الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خطورة رفع هذه الإسرائيليات إلى النبي صلى الله عليه وسلم:
ولو أن هذه الإسرائيليات ولا سيما المكذوب والباطل منها وقف بها عند قائليها، لكان الأمر محتملا بعض الشيء، ولكن الشناعة وكبر الإثم: أن بعض الزنادقة، والوضاعين وضعفاء الإيمان، قد رفعوا هذه الإسرائيليات إلى المعصوم صلى الله عليه وسلم ونسبوها إليه صراحة، وهنا يكون الضرر الفاحش والجناية الكبرى على الإسلام والتجني الآثم على النبي صلى الله عليه وسلم 0؛فإن نسبة الغلط، أو الخطأ أو الكذب إلى الراوي أيا كان أهون بكثير من نسبة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وإن ما اشتملت عليه بعض الإسرائيليات من الخرافات، والأباطيل ليصد أي إنسان -مهما بلغ من التسامح في هذا العصر الذي نعيش فيه -عن الدخول في الإسلام، ويحمله على أن ينظر إليه نظرة الشك، والارتياب.
ولهذا: ركز المبشرون والمستشرقون طعونهم في الإسلام ونبيه على مثل هذه الإسرائيليات والموضوعات؛ لأنهم وجدوا فيها ما يسعفهم على ما نصبوا أنفسهم له من الطعن في الإسلام، وإرضاء لصليبيتهم التي رضعوها في لبان أمهاتهم.
وهذه الأباطيل والخرافات مهما بلغ إسنادها من السلامة من الطعن فيه، لا نشك في تبرئة ساحة النبي صلى الله عليه وسلم عنها:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} .
الموقوف من الإسرائيليات على الصحابة والتابعين:
ولو أن هذه الإسرائيليات جاءت مروية صراحة عن كعب الأحبار أو وهب بن منبه، أو عبد الله بن سلام، وأضرابهم، لدلت بعزوها إليهم أنها مما حملوه، وتلقوه عن كتبهم ورؤسائهم قبل إسلامهم، ثم لم يزالوا يذكرونه بعد إسلامهم. وأنها ليست مما تلقوه عن النبي أو الصحابة، ولكانت تشير بنسبتها إليهم إلى مصدرها، ومن أين جاءت وأن الرواية الإسلامية بريئة منها.
ولكن بعض هذه الإسرائيليات بل الكثير منها جاء موقوفا على الصحابة، ومنسوبا إليهم رضي الله عنهم فيظن من لا يعلم حقيقة الأمر، ومن ليس من أهل العلم بالحديث أنها متلقاة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنها من الأمور التي لا مجال للرأي فيها، فلها
حكم المرفوع إلى النبي، وإن لم تكن مرفوعة واضحة.
تَحَوُّط دقيق للمحدثين:
وقد كان أئمة علم أصول الحديث، والرواية، أبعد نظرًا، وآصل تفكيرًا، وأوسع اطلاعًا، وأدق في تقعيدهم لقواعد النقد في الرواية حينما قالوا: إن الموقوف على الصحابة يكون له حكم المرفوع إلى النبي بشرطين:
1-
أن يكون مما لا مجال للرأي فيه.
2-
أن لا يكون راويه معروفًا بالأخذ عن أهل الكتاب الذين أسلموا وبرواية الإسرائيليات، ومن ثم: يجد الباحث الحصيف المنصف مخارج لهذه الروايات الموقوفة على الصحابة، وهي في نفسها مكذوبة وباطلة فهي: إما إسرائيليات، أخذها بعض الصحابة الذين رووها، عن أهل الكتاب الذين أسلموا؛ ورووها ليعلم ما فيها من الغرائب والعجائب، ولم ينبهوا على كذبها وبطلانها اعتمادا على ظهور كذبها وبطلانها، ولعلهم نبهوا إلى كذبها وعدم صحتها، ولكن الرواة لم ينقلوا هذا عنهم، وإما أن تكون مدسوسة على الصحابة، وضعها عليهم الزنادقة، والملحدون، كي يظهروا الإسلام وحملته بهذا المظهر المنتقد المشين، وأما ما يحتمل الصدق والكذب منها، وليس فيه ما يصدم نقلًا صحيحًا، أو عقلا سليمًا، فذكروه لما فهموه من الإذن لهم في روايتها من قوله صلى الله عليه وسلم:"وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج"، وهذا النوع أقل خطرًا من الأول، إلا أنه لا فائدة تُذكَر من الاشتعال به، بل كان حجابا لجمال القرآن، وتفسيره الصحيح.
وكذلك جاء الكثير جدًّا من هذه الإسرائيليات عن التابعين، واحتمال أخذها عن أهل الكتاب الذين أسلموا، أكثر من احتمال أخذها عن الصحابة، فمنشؤها في الحقيقة هو ما ذكر لك، وهي: التوراة وشروحها، والتلمود وحواشيه، وما تلقوه عن أحبارهم، ورؤسائهم الذين افتروا، وحرفوا وبدلوا، ورواتها الأول، هم: كعب الأحبار، ووهب بن منبه وأمثالهما؛ والنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم بريئون من هذا.
ويجوز أن يكون بعضها مما ألصق بالتابعين، ونسب إليهم زورا ولا سيما أن أسانيد