الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطَّرَفُ الثَّانِي: فِي الْأَحْكَامِ الْمَعْنَوِيَّةِ، فَمِنْهَا اللُّزُومُ فِي الْحَالِ، سَوَاءٌ أَضَافَهُ إِلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، أَمْ لَمْ يُضِفْهُ، وَسَوَاءٌ سَلَّمَهُ، أَمْ لَمْ يُسَلِّمْهُ، قَضَى بِهِ قَاضٍ، أَمْ لَا.
قُلْتُ: وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى جِهَةٍ، أَوْ شَخْصٍ، وَسَوَاءٌ قُلْنَا: الْمِلْكُ فِي رَقَبَةِ الْوَقْفِ لِلَّهِ تَعَالَى، أَمْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، أَمْ بَاقٍ لِلْوَاقِفِ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا بَيْنَ أَصْحَابِنَا إِلَّا مَا شَذَّ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ فِي «التَّحْرِيرِ» فَقَالَ: إِذَا كَانَ عَلَى شَخْصٍ وَقُلْنَا: الْمِلْكُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، افْتَقَرَ إِلَى قَبْضِهِ كَالْهِبَةِ، وَهَذَا غَلَطٌ ظَاهِرٌ، وَشُذُوذٌ مَرْدُودٌ، نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِذَا لَزِمَ امْتَنَعَتِ التَّصَرُّفَاتُ الْقَادِحَةُ فِي غَرَضِ الْوَقْفِ، وَفِي شَرْطِهِ، وَسَوَاءٌ فِي امْتِنَاعِهَا الْوَاقِفُ وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا رَقَبَةُ الْوَقْفِ، فَالْمَذْهَبُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي «الْمُخْتَصَرِ» هُنَا: أَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا انْتَقَلَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَفِي قَوْلٍ: إِلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. وَخَرَجَ قَوْلٌ: أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ. وَقِيلَ: بِالْأَوَّلِ قَطْعًا، وَقِيلَ: بِالثَّانِي قَطْعًا، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ مَلَكَهُ قَطْعًا، وَإِنْ كَانَ عَلَى جِهَةٍ انْتَقَلَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى قَطْعًا، وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ، هَذَا كُلُّهُ إِذَا وَقَفَ عَلَى شَخْصٍ، أَوْ جِهَةٍ عَامَّةٍ، فَأَمَّا إِذَا جَعَلَ الْبُقْعَةَ مَسْجِدًا، أَوْ مَقْبَرَةً، فَهُوَ فَكٌّ عَنِ الْمِلْكِ كَتَحْرِيرِ الرَّقِيقِ، فَيَنْقَطِعُ عَنْهَا اخْتِصَاصَاتُ الْآدَمِيِّينَ قَطْعًا.
فَصْلٌ
فَوَائِدُ الْوَقْفِ، وَمَنَافِعُهُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، يَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ فِي الْأَمْلَاكِ. فَإِنْ كَانَ شَجَرَةً مَلَكَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ ثِمَارَهَا، وَلَا يَمْلِكُ أَغْصَانَهَا إِلَّا فِيمَا يَعْتَادُ قَطْعَهُ كَشَجَرِ الْخِلَافِ، فَأَغْصَانُهَا كَثَمَرِ غَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ بَهِيمَةً، مَلَكَ صُوفَهَا
وَوَبَرَهَا، وَلَبَنَهَا قَطْعًا، وَيَمْلِكُ نِتَاجَهَا أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ كَالثَّمَرَةِ. وَالثَّانِي: تَكُونُ وَقْفًا تَبَعًا لِأُمِّهِ كَوَلَدِ الْأُضْحِيَّةِ، وَقِيلَ: الْوَجْهَانِ فِي وَلَدِ الْفَرَسِ وَالْحِمَارِ، فَأَمَّا وَلَدُ النَّعَمِ فَيَمْلِكُهُ قَطْعًا، لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهَا الدَّرُّ وَالنَّسْلُ، وَقِيلَ: لَا حَقَّ فِيهِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، بَلْ يُصْرَفُ إِلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إِلَى الْوَاقِفِ إِلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِخِلَافِهِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي نِتَاجِ حَدَثٍ بَعْدَ الْوَقْفِ. فَإِنْ وَقَفَ الْبَهِيمَةَ، وَهِيَ حَامِلٌ، فَإِنْ قُلْنَا: الْحَادِثُ وَقْفٌ، فَهَذَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ هَلْ لَهُ حُكْمٌ أَمْ لَا؟ وَهَذَا الْمَذْكُورُ فِي الدَّرِّ وَالنَّسْلِ هُوَ فِيمَا إِذَا أَطْلَقَ أَوْ شَرَطَهُمَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ. فَلَوْ وَقَفَ دَابَّةً عَلَى رُكُوبِ إِنْسَانٍ، وَلَمْ يَشْرُطْ لَهُ الدَّرَّ وَالنَّسْلَ، قِيلَ: حُكْمُهُمَا حُكْمُ وَقْفٍ مُنْقَطِعِ الْآخِرِ. وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْوَاقِفِ وَهَذَا أَوْجَهُ، لِأَنَّ الدَّرَّ وَالنَّسْلَ لَا مَصْرِفَ لَهُمَا أَوَّلًا، وَلَا آخِرًا.
فَرْعٌ
قَالُوا: لَوْ وُقِفَ ثَوْرٌ لِلْإِنْزَاءِ جَازَ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْحِرَاثَةِ.
فَرْعٌ
لَا يَجُوزُ ذَبْحُ الْبَهِيمَةِ الْمَأْكُولَةِ الْمَوْقُوفَةِ، وَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ الِانْتِفَاعِ، كَمَا لَا يَجُوزُ إِعْتَاقُ الْعَبْدِ الْمَوْقُوفِ، لَكِنْ لَوْ صَارَتْ بِحَيْثُ يُقْطَعُ بِمَوْتِهَا، قَالَ الْمُتَوَلِّي: تُذْبَحُ لِلضَّرُورَةِ، وَفِي لَحْمِهَا طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: يُشْتَرَى بِثَمَنِهِ بَهِيمَةٌ مِنْ جِنْسِهَا، وَتُوقَفُ. وَالثَّانِي: إِنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ فِيهَا يَنْتَقِلُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَعَلَ فِيهِ الْحَاكِمُ مَا رَآهُ مَصْلَحَةً، وَإِنْ قُلْنَا: لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْ لِلْوَاقِفِ، صُرِفَ إِلَيْهِمَا.