المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ما ورد في قصة آدم عليه السلام: - الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير

[محمد أبو شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات:

- ‌شعار الكتاب وشيء من مزايا هذه الطبعة الخامسة:

- ‌مقدمة الكتاب لفضيلة الدكتور محمد محمد أبو شهبة

- ‌معنى إسرائيليات وموضوعات وتفسير

- ‌الإسرائيليات

- ‌ الموضوعات:

- ‌ التفسير:

- ‌أقسام التفسير

- ‌التفسير بالمأثور

- ‌مدخل

- ‌ تفسير القرآن بالقرآن:

- ‌ تفسير القرآن بالسنة:

- ‌ تفسير الصحابة:

- ‌المفسرون من الصحابة

- ‌مدخل

- ‌ علي بن أبي طالب:

- ‌ عبد الله بن مسعود:

- ‌ أبي بن كعب:

- ‌ زيد بن ثابت:

- ‌ عبد الله بن عباس:

- ‌المفسرون من التابعين

- ‌مدارس التفسير

- ‌مدخل

- ‌ مدرسة مكة:

- ‌ مدرسة المدينة:

- ‌ المفسرون من مدرسة العراق:

- ‌ مدرسة الشام:

- ‌ مدرسة مصر:

- ‌ مدرسة اليمن:

- ‌طبقة أخرى من المفسرين بالمأثور:

- ‌تلون كتب التفاسير بثقافة مؤلفيها:

- ‌تفسيرات المبتدعة والباطنية والملحدة:

- ‌التفسير بغير المأثور

- ‌مدخل

- ‌أدلة القائلين بعدم جواز التفسير بالرأي والاجتهاد:

- ‌جواز التفسير بالرأي والاجتهاد:

- ‌المنهج القويم في تفسير القرآن الكريم

- ‌مدخل

- ‌غلبة الضعف على التفسير بالمأثور:

- ‌ملاحظة الأئمة القدامي لهذه الظاهرة:

- ‌أسباب الضعف في التفسير بالمأثور:

- ‌خطورة رفع هذه الإسرائيليات إلى النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌بعض الإسرائيليات قد يصح السند إليها:

- ‌رواية الكذب ليس معناه أنه هو الذي اختلقه

- ‌ترجمات:

- ‌أقسام الإسرائيليات

- ‌مدخل

- ‌تشديد سيدنا عمر على من كان يكتب شيئًا من كتب اليهود:

- ‌أسباب الخطأ في التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي والاجتهاد

- ‌مدخل

- ‌تفاسير المعتزلة:

- ‌تفسير ابن جرير وابن عطية وأمثاله:

- ‌الاختلاف بين السلف في التفسير اختلاف تَنَوُّع:

- ‌التعارض بين التفسير بالمأثور والتفسير بالاجتهاد وما يتبع في الترجيح بينهما:

- ‌أهم كتب التفسير بالمأثور

- ‌جامع البيان في تفسير القرآن لابن جرير الطبري

- ‌الدر المنثور في التفسير المأثور

- ‌كتب جمعت بين المأثور وغيره:

- ‌ الكشف والبيان عن تفسير القرآن:

- ‌ معالم التنزيل:

- ‌ تفسير القرآن العظيم:

- ‌نظرات مجملة في أشهر كتب التفسير بالرأي والاجتهاد

- ‌الكشاف عن حقائق التنزيل، وعيون الأقاويل في وجوه التأويل

- ‌ تفسير مفاتيح الغيب:

- ‌ أنوار التنزيل، وأسرار التأويل:

- ‌ الجامع لأحكام القرآن، والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان:

- ‌مدارك التنزيل وحقائق التنزيل

- ‌ لباب التأويل في معاني التنزيل:

- ‌ البحر المحيط لأبي حيان:

- ‌ السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير:

- ‌ إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم:

- ‌ روح المعاني في تفسير القرآن، والسبع المثاني:

- ‌الخلاصة:

- ‌نقد التفسير بالمأثور إجمالا:

- ‌نقد الطرق والرواة تفصيلا

- ‌الطرق عن ابن عباس

- ‌طرق المرويات في سبب النزول:

- ‌ تفسير أبي بن كعب والطرق عنه:

- ‌ أشهر الطرق عن ابن مسعود:

- ‌ أصح الطرق عن علي رضي الله عنه:

- ‌ المروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص في التفسير:

- ‌الإسرائيليات في القرآن

- ‌الإسرائيليات في قصة هاروت وماروت

- ‌ إسرائيليات في المسوخ من المخلوقات:

- ‌ الإسرائيليات في بناء الكعبة: البيت الحرام والحجر الأسود:

- ‌ الإسرائيليات في قصة التابوت:

- ‌ الإسرائيليات في قصة قتل داود جالوت:

- ‌ الإسرائيليات في قصص الأنبياء والأمم السابقة:

- ‌ ما ورد في قصة آدم عليه السلام:

- ‌ الإسرائيليات في عظم خلق الجبارين وخرافة عوج بن عوق:

- ‌ الإسرائيليات في قصة التيه:

- ‌ الإسرائيليات في "المائدة التي طلبها الحواريون

- ‌ الإسرائيليات في سؤال موسى ربَّه الرؤيةَ:

- ‌ الإسرائيليات في ألواح التوراة:

- ‌ إسرائيلية مكذوبة في سبب غضب موسى لما ألقى الألواح:

- ‌ إسرائيليات وخرافات في بني إسرائيل:

- ‌ الإسرائيليات في نسبة الشرك إلى آدم وحواء:

- ‌ الإسرائيليات في سفينة نوح:

- ‌ الإسرائيليات في قصة يوسف عليه السلام:

- ‌الإسرائيليات في قوله تعالى: ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه

- ‌مدخل

- ‌الفرية على المعصوم صلى الله عليه وسلم:

- ‌التفسير الصحيح لقوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا}

- ‌ الإسرائيليات في سبب لبث يوسف في السجن:

- ‌ الإسرائيليات في شجرة طوبى:

- ‌ الإسرائيليات في إفساد بني إسرائيل:

- ‌ الإسرائيليات في قصة أصحاب الكهف:

- ‌ الإسرائيليات في قصة ذي القرنين:

- ‌ الإسرائيليات في قصة يأجوج ومأجوج:

- ‌ الإسرائيليات في قصة بلقيس ملكة سبأ:

- ‌ الإسرائيليات في هدية ملكة سبأ لسيدنا سليمان:

- ‌ الإسرائيليات في قصة الذبيح، وأنه إسحاق:

- ‌ الإسرائيليات في قصة إلياس عليه السلام:

- ‌ الإسرائيليات في قصة داود عليه السلام:

- ‌ الإسرائيليات في قصة سليمان عليه السلام:

- ‌ الإسرائيليات في قصة أيوب عليه السلام:

- ‌ الإسرائيليات في قصة إرم ذات العماد:

- ‌الإسرائيليات فيما يتعلق بعمر الدنيا وبدء الخلق وأسرار الوجود وتعليل بعض الظواهر الكونية

- ‌مدخل

- ‌ما يتعلق بعمر الدنيا:

- ‌ما يتعلق بخلق الشمس والقمر:

- ‌ما يتعلق بتعليل بعض الظواهر الكونية:

- ‌ما ذكره المفسرون في الرعد والبرق في كتبهم:

- ‌أقوال الرسول عند سماع الرعد ورؤية البرق:

- ‌رأي العلم في حدوث الرعد، والبرق، والصواعق:

- ‌جبل قاف المزعوم، وحدوث الزلازل:

- ‌الإسرائيليات في تفسير: {نْ وَالْقَلَم}

- ‌الموضوعات وكتب التفسير

- ‌مدخل

- ‌الأحاديث الموضوعة في فضائل السور والآيات

- ‌حديث أبي بن كعب الطويل

- ‌المفسرون قد يذكرون أحاديث صحيحة في الفضائل:

- ‌ إبطال ما ورد في قصة السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها:

- ‌سبب نزول مشهور على الألسنة وهو موضوع

- ‌ سبب نزول عليه أثر العصبية السياسية:

- ‌ما ذكره بعض المفسرين في تأييد رأي أو بيان معنى: "المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء

- ‌ حديث: أنا "ابن الذبيحين

- ‌ تفسير شيعي:

- ‌ بعض القراءات الموضوعة:

- ‌خاتمة الكتاب:

- ‌مراجع الكتاب:

- ‌فهرس الكتاب:

الفصل: ‌ ما ورد في قصة آدم عليه السلام:

6-

‌ الإسرائيليات في قصص الأنبياء والأمم السابقة:

وقد جاء في كتب التفسير على اختلاف مناهجها إسرائيليات كواذب، ومرويات بواطل، لا يحصيها العد، وذلك فيما يتعلق بقصص الأنبياء والمرسلين والأمم والأقوام السابقين وقد رويت عن بعض الصحابة، والتابعين وتابعيهم، وورد بعضها مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كذبًا وزورًا.

وهذه المرويات والحكايات لا تَمُتُّ إلى الإسلام، وإنما هي من خرافات بني إسرائيل وأكاذيبهم، وافتراءاتهم على الله، وعلى رسله، رواها عن أهل الكتاب الذين أسلموا، أو أخذها من كتبهم بعض الصحابة والتابعين، أو دست عليهم، بل فيها ما حرفوا للأجله التوراة، وذلك مثل ما فعلوا في قصة إسحاق بن إبراهيم، وأنه هو الذبيح، كما سيأتي.

ولا يمكن استقصاء كل ما ورد من الإسرائيليات، وإلا لاقتضى هذا مجلدات كبارا، ولكني سأكتفي بما هو ظاهر البطلان، ولا يتفق وسنن الله في الأكوان، وما يخل بالعقيدة الصحيحة في أنبياء الله ورسله التي يدل عليها العقل السليم، والنقل الصحيح.

ص: 178

7-

‌ ما ورد في قصة آدم عليه السلام:

{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيه} .

فمن تلك الإسرائيليات: ما رواه ابن جرير1 في تفسيره بسنده عن وهب بن منبه قال: لما أسكن الله آدم وذريته أو زوجته -الشك من أبي جعفر، وهو في أصل كتابه "وذريته"- ونهاه عن الشجرة، وكانت شجرة غصونها متشعبة بعضها في بعض، وكان لها ثمر تأكله الملائكة لخلدهم2، وهي الثمرة التي نهى الله آدم عنها وزوجته، فلما أراد إبليس أن يستنزلهما دخل في جوف الحية، وكانت للحية أربعة قوائم، كأنها بختية3 من

1 هو الإمام ابن جرير، وقد شك في اللفظ الذي سمعه ممن أخذ عنه، أهو ذريته أم زوجته؟ فيذكر ذلك رعاية للأمانة في الرواية والظاهر لفظ "زوجته" لأن آدم عليه السلام لم تكن له ذرية في الجنة.

2 وكيف والملائكة لا تأكل ولا تشرب؟

3 ناقة.

ص: 178

أحسن دابة خلقها الله، فلما دخلت الحية الجنة خرج من جوفها إبليس، فأخذ من الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته فجاء بها إلى حواء، فقال: انظري إلى هذه الشجرة، ما أطيب ريحها، وأطيب طعمها، وأحسن لونها فأخذت حواء فأكلت منها، ثم ذهبت إلى آدم، فقالت له مثل ذلك حتى أكل منها، فبدت لهما سوءاتهما، فدخل آدم في جوف الشجرة فناداه ربه: يا آدم أين أنت؟ قال: أنا هنا يا رب، قال: ألا تخرج؟ قال: أستحيي منك يا رب، قال: ملعونة الأرض التي خلقت منها، لعنة يتحول عمرها شوكا.... ثم قال: يا حواء، أنت التي غررت عبدي؛ فإنك لا تحملين حملا إلا حملتيه كرها، فإذا أردت أن تضعي ما في بطنك، أشرفت على الموت مرارا، وقال للحية: أنت التي دخل الملعون في جوفك حتى غر عبدي، ملعونة أنت لعنة تتحول قوائمك في بطنك، ولا يكن لك رزق إلا التراب، أنت عدوة بني آدم، وهم أعداؤك.... قال عمرو: قيل لوهب: وما كانت الملائكة تأكل!! قال: يفعل الله ما يشاء1، قال ابن جرير: وروى ابن عباس نحو هذه القصة.

ثم ذكر ابن جرير بسنده عن ابن عباس، وعن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة نحو هذا الكلام2، وفي السند أسباط عن السدي، وعليهما تدور الروايات، وقد قدمنا حالهما في الرواية.

وكذلك: ذكر السيوطي في "الدر المنثور" ما رواه ابن جرير وغيره في هذا، مما روي عن ابن عباس، وابن مسعود، ولكنه لم يذكر الرواية عن وهب من منبه3، وأغلب كتب التفسير بالرأي ذكرت هذا أيضا، وكل هذا من قصص بني إسرائيل الذي تزيدوا فيه، وخلطوا حقا بباطل، ثم حمله عنهم ابن عباس، وغيره من الصحابة والتابعين، وفسروا به القرآن الكريم.

ويرحم الله ابن جرير، فقد أشار بذكره الرواية عن وهب: إلى أن ما يرويه عن ابن عباس، وابن مسعود إنما مرجعه إلى وهب وغيره من مُسلِمة أهل الكتاب، ويا لتيه لم ينقل شيئا من هذا، ويا ليت من جاء بعده من المفسرين صانوا تفاسيرهم عن مثل هذا.

1 هذا تهرب من الجواب، وعجز عن تصحيح هذا الكذب الظاهر.

2 تفسير ابن جرير ج 1 ص 186، 187

3 الدر المنثور ج 1 ص 53.

ص: 179

وفي رواية ابن جرير الأولى ما يدل على أن الذين رووا عن وهب وغيره كانوا يشكون فيما يروونه لهم، فقد جاء في آخرها:"قال عمرو1، قيل لوهب: وما كانت الملائكة تأكل؟!! قال: يفعل الله ما يشاء" فهم قد استشكلوا عليه: كيف أن الملائكة تأكل؟! وهو لم يأتِ بجواب يُعتدُّ به.

ووسوسة إبليس لآدم عليه السلام لا تتوقف على دخوله في بطن الحية؛ إذ الوسوسة لا تحتاج إلى قرب ولا مشافهة، وقد يوسوس إليه وهو على بعد أميال منه، والحية خلقها الله يوم خلقها على هذا، ولم تكن لها قوائم كالبختي، ولا شيء من هذا2.

ما ذكر في قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} :

ومن الروايات التي لا تثبت ما ذكره السيوطي في "الدر" قال: أخرج الطبراني في المعجم الصغير، والحاكم، وأبو نعيم، والبيهقي كلاهما في الدلائل، وابن عساكر، عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما أذنب آدم الذنب الذي أذنبه، رفع رأسه إلى السماء، فقال: أسألك بحق محمد إلا غفرت لي، فأوحى الله إليه، ومن محمد؟ فقال: تبارك اسمك، لما خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك، فإذا فيه مكتوب، "لا إله إلا الله، محمد رسول الله" فعلمت أنه ليس أحد أعظم عندك قدرا ممن جعلت اسمه مع اسمك، فأوحى الله إليه: يا آدم إنه آخر النبيين، من ذريتك، ولولا هو ما خلقتك" ثم قال: وأخرج الديلمي في مسند الفردوس بسند واه3 عن علي، قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْه} فقال: إن الله أهبط آدم بالهند، وحواء بجدة، وإبليس ببيسان، والحية بأصبهان، وكان للحية قوائم كقوائم البعير، ومكث آدم بالهند سنة باكيا على خطيئته، حتى بعث الله إليه

1 هو عمرو بن عبد الرحمن بن مهرب الراوي عن وهب.

2 انظر التوراة، سفر التكوين، الإصحاح الثالث؛ لتزداد يقينا أنه من الإسرائيليات وليس منه شيء عن المعصوم صلى الله عليه وسلم.

3 السند الواهي: هو الشديد الضعف الذي ربما يصل إلى حد السقوط والوضع.

ص: 180

جبريل، وقال: يا آدم ألم أخلُقْك بيدي؟ ألم أنفخ فيك من روحي؟ ألم أُسْجِد لك ملائكتي؟ ألم أزوجك حواء أمتي؟ قال: بلى، قال: فما هذا البكاء؟ قال: وما يمنعني من البكاء، وقد أخرجت من جوار الرحمن، قال: فعليك بهذه الكلمات، فإن الله قابل توبتك، وغافر ذنبك، قل: اللهم إني أسألك بحق محمد، وآل محمد، سبحانك لا إله إلا أنت، عملت سوءا وظلمت نفسي، فاغفر لي، إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد سبحانك، لا إله إلا أنت، عملت سوءا وظلمت نفسي، فتب علي، إنك أنت التواب الرحيم، فهؤلاء الكلمات التي تلقى آدم. ولا أدري ما دام سنده واهيا لم ذكره؟! ومثل هذا عليه أمارات الوضع والاختلاق.

ويسترسل السيوطي في الدر، فيذكر عن ابن عباس: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه، فتاب عليه، قال:"سأل بحق محمد، وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت على، فتاب عليه"، ومثل هذا لا يشك طالب حديث في اختلاقه وأنه من وضع الشيعة، واختلاقهم، ثم يسترسل في الرواية، فيذكر: أن آدم لما هبط كان مسودًّا جسمه ثم بيض الله جسده بصيامه ثلاثة أيام، ولذلك سميت بالأيام البيض، وأنه عليه السلام كان يشرب من السحاب، بل يروى عن عكب أنه أول من ضرب الدينار والدرهم، إلى غير ذلك مما لا يخرج عن كونه من الإسرائيليات.

التفسير الصحيح للكلمات:

والصحيح في الكلمات هو: ما روي عن طرق عدة: أنها قوله تعالى: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وقدر واه السيوطي في الدر1 من طرق عدة، ولكنه خلط عملا صالحا، وآخر سيئا، وقد أفاض ابن جرير في تفسيره في ترجيح هذا القول، وإن ذكر غيره من الأقوال التي هي بعيدة عن الحق والصواب.

ما نسب إلى ابني آدم لما قتل أحدهما الآخر:

ومن ذلك: ما ذكره بعض المفسرين كابن جرير الطبري في تفسيره، والسيوطي في

1 الدر المنثور ج1 ص 58، 6، 61.

ص: 181

تفسيره: "الدر المنثور" في قصة ابني آدم: قابيل، وهابيل، وقتل أولهما الآخر، ما روى عن عكب: أن الدم الذي على جبل قاسيون هو دم ابن آدم، وعن وهب: أن الأرض نشفت دم ابن آدم فلعن ابن آدم الأرض، فمن أجل ذلك لا تنشف الأرض دما بعد دم هابيل إلى يوم القيامة، وأن قابيل حمل هابيل سنة في جراب على عنقه، حتى أنتن وتغير، فبعث الله الغرابين قتل أحدهما الآخر، فحفر له، ودفنه، برجليه ومنقاره، فعلم كيف يصنع بأخيه، مع أن القرآن عبر بالفاء، التي تدل على الترتيب والتعقيب من غير تراخٍ، قال تعالى:{فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيه} 1.

وروى أيضا: أنه لما قتله أسودَّ جسده، وكان أبيض، فسأله آدم عن أخيه، فقال: ما كنت عليه وكيلا، قال: بل قتلته فلذلك أسودَّ جسدك، إلى نحو ذلك.

فكل هذا وأمثاله عدا ما جاء في القرآن من إسرائيليات بني إسرائيل، وقد جاءت بعض الروايات صريحة عن كعب، ووهب، وما جاء عن ابن عباس، ومجاهد وغيرهما، فمرجعه إلى أهل الكتاب الذين أسلموا2.

ما نسب إلى آدم عليه السلام من قول الشعر:

ومن الإسرائيليات: ما رواه ابن جرير في تفسيره، وما ذكره السيوطي في الدر: من أن آدم لما قتل أحد ابنيه الآخر، مكث مائة عام لا يضحك حزنا عليه، فأتى على رأس المائة، فقيل له: حياك الله وبياك، وبشر بغلام، فعند ذلك ضحك.

وكذلك ما ذكره من أن آدم عليه السلام رثى ابنه بشعر، روى ابن جرير عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما قتل ابن آدم أخاه بكى آدم، فقال:

تغيرت البلاد ومن عليها

فوجه الأرض مغير قبيح

تغير كل ذي لون وطعم

وقلَّ بشاشة الوجه المليح

1 المائدة: من الآية 31.

2 تفسير ابن جرير عند قوله تعالى في سورة المائدة: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ}

الآيات، الدر المنثور ج1 ص 270.

ص: 182

قال السيوطي: وأخرج الخطيب وابن عساكر عن ابن عباس قال: لما قتل ابن آدم أخاه قال آدم عليه السلام: وذكر البيتين السابقين باختلاف قليل.

فأجابه إبليس عليه اللعنة:

تنح عن البلاد وساكنيها

فبي في الخلد ضاق بك الفسيح

وكنت بها وزوجك في رخاء

وقلبك من أذى الدنيا مريح

فما انفكت مكايدتي ومكري

إلى أن فاتك الثمن الربيح1

وقد طعن في نسبة هذه الأشعار إلى نبي الله آدم الإمام الذهبي في كتابه: ميزان الاعتدال، وقال: إن الآفة فيه من المحزمي أو شيخه2.

وما الشعر الذي ذكروه إلا منحول مختلق، والأنبياء لا يقولون الشعر، وصدق الزمخشري حيث قال:"روي أن آدم مكث بعد قتل ابنه مائة سنة لا يضحك، وأنه رثاه بشعر، وهو كذب بحت، وما الشعر إلا منحول ملحون، وقد صح أن الأنبياء معصومون من الشعر"3.

وقد قال الله تبارك وتعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} 4.

وقال الإمام الآلوسي في تفسيره: وروي عن ميمون بن مهران عن الحبر ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "من قال: آدم عليه السلام قد قال شعرا فقد كذب، إن محمدًا صلى الله عليه وسلم والأنبياء كلهم في النهى عن الشعر سواء، ولكن لما قتل قابيل هابيل بكاه آدم بالسريانية، فلم يزل ينقل، حتى وصل إلى يعرب بن قحطان، وكان يتكلم بالعربية، والسريانية، فقدم فيه وأخر، وجعله شعرا عربيا" وذكر بعض علماء العربية:

1 تفسير ابن جرير في الموضع السابق، الدر المنثور ج1 ص 276، 277.

2 ميزان الاعتدال ج1 ص 73.

3 تفسير الكشاف ج1 ص 431.

4 سورة يس: الآية 69.

ص: 183