الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي: فمن يكفر أي: يكذب بها من أمتك يا عيسى، وعاندها، فإني أعذبه عذابا، لا أعذبه أحدًا من عالمي زمانكم، وهذا على سبيل الوعيد لهم، والتهديد. وليس في الآية ما يدل على أنهم كفروا، ولا على أن غيرهم قد كفر بها، ولا على أنهم استعفوا من نزول المائدة، وإنما الذي دعا بعض المفسرين إلى هذه الأقوال ما سمعت من الروايات الإسرائيلية، وها نحن قد فسرنا الآيات تفسيرًا علميًّا صحيحًا من غير حاجة إلى ما روي، مما يدل دلالةً قاطعةً على أن مفسر القرآن في غنية عن الإسرائيليات التى شوهت جمال القرآن وجلاله.
11-
الإسرائيليات في سؤال موسى ربَّه الرؤيةَ:
ومن الإسرائيليات ما يذكره بعض المفسرين عند تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} الأعراف الآية 143" فقد ذكر الثعلبي، والبغوي، وغيرهما عن وهب بن منبه، وابن إسحاق قالا:
"لما سأل موسى ربه الرؤية أرسل الله الضباب، والصواعق، والظلمة، والرعد، والبرق وأحاطت بالجبل الذي عليه موسى أربعة فراسخ من كل جانب، وأمر الله ملائكة السماوات أن يعترضوا على موسى، فمرت به ملائكة السماء الدنيا كثيران1 البقر، ينبع أفواههم بالتسبيح والتقديس بأصوات عظيمة كصوت الرعد الشديد، ثم أمر الله ملائكة السماء الثانية: أن اهبطوا على موسى، فاعترضوا عليه، فهبطوا عليه أمثال الأسود، لهم لجب بالتسبيح والتقديس، ففزع العبد الضعيف ابن عمران مما رأى، وسمع، واقشعرت كل شعرة في رأسه وجسده، ثم قال: لقد ندمت على مسألتي، فهل ينجيني من مكاني الذي أنا فيه؟
فقال له خير الملائكة2 ورأسهم: يا موسى اصبر لما سألت، فقليل من كثير
1 جمع ثور، وهذا من سوء أدب بني إسرائيل مع الملائكة.
2 هو جبريل عليه السلام.
ما رأيت، ثم أمر ملائكة السماء الثالثة: أن اهبطوا على موسى فاعترضوا عليه، فهبطوا أمثال النسور، لهم قصف ورجف، ولجب شديد، وأفواههم تنبع بالتسبيح، والتقديس كجلب الجيش العظيم، ألوانهم كلهب النار، ففزع موسى، واشتد فزعه، وأيس من الحياة، فقال له خير الملائكة: مكانك حتى ترى ما لا تصبر عليه. ثم أمر الله ملائكة السماء الرابعة: أن اهبطوا، فاعترضوا على موسى بن عمران، فهبطوا عليه لا يشبههم شيء من الذين مروا به قبلهم، ألوانهم كلهب النار، وسائر خلقهم كالثلج الأبيض، أصواتهم عالية بالتقديس، والتسبيح، لا يقاربهم شيء من أصوات الذين مروا به من قبلهم، فاصطكت ركبتاه، وارتعد قلبه، واشتد بكاؤه، فقال له خير الملائكة ورأسهم: يا ابن عمران: اصبر لما سألت، فقليل من كثير ما رأيت.
ثم أمر الله ملائكة السماء الخامسة: أن اهبطوا، فاعترضوا على موسى، فهبطوا عليه لهم سبعة ألوان، فلم يستطع موسى أن يتبعهم بصره، لم ير مثلهم، ولم يسمع مثل أصواتهم، فامتلأ جوفه خوفا، واشتد حزنه، وكثر بكاؤه، فقال له خير الملائكة ورأسهم: يا ابن عمران مكانك، حتى ترى بعض ما لا تصبر عليه.
ثم أمر الله ملائكة السماء السادسة: أن اهبطوا على موسى فاعترضوا عليه، فهبطوا عليه في يد كل ملك منهم مثل النخلة الطويلة نارا أشد ضوءا من الشمس، ولباسهم كلهب النار، إذا سبحوا وقدسوا جاوبهم من كان قلبهم من ملائكة السماوات كلهم، يقولون بشدة أصواتهم: سبوح قدوس، رب الملائكة والروح، رب العزة أبدا لا يموت، وفي رأس كل ملك منهم أربعة أوجه، فلما رآهم موسى رفع صوته، يسبح معهم حين سبحوا، وهو يبكي ويقول: رب اذكرني ولا تنس عبدك، لا أدري أأنفلت مما أنا فيه أم لا؟ إن خرجت احترقت، وإن مكثت مت، فقال له كبير الملائكة ورأسهم: قد أوشكت1 يا ابن عمران أن يشتد خوفك، وينخلع قلبك، فاصبر للذي سألت.
1 لا أدري كيف يتفق هذا وما ذكر من قبل من شدة خوفه وفزعه في المرات الخمس وهذا من أمارات التهافت.
ثم أمر الله أن يحمل عرشه ملائكة السماء السابعة، فلما بدا نور العرش، انفرج الجبل من عظمة الرب جلا جلاله، ورفعت ملائكة السماوات أصواتهم جميعا، يقولون: سبحان الملك القدوس، رب العزة أبدا لا يموت، بشدة أصواتهم، فارتج الجبل، واندكت كل شجرة كانت فيه، وخر العبد الضعيف موسى صعقا على وجهه، ليس معه روحه، فأرسل الله برحمته الروح، فتغشاه، وقلب عليه الحجر الذي كان عليه موسى، وجعله كهيئة القبة؛ لئلا يحترق موسى1 فأقام موسى يسبح الله، ويقول: آمنت بك ربي، وصدقت أنه لا يراك أحد فيحيا، من نظر إلى ملائكتك انخلع قلبه، فما أعظمك وأعظم ملائكتك، أنت رب الأرباب وإله الآلهة وملك الملوك، ولا يعدلك شيء، ولا يقوم لك شيء، ربِّ تُبْتُ إليك، الحمد لله لا شريك لك، ما أعظمك، وما أجللك رب العالمين، فذلك قوله تعالى:{فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} ، وبعد أن ذكر الأقوال الكثيرة فيما تبدى من نور الله، قال: ووقع في بعض التفاسير: طارت لعظمته ستة أجبل، وقعت ثلاثة بالمدينة: أحد، وورقان ورضوى، ووقعت ثلاثة بمكة: ثور، وثبير، وحراء2.
وهذه المرويات وأمثالها مما لا نشك أنها من إسرائيليات بني إسرائيل، وكذبهم على الله، وعلى الأنبياء، وعلى الملائكة، فلا تلقِ إليها بالًا، وليس تفسير الآية في حاجة إلى هذه المرويات، والآية ظاهرة واضحة، وليس فيها ما يدل على امتناع رؤية الله في الآخرة كما دل على ذلك القرآن الكريم، والسنة الصحيحة المتواترة، وغاية ما تدل عليه امتناع الرؤية البصرية في الدنيا؛ لأن العين الفانية لا تقدر أن ترى الذات الباقية.
ومن ذلك أيضا: ما ذكره الثعلبي، والبغوي، والزمخشري في تفاسيرهم عند قوله تعالى:{وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} أي: مغشيا عليه، وليس المراد ميتا كما قال قتادة.
فقد قال البغوي: في بعض الكتب: إن ملائكة السماوات أتوا موسى وهو مغشي عليه، فجعلوا يركلونه بأرجلهم، ويقولون: يا ابن النساء الحيض، أطمعت في رؤية
1 وهذا تهافت آخر وأمارة من أمارات الاختلاق، أليس الله بقادر على حمايته من غير الروح، والحجر؟.
2 تفسير البغوي على هامش تفسير ابن كثير ج3 من ص 547- 550.