المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بَيْنَ يَدَيْ مَالِكِهِ لِيَنْظُرَ هَلْ يَصْلُحُ لَهُ لِيَشْتَرِيَهُ، فَتَلِفَ فِي - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ٥

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ الْغَصْبِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصِلَ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلِ

- ‌فَصْلِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصَلَ

- ‌فَصْلُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْقِرَاضِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ

- ‌كِتَابُ الْإِجَارَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْجَعَالَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فصل

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْوَقْفِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْهِبَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابِ «الرَّهْنِ»

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ اللُّقَطَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصِلَ

- ‌كِتَابُ اللَّقِيطِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فْصِلَ

الفصل: بَيْنَ يَدَيْ مَالِكِهِ لِيَنْظُرَ هَلْ يَصْلُحُ لَهُ لِيَشْتَرِيَهُ، فَتَلِفَ فِي

بَيْنَ يَدَيْ مَالِكِهِ لِيَنْظُرَ هَلْ يَصْلُحُ لَهُ لِيَشْتَرِيَهُ، فَتَلِفَ فِي تِلْكَ الْحَالِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ. وَأَصَحُّهُمَا: لَا، لِأَنَّ الْيَدَ عَلَى الْمَنْقُولِ حَقِيقَةٌ. وَلَوِ اقْتَطَعَ قِطْعَةَ أَرْضٍ مُلَاصِقَةٍ لِأَرْضِهِ، وَبَنَى عَلَيْهَا حَائِطًا وَأَضَافَهَا إِلَى مِلْكِهِ، ضَمِنَهَا، لِوُجُودِ الِاسْتِيلَاءِ.

‌فَصْلٌ

فِيمَا إِذَا انْبَنَتْ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ يَدٌ أُخْرَى

قَدْ سَبَقَ مُعْظَمُ مَسَائِلِهِ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ، وَحَاصِلُهُ: أَنَّ كُلَّ يَدٍ تَرَتَّبَتْ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ، فَهِيَ يَدُ ضَمَانٍ، فَيَتَخَيَّرُ الْمَالِكُ عِنْدَ التَّلَفِ بَيْنَ مُطَالَبَةِ الْغَاصِبِ وَمَنْ تَرَتَّبَتْ يَدُهُ عَلَى يَدِهِ، سَوَاءٌ عَلِمَ الْمَغْصُوبَ أَمْ لَا، لِأَنَّهُ أَثْبَتَ يَدَهُ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَالْجَهْلُ لَيْسَ مُسْقِطًا لِلضَّمَانِ. ثُمَّ الثَّانِي، إِنْ عَلِمَ الْغَصْبَ، فَهُوَ غَاصِبٌ مِنَ الْغَاصِبِ، فَيُطَالَبُ بِكُلِّ مَا يُطَالَبُ بِهِ الْغَاصِبُ، وَإِنْ تَلِفَ الْمَغْصُوبُ فِي يَدِهِ، فَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ. فَإِذَا غَرِمَ، لَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِذَا غَرِمَ الْأَوَّلُ رَجَعَ عَلَيْهِ، هَذَا إِذَا لَمْ تَخْتَلِفْ قِيمَتُهُ فِي يَدِهِمَا، أَوْ كَانَتْ فِي يَدِ الثَّانِي أَكْثَرَ، فَلَوْ كَانَتْ فِي يَدِ الْأَوَّلِ أَكْثَرَ، لَمْ يُطَالَبْ بِالزِّيَادَةِ إِلَّا الْأَوَّلُ، وَتَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ. أَمَّا إِذَا جَهِلَ الثَّانِي الْغَصْبَ، فَإِنْ كَانَتِ الْيَدُ فِي وَضْعِهَا يَدَ ضَمَانٍ كَالْعَارِيَةِ، اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَى الثَّانِي. وَإِنْ كَانَتْ يَدَ أَمَانَةٍ كَالْوَدِيعَةِ اسْتَقَرَّ عَلَى الْغَاصِبِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَفِي وَجْهٍ: يَسْتَقِرُّ عَلَى الْمُودَعِ وَفِي وَجْهٍ: لَا يُطَالَبُ الْمُودَعُ أَصْلًا، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا الْفَصْلِ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ الرَّهْنِ بِزِيَادَةٍ عَلَى هَذَا، وَالْقَرْضُ مَعْدُودٌ مِنْ أَيْدِي الضَّمَانِ. وَلَوْ وَهَبَ الْمَغْصُوبُ، فَهَلِ الْقَرَارُ عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ يَدَ ضَمَانٍ، أَمْ عَلَى الْمُتَّهَبِ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِلتَّمَلُّكِ؟ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: الثَّانِي.

ص: 9

وَلَوْ زَوَّجَ الْمَغْصُوبَةَ فَتَلِفَتْ عِنْدَ الزَّوْجِ، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ الزَّوْجُ بِقِيمَتِهَا قَطْعًا. وَقِيلَ: كَالْمُودَعِ.

فَرْعٌ

إِذَا أَتْلَفَ الْقَابِضُ مِنَ الْغَاصِبِ، نُظِرَ، إِنِ اسْتَقَلَّ بِالْإِتْلَافِ فَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ. وَإِنْ حَمَلَهُ الْغَاصِبُ عَلَيْهِ بِأَنْ غَصَبَ طَعَامًا فَقَدَّمَهُ إِلَيْهِ ضِيَافَةً فَأَكَلَهُ فَالْقَرَارُ عَلَى الْأَكْلِ إِنْ كَانَ عَالِمًا، وَكَذَا إِنْ كَانَ جَاهِلًا عَلَى الْأَظْهَرِ الْمَشْهُورِ فِي الْجَدِيدِ. فَعَلَى هَذَا، إِنْ ضَمِنَهُ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْغَاصِبِ، وَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ رَجَعَ عَلَيْهِ. وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ بِالْعَكْسِ، هَذَا إِذَا قَدَّمَهُ إِلَيْهِ وَسَكَتَ. فَإِنْ قَالَ: هُوَ مِلْكِي، فَإِنْ ضَمِنَ الْأَكْلَ فَفِي رُجُوعِهِ عَلَى الْغَاصِبِ الْقَوْلَانِ. وَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ قَطْعًا، لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِأَنَّهُ مَظْلُومٌ، فَلَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِ ظَالِمِهِ. وَقَالَ الْمُزَنِيُّ: يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَغَلَّطَهُ الْأَصْحَابُ. وَلَوْ وَهَبَ الْمَغْصُوبَ فَأَتْلَفَهُ الْمُتَّهَبُ، فَالْقَوْلَانِ، وَأَوْلَى بِالِاسْتِقْرَارِ عَلَى الْمُتَّهَبِ.

فَرْعٌ

لَوْ قَدَّمَ الطَّعَامَ الْمَغْصُوبَ إِلَى عَبْدِ إِنْسَانٍ فَأَكَلَهُ، فَإِنْ جَعَلْنَا الْقَرَارَ عَلَى الْحُرِّ الْآكِلِ، فَهَذِهِ جِنَايَةٌ مِنَ الْعَبْدِ يُبَاعُ فِيهَا، وَإِلَّا فَلَا يُبَاعُ، وَإِنَّمَا يُطَالَبُ الْغَاصِبُ كَمَا لَوْ قَدَّمَ شَعِيرًا مَغْصُوبًا إِلَى بَهِيمَةٍ بِغَيْرِ إِذْنِ مَالِكِهَا.

فَرْعٌ

غَصَبَ شَاةً وَأَمَرَ قَصَّابًا بِذَبْحِهَا جَاهِلًا بِالْحَالِ، فَقَرَارُ ضَمَانِ النَّقْصِ عَلَى الْغَاصِبِ،

ص: 10

وَلَا يَخْرُجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي آكِلِ الطَّعَامِ، لِأَنَّهُ ذَبْحُ الْغَاصِبِ، وَهُنَاكَ انْتَفَعَ بِأَكْلِهِ.

فَرْعٌ

لَوْ أَمَرَ الْغَاصِبُ رَجُلًا بِإِتْلَافِ الْمَغْصُوبِ بِالْقَتْلِ وَالْإِحْرَاقِ وَنَحْوِهِمَا، فَفَعَلَهُ جَاهِلًا بِالْغَصْبِ، فَالْمَذْهَبُ: الْقَطْعُ بِالِاسْتِقْرَارِ عَلَى الْمُتْلِفِ، لِأَنَّهُ حَرَامٌ، بِخِلَافِ الْآكِلِ، وَلَا أَثَرَ لِلتَّغْرِيرِ مَعَ التَّحْرِيمِ، وَقِيلَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ.

فَرْعٌ

قَدَّمَ الْمَغْصُوبَ إِلَى مَالِكِهِ، فَأَكَلَهُ جَاهِلًا بِالْحَالِ، فَإِنْ قُلْنَا فِي التَّقْدِيمِ إِلَى الْأَجْنَبِيِّ: الْقَرَارُ عَلَى الْغَاصِبِ، لَمْ يَبْرَأْ مِنَ الضَّمَانِ. وَإِلَّا فَيَبْرَأُ، وَرُبَّمَا نَصَرَ الْعِرَاقِيُّونَ الْأَوَّلَ. وَنَقَلَ الْإِمَامُ عَنِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْبَرَاءَةَ هُنَا أَوْلَى مِنَ الِاسْتِقْرَارِ عَلَى الْآكِلِ. وَلَوْ أَوْدَعَهُ لِلْمَالِكِ، أَوْ رَهَنَهُ عِنْدَهُ، أَوْ أَجَّرَهُ إِيَّاهُ جَاهِلًا بِالْحَالِ، فَتَلِفَ عِنْدَهُ، لَمْ يَبْرَأْ مِنَ الضَّمَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ بِالْقَوْلَيْنِ. وَلَوْ بَاعَهُ لِلْمَالِكِ، أَوْ أَقْرَضَهُ، أَوْ أَعَارَهُ فَتَلِفَتْ عِنْدَهُ، بَرِئَ الْغَاصِبُ. وَلَوْ دَخَلَ الْمَالِكُ دَارَ الْغَاصِبِ، فَأَكَلَ طَعَامًا يَظُنُّهُ لِلْغَاصِبِ فَكَانَ هُوَ الْمَغْصُوبَ، بَرِئَ الْغَاصِبُ، وَلَوْ صَالَ الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ عَلَى مَالِكِهِ فَقَتَلَهُ الْمَالِكُ لِلدَّفْعِ، لَمْ يَبْرَأِ الْغَاصِبُ، سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَمْ لَا، لِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِهَذِهِ الْجِهَةِ كَإِتْلَافِ الْعَبْدِ نَفْسَهُ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ لِغَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ. وَفِي وَجْهٍ: يَبْرَأُ عِنْدَ الْعِلْمِ، لِإِتْلَافِهِ مَالَ نَفْسِهِ لِمَصْلَحَتِهِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.

فَرْعٌ

زَوَّجَ الْمَغْصُوبَةَ بِمَالِكِهَا جَاهِلًا، فَتَلِفَتْ عِنْدَهُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَوْدَعَهَا عِنْدَهُ فَتَلِفَتْ،

ص: 11

فَلَوِ اسْتَوْلَدَهَا، نَفَذَ الِاسْتِيلَادُ وَبَرِئَ الْغَاصِبُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَلَوْ قَالَ الْغَاصِبُ لِلْمَالِكِ: أَعْتِقْ هَذَا، فَأَعْتَقَهُ جَاهِلًا، نَفَذَ الْعِتْقُ عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالْجَهْلِ، فَعَلَى هَذَا يَبْرَأُ الْغَاصِبُ عَلَى الْأَصَحِّ، لِعَوْدِ مَصْلَحَةِ الْعِتْقِ إِلَيْهِ. وَعَلَى الثَّانِي: لَا يَبْرَأُ، فَيُطَالِبُهُ بِقِيمَتِهِ. وَلَوْ قَالَ: أَعْتِقْهُ عَنِّي، فَفَعَلَ جَاهِلًا، فَفِي نُفُوذِ الْعِتْقِ وَجْهَانِ، إِنْ نَفَذَ فَفِي وُقُوعِهِ عَنِ الْغَاصِبِ وَجْهَانِ. الصَّحِيحُ: الْمَنْعُ. وَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ لِلْغَاصِبِ: أَعْتِقْهُ عَنِّي، أَوْ مُطْلَقًا فَأَعْتَقَهُ، عَتَقَ وَبَرِئَ الْغَاصِبُ.

الطَّرَفُ الثَّانِي: فِي الْمَضْمُونِ، قَالَ الْأَصْحَابُ رحمهم الله: الْمَضْمُونُ هُوَ الْمَعْصُومُ، وَهُوَ قِسْمَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَا لَيْسَ بِمَالٍ، وَهُوَ الْأَحْرَارُ، فَيُضْمَنُونَ بِالْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ وَالطَّرَفِ، بِالْمُبَاشَرَةِ تَارَةً، وَبِالتَّسَبُّبِ أُخْرَى، وَتَفْصِيلُهُ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ.

الثَّانِي: مَا هُوَ مَالٌ، وَهُوَ نَوْعَانِ: أَعْيَانٌ، وَمَنَافِعُ. وَالْأَعْيَانُ ضَرْبَانِ: حَيَوَانٌ وَغَيْرُهُ. وَالْحَيَوَانُ صِنْفَانِ: آدَمِيٌّ وَغَيْرُهُ.

أَمَّا الْآدَمِيُّ: فَيُضْمَنُ النَّفْسُ وَالطَّرَفُ مِنَ الرَّقِيقِ بِالْجِنَايَةِ كَمَا يُضْمَنُ الْحُرُّ، وَيُضْمَنُ أَيْضًا بِالْيَدِ الْعَادِيَةِ. وَبَدَلُ نَفْسِهِ: قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، سَوَاءٌ قُتِلَ أَوْ تَلِفَ تَحْتَ الْيَدِ الْعَادِيَةِ. وَأَمَّا الْأَطْرَافُ وَالْجِرَاحَاتُ، فَمَا كَانَ مِنْهَا لَا يَتَقَدَّرُ وَاجِبُهُ فِي الْحُرِّ فَوَاجِبُهُ فِي الرَّقِيقِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ، سَوَاءٌ حَصَلَ بِالْجِنَايَةِ أَوْ فَاتَ تَحْتَ الْيَدِ الْعَادِيَةِ، وَمَا كَانَ مُقَدَّرًا فِي الْحُرِّ، يُنْظَرُ، إِنْ حَصَلَ بِجِنَايَةٍ، فَقَوْلَانِ: الْجَدِيدُ الْأَظْهَرُ: أَنَّهُ يَتَقَدَّرُ مِنَ الرَّقِيقِ أَيْضًا، وَالْقِيمَةُ فِي حَقِّهِ كَالدِّيَةِ فِي حَقِّ الْحُرِّ، فَيَجِبُ فِي يَدِ الْعَبْدِ نِصْفُ قِيمَتِهِ، كَمَا يَجِبُ فِي يَدِ الْحُرِّ نِصْفُ دِيَتِهِ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ. وَالْقَدِيمُ: الْوَاجِبُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ. وَأَمَّا مَا يَتْلَفُ تَحْتَ الْيَدِ الْعَادِيَةِ، كَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَسَقَطَتْ يَدُهُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، فَالْوَاجِبُ فِيهِ مَا يَنْقُصُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَفِي وَجْهٍ: إِنْ كَانَ النَّقْصُ أَقَلَّ مِنَ الْمُقَدَّرِ وَجَبَ مَا يَجِبُ عَلَى الْجَانِي، فَعَلَى

ص: 12

الْجَدِيدِ: لَوْ قَطَعَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ، لَزِمَهُ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَالْأَرْشِ. وَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ، فَعَلَيْهِ كَمَالُ الْقِيمَةِ. وَكَذَا لَوْ قَطَعَ أُنْثَيَيْهِ فَزَادَتْ قِيمَتُهُ. وَلَوْ كَانَ النَّاقِصُ بِقَطْعِ الْغَاصِبِ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَجَبَ ثُلُثَا قِيمَتِهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ.

أَمَّا عَلَى الْقَدِيمِ فَلِأَنَّهُ قُدِّرَ النَّقْصُ. وَأَمَّا عَلَى الْجَدِيدِ، فَالنِّصْفُ بِالْجِنَايَةِ، وَالسُّدُسُ بِالْيَدِ الْعَادِيَةِ. وَلَوْ كَانَ النَّقْصُ بِسُقُوطِ الْيَدِ بِآفَةٍ ثُلُثَ الْقِيمَةِ فَهُوَ الْوَاجِبُ عَلَى الْقَدِيمِ، وَكَذَا عَلَى الْجَدِيدِ تَفْرِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ: الْوَاجِبُ نِصْفُ قِيمَتِهِ. وَالْمَكَاتَبُ، وَالْمُسْتَوْلَدَةِ، وَالْمُدَبَّرِ، حُكْمُهُمْ فِي الضَّمَانِ حُكْمُ الْقِنِّ.

الصِّنْفُ الثَّانِي: غَيْرُ الْآدَمِيِّ مِنَ الْحَيَوَانِ، فَيَجِبُ فِيهِ بِالْيَدِ وَالْجِنَايَةِ قِيمَتُهُ، وَفِي مَا تَلِفَ مِنْ أَجْزَائِهِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْخَيْلُ، وَالْإِبِلُ، وَالْحَمِيرُ، وَغَيْرُهَا.

الضَّرْبُ الثَّانِي: غَيْرُ الْحَيَوَانِ، وَهُوَ مُنْقَسِمٌ إِلَى مِثْلِيٍّ وَمُتَقَوِّمٍ، وَسَيَأْتِي ضَبْطُهُمَا وَحُكْمُهُمَا فِي الطَّرَفِ الثَّالِثِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

النَّوْعُ الثَّانِي: الْمَنَافِعُ، وَهِيَ أَصْنَافٌ.

مِنْهَا: مَنَافِعُ الْأَمْوَالِ مِنَ الْعَبِيدِ وَالثِّيَابِ وَالْأَرْضِ وَغَيْرِهَا، وَهِيَ مَضْمُونَةٌ بِالتَّفْوِيتِ. وَالْفَوَاتُ تَحْتَ الْيَدِ الْعَادِيَةِ، فَكُلُّ عَيْنٍ لَهَا مَنْفَعَةٌ تُسْتَأْجَرُ لَهَا، يُضْمَنُ مَنْفَعَتُهَا إِذَا بَقِيَتْ فِي يَدِهِ مُدَّةً لَهَا أُجْرَةٌ حَتَّى لَوْ غَصَبَ كِتَابًا وَأَمْسَكَهُ مُدَّةً وَطَالَعَهُ، أَوْ مِسْكًا فَشَمَّهُ، أَوْ لَمْ يَشُمُّهُ لَزِمَهُ أُجْرَتُهُ. وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ يَعْرِفُ صَنَائِعَ، لَزِمَهُ أُجْرَةٌ أَعْلَاهَا أُجْرَةً، وَلَا يَلْزَمُهُ أَجْرُ الْجَمِيعِ. وَلَوِ اسْتَأْجَرَ عَيْنًا لِمَنْفَعَةٍ، فَاسْتَعْمَلَهَا فِي غَيْرِهَا، ضَمِنَهَا.

قُلْتُ: ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ، أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ أَرْضًا وَلَمْ يَزْرَعْهَا، وَهِيَ مِمَّا تَنْقُصُ بِتَرْكِ الزَّرْعِ كَأَرْضِ الْبَصْرَةِ وَشِبْهِهَا فَإِنَّهَا إِذَا لَمْ تُزْرَعْ نَبَتَ فِيهَا

ص: 13

الدَّغَلُ وَالْحَشِيشُ، كَانَ عَلَيْهِ رَدُّ الْحَشِيشِ وَأُجْرَةُ الْأَرْضِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي أَرْشَ النَّقْصِ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ يَجِبُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمِنْهَا: مَنْفَعَةُ الْبُضْعِ، فَلَا تُضْمَنُ بِالْفَوَاتِ تَحْتَ الْيَدِ، لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَثْبُتُ عَلَيْهَا، وَلِهَذَا يُزَوِّجُ السَّيِّدُ الْمَغْصُوبَةَ، وَلَا يُؤَجِّرُهَا، كَمَا لَا يَبِيعُهَا، وَكَذَا لَوْ تَدَاعَى رَجُلَانِ نِكَاحَ امْرَأَةٍ، ادَّعَيَا عَلَيْهَا، وَلَا يَدَّعِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ. وَإِذَا أَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا حُكِمَ بِأَنَّهَا زَوْجُهُ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْيَدَ لَهَا، وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ تُسْتَحَقُّ اسْتِحْقَاقَ ارْتِفَاقٍ لِلْحَاجَةِ وَسَائِرَ الْمَنَافِعِ تُسْتَحَقُّ اسْتِحْقَاقَ مِلْكٍ تَامٍّ. وَلِهَذَا مَنْ مَلَكَ مَنْفَعَةً بِالِاسْتِئْجَارِ، مَلَكَ نَقْلَهَا إِلَى غَيْرِهِ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَالزَّوْجُ لَا يَمْلِكُ نَقْلَ مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ. فَأَمَّا إِذَا فَوَّتَ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ بِالْوَطْءِ فَيَضْمَنُ مَهْرَ الْمِثْلِ، وَسَيَأْتِي تَفْرِيعُهُ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنَ الْبَابِ الثَّانِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَمِنْهَا: مَنْفَعَةُ بَدَنِ الْحُرِّ، وَهِيَ مَضْمُونَةٌ بِالتَّفْوِيتِ. فَإِذَا قَهَرَ حُرًّا وَسَخَّرَهُ فِي عَمَلٍ، ضَمِنَ أُجْرَتَهُ. وَإِنْ حَبَسَهُ وَعَطَّلَ مَنَافِعَهُ، لَمْ يَضْمَنْهَا عَلَى الْأَصَحِّ، لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ، فَمَنَافِعُهُ تَفُوتُ تَحْتَ يَدِهِ، بِخِلَافِ الْمَالِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: يَضْمَنُهَا، وَيَقْرُبُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ الْخِلَافُ فِي صُورَتَيْنِ. إِحْدَاهُمَا: لَوِ اسْتَأْجَرَ حُرًّا وَأَرَادَ أَنْ يُؤَجِّرَهُ، هَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ وَالثَّانِيَةُ: إِذَا أَسْلَمَ الْحُرُّ الْمُسْتَأْجَرُ نَفْسَهُ، وَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُ الْمُسْتَأْجِرُ إِلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الَّتِي اسْتَأْجَرَهُ فِيهَا، هَلْ تَتَقَرَّرُ أُجْرَتُهُ؟ قَالَ الْأَكْثَرُونَ: لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ، وَتَتَقَرَّرُ أُجْرَتُهُ. وَقَالَ الْقَفَّالُ: لَا يُؤَجِّرُهُ وَلَا تَتَقَرَّرُ أُجْرَتُهُ، لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ، وَلَا تَحْصُلُ مَنَافِعُهُ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَيَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ إِلَّا عِنْدَ وُجُودِهَا، هَكَذَا ذَكَرَ الْأَصْحَابُ

[تَوْجِيهُ] الْخِلَافِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ، وَلَمْ يَجْعَلُوا دُخُولَ الْحُرِّ تَحْتَ الْيَدِ مُخْتَلَفًا فِيهِ، بَلِ اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِهِ، وَلَكِنْ مَنْ جَوَّزَ إِجَارَةَ

ص: 14

الْمُسْتَأْجَرِ، وَقَرَّرَ الْأُجْرَةَ، بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ، وَجَعَلَ الْغَزَالِيُّ الْخِلَافَ فِي الْمَسَائِلِ مَبْنِيًّا عَلَى التَّرَدُّدِ فِي دُخُولِهِ تَحْتَ الْيَدِ وَلَمْ نَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ.

فَرْعٌ

فِي دُخُولِ ثِيَابِ الْحُرِّ فِي ضَمَانِ مَنِ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ، تَفْصِيلٌ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ.

فَرْعٌ

قَالَ الْمُتَوَلِّي: لَوْ نَقَلَ حُرًّا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا بِالْقَهْرِ إِلَى مَوْضِعٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ فِي الرُّجُوعِ إِلَى الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ وَاحْتَاجَ إِلَى مُؤْنَةً، فَهِيَ عَلَى النَّاقِلِ، لِتَعَدِّيهِ.

وَمِنْهَا: مَنْفَعَةُ الْكَلْبِ، فَمَنْ غَصَبَ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ حِرَاسَةٍ، لَزِمَهُ رَدُّهُ مَعَ مُؤْنَةِ الرَّدِّ إِنْ كَانَ لَهُ مُؤْنَةٌ، وَهَلْ تَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مَنْفَعَتِهِ؟ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى جَوَازِ إِجَارَتِهِ. وَفِيمَا اصْطَادَهُ الْغَاصِبُ بِالْكَلْبِ الْمَغْصُوبِ، وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لِلْمَالِكِ، كَصَيْدِ الْعَبْدِ وَكَسْبِهِ. وَأَصَحُّهُمَا: لِلْغَاصِبِ، كَمَا لَوْ غَصَبَ شَبَكَةً أَوْ قَوْسًا وَاصْطَادَ بِهِمَا، فَإِنَّهُ لِلْغَاصِبِ. وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ، فِيمَا لَوِ اصْطَادَ بِالْبَازِي وَالْفَهْدِ الْمَغْصُوبَيْنِ، وَحَيْثُ كَانَ الصَّيْدُ لِلْغَاصِبِ، لَزِمَهُ أُجْرَةُ مِثْلِ الْمَغْصُوبِ، وَحَيْثُ كَانَ لِلْمَالِكِ كَصَيْدِ الْعَبْدِ، فَفِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ لِزَمَنِ الِاصْطِيَادِ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْوُجُوبُ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ يَسْتَعْمِلُهُ فِي شُغْلٍ آخَرَ.

قُلْتُ: وَالْوَجْهَانِ فِيمَا إِذَا لَمْ تَنْقُصْ قِيمَةُ الصَّيْدِ عَنِ الْأُجْرَةِ، فَإِنْ نَقَصَتْ وَجَبَ النَّاقِصُ قَطْعًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 15

فَرْعٌ

الْمَغْصُوبُ، إِذَا دَخَلَهُ نَقْصٌ، هَلْ يَجِبُ أَرْشُهُ مَعَ الْأُجْرَةِ؟ نُظِرَ، إِنْ كَانَ النَّقْصُ بِسَبَبٍ غَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ، بِأَنْ غَصَبَ ثَوْبًا أَوْ عَبْدًا، فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ كَسُقُوطِ عُضْوِ الْعَبْدِ بِمَرَضٍ، وَجَبَ الْأَرْشُ مَعَ الْأُجْرَةِ، ثُمَّ الْأُجْرَةُ الْوَاجِبَةُ لِمَا قَبْلَ حُدُوثِ النَّقْصِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ سَلِيمًا، وَلِمَا بَعْدَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ مَعِيبًا. وَإِنْ كَانَ النَّقْصُ بِسَبَبِ الِاسْتِعْمَالِ، بِأَنْ لَبِسَ الثَّوْبَ فَأَبْلَاهُ، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: يَجِبَانِ، وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ إِلَّا أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَأَرْشِ النَّقْصِ.

فَرْعٌ

سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، أَنَّ الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ إِذَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ بِآفَةٍ، غَرِمَ الْغَاصِبُ قِيمَتَهُ لِلْحَيْلُولَةِ، وَتَلْزَمُهُ مَعَ ذَلِكَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ بَذْلِ الْقِيمَةِ، وَفِيمَا بَعْدَهَا، وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الْوُجُوبُ، لِبَقَاءِ حُكْمِ الْغَصْبِ. وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي أَنَّ الزَّوَائِدَ الْحَاصِلَةَ بَعْدَ دَفْعِ الْقِيمَةِ، هَلْ تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَى الْغَاصِبِ؟ وَفِي أَنَّهُ هَلْ يَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ رَدِّهَا؟ وَفِي أَنَّ جِنَايَةَ الْآبِقِ فِي إِبَاقِهِ، هَلْ يَتَعَلَّقُ ضَمَانُهَا بِالْغَاصِبِ؟ وَلَوْ غَيَّبَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ إِلَى مَكَانٍ بَعِيدٍ، وَعَسُرَ رَدُّهُ، وَغَرِمَ الْقِيمَةَ، قَالَ الْإِمَامُ: وَطَرَّدَ شَيْخِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْخِلَافَ فِي الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِوُجُوبِ الْأُجْرَةِ وَثُبُوتِ سَائِرِ الْأَحْكَامِ. وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إِذَا غَيَّبَهُ بِاخْتِيَارِهِ، فَهُوَ بَاقٍ فِي يَدِهِ وَتَصَرُّفِهِ، فَلَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ الضَّمَانُ.

ص: 16

فَرْعٌ

الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ، لَا يُضْمَنَانِ

[لَا] لِمُسْلِمٍ وَلَا لِذِمِّيٍّ، سَوَاءٌ أَرَاقَ حَيْثُ تَجُوزُ الْإِرَاقَةُ أَمْ حَيْثُ لَا تَجُوزُ، ثُمَّ خُمُورُ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا تُرَاقُ إِلَّا إِذَا تَظَاهَرُوا بِشُرْبِهَا أَوْ بَيْعِهَا، وَلَوْ غُصِبَ مِنْهُمْ وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ وَجَبَ رَدُّهَا، وَإِنْ غُصِبَتْ مِنْ مُسْلِمٍ وَجَبَ رَدُّهَا إِنْ كَانَتْ مُحْتَرَمَةً، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُحْتَرَمَةً لَمْ يَجِبْ، بَلْ تُرَاقُ.

فَرْعٌ

آلَاتُ الْمَلَاهِي كَالْبَرْبَطِ وَالطُّنْبُورِ وَغَيْرِهِمَا، وَكَذَا الصَّنَمُ وَالصَّلِيبُ، لَا يَجِبُ فِي إِبْطَالِهَا شَيْءٌ، لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةُ الِاسْتِعْمَالِ، وَلَا حُرْمَةَ لِتِلْكَ الصَّنْعَةِ. وَفِي الْحَدِّ الْمَشْرُوعِ فِي إِبْطَالِهَا وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: تُكْسَرُ وَتُرَضَّضُ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى حَدٍّ لَا يُمْكِنُ اتِّخَاذُ آلَةٍ مُحَرَّمَةٍ مِنْهَا لَا الْأُولَى وَلَا غَيْرُهَا. وَأَصَحُّهُمَا: لَا تُكْسَرُ الْكَسْرَ الْفَاحِشَ لَكِنْ تُفَصَّلُ. وَفِي حَدِّ التَّفْصِيلِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: قَدْرٌ لَا يَصْلُحُ مَعَهُ لِلِاسْتِعْمَالِ الْمُحَرَّمِ، حَتَّى إِذَا رُفِعَ وَجْهُ الْبَرْبَطِ وَبَقِيَ عَلَى صُورَةِ قَصْعَةٍ كَفَى، وَالثَّانِي: أَنْ يُفَصَّلَ إِلَى حَدٍّ

[حَتَّى] لَوْ فُرِضَ اتِّخَاذُ آلَةٍ مُحَرَّمَةٍ مِنْ مَفْصِلِهَا لَنَالَ الصَّانِعُ التَّعَبَ الَّذِي يَنَالُهُ فِي ابْتِدَاءِ الِاتِّخَاذِ، وَهَذَا بِأَنْ يَبْطُلَ تَأْلِيفُ الْأَجْزَاءِ كُلِّهَا حَتَّى تَعُودَ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ التَّأْلِيفِ، وَهَذَا أَقْرَبُ إِلَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَجَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ. ثُمَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الِاقْتِصَارِ عَلَى تَفْصِيلِ الْأَجْزَاءِ، هُوَ فِيمَا إِذَا تَمَكَّنَ الْمُحْتَسِبُ مِنْهُ، أَمَّا

ص: 17

إِذَا مَنَعَهُ مَنْ فِي يَدِهِ وَدَافَعَهُ عَنِ الْمُنْكَرِ فَلَهُ إِبْطَالُهُ بِالْكَسْرِ قَطْعًا. وَحَكَى الْإِمَامُ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ قَطْعَ الْأَوْتَارِ لَا يَكْفِي لِأَنَّهَا مُجَاوِرَةٌ لَهَا مُنْفَصِلَةٌ. وَمَنِ اقْتَصَرَ فِي إِبْطَالِهَا عَلَى الْحَدِّ الْمَشْرُوعِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَمَنْ جَاوَزَهُ، فَعَلَيْهِ التَّفَاوُتُ بَيْنَ قِيمَتِهَا مَكْسُورَةً بِالْحَدِّ الْمَشْرُوعِ وَبَيْنَ قِيمَتِهَا مُنْتَهِيَةً إِلَى الْحَدِّ الَّذِي أَتَى بِهِ. وَإِنْ أَحْرَقَهَا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا مَكْسُورَةَ الْحَدِّ الْمَشْرُوعِ.

قُلْتُ: قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي «الْبَسِيطِ» : أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِحْرَاقُهَا، لِأَنَّ رُضَاضَهَا مُتَمَوَّلٌ. وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَصْلِ، أَنَّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ وَالْعَبْدَ وَالْفَاسِقَ وَالصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ يَشْتَرِكُونَ فِي جَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى إِزَالَةِ هَذَا الْمُنْكَرِ وَسَائِرِ الْمُنْكَرَاتِ، وَيُثَابُ الصَّبِيُّ عَلَيْهَا كَمَا يُثَابُ الْبَالِغُ، وَلَكِنْ إِنَّمَا تَجِبُ إِزَالَتُهُ عَلَى الْمُكَلَّفِ الْقَادِرِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي «الْإِحْيَاءِ» : وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مَنْعُ الصَّبِيِّ مِنْ كَسْرِ الْمَلَاهِي وَإِرَاقَةِ الْخُمُورِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْمُنْكَرَاتِ، كَمَا لَيْسَ لَهُ مَنْعُ الْبَالِغِ، فَإِنَّ الصَّبِيَّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْوِلَايَاتِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَآحَادِ الرَّعِيَّةِ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ مَبْسُوطًا مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي كِتَابِ «السِّيَرِ» إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الطَّرَفُ الثَّالِثُ: وَفِي قَدْرِ الْوَاجِبِ، فَمَا كَانَ مِثْلِيًّا ضُمِنَ بِمِثْلِهِ. وَمَا كَانَ مُتَقَوَّمًا، فَبِالْقِيمَةِ.

وَفِي ضَبْطِ الْمِثْلِيِّ أَوْجُهٌ، أَحَدُهَا: كُلُّ مُقَدَّرٍ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ فَهُوَ مِثْلِيٌّ، وَيُنْسَبُ هَذَا إِلَى نَصِّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه، لِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَمَا لَهُ كَيْلٌ أَوْ وَزْنٌ، فَعَلَيْهِ مِثْلُ كَيْلِهِ أَوْ وَزْنِهِ. وَالثَّانِي: يُزَادُ مَعَ هَذَا جَوَازُ السَّلَمِ فِيهِ. وَالثَّالِثُ: زَادَ الْقَفَّالُ وَآخَرُونَ اشْتِرَاكَ جَوَازِ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ. وَالرَّابِعُ: مَا يُقَسَّمُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَقْوِيمٍ. وَالْخَامِسُ، قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ: الْمِثْلِيُّ مَا

[لَا] تَخْتَلِفُ أَجْزَاءُ النَّوْعِ مِنْهُ فِي الْقِيمَةِ، وَرُبَّمَا قِيلَ فِي الْجِرْمِ وَالْقِيمَةِ. وَيَقْرُبُ مِنْهُ قَوْلُ: مَنْ

ص: 18

قَالَ: الْمِثْلِيُّ: الْمُتَشَاكِلُ فِي الْقِيمَةِ وَمُعْظَمِ الْمَنَافِعِ. وَمَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ، هُوَ تَسَاوِي الْأَجْزَاءِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْقِيمَةِ، فَزَادَ الْمَنْفَعَةَ، وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ، وَزَادَ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ لَا مِنْ حَيْثُ الصَّنْعَةُ. وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ مَنْقُوضٌ بِالْمَعْجُونَاتِ. وَالثَّالِثُ: بَعِيدٌ عَنِ اخْتِيَارِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُمْ أَعْرَضُوا عَنْ هَذَا الشَّرْطِ، وَقَالُوا: امْتِنَاعُ بَيْعِ بَعْضِهِ

[بِبَعْضٍ] لِرِعَايَةِ الْكَمَالِ فِي حَالِ التَّمَاثُلِ بِمَعْزِلٍ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ. وَالرَّابِعُ: لَا حَاصِلَ لَهُ، فَإِنَّهُ مُنْتَقَضٌ بِالْأَرْضِ الْمُتَسَاوِيَةِ، فَإِنَّهَا تَنْقَسِمُ كَذَلِكَ، وَلَيْسَتْ مِثْلِيَّةً: وَالْخَامِسُ: ضَعِيفٌ أَيْضًا مُنْتَقَضٌ بِأَشْيَاءَ، فَالْأَصَحُّ الْوَجْهُ الثَّانِي، لَكِنَّ الْأَحْسَنَ أَنْ يُقَالَ: الْمِثْلِيُّ: مَا يَحْصُرُهُ كَيْلٌ أَوْ وَزْنٌ، وَيَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ، وَلَا يُقَالُ: مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ، لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ مَا يُعْتَادُ كَيْلُهُ وَوَزْنُهُ، فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَهُوَ مِثْلِيٌّ، وَكَذَا التُّرَابُ وَهُوَ مِثْلِيٌّ عَلَى الْأَصَحِّ.

وَيَحْصُلُ مِنَ الْخِلَافِ اخْتِلَافٌ مِنَ الصُّفْرِ، وَالنُّحَاسِ، وَالْحَدِيدِ، لِأَنَّ أَجْزَاءَهَا مُخْتَلِفَةُ الْجَوَاهِرِ، وَكَذَا فِي التِّبْرِ، وَالسَّبِيكَةِ، وَالْمِسْكِ، وَالْعَنْبَرِ، وَالْكَافُورِ، وَالثَّلْجِ، وَالْجَمْدِ، وَالْقُطْنِ، لِمِثْلِ ذَلِكَ. وَفِي الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ وَسَائِرِ الْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ لِامْتِنَاعِ بَيْعِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَكَذَا الدَّقِيقُ. وَالْأَصَحُّ: أَنَّهَا كُلَّهَا مِثْلِيَّةٌ. وَفِي السُّكَّرِ وَالْفَانِيذِ وَالْعَسَلِ الْمُصَفَّى بِالنَّارِ، وَاللَّحْمِ الطَّرِيِّ، لِلْخِلَافِ فِي جَوَازِ بَيْعِ كُلٍّ مِنْهَا بِجِنْسِهِ، وَفِي الْخُبْزِ، لِامْتِنَاعِ بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، وَأَيْضًا الْخِلَافُ فِي جَوَازِ السَّلَمِ فِيهِ. وَأَمَّا

ص: 19