الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خاتمة الكتاب:
1-
ها أنذا قد انتهيت ولله الحمد من هذا الكتاب الذي نرجو أن ينفع الله به المسلمين، وأن يبصرهم بحقيقة كتاب ربهم، ويوقفهم على الدخيل الذي دخل كتب التفاسير، وكان جناية على الإسلام والمسلمين.
ولست أدَّعِي أني استقصيت كل ما في كتب التفسير من إسرائيليات وموضوعات، فذلك يحتاج إلى عمل طويل، وجهد جهيد، ولكنني ولله الحمد والمنة قد وفقت إلى التنبيه إلى معظمها، والكثير منها، ولا سيما ما يخل بتوحدي الله وصفاته، أو ما يطعن في عصمة الأنبياء، أو ما يصادم الحقائق العلمية، أو ما يباين المعقول، أو يخالف الصحيح من المنقول.
ولن يكون هذا بآخر المطاف في هذا الموضوع المهم الخطير، ولكني سأتابع الدرس، والسهر، والبحث والتنقيب، حتى آتي على آخر المستطاع من الإسرائيليات والموضوعات إن شاء الله تعالى.
2-
لقد بذلت غاية الجهد، في الوصول إلى الحق والصواب، ولم يكن من شأني -عَلِمَ اللهُ- التساهل أو التسرع، وإنما كان دأبي التثبت والتروي، ثم التروي، حتى يطمئن قلبي، وينشرح صدري، وترتاح نفسي إلى ما وصلت إليه.
ومن الحق والإنصاف أن أقول: إن الكثير مما وصلت إليه قد تنبه إليه العلماء المحققون، والأئمة الحفاظ النقاد المتقنون، من سلف هذه الأمة الإسلامية الخالدة، التي تكفل الله جل جلاله بأن يبعث لها على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها.
وقد حرصت على أن أبين سلفي من العلماء فيما قلته، فلست ممن يستسمي بما ليس فيه، ولا ممن يجحد فضل علمائنا من سلف الأمة، وخلفها، ولست أيضا ممن يرتفع على أنقاض غيره، وجحود فضل غيره، ومن المؤسف: أن هذه اللوثة قد أصبحت سمة من سمت الكثيرين من الباحثين، والكاتبين، والمؤلفين في هذا العصر الأخير، ورحم الله امرءا عرف قدر نفسه، وأما ما اختلف فيه بعض الأئمة الكبار بالإثبات، والنفي، والحكم بالوضع، وعدم الوضع، كقصة هاروت وماروت، وقصة الغرانيق مثلا، فقد
سلكت فيه مسلك الترجيح من إبداء الحجة والبرهان، مهتديا في ذلك بقولة الإمام الكبير إمام دار الهجرة:"مالك بن أنس" رحمه الله تعالى: "كل أحد يؤخذ منه ويرد عليه، إلا صاحب هذا المقام"، وأشار إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقد خالفت فيهما رأي إمامين كبيرين: الإمام الحافظ ابن حجر، والإمام الحافظ السيوطي على جلالتهما، والحق في الإسلام لا يعرف بالرجال، وإنما يعرف الرجال بالحق، ورضي الله تبارك وتعالى، عن سيدنا علي حيث قال: اعرف الحق تعرف أهله، وحسبي في كلا الحالين: ما وافقت فيه، وما خالفت أني مجتهد، والمجتهد مأجور؛ أصاب أم أخطأ، وصدق المبلغ عن رب العالمين صلى الله عليه وسلم حيث قال:"إذا اجتهد الحاكم، ثم أصاب فله أجران، وإذا اجتهد ثم أخطأ فله أجر" رواه مسلم في صحيحه.
3-
لم يكن من خلقي إذا ما خالفت عالما مهما كان رأيه، أو مرويه، أن أتطاول عليه، أو أجهل؛ فليس ذلك من خلق العلماء في الإسلام وإنما هو من سمات الأدعياء، المغرورين العاجزين، وإنما كان ديدني: النقد الذاتي، الموضوعي، فأقابل الحجة -إن كانت- بالحجة، والبرهان بالبرهان، والشبهة بالحق واليقين؛ لأن علماءنا وأئمتنا الأوائل -عفا الله عنا وعنهم- حسناتهم أكثر بكثير من سيئاتهم -إن كانت- وصوابهم أوفى من خطئهم، وحقهم أعظم بكثير من باطلهم، وهم ليسوا بمعصومين، وإنما العصمة لله عز وجل ولرسله الكرام.
فمن ثم كنت رفيقًا غاية الرفق بالمفسرين الذين ذكروا الإسرائيليات والموضوعات في تفاسيرهم من غير تنصيص عليها، وكنت أغلِّب جانب الاعتذار عنهم، على جانب التثريب، والاستنكار، كما كنت في غاية الأدب مع الصحابة والتابعين الذين رووا هذه المرويات وحاولت الاعتذار عنهم غير مرة بأنهم إما رووها تحسينا للظن برواتها فيما هو محتمل للصدق والكذب، أو رووها، ولم ينبهوا إلى ما فيها من أكاذيب وخرافات، وأباطيل اعتمادا على ظهور ذلك لقارئها، أو أنهم رووها على سبيل الاستنكار لما فيها، ولكن الراوي عنهم لم ينقل لنا ذلك، أو أن هذه المرويات قد دست عليهم فيما دس في المرويات في الإسلام ومحاولة الاعتذار عنهم هو الأليق بأهل القرون الفاضلة الأولى بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم-
وإذا استساغ المستشرقون، والمبشرون، ومتابعوهم، لأنفسهم السفاه، والتجني في النقد على السلف الصالح، ولا سيما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين زكاهم الله ورسوله فكيف يستسيغ كاتب مسلم لنفسه، فضلا عن عالم أن يسفه هو الآخر عليهم، ويصمهم بأقبح الصفات وهو الكذب؟! أو يجاريهم في نقل سفاههم، وتجنيهم عليهم، إنه وايم الحق للأمر العجب، والخطب الجلل.
إن هؤلاء السلف الصالح مهما كانت عليهم مؤاخذات ففضلهم عظيم، وخيرهم كثير، ونفعهم عميم.
4-
إن الكثيرين، أو الكثرة الكاثرة من القراء حينما يقرءون ما كتبت، فسيقدرون جهدي وتعبي ونصبي، حتى أخرجت لهم هذا الكتاب، وسيوافقونني، على ما أظن على كل ما قلت أو معظم ما قلت.
وقد تكون هناك فئة أخرى لا توافقني على كل ما قلت، وقد تخالفني في بعض ما قلت، وربما يتصايحون: أين هذا المؤلف من فلان، وفلان من العلماء، يرد أقوالهم، ويفند مروياتهم، ويتعقبهم فيما يذكرون، ويستدرك عليهم ما فاتهم!!.
وأحب أن أقول لهذه الفئة -إن كانت- إن معرفة الحق ليست قصرا على شخص دون شخص، ولا على جيل دون جيل، والعلم ليس قصرا على أحد وهو فضل من الله يؤتيه من يشاء، وأحب أن أقول لهم أيضا: اقرأوا الكتاب مثنى، وثلاث، ورباع، ثم لتتفكروا ولتتفكروا، وسيظهر لكم بعد التروي، والتأني والهدوء ما ظهر لي، فإن أبوا إلا التمسك بآرائهم: فبحسبي أنني ذكَّرت؛ {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّر، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِر} 1 وبحسبي أنني حذرت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} 2 وبحبسبي أنني بلغت؛ {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} 3، وبحسبي أنني مجتهد، وللمجتهد إذا أصاب أجران، وإذا أخطأ أجر، وبحسبي أنني لا أريد إلا الخير لهذه الأمة، وإصلاح ما فسد من أمرها: {إِنْ
.
1 الغاشية: 21، 22.
2 المائدة: 105.
3 النور: من الآية 54.
أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} 1.
5-
ليعلم من لا يعلم تحدُّثًا بنعمة الله تعالى علي: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث} 2 لا افتخارا ولا تمنُّنًا؛ فالمنة لله، ولرسوله: أنني قد وقفت حياتي لخدمة القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، والذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن صحابته الطيبين الطاهرين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وأني قد وجدت في ذلك لذة دونها كل لذة، وشرفا دونه أي شرف وجاها دونه أي جاه، وأني قد ألفت في ذلك بعض الكتب3 التي انتفع منها طلاب العلم والمعرفة، وأرجو أن يتقبلها الله سبحانه وتعالى، وأنا ولله الحمد والفضل أَغْيَرُ على الأحاديث والسنن من نفسي، وأهلي، وولدي وعرضي، وأنها من أحب الأشياء إلى نفسي، وأبعد ما يظن بي أني أتسور على القرآن الكريم، فأفسره بغير الوارد عن السلف، وأني أتهجم على الاحاديث، والسنن فأردها وأبطلها، وأني أصدر فيما قلت عن هوى، أو شهوة أو حب جاه، فمعاذ الله، ثم معاذ الله، أن أكون أحد أولئك.
وفي الحق: أنني حينما اجتهدت وحكمت، فإنما كنت دائما أصدر عن قول الرسول الكريم:"من كذب علي متعمدًا، فليتبوأ مقعده من النار". رواه الشيخان وغيرهما، وقوله:"من حدَّثَ عني بحديث يرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين"، رواه مسلم، فقد كان غرضي، ذَبُّ الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن صحابته، والرد على ما يثار حول الرسول، وصحابته، من طعون بسبب هذه الإسرائيليات والموضوعات، والرد على ما يثار على الإسلام من شبه وتجنيات عليه بسببها.
6 ومع كل هذا: فأنا أفسح صدري لكل نقد نزيه مبرَّأً من الهوى، والشهوة، والرجوع إلى الحق إذا ظهر لي؛ فإني من المؤمنين بمقولة الفاروق عمر رضي الله عنه، وكلمته الحكيمة في كتابه الجامع لسيدنا أبي موسى الأشعري، هذا الكتاب الذي يعتبر من أصول القضاء في الإسلام، قال رضي الله تعالى عنه: ولا يمنعك قضاء.
.
1 هود: 88.
2 والضحي: الآية 11.
3 منها: المدخل لدراسة القرآن الكريم، ودفاع عن السنة، وردُّ شُبَهِ المستشرقين والكتاب المعاصرين، وأعلام المحدثين، والسيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة.
قضيته بالأمس راجعت فيه نفسك، وهديت فيه إلى رشدك، أن ترجع عنه؛ فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل..".
والحمد لله في النهاية، كما حمدناه في البداية، وصلى الله تبارك وتعالى على إمام الهدى والتقى، ومعلم الدنيا، ومخرج الناس من الظلمات إلى النور؛ سيدنا، ومولانا، ونبينا محمد، وعلى آله وصحابته، ومن تبعهم بإحسان، إلى يوم الدين، وأعنا معهم بفضلك وكرمك يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين، اللهم آمين.
كتبه خادم القرآن والسنة محمد بن محمد أبو شهبة.
غفر الله له، ولوالديه، وللمؤمنين، والمؤمنات.