الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذلك لما فيه من التأدب بأدب القرآن وأسلوبه في قوله تعالى: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِه} ، ولأن دلالته على تنزيه الله من النقص والشريك أولى من دلالته على التعظيم، وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول إذا سمع الرعد:"سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم".
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير عن أبي هريرة قال: كان صلى الله عليه وسلم إذا سمع الرعد قال: "سبحان من يسبح الرعد بحمده".
فهذا هو اللائق برسول الله صلى الله عليه وسلم وبعصمته لا ما روي من أن الرعد ملك أو صوت زجره للسحاب، وأن البرق أثر سوطه الذي يزجر به السحاب.
رأي العلم في حدوث الرعد، والبرق، والصواعق:
وإكمالا للفائدة سأذكر ما وصل إليه العلم في حدوث هذه الظواهر الكونية، فأقول -وبالله التوفيق: يقول الدكتور محمد أحمد الغمراوي رحمه الله وأثابه في كتابه "سنن الله الكونية":
الرياح والكهربائية الجوية:
إن الكهربائية التي تتولَّد في الهواء والتي ذكرنا لك بعض مصادرها يكتسبها السحاب عند تكونه على الأيونات التي تحملها تلك الكهربائية في الطبقات العليا الجوية، ولا يُدرَى الآن كيف يفصل الله الأيونات السالبة، من الأيونات الموجبة، قبل تكاثف البخار عليها إن كان هناك فصل لها؟ أم كيف يكون السحاب عظيم التكهرب؛ إما بنوع من الكهرباء، وإما بالنوع الآخر إذا حدث التكاثف على الأيونات وهي مختلطة، ومهما يكن من سر ذلك؛ فإن السحاب مكهرب من غير شك، كما أثبت ذلك فرانكلن لأول مرة في عام 1752م وكما أثبت غيره، عظم تكهربه بشتى الطرق بعده، وأنت تعرف أن نوعي الكهربائية يتجاذبان، وأن الموجب والموجب، أو السالب والسالب يتدافعان، أو يتنافران، كما تشاء أن تقول.
هذا التدافع أو التنافر من شأنه تفريق الكهربائية، ثم إذا شاء الله ساق السحاب.
بالريح، حتى يقترب السحاب الموجب، من السحاب السالب قربا كافيا، في اتجاه أفقي، أو في اتجاه رأسي أو فيما شاء الله من الاتجاهات، فإذا اقتربا تجاذبا، ومن شأن اقترابهما هذا أن يزيد في كهربائية مجموع السحاب بالتأثير، ولا يزالان يتجاذبان، ويتقاربان، حتى لا يكون محيص من اختلاطهما واتحاد كهربائيتهما أو من اتحاد كهربائيتهما من بعد، وعندئذٍ تحدث شبه شرارة عظمى كهربائية، هي البرق الذي كثيرا ما يُرى في البلاد الكثيرة الأمطار.
والمطر نتيجة لازمة لحدوث ذلك الاتحاد الكهربائي، سواء حدث في هدوء أو بالإبراق، فإذا حدث بهدوء حدث بين القطيرات المختلفة في السحابتين، فتجذب كل منهما قرينتها أو قريناتها، حتى تتحد، وتكون قطرة فيها ثقل، فتنزل، وتكبر أثناء نزولنا بما تكتسب من كهربائية، وما تجتذب من قطيرات، أثناء اختراقها السحاب المكهرب، الذي يكون بعضه فوق بعض في السحاب الركام، أما إذا حدث الاتحاد الكهربائي، في شدة البرق، وعنقه، فإنه يحدث لا بين القطيرات، ولكن بين الكتل من السحل، ويسهل حدوثه تخلخل الهواء، أي قلة ضغطه في تلك الطبقات.
والبرق: يمثل قوة كهربائية هائلة، تستطيع أن تكوِّن فكرة عنها إذا عرفت أن شرارته قد تبلغ ثلاثة أميال، في طولها أو تزيد، وأن أكبر شرارة كهربائية أحدثها الإنسان لا تزيد عن بضعة أمتار.
فالحرارة الناشئة عن البرق لا شك هائلة، فهي تمدد الهواء بشدة، وتحدث مناطق جوية عظيمة مخلخلة، الضغط داخلها يعادل الضغط خارجها، ما دام الهواء داخل المنطقة ساخنا، حتى إذا تشععت حرارته وبردت تلك المناطق برودة كافية، وما أسرع ما تبرد، خف منها الضغط، وصار أقل كثيرا من ضغط الطبقات الهوائية السحابية المحيطة بها، فهجمت عليها فجأة بحكم الفرق العظيم بين الضغطين وتمددت فيها، وحدث لذلك صوت شديد هو صوت الرعد وهزيمه، هذا الصوت قد يكون له صدى بين كتل السحاب، يتردد، فنسميه قعقعة الرعد، أما صوت الشرارة الكهربائية البرقية، فهو: بدء الرعد، ويكون ضعيفا بالنسبة لهزيمه وقعقعته، لذلك: تسمع الرعد ضعيفا في الأول ثم يزداد، كأنما أوله إيذان بتضخمه، كما قد تؤذن الطلقة الفردة بانطلاق بطاريات.
برمَّتها، من المدافع الضخمة في الحروب، فالرعد يحدث لا عند اتحاد الكهربائيتين حين يحدث البرق فقط، ولكن يحدث أكثره بعد ذلك عند تمدد الكتل الهوائية الهاجمة في المنطقة المفرغة، وهي إذا تمددت بردت برودة شديدة، فيتكاثف ما فيها من البخار، ومن كتل السحاب، فينزل على الأرض إما مطرا، وإما بردا، حسب مقدار البرودة الحادثة في تلك المناطق، وهذا هو السبب في أن الرعد والبرق يعقبهما في الغالب مطرات شديدة، سواء أكانت المطرة مائية، أم بردية، وقطرات الماء أو حبات البرد تنمو بعد ذلك باختراقها كتل السحاب المتراكم تحت المنطقة التي حدث فيها التفريغ1.
الصواعق:
وقد يحدث التفريغ الكهربائي بين السحاب والأرض، بدلا من بين السحاب والسحاب، وهذا يكون عادة إذا كان السحاب عظيم الكهربائية، قريبا من الأرض، فإذا حدث التفريغ ظهر له كالعادة ضوء وصوت، نسمي مجموعهما بالصاعقة، أي أن الصاعقة تفريغ كهربائي بين السحاب والأرض، إذا أصاب حيوانا أو نباتا أحرقه، وهو يحدث أكثر ما يحدث بين الأجسام المدببة على سطح الأرض من شجر أو نحوه، وبين السحاب، ولذا كان من الخطأ الاستظلال بالشجر، أو المظلات في العواصف ذات البرق، على أن الإنسان قد استخدم سهولة حدوث التفريغ بين الأجسام المدببة، والسحاب؛ لوقاية الأبنية من الصواعق، وذلك بإقامته على سطوحها قضبانا حديدية أو نحاسية، مدببة الأطراف، بحيث يكون طرف القضيب المدبب أعلى قليلا من أعلى نقطة في البناء، والطرف الآخر متصلا بلوح فلزي مدفون في أرض رطبة، ومن شأن الأطراف المدببة، أن يكون كل منها بابًا تخرج منه الكهربائية المتجمعة على السطح تدريجًا إلى السحاب الذي يظله، فيحدث التفريغ، أي الاتحاد كهربائية الأرض، وكهربائية السحاب تدريجا، فيمتنع ذلك التفريغ الفجائي المعروف بالصاعقة، على أنه إذا نزلت الصاعقة بالبناء رغم ذلك فالأرجح جدًّا أنها تصيب القضيب المدبب أول ما تصيب، وتنصرف الكهربائية إلى الأرض، بدلا من أن تدك البناء، ولذا يسمى مثل هذا القضيب المدبب الواصل إلى الأرض: بصارفة الصواعق، وقد وجدوا أن السطح الخارجي.
1 سنن الله الكونية ص 158-160.