الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ الْحَاصِلَ فِي الْبَالِي الْمَرْدُودِ. وَلَوْ غَصَبَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ، فَلَبِسَهُ وَأَبْلَاهُ حَتَّى عَادَتْ إِلَى خَمْسَةٍ، ثُمَّ ارْتَفَعَ السِّعْرُ فَصَارَتْ قِيمَتُهُ وَهُوَ بَالٍ عَشَرَةٌ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ: يَغْرَمُ مَعَ رَدِّ الثَّوْبِ عَشَرَةً، لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنَ الثَّوْبِ نِصْفُهُ وَهُوَ يُسَاوِي عَشَرَةً. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا يَغْرَمُ مَعَ رَدِّهِ إِلَّا الْخَمْسَةَ النَّاقِصَةَ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَلَا عِبْرَةَ بِالزِّيَادَةِ الْحَاصِلَةِ بَعْدَ التَّلَفِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَالصِّفَاتُ كَالْأَجْزَاءِ فِي هَذَا كُلِّهِ، حَتَّى لَوْ غَصَبَ عَبْدًا صَانِعًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ، فَنَسِيَ الصَّنْعَةَ وَعَادَتْ قِيمَتُهُ إِلَى خَمْسِينَ، ثُمَّ ارْتَفَعَ السِّعْرُ فَبَلَغَتْ قِيمَتُهُ نَاسِيًا مِائَةً وَقِيمَةُ مِثْلِهِ يُحْسِنُ الصَّنْعَةَ مِائَتَيْنِ، لَا يَغْرَمُ مَعَ رَدِّهِ إِلَّا خَمْسِينَ. ثُمَّ الْجَوَابُ فِي صُوَرِ إِبْلَاءِ الثَّوْبِ [كُلِّهَا] مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ أُجْرَةَ مِثْلِ الْمَغْصُوبِ لَازِمَةٌ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ الْحَاصِلِ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَسَبَقَ وَجْهٌ: أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا. فَعَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ: الْوَاجِبُ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الْمَقَادِيرِ الْمَذْكُورَةِ وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَلَوِ اخْتَلَفَ الْمَالِكُ وَالْغَاصِبُ فِي قِيمَةِ الثَّوْبِ الَّذِي أَبْلَاهُ، فَقَالَ الْمَالِكُ: زَادَتْ قَبْلَ الْإِبْلَاءِ فَاغْرَمِ التَّالِفَ بِقِسْطِهِ [مِنْهَا]، وَقَالَ الْغَاصِبُ:[بَلْ] زَادَتْ بَعْدَهُ، قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: الْمُصَدَّقُ الْغَاصِبُ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: نَقْصُ الْأَجْزَاءِ وَالصِّفَاتِ وَحْدَهَا، وَسَنَذْكُرُ حُكْمَهُ فِي الصُّوَرِ الْآتِيَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَصْلٌ
النَّقْصُ الْحَادِثُ فِي الْمَغْصُوبِ، ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا لَا سِرَايَةَ لَهُ، فَعَلَى الْغَاصِبِ أَرْشُهُ وَرَدُّ الْبَاقِي، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْأَرْشُ قَدْرَ الْقِيمَةِ كَقَطْعِ يَدَيِ الْعَبْدِ أَوْ دُونَهَا وَلَا بَيْنَ أَنْ تَفُوتَ مُعْظَمُ مَنَافِعِهِ أَوْ لَا تَفُوتَ، وَلَا بَيْنَ أَنْ يَبْطُلَ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ الِاسْمُ الْأَوَّلُ كَذَبْحِ الشَّاةِ
وَطَحْنِ الْحِنْطَةِ، وَتَمْزِيقِ الثَّوْبِ، أَوْ لَا يَبْطُلَ. فَلَوْ أَرَادَ الْمَالِكُ تَرْكَ النَّاقِصِ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَتَغْرِيمَهُ بَدَلَهُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ عَيْنُ مِلْكِهِ. وَفِي وَجْهٍ: إِذَا طَحَنَ الطَّعَامَ، فَلَهُ تَرْكُهُ وَطَلَبُ الْمِثْلِ، لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى حَقِّهِ مِنَ الدَّقِيقِ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: مَا لَهُ سِرَايَةٌ، لَا يَزَالُ يَسْرِي إِلَى الْهَلَاكِ الْكُلِّيِّ، كَمَا لَوْ بَلَّ الْحِنْطَةَ وَتَمَكَّنَ فِيهَا الْعَفَنُ السَّارِي، أَوِ اتَّخَذَ مِنْهَا هَرِيسَةً، أَوْ غَصَبَ سَمْنًا وَتَمْرًا وَدَقِيقًا وَعَمِلَهُ عَصِيدَةً، وَفِيهِ نُصُوصٌ وَطُرُقٌ مُخْتَلِفَةٌ تَجْمَعُهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ مَنْصُوصَةٍ. أَظْهَرُهَا عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ: يُجْعَلُ كَالْهَالِكِ وَيَغْرَمُ بَدَلَ كُلِّ مَغْصُوبٍ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ. وَالثَّانِي: يَرُدُّهُ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ، وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ إِلَّا ذَلِكَ، وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ وَالْبَغَوِيُّ. وَالثَّالِثُ: يَتَخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ مُوجَبِ الْقَوْلَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَالْمَسْعُودِيُّ. وَالرَّابِعُ: يَتَخَيَّرُ الْغَاصِبُ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَهُ وَيَغْرَمَهُ، وَبَيْنَ أَنْ يَرُدَّهُ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ.
قُلْتُ: رَجَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ الْأَوَّلَ أَيْضًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَعَلَى الْأَوَّلِ: لِمَنْ تَكُونُ الْحِنْطَةُ الْمَبْلُولَةُ؟ وَجْهَانِ نَقَلَهُمَا الْمُتَوَلِّي. أَحَدُهُمَا: تَبْقَى لِلْمَالِكِ كَمَا لَوْ نَجَّسَ زَيْتَهُ وَقُلْنَا: لَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ، فَإِنَّ الْمَالِكَ أَوْلَى بِهِ. وَالثَّانِي: يَصِيرُ لِلْغَاصِبِ. وَإِذَا حَكَمْنَا بِالْأَرْشِ مَعَ الرَّدِّ، غَرِمَ أَرْشَ عَيْبٍ سَارٍ. قَالَ الْمُتَوَلِّي: فَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ أَنْ يُسَلِّمَ الْجَمِيعَ إِلَيْهِ فَعَلَ، وَإِنْ رَأَى يُسَلِّمُ أَرْشَ النَّقْصِ الْمُتَحَقَّقِ إِلَيْهِ فِي الْحَالِ وَوَقْفَ الزِّيَادَةِ إِلَى أَنْ تَتَيَقَّنَ نِهَايَتُهُ. وَفِي هَذَا نَظَرٌ، لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ أَرْشِ الْعَيْبِ السَّارِي أَرْشُ عَيْبٍ شَأْنُهُ السِّرَايَةُ، وَهُوَ حَاصِلٌ