الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
إِذَا بَاعَ الشَّفِيعُ نَصِيبَهُ، أَوْ وَهَبَهُ عَالِمًا بِثُبُوتِ شُفْعَتِهِ، بَطَلَتْ، سَوَاءٌ قُلْنَا: الشُّفْعَةُ عَلَى الْفَوْرِ أَوِ التَّرَاخِي لِزَوَالِ ضَرَرِ الْمُشَارِكَةِ. وَلَوْ بَاعَ بَعْضَهُ، بَطَلَتْ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَإِنْ بَاعَ نَصِيبَهُ جَاهِلًا بِالشُّفْعَةِ، بَطَلَتْ عَلَى الْأَصَحِّ، لِزَوَالِ الضَّرَرِ. وَلَوْ بَاعَ بَعْضَهُ جَاهِلًا، أَطْلَقَ الْبَغَوِيُّ: أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ. وَالْوَجْهُ: أَنْ يَكُونَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ إِنْ قُلْنَا: إِنَّ بَيْعَ الْجَمِيعِ جَاهِلًا يُبْطِلُهَا.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ هُنَا عَلَى الْجُمْلَةِ: أَنَّهَا لَا تُبْطِلُ لِعُذْرِهِ مَعَ بَقَاءِ الْحَاجَةِ لِلْمُشَارَكَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
إِذَا صَالَحَ مِنْ حَقِّ الشُّفْعَةِ عَلَى مَالٍ، فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الصُّلْحِ عَنِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ. وَاخْتَارَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ صِحَّتَهُ. وَلَوْ تَصَالَحَا عَلَى أَخْذِ بَعْضِ الشِّقْصِ، فَهَلْ يَصِحُّ لِرِضَا الْمُشْتَرِي بِالتَّبْعِيضِ، أَمْ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ، أَمْ يَبْطُلُ الصُّلْحُ وَيَبْقَى خِيَارُهُ بَيْنَ أَخْذِ الْجَمِيعِ وَتَرْكِهِ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ.
فَصْلٌ
فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ
إِحْدَاهَا: لِلْمُفْلِسِ الْعَفْوُ عَنِ الشُّفْعَةِ وَالْأَخْذُ، وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ لِلْغُرَمَاءِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ فِي أَخْذِهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي شِرَائِهِ فِي الذِّمَّةِ. ثُمَّ الْكَلَامُ فِي أَنَّهُ مِنْ أَيْنَ يُؤَدِّي الثَّمَنَ؟ ذَكَرْنَاهُ فِي التَّفْلِيسِ.
الثَّانِيَةُ: وَهَبَ شِقْصًا لِعَبْدِهِ وَقُلْنَا: يَمْلِكُ، فَبَاعَ شَرِيكُهُ، ثَبَتَ لِلْعَبْدِ الشُّفْعَةُ، قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ. وَفِي افْتِقَارِهِ إِلَى إِذْنِ السَّيِّدِ، وَجْهَانِ:
الثَّالِثَةُ: لِعَامِلِ الْقِرَاضِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ فَلِلْمَالِكِ الْأَخْذُ وَلَوِ اشْتَرَى بِمَالِ الْقِرَاضِ شِقْصًا مِنْ شَرِيكِ رَبِّ الْمَالِ، فَلَا شُفْعَةَ لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ شَرِيكًا فِيهِ، فَلَهُ الْأَخْذُ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ، أَوْ كَانَ وَقُلْنَا: لَا يَمْلِكُ بِالظُّهُورِ. فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ بِهِ، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَالِكِ.
الرَّابِعَةُ: إِذَا كَانَ الشِّقْصُ فِي يَدِ الْبَائِعِ، فَقَالَ الشَّفِيعُ: لَا أَقْبِضُهُ إِلَّا مِنَ الْمُشْتَرِي، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَهُ ذَلِكَ، وَيُكَلِّفُ الْحَاكِمُ الْمُشْتَرِيَ أَنْ يَتَسَلَّمَهُ وَيُسَلَّمَ إِلَى الشَّفِيعِ. فَإِنْ كَانَ غَائِبًا نَصَّبَ الْحَاكِمُ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ فِي الطَّرَفَيْنِ. وَالثَّانِي: لَا يُكَلَّفُ ذَلِكَ، بَلْ يَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ مِنَ الْبَائِعِ. وَسَوَاءٌ أَخَذَهُ مِنَ الْمُشْتَرِي أَوِ الْبَائِعِ فَعُهْدَةُ الشَّفِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي، لِأَنَّ الْمِلْكَ انْتَقَلَ إِلَيْهِ مِنْهُ.
قُلْتُ: الْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ «التَّنْبِيهِ» وَآخَرُونَ، هَكَذَا ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ صَاحِبُ «الشَّامِلِ» وَآخَرُونَ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَصَاحِبُ «الْمُهَذَّبِ» وَآخَرُونَ فِي جَوَازِ أَخْذِ الشَّفِيعِ مِنَ الْبَائِعِ وَجْهَيْنِ، وَقَطَعَ صَاحِبُ «التَّنْبِيهِ» بِالْمَنْعِ. وَصَحَّحَ الْمُتَوَلِّي الْجَوَازَ، ذَكَرَهُ فِي بَابِ حُكْمِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْخَامِسَةُ: اشْتَرَى شِقْصًا بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْعُيُوبِ، فَإِنْ أَبْطَلْنَا الْبَيْعَ، فَذَاكَ، وَإِنْ صَحَّحْنَاهُ وَأَبْطَلْنَا الشَّرْطَ، فَكَالشِّرَاءِ مُطْلَقًا. وَإِنْ صَحَّحْنَا الشَّرْطَ، فَلِلشَّفِيعِ رَدُّهُ بِالْعَيْبِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ.
السَّادِسَةُ: لَوْ عَلِمَ الشَّفِيعُ الْعَيْبَ وَلَمْ يَعْلَمْهُ الْمُشْتَرِي، فَلَا رَدَّ لِلشَّفِيعِ، وَلَيْسَ
لِلْمُشْتَرِي طَلَبُ الْأَرْشِ، لِأَنَّهُ اسْتَدْرَكَ الظُّلَامَةَ، أَوْ لِأَنَّهُ لَمْ يَيْأَسْ مِنَ الرَّدِّ. فَلَوْ رَجَعَ إِلَيْهِ بِبَيْعٍ وَغَيْرِهِ، لَمْ يَرُدَّ عَلَى الْعِلَّةِ الْأُولَى، وَيَرُدُّ عَلَى الثَّانِيَةِ.
السَّابِعَةُ: قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِلْآخَرِ: بِعْ نَصِيبَكَ فَقَدْ عَفَوْتُ عَنِ الشُّفْعَةِ، فَبَاعَ، ثَبَتَتِ الشُّفْعَةُ، وَلَغَا الْعَفْوَ.
قُلْتُ: وَكَذَا لَوْ قَالَ لِلْمُشْتَرِي: اشْتَرِ فَلَا أُطَالِبُكَ بِشُفْعَةٍ، لَغَا عَفْوَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّامِنَةُ: بَاعَ شِقْصًا، فَضِمَنَ الشَّفِيعُ الْعُهْدَةَ لِلْمُشْتَرِي، لَمْ تَسْقُطْ شُفْعَتُهُ. وَكَذَا إِذَا شَرَطْنَا الْخِيَارَ لِلشَّفِيعِ، وَصَحَّحْنَا شَرْطَهُ لِلْأَجْنَبِيِّ.
التَّاسِعَةُ: أَرْبَعَةٌ بَيْنَهُمْ دَارٌ، فَبَاعَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ وَاسْتَحَقَّ الشُّرَكَاءُ الشُّفْعَةَ، فَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى الثَّالِثِ بِالْعَفْوِ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا إِنْ شَهِدَا بَعْدَ عَفْوِهِمَا، وَإِنْ شَهِدَا قَبْلَهُ، لَمْ تُقْبَلْ. فَلَوْ عَفَوَا ثُمَّ أَعَادَا تِلْكَ الشَّهَادَةَ، لَمْ تُقْبَلْ أَيْضًا لِلتُّهْمَةِ. وَإِنْ شَهِدَا بَعْدَ عَفْوِ أَحَدِهِمَا، قُبِلَتْ شَهَادَةُ الْعَافِي دُونَ الْآخَرِ، فَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي مَعَ الْعَافِي، وَيَثْبُتُ الْعَفْوُ. وَلَوْ شَهِدَ الْبَائِعُ عَلَى عَفْوِ الشَّفِيعِ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ، لَمْ تُقْبَلْ، لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ الرُّجُوعَ بِتَقْدِيرِ الْإِفْلَاسِ. وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ، فَوَجْهَانِ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَوَقَّعَ الْعَوْدَ بِسَبَبٍ مَا.
الْعَاشِرَةُ: أَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً بِعَفْوِ الشَّفِيعِ، وَأَقَامَ الشَّفِيعُ بَيِّنَةً بِأَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ، وَالشِّقْصُ فِي يَدِهِ، فَهَلْ بَيِّنَةُ الشَّفِيعِ أَوْلَى لِقُوَّتِهَا بِالْيَدِ، أَمْ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي لِزِيَادَةِ عِلْمِهَا بِالْعَفْوِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي.
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: شَهِدَ السَّيِّدُ بِشِرَاءِ شِقْصٍ فِيهِ شُفْعَةٌ لِمُكَاتَبِهِ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ:
تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. قَالَ الْإِمَامُ: كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ لِلْمُشْتَرِي إِذَا ادَّعَى الشِّرَاءَ، ثُمَّ ثَبَتَتِ الشُّفْعَةُ تَبَعًا. فَأَمَّا شَهَادَتُهُ لِلْمُكَاتَبِ، فَلَا تُقْبَلُ بِحَالٍ.
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: الشَّفِيعُ صَبِيٌّ، فَعَلَى وَلِيِّهِ الْأَخْذُ إِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ، وَإِلَّا فَيَحْرُمُ الْأَخْذُ. وَإِذَا تَرَكَ بِالْمَصْلَحَةِ، ثُمَّ بَلَغَ، فَهَلْ لَهُ الْأَخْذُ؟ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي الْحَجْرِ.
الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: بَيْنَهُمَا دَارٌ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ حَمْلٍ، فَبَاعَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ، فَلَا شُفْعَةَ لِلْحَمْلِ، لِأَنَّهُ لَا يُتَيَقَّنُ وُجُودُهُ. فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ الْحَمْلِ، فَلَهُ الشُّفْعَةُ. وَإِذَا انْفَصَلَ حَيًّا، فَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنَ الْوَارِثِ. وَلَوْ وَرِثَ الْحَمْلُ شُفْعَةً عَنْ مُوَرِّثِهِ، فَهَلْ لِأَبِيهِ أَوْ لِجَدِّهِ الْأَخْذُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ؟ وَجْهَانِ، وَبِالْمَنْعِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ، لِأَنَّهُ لَا يُتَيَقَّنُ.
الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: إِذَا أَخَذَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ، وَبَنَى فِيهِ، أَوْ غَرَسَ، فَخَرَجَ مُسْتَحَقًّا، وَقَلَعَ الْمُسْتَحِقُّ بِنَاءَهُ وَغِرَاسَهُ، فَالْقَوْلُ فِيمَا يَرْجِعُ بِهِ الشَّفِيعُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنَ الثَّمَنِ وَمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، كَالْقَوْلِ فِي رُجُوعِ الْمُشْتَرِي مِنَ الْغَاصِبِ عَلَيْهِ.
الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: مَاتَ وَلَهُ شِقْصٌ مِنْ دَارٍ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ، فَبَاعَ الشَّرِيكُ حِصَّتَهُ قَبْلَ بَيْعِ الشِّقْصِ فِي الدَّيْنِ، قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: لِلْوَرَثَةِ أَخْذُهُ بِالشُّفْعَةِ، وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الصَّحِيحِ: أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ انْتِقَالَ الْمِلْكِ فِي التَّرِكَةِ إِلَى الْوَرَثَةِ. وَإِنْ قُلْنَا: يَمْنَعُ، فَلَا شُفْعَةَ لَهُمْ. وَلَوْ خَلَّفَ دَارًا كَامِلَةً وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَسْتَغْرِقُهَا، فَبِيعَ بَعْضُهَا فِي الدَّيْنِ، قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ: لَا شُفْعَةَ لِلْوَرَثَةِ فِيمَا بِيعَ بِمَا بَقِيَ لَهُمْ مِنَ الْمِلْكِ، وَهَذَا مُسْتَمِرٌّ عَلَى الصَّحِيحِ، فَإِنَّهُمْ إِذَا مَلَكُوا الدَّارَ، كَانَ الْمَبِيعُ جُزْءًا مِنْ مِلْكِهِمْ. وَمَنْ يَبِعْ مِنْ مِلْكِهِ جُزْءًا بِحَقٍّ، لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْتِرْجَاعُهُ بِالْبَاقِي. وَإِنْ قُلْنَا: يُمْنَعُ، فَهَلْ يُمْنَعُ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ، أَمْ فِي الْجَمِيعِ؟ فِيهِ خِلَافٌ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَإِنْ