الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الإمام الحافظ الناقد: ابن كثير: "وهذا الحديث ضعيف جدا"1؛ لأن سفيان بن وكيع الراوي عنه ابن جرير ضعيف، وإبراهيم بن يزيد أضعف منه أيضا، وقد روى عن الحسن وقتادة مرسلا عن كل منهما، وهذه المرسلات ههنا لا تقبل2، ولو قبل المرسل من حيث هو في غير هذا الموطن، والله أعلم3" وقد تكلف بعض المفسرين للإجابة عما يدل عليه هذا الحديث، وحاله كما سمعت بل تكلف بعضهم، فجعل الضمير في: "فأنساه" ليوسف وهو غير صحيح، والذي يجب أن نعتقده أن يوسف عليه الصلاة والسلام مكث في السجن كما قال الله تعالى بضع سنين.
والبضع: من الثلاث إلى التسع، أو إلى العشر من غير تحديد للمدة، فجائز أن تكون سبعا، وجائز أن تكون تسعا، وجائز أن تكون خمسا، ما دام ليس هناك نقل صحيح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم وكذلك: نعتقد أنه لم يكن عقوبة على كلمة وإنما هو بلاء ورفعة درجة ثم كيف يتفق هذا الحديث الضعيف هو وما روي عن النبي في الصحيحين عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
…
ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي" وفي لفظ للإمام أحمد: "لو كنت أنا لأسرعت الإجابة، وما ابتغيت العذر".
1 الضعيف جدًّا لا يحتج به لا في الأحكام ولا في الفضائل فما بالك في مثل هذا؟
2 لأن المرسل احتج به بعض الفقهاء أما في مثل الذي فيه إدانة بعض الأنبياء، وإلقاء اللوم عليه فلا.
3 تفسير ابن كثير: ج 4 ص 448.
20-
الإسرائيليات في شجرة طوبى:
ومن الإسرائيليات: ما ذكره بعض المفسرين عند تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} 1.
فمن ذلك ما رواه ابن جرير بسنده، عن وهب، قال: إن في الجنة شجرة يقال لها: طوبى، يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، زهرتها رياط، وورقها برود،
1 الرعد: 29.
وقضبانها عنبر، وبطحاؤها ياقوت، وترابها كافور، ووحلها مسك، يخرج من أصلها أنهار الخمر، واللبن، والعسل، وهي مجلس لأهل الجنة، فبينما هم في مجلسهم؛ إذ أتتهم ملائكة من ربهم، يقودون نجبًا1 مزمومة بسلاسل من ذهب، وجوهها كالمصابيح حسنا، ووبرها كخز المرعزي من لينه، عليها رحال2 ألواحها من ياقوت، ودفوفها من ذهب، وثيابها من سندس، وإستبرق، فيفتحونها، يقولون: إن ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه، وتسلموا عليه، قال: فيركبونها فهي أسرع من الطائر، وأوطأ من الفراش، نجبا من غير مهنة، يسير الرجل إلى جنب أخيه، وهو يكلمه، ويناجيه، لا تصيب أذن راحلة منها أذن الأخرى ولا برك3 راحلة برك الأخرى، حتى أن الشجرة لتتنحى عن طريقهم؛ لئلا تفرق بين الرجل وأخيه، قال: فيأتون إلى الرحمن الرحيم، فيسفر لهم عن وجهه الكريم، حتى ينظروا إليه، فإذا رأوه قالوا: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، وحق لك الجلال والإكرام، قال: فيقول تعالى عند ذلك: أنا السلام، ومني السلام، وعليكم السلام، حقت رحمتي ومحبتي، مرحبا بعبادي الذين خشوني بغيب، وأطاعوا أمري، قال: فيقولون: ربنا لم نعبدك حق عبادتك، ولم نقدرك حق قدرك، فأذن لنا في السجود قدامك، قال: فيقول الله: إنها ليست بدار نصب، ولا عبادة ولكنها دار ملك ونعيم، وإني قد رفعت عنكم نصب العبادة فسلوني ما شئتم، فإن لكل رجل منكم أمنية، فيسألونه، حتى أن أقصرهم أمنية ليقول: ربي تنافس أهل الدنيا في دنياهم، فتضايقوا فيها، رب فآتني مثل كل شيء كانوا فيه من يوم خلقتها إلى أن انتهت الدنيا، فيقول الله تعالى: لقد قصرت بك أمنيتك.
ولقد سألت دون منزلتك، هذا لك مني؛ لأنه ليس في عطائي نكد، ولا قصر يد، قال: ثم يقول: أعرضوا على عبادي ما لم يبلغ أمانيهم ولم يخطر لهم على بال، قال: فيعرضون عليهم حتى تقصر بهم أمانيهم التي في أنفسهم، فيكون فيما يعرضون عليهم براذين مقرنة على كل أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة، على كل سرير منها قبة من ذهب،
1 أي: إبلًا كرامًا.
2 الرحال: ما يوضع على البعير ليركب عليه.
3 البرك: الصدر.
مفرغة، في كل قبة منها فرش من فرش الجنة، متظاهرة، في كل قبة منها جاريتان من الحور العين، على كل جارية منهن ثوبان من ثياب الجنة، وليس في الجنة لون إلا وهو فيهما، ولا ريح ولا طيب إلا قد عبق بهما، ضوء وجوههما غلظ القبة، حتى يظن من يراهما أنهما دون القبة، يرى مخهما من فوق سوقهما كالسلك الأبيض في ياقوتة حمراء، يريان له من الفضل على صاحبه كفضل الشمس على الحجارة أو أفضل، ويرى هو لهما مثل ذلك، ويدخل إليهما فيحييانه ويقبلانه، ويتعلقان به، ويقولان له: والله ما ظننا أن الله يخلق مثلك، ثم يأمر الله الملائكة فيسيرون بهم صفا في الجنة، حتى ينتهي كل رجل منهم إلى منزلته التي أعدت له1.
وقد وصف ابن كثير في تفسيره هذا الأثر: بأنه غريب عجيب وساقه، وقد روى هذا الأثر ابن أبي حاتم بسنده، عن وهب أيضا وزاد زيادات أخرى2.
التفسير الصحيح لقوله: {طُوبَى لَهُم}
والمأثور عن السلف في تفسير طوبى غير ذلك، فروي عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيرها: فرح لهم وقرة عين، وقال عكرمة: نِعَم لما لهم، وقال قتادة: حسنى لهم، وقال إبراهيم النختي: خير لهم وكرامة.
وروي أيضًا عن بعض الصحابة، وغير واحد من السلف: أن طوبى شجرة في الجنة، بل وَرَدَ ذلك عن أبي سعيد الخدري مرفوعا:"طوبى شجرة في الجنة، ظلها مسيرة مائة سنة، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها"3.
بل قيل: إنها الشجرة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها" رواه أحمد، والبخاري، ومسلم في بعض روايات أحمد والبخاري: اقرأوا إن شئتم: {وَظِلٍّ مَمْدُود} 4.
ونحن لا ننكر احتمال أن تكون هذه الشجرة المذكورة في الحديث الصحيح، ولكن
1 تفسير ابن جرير عند تفسير هذه الآية، الدر المنثور عند تفسير هذه الآية.
2 تفسير ابن كثير والبغوي: ج 4 ص 414، 415.
3 المرجع السابق.
4 الواقعة: 30.