِنْ جَاءَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّ الْغَائِبَ أَوْدَعَهُ إِيَّاهُ، أَوْ أَعَارَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَيِّنَتَيْنِ تَارِيخٌ، أَوْ سَبَقَ تَارِيخُ الْإِيدَاعِ، فَلَا مُنَافَاةَ فَيُقْضَى بِالشُّفْعَةِ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَوْدَعَهُ ثُمَّ بَاعَهُ، وَإِنْ سَبَقَ تَارِيخُ الْبَيْعِ، فَلَا مُنَافَاةَ أَيْضًا، لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْبَائِعَ غَصَبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ ثُمَّ رَدَّهُ إِلَيْهِ بِلَفْظِ الْإِيدَاعِ، فَاعْتَمَدَهُ الشُّهُودُ. فَإِنِ انْقَطَعَ الِاحْتِمَالُ بِأَنْ كَانَ تَارِيخُ الْإِيدَاعِ مُتَأَخِّرًا، وَقَالَ الشُّهُودُ: أَوْدَعَهُ وَهِيَ مِلْكُهُ، فَهَا هُنَا يُرَاجَعُ الشَّرِيكُ الْقَدِيمُ. فَإِنْ قَالَ: وَدِيعَةٌ، سَقَطَ حُكْمُ الشِّرَاءِ. وَإِنْ قَالَ: لَا حَقَّ لِي فِيهِ، قُضِيَ بِالشُّفْعَةِ. أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ، فَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْجَوَابِ أَحْوَالٌ.
أَحَدُهَا: أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ كَانَ لِذَلِكَ الْغَائِبِ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ، فَهَلْ لِلْمُدَّعِي أَخْذُهُ؟ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا، إِذْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَى الْغَائِبِ، فَيُوقَفُ الْأَمْرُ حَتَّى يُكَاتَبَ، هَلْ هُوَ مُقِرٌّ بِالْبَيْعِ؟ وَأَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى الْبَيْعِ، وَيَكْتُبُ الْقَاضِي فِي
السِّجِلِّ أَنَّهُ أَثْبَتَ الشُّفْعَةَ بِتَصَادُقِهِمَا، فَإِذَا قَدِمَ الْغَائِبُ، فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ. الثَّانِي: أَنْ يُنْكِرَ أَصْلَ الشِّرَاءِ، فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ. ثُمَّ إِنِ اقْتَصَرَ فِي الْجَوَابِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ أَخْذَهُ بِالشُّفْعَةِ أَوْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ إِلَيْهِ حَلَفَ كَذَلِكَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ التَّعَرُّضُ لِنَفْيِ الشِّرَاءِ. وَإِنْ قَالَ فِي الْجَوَابِ: لَمْ أَشْتَرِهِ، بَلْ وَرَثْتُهُ، أَوِ اتَّهَبْتُهُ، فَيَحْلِفُ لِذَلِكَ، أَمْ يَكْفِي الْحَلِفُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ؟ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي دَعْوَى عَيْبِ الْمَبِيعِ. وَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، حَلَفَ الطَّالِبُ وَاسْتَحَقَّ الشِّقْصَ. وَفِي الثَّمَنِ الْأَوْجُهُ السَّابِقَةُ. هَذَا إِذَا أَنْكَرَ الشِّرَاءَ، وَالشَّرِيكُ الْقَدِيمُ غَيْرُ مُعْتَرِفٍ بِالْبَيْعِ، فَإِنْ كَانَ مُعْتَرِفًا وَالشِّقْصُ فِي يَدِهِ، نُظِرَ، إِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِقَبْضِ الثَّمَنِ، ثَبَتَتِ الشُّفْعَةُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَإِلَى مَنْ يُسَلِّمُ الثَّمَنَ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: إِلَى الْبَائِعِ، وَعُهْدَتُهُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يَتَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْهُ.
وَالثَّانِي: يُنَصِّبُ الْقَاضِي أَمِينًا يَقْبِضُ الثَّمَنَ مِنْهُ لِلْمُشْتَرِي وَيَدْفَعُهُ إِلَى الْبَائِعِ، وَيَقْبِضُ الشِّقْصَ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي وَيَدْفَعُهُ إِلَى الشَّفِيعِ. وَإِذَا أَخَذَ الْبَائِعُ ثَمَنَ الشِّقْصِ، فَهَلْ لَهُ مُخَاصَمَةُ الْمُشْتَرِي وَمُطَالَبَتُهُ بِالثَّمَنِ؟ وَجْهَانِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَالُهُ أَبْعَدَ عَنِ الشُّبْهَةِ وَالرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِالدَّرَكِ أَسْهَلَ. فَإِنْ قُلْنَا: نَعَمْ، وَحَلَفَ الْمُشْتَرِي، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَإِنْ نَكَلَ، حَلَفَ الْبَائِعُ، وَأَخَذَ الثَّمَنَ مِنَ الْمُشْتَرِي، وَكَانَتْ عُهْدَتُهُ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا مَا أَخَذَهُ مِنَ الشَّفِيعِ، فَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُوقَفُ، أَمْ يُتْرَكُ فِي يَدِهِ؟ وَجْهَانِ. كَذَا قَالَ الْبَغَوِيُّ، وَفِي «الشَّامِلِ» أَنَّ الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ هَلْ يُطَالِبُ الْمُشْتَرِيَ فِيمَا إِذَا لَمْ يَرْضَ أَخْذَ الثَّمَنِ مِنَ الشَّفِيعِ؟ فَإِنْ رَضِيَ، فَلْيَقْنَعْ بِهِ، وَهَذَا أَصَحُّ. فَإِنِ اعْتَرَفَ مَعَ الْبَيْعِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا شُفْعَةَ إِذَا لَمْ يَعْتَرِفْ بِالْقَبْضِ، فَهُنَا أَوْلَى، وَإِلَّا، فَوَجْهَانِ. وَأَصَحُّهُمَا: ثُبُوتُهَا. ثُمَّ هَلْ يُتْرَكُ الثَّمَنُ فِي يَدِ الشَّفِيعِ، أَمْ يَأْخُذُهُ الْقَاضِي وَيَحْفَظُهُ، أَمْ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى قَبُولِهِ وَالْإِبْرَاءِ مِنْهُ؟ فِيهِ الْأَوْجُهُ السَّابِقَةُ.
الْحَالُ الثَّالِثُ: أَنْ يَقُولَ: اشْتَرَيْتُهُ لِفُلَانٍ وَلَا خُصُومَةَ لَكَ مَعِي، فَيُنْظَرُ فِي
الْمُضَافِ إِلَيْهِ أَحَاضِرٌ، أَمْ غَائِبٌ، أَمْ صَبِيٌّ؟ وَحُكْمُهُ مَا يَأْتِي فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الطَّرَفُ الثَّالِثُ: فِي تَزَاحُمِ الشُّفَعَاءِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَتَّفِقَ الشُّرَكَاءُ عَلَى الطَّلَبِ. وَنُقَدِّمُ عَلَيْهِ أَنَّ تَعَدُّدَ الْمُسْتَحِقِّينَ قَدْ يَكُونُ ابْتِدَاءً، بِأَنْ كَانَتِ الدَّارُ] بَيْنَ
[جَمَاعَةٍ، فَبَاعَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ، وَثَبَتَتِ الشُّفْعَةُ لِلْبَاقِينَ، وَقَدْ يَكُونُ دَوَامًا، بِأَنْ يَمُوتَ الْمُسْتَحِقُّ وَيَتْرُكَ وَرَثَةً، فَلَهُمُ الشُّفْعَةُ. فَإِنْ تَسَاوَتْ حِصَصُ الْمُسْتَحِقِّينَ، تَسَاوْوَا فِي الشِّقْصِ. وَإِنْ تَفَاوَتَتْ كَنِصْفٍ وَثُلُثٍ وَسُدُسٍ، فَبَاعَ صَاحِبُ النِّصْفِ، فَقَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا:] أَنَّ [الشُّفْعَةَ عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ، فَيُقَسَّمُ النِّصْفُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا. وَالثَّانِي: عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ، فَيُقَسَّمُ نِصْفَيْنِ.
فَرْعٌ
مَاتَ مَالِكُ الدَّارِ عَنِ ابْنَيْنِ] ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَنِ ابْنَيْنِ [ثُمَّ بَاعَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ نَصِيبَهُ، فَهَلْ يَشْتَرِكُ الْأَخُ وَالْعَمُّ فِي الشُّفْعَةِ، أَمْ يَخْتَصُّ بِهَا الْأَخُ؟ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: الْأَوَّلُ. فَعَلَى هَذَا، هَلْ يُوَزَّعُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، أَمْ بِالْحِصَصِ؟ فِيهِ الْقَوْلَانِ. وَقَالَ الْإِمَامُ: مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ: الْقَطْعُ بِالْحِصَصِ. وَإِذَا قُلْنَا: يَخْتَصُّ الْأَخُ فَعَفَا، فَفِي ثُبُوتِهَا لِلْعَمِّ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْتَحِقًّا لَمَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ. وَالثَّانِي: نَعَمْ، لِأَنَّهُ شَرِيكٌ، وَإِنَّمَا تَقَدَّمَ الْأَخُ، لِزِيَادَةِ قُرْبِهِ، كَمَا أَنَّ الْمُرْتَهِنَ يُقَدَّمُ فِي الْمَرْهُونِ عَلَى الْغُرَمَاءِ. فَلَوْ سَقَطَ حَقُّهُ، تَمَسَّكَ بِهِ الْبَاقُونَ.
قُلْتُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الثَّانِي أَصَحَّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَخِ وَالْعَمِّ فِي كُلِّ صُورَةٍ. مَلَكَ شَرِيكَانِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ،
وَغَيْرُهُمَا مِنَ الشُّرَكَاءِ بِسَبَبٍ آخَرَ، فَبَاعَ أَحَدُ الْمَالِكِينَ بِالسَّبَبِ الْوَاحِدِ، فَفِي قَوْلٍ: الشُّفْعَةُ لِصَاحِبِهِ خَاصَّةً، وَعَلَى الْأَظْهَرِ: لِلْجَمِيعِ. مِثَالُهُ: بَيْنَهُمَا دَارٌ، فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لِرَجُلَيْنِ، أَوْ وَهَبَهُ، ثُمَّ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ.
وَلَوْ مَاتَ مَنْ لَهُ دَارٌ عَنْ بِنْتَيْنِ وَأُخْتَيْنِ، فَبَاعَتْ إِحْدَى الْبِنْتَيْنِ نَصِيبَهَا، فَطَرِيقَانِ:
أَحَدُهُمَا: عَلَى الْقَوْلَيْنِ. فَفِي قَوْلٍ: تَخْتَصُّ بِالشُّفْعَةِ الْبِنْتُ الْأُخْرَى، وَعَلَى الْأَظْهَرِ: يَشْتَرِكْنَ كُلُّهُنَّ.
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ: الْقَطْعُ بِالِاشْتِرَاكِ.
فَرْعٌ
مَاتَ الشَّفِيعُ عَنِ ابْنٍ وَزَوْجَةٍ وَرِثَا حَقَّ الشُّفْعَةِ، فَفِي كَيْفِيَّةِ إِرْثِهِمَا طُرُقٌ. أَصَحُّهَا: يَأْخُذَانِ عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ قَطْعًا. وَالثَّانِي: الْقَطْعُ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا. وَالثَّالِثُ: عَلَى الْقَوْلَيْنِ.
فَرْعٌ
دَارَ بَيْنَ اثْنَيْنِ نِصْفَيْنِ، بَاعَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ نَصِيبِهِ لِزَيْدٍ، ثُمَّ بَاعَ النِّصْفَ الْآخَرَ لِعَمْرٍو، فَالشُّفْعَةُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ تَخْتَصُّ بِالشَّرِيكِ الْأَوَّلِ. ثُمَّ قَدْ يَعْفُو عَنْهُ، وَقَدْ يَأْخُذُهُ. وَفِي النِّصْفِ الثَّانِي أَوْجُهٌ. أَحَدُهَا: يَخْتَصُّ بِهِ الْأَوَّلُ. وَالثَّانِي: يَشْتَرِكُ فِيهِ الْأَوَّلُ وَالْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ. وَأَصَحُّهُمَا: إِنْ عَفَا الشَّرِيكُ الْأَوَّلُ عَنِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ، اشْتَرَكَا، وَإِلَّا فَيَخْتَصُّ بِهِ الشَّرِيكُ الْأَوَّلُ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَطْلُبَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ وَيَعْفُوَ بَعْضُهُمْ. وَنُقَدِّمُ عَلَيْهِ مَا إِذَا كَانَتِ الشُّفْعَةُ لِوَاحِدٍ فَعَفَا عَنْ بَعْضِهَا، وَفِيهِ أَوْجُهٌ. أَصَحُّهَا: يَسْقُطُ جَمِيعُهَا كَالْقِصَاصِ. وَالثَّانِي: لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ كَعَفْوِهِ عَنْ بَعْضِ حَدِّ الْقَذْفِ. وَالثَّالِثُ: يَسْقُطُ مَا عَفَا عَنْهُ
وَيَبْقَى الْبَاقِي، قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ: وَمَوْضِعُ هَذَا الْوَجْهِ، مَا إِذَا رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ، فَإِنْ أَبَى وَقَالَ: خُذِ الْكُلَّ أَوْ دَعْهُ، فَلَهُ ذَلِكَ. قَالَ الْإِمَامُ: وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ، إِذَا لَمْ نَحْكُمْ بِأَنَّ الشُّفْعَةَ عَلَى الْفَوْرِ. فَإِنْ حَكَمْنَا بِهِ، فَطَرِيقَانِ. مِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِأَنَّ الْعَفْوَ عَنِ الْبَعْضِ تَأْخِيرٌ لِطَلَبِ الْبَاقِي، وَمِنْهُمْ مَنِ احْتَمَلَ ذَلِكَ إِذَا بَادَرَ إِلَى طَلَبِ الْبَاقِي، وَطَرَدَ الْأَوْجُهَ.
وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ أَنَّ صَاحِبَ «الشَّامِلِ» قَالَ: اسْتَحَقَّ شِقْصًا، فَجَاءَ وَقَالَ: آخُذُ نِصْفَهُ، سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ فِي الْكُلِّ، لِأَنَّهُ تَرَكَ طَلَبَ النِّصْفِ. إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَاسْتَحَقَّ اثْنَانِ شُفْعَةً، فَعَفَا أَحَدُهُمَا عَنْ حَقِّهِ، فَأَوْجُهٌ. أَصَحُّهَا: يَسْقُطُ حَقُّ الْعَافِي، وَيَثْبُتُ الْجَمِيعُ لِلْآخَرِ. فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْجَمِيعَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ، وَلَيْسَ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَدْرِ حِصَّتِهِ، لِئَلَّا تَتَبَعَّضَ الصَّفْقَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي. وَالثَّانِي: يَسْقُطُ حَقُّهُمَا جَمِيعًا، قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ، كَالْقِصَاصِ. وَالثَّالِثُ: لَا يَسْقُطُ حَقُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، تَغْلِيبًا لِلثُّبُوتِ كَمَا سَبَقَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى. وَالرَّابِعُ: يَسْقُطُ حَقُّ الْعَافِي، وَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَ إِلَّا قِسْطَهُ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُلْزِمَهُ أَخْذَ الْجَمِيعِ. هَذَا إِذَا ثَبَتَتِ الشُّفْعَةُ لِعَدَدٍ ابْتِدَاءً.
فَلَوْ ثَبَتَتْ لِوَاحِدٍ فَمَاتَ عَنِ ابْنَيْنِ، فَعَفَا أَحَدُهُمَا، فَهَلْ هُوَ كَمَا لَوْ ثَبَتَتْ لِوَاحِدٍ فَعَفَا عَنْ بَعْضِهَا، أَمْ كَثُبُوتِهَا لِابْنَيْنِ عَفَا أَحَدُهُمَا؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي. وَلَوْ كَانَ لِلشِّقْصِ شَفِيعَانِ، فَمَاتَ كُلٌّ عَنِ ابْنَيْنِ، فَعَفَا أَحَدُهُمَا عَنْ حَقِّهِ، فَحَاصِلُ الْمَنْقُولِ تَفْرِيعًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَوْجُهٌ.
أَحَدُهَا: يَسْقُطُ الْكُلُّ. وَالثَّانِي: يَبْقَى الْكُلُّ لِلْأَرْبَعَةِ. وَالثَّالِثُ: يَسْقُطُ حَقُّ الْعَافِي وَأَخِيهِ، وَيَأْخُذُ الْآخَرَانِ. وَالرَّابِعُ: يَنْتَقِلُ حَقُّ الْعَافِي إِلَى الثَّلَاثَةِ، فَيَأْخُذُونَ الشِّقْصَ أَثْلَاثًا. وَالْخَامِسُ: يَسْتَقِرُّ حَقُّ الْعَافِي لِلْمُشْتَرِي، وَيَأْخُذُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الشِّقْصِ. وَالسَّادِسُ: يَنْتَقِلُ حَقُّ الْعَافِي إِلَى أَخِيهِ فَقَطْ.
قُلْتُ: أَصَحُّهَا: الرَّابِعُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
مَاتَ الشَّفِيعُ عَنِ ابْنَيْنِ، فَادَّعَى الْمُشْتَرِي عَفْوَهُمَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمَا مَعَ يَمِينِهِمَا عَلَى الْبَتِّ. فَلَوِ ادَّعَى عَفْوَ أَبِيهِمَا، حَلَفَا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. فَإِنْ حَلَفَا أَخَذَا. وَإِنْ نَكَلَا حَلَفَ الْمُشْتَرِي، وَبَطَلَ حَقُّهُمَا. وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ: إِنَّهُ إِذَا عَفَا أَحَدُهُمَا أَخَذَ الْآخَرُ الْجَمِيعَ، فَلَا يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي، إِذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ. وَإِنْ قُلْنَا: حَقُّ الْعَافِي يَسْتَقِرُّ لِلْمُشْتَرِي، حَلَفَ الْمُشْتَرِي لِيَسْتَقِرَّ لَهُ نَصِيبُ النَّاكِلِ. ثُمَّ الْوَارِثُ الْحَالِفُ لَا يَسْتَحِقُّ الْجَمِيعَ بِنُكُولِ أَخِيهِ، وَلَكِنْ إِنْ صَدَّقَ أَخَاهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْفُ، فَالشُّفْعَةُ بَيْنَهُمَا. وَإِنِ ادَّعَى عَلَيْهِ الْعَفْوَ، وَأَنْكَرَ النَّاكِلُ، عُرِضَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لِدَعْوَى أَخِيهِ، وَلَا يَمْنَعُهُ مِنَ الْحَلِفِ نُكُولُهُ فِي جَوَابِ الْمُشْتَرِي. فَإِنْ حَلَفَ، فَالشُّفْعَةُ بَيْنَهُمَا. وَإِنْ نَكَلَ أَيْضًا، حَلَفَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ عَفَا، وَحِينَئِذٍ يَأْخُذُ الْجَمِيعَ.
الضَّرْبُ الثَّالِثُ: أَنْ يَحْضُرَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ دُونَ بَعْضٍ. فَإِذَا كَانَتِ الدَّارُ لِأَرْبَعَةٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَبَاعَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ، وَثَبَتَتِ الشُّفْعَةُ لِلْبَاقِينَ، فَلَمْ يَحْضُرْ إِلَّا وَاحِدٌ، فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ حِصَّتِهِ فَقَطْ، وَلَا يُكَلَّفُ الصَّبْرَ إِلَى حُضُورِهِمَا، بَلْ إِنْ شَاءَ أَخَذَ الْجَمِيعَ أَوْ تَرَكَهُ. وَهَلْ لَهُ تَأْخِيرُ الْأَخْذِ إِلَى حُضُورِهِمَا؟ إِذَا قُلْنَا: الشُّفْعَةُ عَلَى الْفَوْرِ، وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، لِلْعُذْرِ، وَإِذَا أَخَذَ الْجَمِيعَ، ثُمَّ حَضَرَ أَحَدُ الْغَائِبِينَ، أَخَذَ مِنْهُ النِّصْفَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا شَفِيعَانِ. فَإِذَا حَضَرَ الثَّالِثُ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ، ثُمَّ يَتَرَتَّبُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فُرُوعٌ:
أَحَدُهَا: خَرَجَ الشِّقْصُ مُسْتَحَقًّا بَعْدَ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ، فَفِي الْعُهْدَةِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: عُهْدَةُ الثَّلَاثَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي لِاسْتِحْقَاقِهِمُ الشُّفْعَةَ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي: أَنَّ رُجُوعَ الْأَوَّلِ عَلَى الْمُشْتَرِي، فَيَسْتَرِدُّ مِنْهُ كُلَّ الثَّمَنِ، وَرُجُوعَ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ فَيَسْتَرِدُّ
مِنْهُ النِّصْفَ، وَرُجُوعَ الثَّالِثِ عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي يَسْتَرِدُّ مِنْ كُلٍّ مَا دَفَعَ إِلَيْهِ، وَهَذَا أَصَحُّ، وَرَجَّحَ الْعِرَاقِيُّونَ الْأَوَّلَ. وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: هَذَا الْخِلَافُ فِي الرُّجُوعِ بِالْمَغْرُومِ مِنْ أُجْرَةٍ وَنَقْصِ قِيمَةِ الشِّقْصِ. فَأَمَّا الثَّمَنُ فَكُلٌّ، فَيَسْتَرِدُّ مَا سَلَّمَهُ مِمَّنْ سَلَّمَهُ إِلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ.
الثَّانِي: أَخَذَ الْحَاضِرُ جَمِيعَ الشِّقْصِ، فَوَجَدَهُ مَعِيبًا فَرَدَّهُ، فَحَضَرَ الثَّانِي وَهُوَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، فَلَهُ أَخْذُ الْجَمِيعِ.
الثَّالِثُ: مَا يَسْتَوْفِيهِ الْأَوَّلُ مِنَ الْمَنَافِعِ، وَيَحْصُلُ لَهُ مِنَ الْأُجْرَةِ وَالثَّمَرَةِ، يُسَلَّمُ لَهُ، فَلَا يُزَاحِمُهُ فِيهِ الثَّانِي وَالثَّالِثُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا الثَّالِثُ لَا يُزَاحِمُ الثَّانِيَ فِيمَا يَحْصُلُ لَهُ بَعْدَ الْمُنَاصَفَةِ، كَمَا أَنَّ الشَّفِيعَ لَا يُزَاحِمُ الْمُشْتَرِيَ فِيهَا.
الرَّابِعُ: أَخَذَ الْأَوَّلُ كُلَّ الشِّقْصِ وَأَفْرَزَهُ، بِأَنْ أَتَى الْحَاكِمُ فَنَصَّبَ قَيِّمًا فِي مَالِ الْغَائِبَيْنِ، فَاقْتَسَمَا، وَبَنَى فِيهِ، أَوْ غَرَسَ ثُمَّ رَجَعَ الْغَائِبَانِ، هَلْ لَهُمَا الْقَلْعُ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا، كَمَا أَنَّ الشَّفِيعَ لَا يَقْلَعُ بِنَاءَ الْمُشْتَرِي وَغِرَاسِهُ مَجَّانًا. وَالثَّانِي: نَعَمْ، لِأَنَّهُمَا يَسْتَحِقَّانِ كَاسْتِحْقَاقِ الْأَوَّلِ، فَلَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ حَتَّى يَظْهَرَ حَالُهُمَا، بِخِلَافِ الشَّفِيعِ مَعَ الْمُشْتَرِي.
الْخَامِسُ: إِذَا حَضَرَ اثْنَانِ فَأَخَذَا الشِّقْصَ، وَاقْتَسَمَا مَعَ الْقَيِّمِ فِي مَالِ الْغَائِبِ، ثُمَّ قَدِمَ [الْغَائِبُ] ، فَلَهُ الْأَخْذُ وَإِبْطَالُ الْقِسْمَةِ، فَإِنْ عَفَا اسْتَمَرَّتِ الْقِسْمَةُ. السَّادِسُ: أَخَذَ اثْنَانِ، فَحَضَرَ الثَّالِثُ، وَأَرَادَ أَخْذَ ثُلُثِ مَا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَلَا يَأْخُذُ مِنَ الثَّانِي] شَيْئًا [فَلَهُ ذَلِكَ، كَمَا لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ دُونَ الْآخَرِ.
السَّابِعُ: أَخَذَ الْأَوَّلُ الْجَمِيعَ، فَحَضَرَ الثَّانِي وَأَرَادَ أَخْذَ الثُّلُثِ فَقَطْ، فَلَهُ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ لَا يُفَرَّقُ الْحَقُّ عَلَى الْأَوَّلِ. فَإِنْ أَخَذَ الثُّلُثَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، أَوْ بِالتَّرَاضِي، ثُمَّ حَضَرَ الثَّالِثُ، نُظِرَ، إِنْ أَخَذَ مِنَ الْأَوَّلِ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ
لِلثَّانِي، فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الثَّانِي ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ، فَلَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ فِي كُلِّ جُزْءٍ، ثُمَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ لِلْأَوَّلِ: ضُمَّ مَا مَعَكَ إِلَى [مَا] أَخَذْتُهُ لِنُقَسِّمَهُ نِصْفَيْنِ لِأَنَّا مُتَسَاوِيَانِ. وَإِنَّمَا تَصِحُّ قِسْمَةُ الشِّقْصِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، لِأَنَّا نَحْتَاجُ إِلَى عَدَدٍ لِثُلُثِهِ ثُلُثٌ وَهُوَ تِسْعَةٌ، مَعَ الثَّانِي مِنْهَا ثَلَاثَةٌ، وَمَعَ الْأَوَّلِ سِتَّةٌ، فَيَنْتَزِعُ الثَّالِثُ مِنَ الثَّانِي وَاحِدًا يَضُمُّهُ إِلَى السِّتَّةِ [الَّتِي] مَعَ الْأَوَّلِ، فَلَا يَنْقَسِمُ بَيْنَهُمَا، فَتُضْرَبُ اثْنَيْنِ فِي تِسْعَةٍ تَبْلُغُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، لِلثَّانِي مِنْهَا اثْنَانِ فِي اثْنَيْنِ بِأَرْبَعَةٍ، تَبْقَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ لِلْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ نِصْفَيْنِ، وَهَذَا الْمُنْقَسِمُ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، رُبُعُ الدَّارِ، فَتُقَسَّمُ جُمْلَتُهَا مِنِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ. هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْأَكْثَرُونَ وَنَقَلُوهُ عَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ. وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: لَمَّا تَرَكَ الثَّانِي سُدُسًا لِلْأَوَّلِ، صَارَ عَافِيًا عَنْ بَعْضِ حَقِّهِ، فَيَبْطُلُ جَمِيعُ حَقِّهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَبَقَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْقَطَ حَقُّ الثَّانِي كُلُّهُ، وَيَكُونُ الشِّقْصُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، وَلَا يُسَلَّمُ أَنَّهُ أَسْقَطَ بَعْضَ حَقِّهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّامِنُ: قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: لَوْ حَضَرَ اثْنَانِ وَأَخَذَا الشِّقْصَ، ثُمَّ حَضَرَ الثَّالِثُ وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ، فَإِنْ قَضَى لَهُ الْقَاضِي عَلَى الْغَائِبِ، أَخَذَ مِنْ كُلٍّ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ، وَإِلَّا فَهَلْ يَأْخُذُ ثُلُثَ مَا فِي يَدِ الْحَاضِرِ، أَمْ نِصْفَهُ؟ وَجْهَانِ. ثُمَّ إِنْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَغَابَ الْحَاضِرُ، فَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ أَخَذَ مِنَ الْحَاضِرِ ثُلُثَ مَا مَعَهُ، أَخَذَ مِنَ الْقَادِمِ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ أَيْضًا. وَإِنْ كَانَ أَخَذَ نِصْفَهُ، أَخَذَ مِنَ الْقَادِمِ سُدُسَ مَا فِي يَدِهِ وَيَتِمُّ بِذَلِكَ نَصِيبُهُ، وَيَنْقَسِمُ هَذَا الشِّقْصُ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ، وَجُمْلَةُ الدَّارِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ.
التَّاسِعُ: ثَبَتَتِ الشُّفْعَةُ لِحَاضِرٍ وَغَائِبٍ، فَعَفَا الْحَاضِرُ، ثُمَّ مَاتَ الْغَائِبُ، فَوَرِثَهُ الْحَاضِرُ، فَلَهُ أَخْذُ الشِّقْصِ كُلِّهِ بِالشُّفْعَةِ تَفْرِيعًا عَلَى الْأَصَحِّ: أَنَّهُ إِذَا عَفَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، أَخَذَ الْآخَرُ الْجَمِيعَ. وَإِنْ قُلْنَا: عَفْوُ أَحَدِهِمَا يُسْقِطُ حَقَّ الْآخَرِ،