الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
16-
الإسرائيليات في سفينة نوح:
ومن الإسرائيليات التي اشتملت عليها بعض كتب التفسير، كتفسير ابن جرير، و "الدر المنثور" وغيرهما: ما روي في سفينة نوح عليه السلام فقد أحاطوها بهالة من العجائب والغرائب، من أي خشب صنعت؟ وما طولها؟ وما عرضها؟ وما ارتفاعها؟ وكيف كانت طبقاتها؟ وذكروا خرافات في خلقة بعض الحيوانات من الأخرى، وقد بلغ ببعض الرواة أنهم نسبوا بعض هذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال صاحب الدر: وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كانت سفينة نوح عليه السلام لها أجنحة وتحت الأجنحة إيوان"، أقول: قبح الله من نسب مثل هذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن مردويه: عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم" وذكر أن طول السفينة كان ثلاثمائة ذراع، وعرضها خمسون ذراعا، وطولها في السماء ثلاثون ذراعا، ثم قال: وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر، عن ابن عباس:"أن نوحا لما أمر أن يصنع الفلك، قال: يا رب، وأين الخشب؟ قال: اغرس الشجر، فغرس الساج عشرين سنة..... إلى أن قال: "فجعل السفينة ستمائة ذراع طولها، وستين ذراعا في الأرض يعني عمقها، وعرضها ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون2 وأمر أن يطليها بالقار3، ولم يكن في الأرض قار، ففجر الله له عين القار، حيث تنحت السفينة، تغلي غليانا، حتى طلاها، فلما فرغ منها جعل لها ثلاثة أبواب، وأطباقها، وحمل فيها السباع، والدواب، فألقى الله على الأسد الحمى، وشغله بنفسه عن الدواب وجعل الوحش والطير في الباب الثاني، ثم أطبق عليهما.....
1 هذا أمارة على أن ذلك من رواية ابن عباس عن أهل الكتاب وأن من رفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقد غلط.
2 لا ندري بأي رواية نصدق، أبرواية ابن عباس هذه، أم بالسابقة، وهذا الاضطراب أمارة الاختلاق ممن وضعوها أولا، وحملها عنهم ابن عباس وغيره.
3 في القاموس: القبر، والقار: شيء أسود تطلى به الإبل، أو هو الزفت.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن، قال:"كان طول سفينة نوح عليه السلام ألف ذراع ومائتي ذراع، وعرضها ستمائة ذراع"، وإليك ما ذكره بعد هذا من العجب العجاب، قال: وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال الحواريون لعيسى ابن مريم عليهما السلام: لو بعثت لنا رجلا شهد السفينة فحدثنا عنها، فانطلق بهم، حتى انتهى إلى كثيب من تراب فأخذ كفا من ذلك التراب، قال: أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا كعب حام بن نوح، فضرب الكثيب بعصاه، قال: قم بإذن الله فإذا هو قائم ينفض التراب على رأسه، قد شاب، قال له عيسى عليه السلام: هكذا هلكت؟! قال: لا؛ مت وأنا شاب، ولكنني ظننت أنها الساعة قامت، فمن ثم شبت قال: حدثنا عن سفينة نوح قال: كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع، وعرضها ستمائة ذراع، كانت ثلاث طبقات، فطبقة فيها الدواب، والوحش، وطبقة فيها الإنس، وطبقة فيها الطير، فلما كثر أرواث الدواب: أوحى الله إلى نوح: أن اغمز ذنب الفيل، فغمزه، فوقع منه خنزير وخنزيرة!! فأقبلا على الروث، فلما وقع الفأر يخرب السفينة بقرضه أوحى الله إلى نوح: أن اضرب بين عيني الأسد، فخرج من منخره سنور، وسنورة، فأقبلا على الفأر فأكلاه.
وفي رواية أخرى: أن الأسد عطس، فخرج من منخره سنوران: ذكر وأنثى، فأكلا الفأر، وأن الفيل عطس، فخرج من منخره خنزيران ذكر وأنثى فأكلا أذى السفينة وأنه لما أراد الحمار أن يدخل السفينة أخذ نوح بأذني الحمار، وأخذ إبليس بذنبه، فجعل نوح عليه السلام يجذبه، وجعل إبليس يجذبه، فقال نوح: ادخل يا شيطان. -ويريد به الحمار- فدخل الحمار، ودخل معه إبليس، فلما سارت السفينة جلس إبليس في أذنابها يتغنى، فقال له نوح عليه السلام: ويلك من أذن لك؟ قال: أنت. قال: متى؟ قال: أن قلت للحمار ادخل يا شيطان، فدخلت بإذنك
…
وزعموا أيضا: أن الماعز لما استصعبت على نوح أن تدخل السفينة فدفعها في ذنبها، فمن ثم انكسر، وبدا حياها، ومضت النعجة فدخلت من غير معاكسة فمسح على ذنبها، فستر الله حياها يعني فرجها وزعموا أيضا: أن سفينة نوح عليه السلام
طافت بالبيت أسبوعا بل رووا عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدّه، عن النبي صلى الله عليه وسلم "إن سفينة نوح طافت بالبيت سبعًا، وصلت عند المقام ركعتين"!!
وهذا من تفاهات عبد الرحمن هذا، وقد ثبت عنه من طريق أخرى، نقلها صاحب التهذيب "ج 6 ص 179" عن الساجي، عن الربيع، عن الشافعي، قال:"قيل لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: حدثك أبوك عن جدك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن سفينة نوح طافت بالبيت، وصلت خلف المقام ركعتين؟ "!! قال: نعم، وقد عرف عبد الرحمن بمثل هذه العجائب المخالفة للعقل وتندر به العلماء، قال الشافعي فيما نقل في التهذيب أيضا:"ذكر رجل لمالك حديثا منقطعا، فقال: اذهب إلى عبد الرحمن بن زيد يحدثك عن أبيه، عن نوح"!!
وأن لما رست السفينة على الجودي وكان يوم عاشوراء صام نوح، وأمر جميع من معه من الوحش والدواب فصاموا شكرا لله، إلى غير ذلك من التخريفات والأباطيل1 التي لا نزال نسمعها، وأمثالها من العوام والعجائز، وهذا لا يمكن أن يمت إلى الإسلام بصلة، وإنا لننزه المعصوم صلى الله عليه وسلم من أن يصدر عنه ما نسبوه إليه، وإنما هي أحاديث خرافة اختلقها اليهود وأضرابهم على توالي العصور، وكانت شائعة مشهورة في الجاهلية، فلما جاء الإسلام نشرها أهل الكتاب الذين أسلموا بين المسلمين، وهؤلاء رووها بحسن نية، ولم يزيفوها اعتمادا على أنها ظاهرة البطلان، وأوغل زنادقة اليهود وأمثالهم في الكيد للإسلام ونبيه، فزوروا بعضها على النبي صلى الله عليه وسلم وما كنا نحب لابن جرير، ولا للسيوطي، ولا لغيرهما أن يسودوا صحائف كتبهم بهذه الخرافات والأباطيل، فاحذر منها أيها القارئ في أي كتاب من كتب التفسير وجدتها، وألق بها دبر أذنيك، وكن عن الحق منافحًا وللباطل مزيفًا.
1 تفسير ابن جرير الطبري: ج 12 من ص 21-29، الدر المنثور: ج 3 من ص 327-335.