المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مقدمة الكتاب لفضيلة الدكتور محمد محمد أبو شهبة - الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير

[محمد أبو شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات:

- ‌شعار الكتاب وشيء من مزايا هذه الطبعة الخامسة:

- ‌مقدمة الكتاب لفضيلة الدكتور محمد محمد أبو شهبة

- ‌معنى إسرائيليات وموضوعات وتفسير

- ‌الإسرائيليات

- ‌ الموضوعات:

- ‌ التفسير:

- ‌أقسام التفسير

- ‌التفسير بالمأثور

- ‌مدخل

- ‌ تفسير القرآن بالقرآن:

- ‌ تفسير القرآن بالسنة:

- ‌ تفسير الصحابة:

- ‌المفسرون من الصحابة

- ‌مدخل

- ‌ علي بن أبي طالب:

- ‌ عبد الله بن مسعود:

- ‌ أبي بن كعب:

- ‌ زيد بن ثابت:

- ‌ عبد الله بن عباس:

- ‌المفسرون من التابعين

- ‌مدارس التفسير

- ‌مدخل

- ‌ مدرسة مكة:

- ‌ مدرسة المدينة:

- ‌ المفسرون من مدرسة العراق:

- ‌ مدرسة الشام:

- ‌ مدرسة مصر:

- ‌ مدرسة اليمن:

- ‌طبقة أخرى من المفسرين بالمأثور:

- ‌تلون كتب التفاسير بثقافة مؤلفيها:

- ‌تفسيرات المبتدعة والباطنية والملحدة:

- ‌التفسير بغير المأثور

- ‌مدخل

- ‌أدلة القائلين بعدم جواز التفسير بالرأي والاجتهاد:

- ‌جواز التفسير بالرأي والاجتهاد:

- ‌المنهج القويم في تفسير القرآن الكريم

- ‌مدخل

- ‌غلبة الضعف على التفسير بالمأثور:

- ‌ملاحظة الأئمة القدامي لهذه الظاهرة:

- ‌أسباب الضعف في التفسير بالمأثور:

- ‌خطورة رفع هذه الإسرائيليات إلى النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌بعض الإسرائيليات قد يصح السند إليها:

- ‌رواية الكذب ليس معناه أنه هو الذي اختلقه

- ‌ترجمات:

- ‌أقسام الإسرائيليات

- ‌مدخل

- ‌تشديد سيدنا عمر على من كان يكتب شيئًا من كتب اليهود:

- ‌أسباب الخطأ في التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي والاجتهاد

- ‌مدخل

- ‌تفاسير المعتزلة:

- ‌تفسير ابن جرير وابن عطية وأمثاله:

- ‌الاختلاف بين السلف في التفسير اختلاف تَنَوُّع:

- ‌التعارض بين التفسير بالمأثور والتفسير بالاجتهاد وما يتبع في الترجيح بينهما:

- ‌أهم كتب التفسير بالمأثور

- ‌جامع البيان في تفسير القرآن لابن جرير الطبري

- ‌الدر المنثور في التفسير المأثور

- ‌كتب جمعت بين المأثور وغيره:

- ‌ الكشف والبيان عن تفسير القرآن:

- ‌ معالم التنزيل:

- ‌ تفسير القرآن العظيم:

- ‌نظرات مجملة في أشهر كتب التفسير بالرأي والاجتهاد

- ‌الكشاف عن حقائق التنزيل، وعيون الأقاويل في وجوه التأويل

- ‌ تفسير مفاتيح الغيب:

- ‌ أنوار التنزيل، وأسرار التأويل:

- ‌ الجامع لأحكام القرآن، والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان:

- ‌مدارك التنزيل وحقائق التنزيل

- ‌ لباب التأويل في معاني التنزيل:

- ‌ البحر المحيط لأبي حيان:

- ‌ السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير:

- ‌ إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم:

- ‌ روح المعاني في تفسير القرآن، والسبع المثاني:

- ‌الخلاصة:

- ‌نقد التفسير بالمأثور إجمالا:

- ‌نقد الطرق والرواة تفصيلا

- ‌الطرق عن ابن عباس

- ‌طرق المرويات في سبب النزول:

- ‌ تفسير أبي بن كعب والطرق عنه:

- ‌ أشهر الطرق عن ابن مسعود:

- ‌ أصح الطرق عن علي رضي الله عنه:

- ‌ المروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص في التفسير:

- ‌الإسرائيليات في القرآن

- ‌الإسرائيليات في قصة هاروت وماروت

- ‌ إسرائيليات في المسوخ من المخلوقات:

- ‌ الإسرائيليات في بناء الكعبة: البيت الحرام والحجر الأسود:

- ‌ الإسرائيليات في قصة التابوت:

- ‌ الإسرائيليات في قصة قتل داود جالوت:

- ‌ الإسرائيليات في قصص الأنبياء والأمم السابقة:

- ‌ ما ورد في قصة آدم عليه السلام:

- ‌ الإسرائيليات في عظم خلق الجبارين وخرافة عوج بن عوق:

- ‌ الإسرائيليات في قصة التيه:

- ‌ الإسرائيليات في "المائدة التي طلبها الحواريون

- ‌ الإسرائيليات في سؤال موسى ربَّه الرؤيةَ:

- ‌ الإسرائيليات في ألواح التوراة:

- ‌ إسرائيلية مكذوبة في سبب غضب موسى لما ألقى الألواح:

- ‌ إسرائيليات وخرافات في بني إسرائيل:

- ‌ الإسرائيليات في نسبة الشرك إلى آدم وحواء:

- ‌ الإسرائيليات في سفينة نوح:

- ‌ الإسرائيليات في قصة يوسف عليه السلام:

- ‌الإسرائيليات في قوله تعالى: ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه

- ‌مدخل

- ‌الفرية على المعصوم صلى الله عليه وسلم:

- ‌التفسير الصحيح لقوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا}

- ‌ الإسرائيليات في سبب لبث يوسف في السجن:

- ‌ الإسرائيليات في شجرة طوبى:

- ‌ الإسرائيليات في إفساد بني إسرائيل:

- ‌ الإسرائيليات في قصة أصحاب الكهف:

- ‌ الإسرائيليات في قصة ذي القرنين:

- ‌ الإسرائيليات في قصة يأجوج ومأجوج:

- ‌ الإسرائيليات في قصة بلقيس ملكة سبأ:

- ‌ الإسرائيليات في هدية ملكة سبأ لسيدنا سليمان:

- ‌ الإسرائيليات في قصة الذبيح، وأنه إسحاق:

- ‌ الإسرائيليات في قصة إلياس عليه السلام:

- ‌ الإسرائيليات في قصة داود عليه السلام:

- ‌ الإسرائيليات في قصة سليمان عليه السلام:

- ‌ الإسرائيليات في قصة أيوب عليه السلام:

- ‌ الإسرائيليات في قصة إرم ذات العماد:

- ‌الإسرائيليات فيما يتعلق بعمر الدنيا وبدء الخلق وأسرار الوجود وتعليل بعض الظواهر الكونية

- ‌مدخل

- ‌ما يتعلق بعمر الدنيا:

- ‌ما يتعلق بخلق الشمس والقمر:

- ‌ما يتعلق بتعليل بعض الظواهر الكونية:

- ‌ما ذكره المفسرون في الرعد والبرق في كتبهم:

- ‌أقوال الرسول عند سماع الرعد ورؤية البرق:

- ‌رأي العلم في حدوث الرعد، والبرق، والصواعق:

- ‌جبل قاف المزعوم، وحدوث الزلازل:

- ‌الإسرائيليات في تفسير: {نْ وَالْقَلَم}

- ‌الموضوعات وكتب التفسير

- ‌مدخل

- ‌الأحاديث الموضوعة في فضائل السور والآيات

- ‌حديث أبي بن كعب الطويل

- ‌المفسرون قد يذكرون أحاديث صحيحة في الفضائل:

- ‌ إبطال ما ورد في قصة السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها:

- ‌سبب نزول مشهور على الألسنة وهو موضوع

- ‌ سبب نزول عليه أثر العصبية السياسية:

- ‌ما ذكره بعض المفسرين في تأييد رأي أو بيان معنى: "المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء

- ‌ حديث: أنا "ابن الذبيحين

- ‌ تفسير شيعي:

- ‌ بعض القراءات الموضوعة:

- ‌خاتمة الكتاب:

- ‌مراجع الكتاب:

- ‌فهرس الكتاب:

الفصل: ‌مقدمة الكتاب لفضيلة الدكتور محمد محمد أبو شهبة

‌مقدمة الكتاب لفضيلة الدكتور محمد محمد أبو شهبة

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة الكتاب لفضيلة الدكتور محمد محمد أبو شبهة

الحمد لله الذي أنزل على عبده محمد الكتاب، ولم يجعل له عوجا، قيِّما، لا تزيع به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يتطرق إليه تحريف ولا تبديل، ولا يميل به عن الجادة الباطل:{وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ، لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} 1.

والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا. محمد، المؤيد بالقرآن معجزة عظمى، وآية باقية على وجه الدهر، ووكل إليه بينه وتفسيره فقال سبحانه:{وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} 2.

وعلى آله وأصحابه، والمهتدين بهديه، ما بقي مسلم على وجه الأرض.

أما بعد:

فقد رغب إلي فضيلة الأستاذ الدكتور الشيخ: عبد الحليم محمود، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالجامع الأزهر المعمور بالعلم والعلماء، أن أولف كتابا أبين فيه الإسرائيليات المبثوثة في كتب التفاسير، مع تزييفها وبيان بطلانها، وقد صادف هذا البحث المفيد هوىً في نفسي؛

1-

لأني أعلم شدة حاجة المسلمين إلى مثل هذا المؤلف الذي يذب عن كتاب الله تعالى ما علق بتفسيره من الأباطيل والخرافات والأكاذيب التي كادت تطغى على التفسير الصحيح لكتاب الله تعالى وتخفى الكثير من جلاله، وجماله، وهدايته التي هي أقوم الهدايات:{إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} 3، وعقائده التي هي أسمى العقائد وأحقها بالقبول، وأليقها بالفطر البشرية، وأقربها إلى العقول، وأمسها

1 سورة فصلت: آية 41، 42.

2 سورة النحل: آية 44.

3 الإسراء: آية رقم 9.

ص: 4

بالقلوب، وتظهر الإسلام أمام الباحثين، ولا سيما في العصر الأخير: عصر تقدم العلوم الكونية، والمعارف البشرية، بمظهر الدين الذي يشتمل على الخرافات والترهات؛ لأن كتابه الأكبر هو: القرآن الكريم، وهذه هي: تفاسيره، فيها كثير مما يخالف حقائق العلم، وسنن الله الكونية!! ومؤلفوها هم من علماء الإسلام، بل ومن كبارهم، فهي صورة للإسلام، ولتفكير المسلمين، وذلك مثل: ما روي في بدء الخليقة، وأسرار الوجود، وتعليل بعض الظواهر الكونية، مثل: الرعد، والبرق، والخسوف، والكسوف، وبرودة مياه الآبار في الصيف، وحرارتها في الشتاء، ومثل: ما روي في تفسير: {ق} وأنه الجبل المحيط بالأرض وتفسير قوله تعالى: {ن} وأنه الحوت الذي على ظهره الأرض، وما روي في قصص الأنبياء والمرسلين من إسرائيليات باطلة لا تليق بمقام الأنبياء، وعصمتم إلى نحو ذلك، وما أكثره في كتب التفاسير.

وطالما رغب إلي الكثيرون في تأليف كتاب يحق الحق، ويبطل الباطل، ويزيح عن تفسير كتاب الله تعالى هذا الركام من الموضوعات والإسرائيليات والأباطيل، ولأني عنيت من عهد طلب العلم بتتبع الدخيل في كتب التفسير ونحوها، والرد عليها، فقد كانت ولا زالت مثار شبه، وتشكيك، واعتراضات، وتجنيات على الإسلام، والقرآن، والنبي صلوات الله وسلامه عليه.

وقد حمل كبر هذا الإثم [القساوسة] والمستشرقون، فقد وجدوا في هذه الإسرائيليات والمختلقات ما يشبع هواهم، ويرضي تعصبهم الممقوت، ويشفي نفوسهم المريضة الحاقدة على الإسلام ونبيه، والقرآن؛ هذا الحقد والضغن الذي يعتبر امتدادا للحروب الصليبية التي شنوها على الإسلام والمسلمين، والتي لا تزال إلى عصرنا هذا تتخذ أشكالا شتَّى، ومظاهر متعددة.

والعجب من هؤلاء المبشرين، والمستشرقين: أنهم في سبيل إرضاء صليبيتهم الموروثة، والتي رضعوها في لبان أمهاتهم، يصححون الموضوع والمختلق المنحول، على حين نراهم يحكمون بوضع كثير من الأحاديث الصحيحة، حتى ولو كانت في الصحيحين اللذين هما أصح الكتب البشرية على الإطلاق وذلك مثل: ما روي زورا وكذبا في قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بالسيدة زينب بنت جحش، وما روي في: قصة الغرانيق، مما هو

ص: 5

من صنع زنادقة اليهود والفرس، وأضرابهم، ونحو ذلك مما طبل له المستشرقون والمبشرون، وزمروا، وزادوا فيه، وأعادوا.

ومما يؤسف له غاية الأسف أن بعض المتعلمنين والمثقفين الذين تثقفوا بثقافة غير إسلامية، ولا سيما من صنعتهم أوروبا على عينيها، وربتهم على يديها، ويتسمون بأسماء المسلمين، قد تابعوا سادتهم المستشرقين فيما زعموا وصاروا أبواقا لهم، يرددون ما يقوله هؤلاء؛ لأنهم ينظرون إليهم على أنهم قمم في العلم والمعرفة، والشأن في المغلوب كما قال واضع أساس علم الاجتماع: العلامة ابن خلدون أن يقلد الغالب وتنماع شخصيته في شخصيته، وبذلك ساعدوا على نفث هذه السموم بين المتعلمين من شباب المسلمين!!

ولقد كان ضرر هؤلاء أشد من ضرر سادتهم المبشرين والمستشرقين؛ لأن القارئ المسلم حَذِر ولو بعض الحذر مما يقول هؤلاء أو لا يركن إليهم الركون كله، أما الكاتب المسلم: فالأمنة من جانبه أكثر، والاغترار بما يقوله أكبر.

وقد كانت المدة المحددة لهذا المؤلف ثلاثة أشهر، ولكني اشترطت ستة أشهر، وقبل الأمين العام للمجمع، ولكن ماذا تكفي ستة أشهر؟! وأنا أتولى عمادة كلية أصول الدين بجامعة الأزهر فرع أسيوط وإن شئت الحقيقة، فأنا أقوم بتأسيس فرع للجامعة بعاصمة الصعيد أسيوط.

وأقوم ببعض المحاضرات في الكلية وخارجها، وفي بعض الشهور كرمضان، والمحرم، وربيع الأول، قد تستوعب المحاضرات العامة الشهر كله، وهو جهد ينوء به الشاب، فضلا عن الشيخ المثقل بشتى المسئوليات والأعباء!! فلا عجب إذا كانت الأشهر الستة قد تضاعفت. ولما تولى فضيلة الأستاذ الدكتور الشيخ: محمد عبد الرحمن بيصار أمانة المجمع، بعد أن تولى سلفه الجليل وكالة الأزهر، كرر الرغبة في إنجاز هذا الكتاب النافع المفيد، لذلك لم يكن لي بد من أن أضاعف الجهد، وأتابع السهر، وأواصل البحث حتى أفرغ من هذا المؤلف الذي أعتقد أنه من أوجب الواجبات على علماء المسلمين، حتى أفي بما وعدت.

وهذا الموضوع1 ليس بالأمر الهين الذي يقوم به فرد واحد ولكنه يحتاج إلى جهود.

1 هذه كلمة حق لا مرية فيها فإذا كان المشرفون جادين، فليعدوا العدة لهذا العمل كاملة: من مراجع وموظفين

إلخ.

ص: 6

متعاونة متضافرة من جماعة متخصصين في الأصلين الشريفين: القرآن والسنة، وعلومهما وغيرهما من العلوم الإسلامية، ولهم إلمام وعلم بالتقدم العلمى في الطب، والفلك وعلم سنن الله الكونية، وعلم الاجتماع البشرى، وعلم النفس وعلم الأجناس ونحوها، حتى يؤيدوا بطلان الإسرائيليات، وتهافتها بما جد من نظريات علمية مستقرة، وبذلك يتم لهم نقدها نقدا خارجيا: نقد السند، ونقدا داخليا: نقد المتن، من جهة النقل والعقل والعلم، ويكونون قد أضافوا إلى ما ذكره الأقدمون في نقدها جديدا من النقد، وجديدا من العلم.

ولكن لو أننا انتظرنا حتى تكون هذه الجماعة، وتبدأ في العمل لمضت السنون، ولم ننجز عملا، بل قد لا تتفق الجماعة على رأي في كثير من الإسرائيليات، والموضوعات؛ إذ التكوين الثقافي ليس واحدًا، والأنظار ليست واحدة، وهذه طبيعة البشر. والنقاد في كل عصر، منهم المتشدد، ومنهم المتساهل، ومنهم المتوسط المعتدل، لذلك رأيت ألا أحجم عن الكتابة في هذا الموضوع الضخم الخطير الجليل، وأن أؤدي عن علماء المسلمين فرضا مفروضا في هذا المضمار واستعنت بالله تعالى، وسألته التوفيق، والسداد، والرشاد.

وهأنذا أفي بما وعدت، وأقدم ما أنجزت، فإن كان ما وصلت إليه صوابا فمن الله تبارك وتعالى، وإن كان خطأً فمن نفسي ومن الشيطان، وبحسبي أن اجتهدت، وبذلت غاية الوسع في الاجتهاد فلن أخلو من الأجر، وصدق المبلغ عن رب العالمين صلى الله عليه وسلم حيث يقول:"إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" رواه البخاري ومسلم.

وقد كان اقتراح عنوان الكتاب أن يكون: الإسرائيليات في كتب التفسير"، ولكني رأيت أن أضم إلى الإسرائيليات الموضوعات أيضا في كتب التفسير؛ فإن فيها موضوعات ذات خطر على الإسلام والنبي، وذلك مثل: ما وضعه الزنادقة وأعداء الإسلام من يهود، ومجوس، ونصارى، وغيرهم، من قصص وروايات تقدح في عصمة النبي، وتظهر الإسلام بمظهر الدين الساذج الذي يشتمل على الخرافات.

ومنها: ما كان من أثر الخلافات السياسية، والدينية، والمذهبية ومنها ما وضعه قوم زعموا وبئس ما زعموا أنهم يخدمون الإسلام، ويرغبون فيه وذلك مثل: الأحاديث التي وضعت في فضائل القرآن وفي فضائل السور، وفي فضائل الأشخاص

ص: 7

والأزمنة، والأمكنة، فقد استباح بعض الزهاد وبعض المتصوفة الوضع في باب الترغيب والترهيب وزعموا جهلا وزورا أن ذلك حسبة إلى الله، ومن المؤسف أن بعض أهل العلم لا يزالون يرددون أمثال هذه المرويات، ويستولون بسببها على قلوب العامة والسذج، مع أنها قد نص على وضعها واختلاقها كثير من الحفاظ، وأئمة النقد.

وبهذا وذلك: يكون الكتاب فائدته أعظم، وثمرته أعم وأشمل، ولا يفوتني في هذا المقام: أن أنوه بما قام به بعض زملائنا من جهاد مذكور مشكور في هذا الباب، وهو أخونا الأستاذ الدكتور الشيخ محمد حسين المذهبي الأستاذ بكلية أصول الدين، في كتابه "التفسير والمفسرون"، وفي الكتيب القيم الذي نشره له مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف.

ماذا يمكن في هذا الموضوع:

وآراء الناس وأفكارهم متباينة في معالجة هذا الموضوع الخطير؟:

1-

فمنهم من يرى الاستغناء عن كتب التفسير التي اشتملت على الموضوعات والإسرائليات التي جنت على الإسلام والمسلمين وجرت عليهم كل هذه الطعون والهجمات من أعداء الإسلام، وذلك بإبادتها أو حرقها، حتى يحال بين الناس، وبين قراءتها، والاكتفاء بالكتب الخالية أو المقلة منها، وتأليف تفاسير أخرى خالية من هذه الشوائب والمناكير وهو رأي فيه إسراف وغلو؛ إذ ليس من شك في أن هذه الكتب فيها بجانب الإسرائيليات علم كثير، وثقافة إسلامية أصيلة، وأن ما فيها من خير وحق أكثر مما فيها من شر وباطل، فهل لأجل القضاء على الشر نقضي على الخير، ولأجل الإجهاز على الباطل نجهز على الحق أيضا؟ أعتقد أن هذا لا يجوز عقلا، ولا شرعا.

ثم إن هذا الرأي غير ممكن تنفيذه عمليا، فنحن إذا أعدمنا ما يوجد من هذه التفاسير في المكاتب العامة، فكيف يمكن ذلك في المكاتب الخاصة؟! ومن أصحابها من يضن بها ضنه بنفسه، وليس من حق أحد أن يغتصب مال غيره، ويعدمه تعللا بهذه العلة.

الحق: أن هذا رأي فيه إسراف وغلو، وغير ممكن تنفيذه عمليا وفي الحق: أن هذه الكتب التي اشتملت على الموضوعات والإسرائليات لو وجد في عصر طبعها من تنبه لما فيها، وكان من أهل التمييز بين الصحيح والضعيف، وما هو من قبيل الإسرائيليات، وما ليس منها علق على هذه الكتب عند طبعها، لوقانا شر هذه الإسرائيليات

ص: 8

والأكاذيب، ولما تسممت بها العقول والأفكار، ولكفانا ما نقوم به اليوم، ولكن "لو" لا تجدي الآن.

2-

وهناك فريق آخر يرى أن نجمع ما طبع من هذه الكتب ونخفيها عن أعين الناس، ثم نعيد طبعها بعد تنقيتها من الإسرائيليات والموضوعات، ولكن أية قوة في العالم الإسلامي يمكنها أن تفعل هذه؟! ثم هو إن أمكن في المكاتب العامة، فكيف يمكن في المكاتب الخاصة المخفية في بيوت أصحابها؟ الحق أن هذا الرأي وإن كان أقل إسرافًا وغلوًّا من الرأي الأول، فهو غير ممكن أيضا من الناحية العلمية.

وأيضا: فهذه الإسرائيليات والموضوعات، وإن لم تكن لها قيمتها الدينية والتشريعية في نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى الصحابة رضوان الله عليهم؛ لأنها مختلقة عليهم، منتحلة، لكن لها في نظر بعض الباحثين والمؤلفين في الحياة العقلية في الإسلام قيمتها العلمية، فهي تدل على ثقافة العصر، وأفكار أهله، وتلاقح الثقافات وتأثير بعضها في بعض؛ لأن الذي وضعها ونسبها لهؤلاء لم يكن خارجا عن البيئة، ولا منعزلا عن روح العصر، وإنما كان مؤثرا ومتأثرا، وهذا الرأي قد ردده بعض الباحثين في كتبه1، ولكني لست منه على ثلج2، ولا على اتفاق مع قائله؛ لأنها سممت الأفكار، وتجنت على التفسير والحديث، وكان لها آثارها السيئة في كتب العلوم الإسلامية، فضررها أعظم بكثير من نفعها المزعوم.

3-

فلم يبقَ إلا الطريق الثالث: وهو رأي القائلين بالتنصيص على هذه الإسرائيليات والموضوعات وردها من جهة العقل والنقل وبيان أنها دخيلة على الإسلام، ومدسوسة على الرواية الإسلامية وبيان من أين دخلت عليه، وذلك بتأليف كتاب، أو كتب في هذا ونشرها نشرا موسعا، بحيث يستفيد منها كل مثقف، وكل متعلم، بل وكل من يحسن القراءة، وبذلك نقضي على ما في بعض كتب التفسير من شرور الإسرائيليات وسمومها التي أفسدت عقول كثير من الناس، ولا سيما العامة، وصاروا يتناقلونها على أن لها أصلا في الرواية الإسلامية، وما هي منها في شيء.

1 هو الأستاذ أحمد أمين رحمه الله في كتابيه: "فجر الإسلام ص 251و "ضحى الإسلام" ج2. ص143.

2 على ثلج أي على اطمئنان. نهاية.

ص: 9

منهجي في هذا الكتاب:

أما منهجي في هذا الكتاب: فسأقدم للبحث الأصلي بمقدمات أبين فيما معنى التفسير والتأويل ومعنى الإسرائيليات، وما المراد بالموضوعات؟ وما المنهج الذي يجب أن يتبع في تفسير القرآن، والكلام عن التفسير بالمأثور، وأقسامه، والتفسير بالرأي والاجتهاد المقبول منه والمردود ودخول الوضع والإسرائيليات في التفسير بالمأثور، وأسباب ذلك وما وجه إلى هذا النوع من التفسير من نقد، والآثار السيئة التي خلفتها هذه الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير وغيرها.

ثم أعرض لما قام به حفاظ الحديث، وأئمة النقد، والتعديل والتجريح من جهاد مشكور في التنبيه إلى الموضوعات والإسرائيليات في كتب التفسير، ثم أعرض لأشهر كتب التفسير بالمأثور، مبينا بإيجاز قيمة كل كتاب من جهة الرواية، ولأشهر كتب التفسير بالرأي المقبول، من حيث اشتمالها على الموضوعات والإسرائيليات قلة أو كثرة، أو عدم اشتمالها من غير تعرض لما فيها من جوانب كمال أو جوانب نقص أخرى، فليس ذلك من غرضي، ولا مما يتصل بالغرض الذي وضع له الكتاب، إلى غير ذلك مما عرضت له.

وهذه المقدمات أو التمهيدات على طولها لا بد منها، حتى يكون القارئ لهذا الكتاب على بينة من أمر هذه المباحث، التي ستسلمه إلى المقصد الأصلي من الكتاب في غير اقتضاب.

ثم بعد ذلك آخذ فيما قصدت، وهو: الإبانة عن الإسرائيليات والكشف عن الموضوعات في كتب التفسير، سواء منها ما اختص بالتفسير بالمأثور، أو ما جمع فيها بين المأثور وغيره، أو ما غلب عليها التفسير بالرأي والاجتهاد، ومما ينبغي أن يعلم، أن هذه الكتب الأخيرة لا تخلو من التفسير بالمأثور قط، ولا يمكن أن تخلو منه.

وليس من غرضي في هذه الدراسة وهذا البحث أن أتناول الكتب كتابا كتابا، فهذا أمر يطول، ويلزم منه التكرار، أو الإحالة على ما فات.

ولكني سأعرض لهذه الإسرائيليات والموضوعات، وأردها من جهة العقل والنقل.

ص: 10

متأسيا في ذلك بأقوال جهابذة العلماء من حفاظ الحديث، وأئمة النقد الذين إليهم المرجع في التصحيح والتضعيف والتمييز بين الغث والسمين، والمقبول والمردود، وجمعوا بين المعقول والمنقول، وكذلك غيرهم ممن ليسوا من حفاظ الحديث، ولكنهم تناولوا إبطال بعض هذه الإسرائيليات، والموضوعات، من جهة العقل والنظر، وأزيد على ما ذكروه ما استفدناه من العلوم الحديثة، وما استجد من نظريات علمية مستقرة لم تكن معروفة في عصورهم وما منَّ الله به على من دراساتي القرآنية، والحديثية، ثم أنبه على مواضعها وأماكنها في كتب التفسير التي ذكرتها، من غير رد لها ونص على بطلانها وتهافتها، أو التحذير منها، حتى يكون القارئ لهذه التفاسير على بينة من حقيقة هذه المرويات، وعلى حذر من الاغترار بها وتصديقها.

والله أسأل أن يلهمني الصواب والرشد، وأن يمدني بروح من عنده إنه سميع مجيب.

كتبه

أبو السادات

محمد بن محمد أبو شهبة

من علماء الأزهر الشريف.

والمتخصص في الأصلين الشريفين:

القرآن والسنة

المحرم 1391هـ

مارس 1971م.

ص: 11