الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَوْ بَاعَهَا الْمُلْتَقِطُ فَجَاءَ الْمَالِكُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، فَهَلْ لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّاشِيُّ، وَوَجْهُ الْمَنْعِ بِأَنَّ الْفَسْخَ حَقٌّ لِلْعَاقِدِ، فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ. وَجَعَلَ ابْنُ كَجٍّ الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ يُجْبِرُ الْمُلْتَقِطَ عَلَى الْفَسْخِ، وَيَجُوزُ فَرْضُ الْوَجْهَيْنِ فِي الِانْفِسَاخِ. فَإِنْ زَادَتْ، فَالْمُتَّصِلَةُ تَتْبَعُهَا، وَالْمُنْ
فَصِلَ
ةُ تُسَلَّمُ لِلْمُلْتَقِطِ، وَيَرُدُّ الْأَصْلَ، وَإِنْ نَقَصَتْ بِعَيْبٍ وَنَحْوِهِ وَقُلْنَا: لَوْ بَقِيَتْ بِحَالِهَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ أَخْذُهَا قَهْرًا، رَجَعَ إِلَى بَدَلِهَا سَلِيمَةً. وَإِنْ قُلْنَا: لَهُ أَخْذُهَا قَهْرًا فَكَذَا هُنَا، وَيُغَرِّمُهُ الْأَرْشَ، لِأَنَّ الْكُلَّ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا أَرْشَ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيُّ. وَلَوْ أَرَادَ بَدَلَهَا، وَقَالَ الْمُلْتَقِطُ: أَضُمُّ إِلَيْهَا الْأَرْشَ وَأَرُدُّهَا، أُجِيبَ الْمُلْتَقِطُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَالثَّانِي: يُجَابُ الْمَالِكُ، فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْبَدَلِ أَوِ الْعَيْنِ النَّاقِصَةِ مَعَ الْأَرْشِ، أَوْ دُونَهُ كَمَا سَبَقَ.
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَكُونَ تَالِفَةً، فَعَلَيْهِ بَدَلُهَا: الْمِثْلُ، أَوِ الْقِيمَةُ. وَالِاعْتِبَارُ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّمَلُّكِ. وَقَالَ الْكَرَابِيسِيُّ - مِنْ أَصْحَابِنَا -: لَا يُطَالَبُ بِالْقِيمَةِ، وَلَا بِرَدِّ الْعَيْنِ عِنْدَ بَقَائِهَا. وَالصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ هُوَ الْأَوَّلُ. وَعَلَى هَذَا، فَالضَّمَانُ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ يَوْمِ التَّلَفِ. وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ، وَإِنَّمَا يَتَوَجَّهُ عِنْدَ مَجِيءِ الْمَالِكِ وَطَلَبِهِ.
فَصْلٌ
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْكِتَابِ
إِحْدَاهَا: وَجَدَ رَجُلَانِ لُقْطَةً، يُعَرِّفَانِهَا، وَيَتَمَلَّكَانِهَا، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا نَقْلُ حَقِّهِ إِلَى صَاحِبِهِ، كَمَا لَا يَجُوزُ لِلْمُلْتَقِطِ نَقْلُ حَقِّهِ إِلَى غَيْرِهِ.
الثَّانِيَةُ: تَنَازَعَا، فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً أَنَّهُ الْمُلْتَقِطُ، فَإِنْ تَعَرَّضَتْ بَيِّنَةٌ لِسَبْقٍ، حُكِمَ بِهَا، وَإِلَّا، فَعَلَى الْخِلَافِ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ.
الثَّالِثَةُ: ضَاعَتْ مِنْ يَدِ الْمُلْتَقِطِ، فَأَخَذَهَا آخَرُ، فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهَا عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: الثَّانِي.
الرَّابِعُ: كَانَا يَتَمَاشَيَانِ، فَرَأَى أَحَدُهُمَا اللُّقَطَةَ، وَأَخْبَرَ بِهَا الْآخَرُ، فَالْآخِذُ أَوْلَى. فَلَوْ أَرَاهُ اللُّقَطَةَ وَقَالَ: هَاتِهَا، فَأَخَذَهَا لِنَفْسِهِ، فَهِيَ لِلْآخِذِ. وَإِنْ أَخَذَهَا لِلْآمِرِ، أَوْ لَهُ وَلِنَفْسِهِ، فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي جَوَازِ التَّوْكِيلِ بِالِاصْطِيَادِ وَنَحْوِهِ.
الْخَامِسَةُ: رَأَى شَيْئًا مَطْرُوحًا عَلَى الْأَرْضِ، فَدَفَعَهُ بِرِجْلِهِ لِيَعْرِفَ جِنْسَهُ، أَوْ قَدْرَهُ، وَلَمْ يَأْخُذْهُ حَتَّى ضَاعَ، لَمْ يَضْمَنْهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي يَدِهِ، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي.
السَّادِسَةُ: دَفَعَ اللُّقَطَةَ إِلَى الْحَاكِمِ وَتَرَكَ التَّعْرِيفَ وَالتَّمَلُّكَ، ثُمَّ نَدِمَ وَأَرَادَ أَنْ يُعَرِّفَ وَيَتَمَلَّكَ، فَفِي تَمْكِينِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ كَجٍّ.
قُلْتُ: الْمُخْتَارُ الْمَنْعُ، لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
السَّابِعَةُ: قَالَ فِي «الْمُهَذَّبِ» : لَوْ وَجَدَ خَمْرًا أَرَاقَهَا صَاحِبُهَا، لَمْ يَلْزَمْهُ تَعْرِيفُهَا، لِأَنَّ إِرَاقَتَهَا مُسْتَحَقَّةٌ. فَإِنْ صَارَتْ عِنْدَهُ خَلًّا، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا لِلْمُرِيقِ، كَمَا لَوْ غَصَبَهَا فَصَارَتْ خَلًّا. وَالثَّانِي: لِلْوَاجِدِ، لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ، بِخِلَافِ الْغَصْبِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ تَصْوِيرًا وَتَوْجِيهًا، إِنَّمَا يَسْتَمِرُّ فِي الْخَمْرَةِ الْمُحْتَرَمَةِ، وَحِينَئِذٍ لَا تَكُونُ إِرَاقَتُهَا مُسْتَحَقَّةً. أَمَّا فِي الِابْتِدَاءِ، فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا عِنْدَ الْوَاجِدِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ إِمْسَاكُهَا إِذَا خَلَا عَنْ قَصْدٍ فَاسِدٍ، ثُمَّ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرَهُ مَخْصُوصًا بِمَا إِذَا أَرَاقَهَا، لِأَنَّهُ مَعْرِضٌ. أَمَّا إِذَا ضَاعَتِ الْمُحْتَرَمَةُ مِنْ صَاحِبِهَا، فَلْتُعَرَّفْ كَالْكَلْبِ.
قُلْتُ: أَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ الرَّافِعِيِّ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ. . إِلَى آخِرِهِ، فَكَذَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ «الْمُهَذَّبِ» فَقَالَ: وَجَدَ خَمْرًا أَرَاقَهَا صَاحِبُهَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ الْوَاجِدَ يَجُوزُ لَهُ إِمْسَاكُهَا،
فَغَيْرُ مَقْبُولٍ، بَلْ لَا يَجُوزُ وَإِنْ خَلَا عَنِ الْقَصْدِ الْفَاسِدِ. وَالْكَلَامُ فِيمَا إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الْوَاجِدُ أَنَّهَا مُحْتَرَمَةٌ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ صَاحِبِ «الْمُهَذَّبِ» : الْإِرَاقَةُ وَاجِبَةٌ - يَعْنِي عَلَى الْوَاجِدِ - كَلَامٌ صَحِيحٌ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ احْتِرَامِهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّامِنَةُ: قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْبَعِيرَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ، لَا يُلْتَقَطُ إِذَا وُجِدَ فِي الصَّحْرَاءِ، وَاسْتَثْنَى صَاحِبُ التَّلْخِيصِ مَا إِذَا وَجَدَ بَعِيرًا فِي أَيَّامِ مِنًى مُقَلَّدًا فِي الصَّحْرَاءِ تَقْلِيدَ الْهَدَايَا، فَحَكَى عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه: أَنَّهُ يَأْخُذُهُ وَيُعَرِّفُهُ أَيَّامَ مِنًى. فَإِنْ خَافَ فَوْتَ وَقْتِ النَّحْرِ، نَحَرَهُ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَهُ إِلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يَأْمُرَهُ بِنَحْرِهِ. وَحَكَى غَيْرُهُ قَوْلًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُهُ. وَبَنَوُا الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ وَجَدَ بَدَنَةً مَنْحُورَةً قَدْ غَمَسَ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، وَضَرَبَ بِهِ صَفْحَتَهَا، هَلْ يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهَا؟ فَإِنْ مَنَعْنَاهُ، مَنَعْنَا الْأَخْذَ هُنَا. وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ اعْتِمَادًا عَلَى الْعَلَامَةِ، فَكَذَا هُنَا التَّقْلِيدُ عَلَامَةٌ. وَالْأُضْحِيَّةُ الْمُعَيَّنَةُ إِذَا ذُبِحَتْ فِي وَقْتِ النَّحْرِ، وَقَعَتِ الْمَوْقِعَ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ صَاحِبُهَا، قَالَ الْإِمَامُ: لَكِنَّ ذَبْحَ الْأُضْحِيَّةِ إِنْ وَقَعَ الْمَوْقِعَ، لَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ، وَلِهَذَا الْإِشْكَالِ قَالَ الْقَفَّالُ تَفْرِيعًا عَلَى [هَذَا] الْقَوْلِ يَجِبُ رَفْعُ الْأَمْرِ إِلَى الْقَاضِي لِيَنْحَرَهُ، وَأَوَّلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه: اسْتُحِبَّ. ثُمَّ لَكَ أَنْ تَقُولَ: الِاسْتِثْنَاءُ غَيْرُ مُنْتَظِمٍ، وَإِنْ جَوَّزْنَا الْأَخْذَ، لِأَنَّ الْأَخْذَ الْمَمْنُوعَ إِنَّمَا هُوَ الْأَخْذُ لِلتَّمَلُّكِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْبَعِيرَ لَا يُؤْخَذُ لِلتَّمَلُّكِ.
قُلْتُ: قَدْ سَبَقَ فِي جَوَازِ أَخْذِ الْبَعِيرِ لِآحَادِ النَّاسِ لِلْحِفْظِ وَجْهَانِ. فَإِنْ مَنَعْنَاهُ، ظَهَرَ الِاسْتِثْنَاءُ. وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَفَائِدَةُ الِاسْتِثْنَاءِ جَوَازُ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِالنَّحْرِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.