الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُلْتُ: وَلَوْ أَرَادَتْ طَائِفَةٌ النُّزُولَ فِي مَوْضِعٍ مِنَ الْبَادِيَةِ لِلِاسْتِيطَانِ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِنْ كَانَ نُزُولُهُمْ مُضِرًّا بِالسَّابِلَةِ، مَنَعَهُمُ السُّلْطَانُ قَبْلَ النُّزُولِ أَوْ بَعْدَهُ. وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ، رَاعَى الْأَصْلَحَ فِي نُزُولِهِمْ وَمَنَعَهَمْ وَنَقَلَ غَيْرَهُمْ إِلَيْهَا. فَإِنْ نَزَلُوا بِغَيْرِ إِذْنِهِ، لَمْ يَمْنَعْهُمْ، كَمَا لَا يُمْنَعُ مَنْ أَحْيَا مَوَاتًا بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَدَبَّرَهُمْ بِمَا يَرَاهُ صَلَاحًا لَهُمْ، وَيَنْهَاهُمْ عَنْ إِحْدَاثِ زِيَادَةٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
الْمُرْتَفِقُ بِالشَّارِعِ وَالْمَسَاجِدِ، إِذَا طَالَ مُقَامُهُ هَلْ يُزْعَجُ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا، لِأَنَّهُ أَحَدُ الْمُرْتَفِقِينَ وَقَدْ سَبَقَ. وَالثَّانِي: نَعَمْ. لِتَمَيُّزِ الْمُشْتَرَكِ مِنَ الْمَمْلُوكِ. وَأَمَّا الرُّبُطُ الْمَوْقُوفَةُ، فَإِنَّ عَيَّنَ الْوَاقِفُ مُدَّةَ الْمَقَامِ، فَلَا مَزِيدَ عَلَيْهَا، وَكَذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الْمُسَافِرِينَ. وَإِنْ أَطْلَقَ الْوَاقِفُ، نُظِرَ إِلَى الْغَرَضِ الَّذِي بُنِيَتْ لَهُ، وَعُمِلَ بِالْمُعْتَادِ فِيهِ، فَلَا يُمَكَّنُ مِنَ الْإِقَامَةِ فِي رِبَطِ الْمَارَّةِ إِلَّا لِمَصْلَحَتِهَا، أَوْ لِخَوْفٍ يَعْرِضُ، أَوْ أَمْطَارٍ تَتَوَاتَرُ، وَفِي الْمَدْرَسَةِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ، يُمَكَّنُ مِنَ الْإِقَامَةِ إِلَى إِتْمَامِ غَرَضِهِ. فَإِنْ تَرَكَ التَّعَلُّمَ وَالتَّحْصِيلَ، أُزْعِجَ. وَفِي الْخَانِقَاهُ، لَا يُمْكِنُ هَذَا الضَّبْطُ، فَفِي الْإِزْعَاجِ إِذَا طَالَ مَقَامُهُ مَا سَبَقَ فِي الشَّوَارِعِ.
الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْأَعْيَانِ الْخَارِجَةِ مِنَ الْأَرْضِ
فِيهِ طَرَفَانِ.
[الطَّرَفُ] الْأَوَّلُ: فِي الْمَعَادِنِ، وَهِيَ الْبِقَاعُ الَّتِي أَوْدَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى شَيْئًا مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمَطْلُوبَةِ، وَهِيَ قِسْمَانِ، ظَاهِرَةٌ، وَبَاطِنَةٌ.
فَالظَّاهِرَةُ: هِيَ الَّتِي يَبْدُو جَوْهَرُهَا بِلَا عَمَلٍ، وَإِنَّمَا السَّعْيُ وَالْعَمَلُ لِتَحْصِيلِهِ. ثُمَّ تَحْصِيلُهُ قَدْ يَسْهُلُ، وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ تَعَبٌ، وَذَلِكَ كَالنِّفْطِ وَأَحْجَارِ الرَّحَى، وَالْبِرَامِ، وَالْكِبْرِيتِ، وَالْقُطْرَانِ، وَالْقَارِ، وَالْمُومْيَاءِ، وَشِبْهِهَا، فَلَا يُمَلَّكهَا أَحَدٌ بِالْإِحْيَاءِ وَالْعِمَارَةِ، وَإِنْ زَادَ بِهَا النَّيْلُ. وَلَا يَخْتَصُّ بِهَا أَيْضًا الْمُتَحَجِّرُ، وَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ إِقْطَاعُهَا، بَلْ هِيَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ النَّاسِ كَالْمِيَاهِ الْجَارِيَةِ، وَالْكَلَأِ، وَالْحَطَبِ. وَلَوْ حَوَّطَ رَجُلٌ عَلَى هَذِهِ الْمَعَادِنِ وَبَنَى عَلَيْهَا دَارًا أَوْ بُسْتَانًا، لَمْ يُمَلَّك الْبُقْعَةَ، لِفَسَادِ قَصْدِهِ. وَأَشَارَ فِي «الْوَسِيطِ» إِلَى خِلَافٍ فِيهِ. وَالْمَعْرُوفُ، الْأَوَّلُ. وَإِذَا ازْدَحَمَ اثْنَانِ عَلَى مَعْدِنٍ ظَاهِرٍ، وَضَاقَ الْمَكَانُ، فَالسَّابِقُ أَوْلَى. ثُمَّ قَالَ الْجُمْهُورُ: يُقَدَّمُ بِأَخْذِ قَدْرِ حَاجَتِهِ، وَلَمْ يُبَيِّنُوا أَنَّهَا حَاجَةُ يَوْمٍ أَوْ سَنَةٍ.
قَالَ الْإِمَامُ: وَالرُّجُوعُ فِيهِ إِلَى الْعُرْفِ، فَيَأْخُذُ مَا تَقْتَضِيهِ الْعَادَةُ لِأَمْثَالِهِ. وَإِذَا أَرَادَ الزِّيَادَةَ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ حَقُّ السَّبْقِ، فَهَلْ يُزْعَجُ أَمْ يَأْخُذُ مَا شَاءَ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ: يُزْعَجُ. فَأَمَّا إِذَا جَاءَا مَعًا، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا.
وَالثَّانِي: يَجْتَهِدُ الْإِمَامُ وَيُقَدِّمُ مَنْ يَرَاهُ أَحْوَجَ وَأَحَقَّ. وَالثَّالِثُ: يُنَصِّبُ مَنْ يُقَسِّمُ الْحَاصِلَ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ: الْأَوْجُهُ فِيمَا إِذَا كَانَا يَأْخُذَانِ لِلْحَاجَةِ. فَإِنْ كَانَا يَأْخُذَانِ لِلتِّجَارَةِ، يُهَايَأُ بَيْنَهُمَا. فَإِنْ تَشَاحَّا فِي الِابْتِدَاءِ، أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا. وَالْأَشْهُرُ: إِطْلَاقُ الْأَوْجُهِ. وَعَلَى مُقْتَضَى قَوْلِ الْعِرَاقِيِّينَ: إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا تَاجِرًا وَالْآخَرُ مُحْتَاجًا، يُشْبِهُ أَنْ يُقَدِّمَ الْمُحْتَاجَ.
فَرْعٌ [مِنَ] الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ، الْمِلْحُ الَّذِي يَنْعَقِدُ مِنَ الْمَاءِ، وَكَذَا الْجَبَلِيُّ إِنْ كَانَ ظَاهِرًا لَا يَحْتَاجُ إِلَى حَفْرٍ وَتَنْحِيَةِ تُرَابٍ، وَالْجِصُّ، وَالْمَدَرُ، وَأَحْجَارُ النَّوْرَةِ. وَفِي بَعْضِ شُرُوحِ «الْمِفْتَاحِ» عُدَّ الْمِلْحُ الْجَبَلِيُّ مِنَ الْمَعَادِنِ الْبَاطِنَةِ. وَفِي «التَّهْذِيبِ»
عُدَّ الْكُحْلُ وَالْجِصُّ مِنْهُمَا، وَهُمَا مَحْمُولَانِ عَلَى مَا إِذَا أَحْوَجَ إِظْهَارَهُمَا إِلَى حَفْرٍ. وَلَوْ كَانَ بِقُرْبِ السَّاحِلِ بُقْعَةٌ، لَوْ حُفِرَتْ وَسِيقَ الْمَاءُ إِلَيْهَا ظَهَرَ فِيهَا الْمِلْحُ، فَلَيْسَتْ هِيَ مِنَ الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا يَظْهَرُ بِالْعَمَلِ، فَلِلْإِمَامِ إِقْطَاعُهَا، وَمَنْ حَفَرَهَا وَسَاقَ الْمَاءَ إِلَيْهَا، وَظَهَرَ الْمِلْحُ، مُلِّكَهَا كَمَا لَوْ أَحْيَا مَوَاتًا.
الْقِسْمُ الثَّانِي: الْمَعَادِنُ الْبَاطِنَةُ، وَهِيَ الَّتِي لَا يَظْهَرُ جَوْهَرُهَا إِلَّا بِالْعَمَلِ وَالْمُعَالَجَةِ، كَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَالْفَيْرُوزَجِ، وَالْيَاقُوتِ، وَالرَّصَاصِ، وَالنُّحَاسِ، وَالْحَدِيدِ، وَسَائِرِ الْجَوَاهِرِ الْمَبْثُوثَةِ فِي طَبَقَاتِ الْأَرْضِ. وَتَرَدَّدَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، فِي أَنَّ حَجَرَ الْحَدِيدِ وَنَحْوَهُ، مِنَ الْبَاطِنَةِ، أَمِ الظَّاهِرَةِ، لِأَنَّ مَا فِيهَا مِنَ الْجَوْهَرِ بَادٍ؟ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ بَاطِنٌ، لِأَنَّ الْحَدِيدَ لَا يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ إِلَّا بِعِلَاجٍ، وَلَيْسَ الْبَادِي عَلَى الْحَجَرِ عَيْنَ الْحَدِيدِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي مُخَيِّلَتِهِ. وَلَوْ أَظْهَرَ السَّيْلُ قِطْعَةَ ذَهَبٍ، أَوْ أَتَى بِهَا، الْتَحَقَتْ بِالْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ. إِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَالْمَعْدِنُ الْبَاطِنُ هَلْ يُمَلَّكُ بِالْحَفْرِ وَالْعَمَلِ؟ قَوْلَانِ، لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْمَوَاتِ وَالْمَعْدِنِ الظَّاهِرِ، أَظْهَرُهُمَا: لَا، رَجَّحَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رضي الله عنهم. فَإِنْ قُلْنَا: يُمَلَّكُ، فَذَاكَ إِذَا قَصَدَ التَّمَلُّكَ وَحَفَرَ حَتَّى ظَهَرَ النَّيْلُ. فَأَمَّا قَبْلَ الظُّهُورِ، فَهُوَ كَالْمُتَحَجِّرِ، وَهَذَا كَمَا إِذَا حَفَرَ بِئْرًا فِي الْمَوَاتِ عَلَى قَصْدِ التَّمَلُّكِ، مُلِّكَهَا إِذَا وَصَلَ إِلَى الْمَاءِ. وَإِذَا اتَّسَعَ الْحَفْرُ وَلَمْ يُوجَدِ النَّيْلُ إِلَّا فِي الْوَسَطِ، أَوْ فِي بَعْضِ الْأَطْرَافِ، لَمْ يَقْصُرِ الْمِلْكُ عَلَى مَوْضِعِ النَّيْلِ، بَلْ يُمَلَّكُ أَيْضًا مِمَّا حَوَالَيْهِ مِمَّا يَلِيقُ بِحَرِيمِهِ، وَهُوَ قَدْرُ مَا يَقِفُ فِيهِ الْأَعْوَانُ وَالدَّوَابُّ. وَمَنْ جَاوَزَ ذَلِكَ وَحَفَرَ، لَمْ يُمْنَعْ وَإِنْ وَصَلَ إِلَى الْعُرُوقِ. وَيَجُوزُ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُقْطِعَهُ كَالْمَوَاتِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يُمَلَّكُ، فَالسَّابِقُ إِلَى مَوْضِعٍ مِنْهُ أَحَقُّ بِهِ، لَكِنْ إِذَا طَالَ مَقَامُهُ، فَفِي إِزْعَاجِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ. وَقِيلَ: لَا يُزْعَجُ هُنَا قَطْعًا، لِأَنَّ هُنَاكَ يُمْكِنُ الْأَخْذُ دَفْعَةً فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْإِطَالَةِ، وَهُنَا لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ فَقُدِّمَ السَّابِقُ. وَلَوِ ازْدَحَمَ اثْنَانِ، فَعَلَى الْأَوْجُهِ الَّتِي هُنَاكَ. وَفِي جَوَازِ إِقْطَاعِهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ،
قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ كَالْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ. وَأَظْهَرُهُمَا: الْجَوَازُ، وَلَا يُقْطِعُ إِلَّا قَدْرًا يَتَأَتَّى لِلْمُقْطَعِ الْعَمَلُ عَلَيْهِ وَالْأَخْذُ مِنْهُ. وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ، يَجُوزُ الْعَمَلُ فِي الْمَعْدِنِ الْبَاطِنِ وَالْأَخْذُ مِنْهُ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ، فَإِنَّهُ إِمَّا كَالْمَعْدِنِ الظَّاهِرِ، وَإِمَّا كَالْمَوَاتِ.
فَرْعٌ
لَوْ أَحْيَا مَوَاتًا، ثُمَّ ظَهَرَ فِيهِ مَعْدِنٌ بَاطِنٌ، مُلِّكَهُ بِلَا خِلَافٍ، لِأَنَّهُ بِالْإِحْيَاءِ مُلِّكَ الْأَرْضَ بِأَجْزَائِهَا إِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا مَعْدِنًا. فَإِنْ عَلِمَ وَاتَّخَذَ عَلَيْهِ دَارًا، فَطَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: عَلَى الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ. وَالثَّانِي: الْقَطْعُ بِالْمِلْكِ. وَأَمَّا الْبُقْعَةُ الْمُحْيَاةُ، فَقَالَ الْإِمَامُ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، أَنَّهَا لَا تُملَّكُ، لِأَنَّ الْمَعْدِنَ لَا يُتَّخَذُ دَارًا وَلَا مَزْرَعَةَ، فَالْقَصْدُ فَاسِدٌ. وَقِيلَ: يُمَلَّكُهَا. وَكَأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْخِلَافِ فِي الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ عَنْ «الْوَسِيطِ» مَأْخُوذٌ مِنْ هَذَا.
فَرْعٌ
مِمَّا يَتَفَرْعٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَعْدِنِ الْبَاطِنِ، أَنَّهُ إِذَا عَمِلَ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، هَلْ يُمَلَّكُ؟ وَهَلْ يَجُوزُ إِقْطَاعُهُ؟ إِنْ قُلْنَا: يُمَلَّكُ بِالْحَفْرِ وَالْعَمَلِ، فَهُوَ مِلْكٌ لِلْغَانِمِينَ، وَإِلَّا، فَفِي جَوَازِ إِقْطَاعِهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ.
فَرْعٌ
مَالِكُ الْمَعْدِنِ الْبَاطِنِ، لَا يَصِحُّ مِنْهُ بَيْعُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، لِأَنَّ مَقْصُودَهُ النَّيْلُ، وَهُوَ مُتَفَرِّقٌ فِي طَبَقَاتِ الْأَرْضِ، مَجْهُولُ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ، فَهُوَ كَبَيْعِ قَدْرٍ مَجْمُوعٍ مِنْ تُرَابِ
الْمَعْدِنِ وَفِيهِ النَّيْلُ، وَهُوَ بَاطِلٌ. وَحَكَى الْإِمَامُ وَجْهًا فِي جَوَازِهِ، لِأَنَّ الْمَبِيعَ رُقْبَةُ الْمَعْدِنِ وَالنَّيْلَ فَائِدَتُهُ.
فَرْعٌ
لَوْ تَمَلَّكُ مَعْدِنًا بَاطِنًا، فَجَاءَ غَيْرُهُ وَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ نَيْلًا بِغَيْرِ إِذْنِهِ، لَزِمَهُ رَدُّهُ، وَلَا أُجْرَةَ لَهُ. وَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ: اعْمَلْ فِيهِ وَاسْتَخْرِجِ النَّيْلَ لِي، فَفَعَلَ، فَفِي اسْتِحْقَاقِهِ الْأُجْرَةَ الْخِلَافُ فِيمَنْ قَالَ: اغْسِلْ ثَوْبِي فَغَسَلَ. وَلَوْ قَالَ: اعْمَلْ فَمَا اسْتَخْرَجْتَهُ فَهُوَ لَكَ، أَوْ قَالَ: اسْتَخْرِجْ لِنَفْسِكَ، فَالْحَاصِلُ لِمَالِكِ الْمَعْدِنِ، لِأَنَّهُ هِبَةٌ مَجْهُولٌ. وَكَانَ يُمْكِنُ تَشْبِيهُهُ بِإِبَاحَةِ ثِمَارِ الْبُسْتَانِ، وَلَكِنَّ الْمَنْقُولَ الْأَوَّلُ. وَفِي اسْتِحْقَاقِهِ الْأُجْرَةَ، وَجْهَانِ، لِكَوْنِهِ عَمَلَ لِنَفْسِهِ، لَكِنْ لَمْ يَقَعْ لَهُ، وَلَا هُوَ مُتَبَرِّعٌ، وَبِثُبُوتِهَا قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ.
قُلْتُ: ثُبُوتُهَا أَصَحُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
، وَلَوْ قَالَ: اعْمَلْ فَمَا اسْتَخْرَجْتَهُ فَهُوَ بَيْنَنَا مُنَاصَفَةً، أَوْ قَالَ: فَلَكَ مِنْهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ أُجْرَةٌ مَجْهُولَةٌ، وَالثَّانِي: قَدْ لَا يَحْصُلُ هَذَا الْقَدْرُ.
الطَّرَفُ الثَّانِي: فِي الْمِيَاهِ، وَهِيَ قِسْمَانِ:
أَحَدُهُمَا: الْمُبَاحَةُ النَّابِعَةُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَخْتَصُّ بِأَحَدٍ، وَلَا صُنْعَ لِلْآدَمِيِّينَ فِي إِنْبَاطِهِ وَإِجْرَائِهِ كَالْفُرَاتِ وَجَيْحُونَ وَسَائِرِ أَوْدِيَةِ الْعَالَمِ وَالْعُيُونِ فِي الْجِبَالِ وَسُيُولِ الْأَمْطَارِ، فَالنَّاسُ فِيهَا سَوَاءٌ، فَإِنْ حَضَرَ اثْنَانِ فَصَاعِدَا، أَخَذَ كُلٌّ مَا شَاءَ. فَإِنْ قَلَّ الْمَاءُ أَوْ ضَاقَ الْمُشَرِّعُ، قُدِّمَ السَّابِقُ. فَإِنْ جَاءَا مَعًا، أُقْرِعَ. وَإِنْ أَرَادَ وَاحِدٌ السَّقْيَ وَهُنَاكَ مُحْتَاجٌ لِلشُّرْبِ، فَالشَّارِبُ أَوْلَى. قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا فِي إِنَاءٍ أَوْ جَعَلَهُ فِي حَوْضٍ، مُلِّكَهُ وَلَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ مُزَاحَمَتُهُ فِيهِ، كَمَا لَوِ احْتَطَبَ. وَفِي «النِّهَايَةِ»
وَجْهٌ: أَنَّهُ لَا يُمَلَّكُهُ، لَكِنَّهُ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ. وَالصَّحِيحُ: الْأَوَّلُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ. وَإِنْ دَخَلَ شَيْءٌ مِنْهُ مِلْكَ إِنْسَانٍ بِسَيْلٍ، فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَخْذُهُ مَا دَامَ فِيهِ، لِامْتِنَاعِ دُخُولِ مِلْكِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ. فَلَوْ فَعَلَ، فَهَلْ يُمَلَّكُهُ، أَمْ لِلْمَالِكِ اسْتِرْدَادُهُ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ. فَإِذَا خَرَجَ مِنْ أَرْضِهِ، أَخَذَهُ مَنْ شَاءَ.
فَرْعٌ
إِذَا أَرَادَ قَوْمٌ سَقْيَ أَرَضِيهِمْ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْمَاءِ، فَإِنْ كَانَ النَّهْرُ عَظِيمًا يَفِي بِالْجَمِيعِ، سَقَى مَنْ شَاءَ مَتَى شَاءَ. وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا، أَوْ كَانَ الْمَاءُ يَجْرِي مِنَ النَّهْرِ الْعَظِيمِ فِي سَاقِيَةٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ، بِأَنِ انْخَرَقَتْ بِنَفْسِهَا، سَقَى الْأَوَّلُ أَرْضَهُ، ثُمَّ يُرْسِلُهُ إِلَى الثَّانِي، ثُمَّ الثَّانِي إِلَى الثَّالِثِ. وَكَمْ يَحْبِسُ الْمَاءَ فِي أَرْضِهِ؟ وَجْهَانِ، الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ: أَنَّهُ يَحْبِسُهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ.
وَالثَّانِي: يُرْجَعُ فِي قَدْرِ السَّقْيِ إِلَى الْعَادَةِ وَالْحَاجَةِ. وَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَيْسَ التَّقْدِيرُ بِالْكَعْبَيْنِ فِي كُلِّ الْأَزْمَانِ وَالْبُلْدَانِ، لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْحَاجَةِ، وَالْحَاجَةُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَرْضِ، وَبِاخْتِلَافِ مَا فِيهَا [مِنْ] زَرْعٍ وَشَجَرٍ، وَبِوَقْتِ الزِّرَاعَةِ، وَوَقْتِ السَّقْيِ. وَحُكِيَ وَجْهٌ عَنِ الدَّارَكِيِّ: أَنَّ الْأَعْلَى لَا يُقَدَّمُ عَلَى الْأَسْفَلِ، لَكِنْ يَسْقُونَ بِالْحِصَصِ، وَهَذَا غَرِيبٌ بَاطِلٌ. وَلَوْ كَانَتْ أَرْضُ الْأَعْلَى بَعْضُهَا مُرْتَفِعًا، وَبَعْضُهَا مُنْخَفِضًا، وَلَوْ سُقِيَا مَعًا لَزَادَ الْمَاءُ فِي الْمُنْخَفِضَةِ عَلَى الْحَدِّ الْمُسْتَحَقِّ، أُفْرِدَ كُلُّ بَعْضٍ بِالسَّقْيِ بِمَا هُوَ طَرِيقُهُ.
قُلْتُ: طَرِيقُهُ أَنْ يَسْقِيَ الْمُنْخَفِضَ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ يَسُدَّهُ، ثُمَّ يَسْقِيَ الْمُرْتَفِعَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِذَا سَقَى الْأَوَّلُ، ثُمَّ احْتَاجَ إِلَى السَّقْيِ مَرَّةً أُخْرَى، مُكِّنَ مِنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ فَلَوْ تَنَازَعَ اثْنَانِ أَرْضَاهُمَا مُتَحَاذِيَتَانِ، أَوْ أَرَادَا شَقَّ النَّهْرِ مِنْ مَوْضِعَيْنِ مُتَحَاذِيَيْنِ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَهَلْ يُقْرَعُ، أَوْ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا، أَوْ يُقَدِّمُ الْإِمَامُ مَنْ يَرَاهُ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْعَبَّادِيُّ.
قُلْتُ: أَصَحُّهَا: يُقْرَعُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ أَرَادَ رَجُلٌ إِحْيَاءَ مَوَاتٍ وَسَقْيَهُ مِنْ هَذَا النَّهْرِ، نُظِرَ، إِنْ ضَيَّقَ عَلَى السَّابِقَيْنِ، مُنِعَ، لِأَنَّهُمُ اسْتَحَقُّوا أَرْضَهُمْ بِمَرَافِقِهَا، وَالْمَاءُ مِنْ أَعْظَمِ مَرَافِقِهَا، وَإِلَّا، فَلَا مَنْعَ.
فَرْعٌ
عِمَارَةُ حَافَّاتِ هَذِهِ الْأَنْهَارِ، مِنْ وَظَائِفِ بَيْتِ الْمَالِ.
فَرْعٌ
يَجُوزُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهَا مَنْ شَاءَ قَنْطَرَةً لِعُبُورِ النَّاسِ إِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ مَوَاتًا. وَأَمَّا [مَا] بَيْنَ الْعُمْرَانِ، فَهُوَ كَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي الشَّارِعِ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَيَجُوزُ بِنَاءُ الرَّحَى عَلَيْهَا إِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ مِلْكًا لَهُ أَوْ مَوَاتًا مَحْضًا. وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ، وَتَضَرَّرَ الْمُلَّاكُ، لَمْ يَجُزْ، وَإِلَّا، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ كَالتَّصَرُّفِ فِي سَائِرِ مَرَافِقِ الْعِمَارَاتِ. وَأَصَحُّهُمَا: الْجَوَازُ، كَإِشْرَاعِ الْجَنَاحِ فِي السِّكَّةِ النَّافِذَةِ.