الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفاسير، فمن ثم وقع فيما وقع فيه الكثيرون من الاغترار بهذه المرويات، وأمثالها، وزعمهم أن لها أصلًا، فكان علي أن أبحث، وأنقب، وأضع بين يدي القارئ ما قاله الأئمة، حتى يكون على حذر منها، ومنها ما اختلف فيه أئمة كبار: منهم من حكم بزيفه، ومنهم من حكمت عليه الصنعة الحديثية، فانتصر لها، وجعل لها أصلا، ولكنه ركب الصعب في بيان المراد منها، وذلك كقصة الغرانيق، فكان لزاما عليَّ أن أرد عليهم بمقتضى القواعد الحديثة أيضا التي أخذناها من كتب الأئمة، وعليها تتلمذنا.
لذلك: رأيت إتماما للفائدة، وإكمالا للبحث أن أتعرض لما وصله إليه علمي من الموضوعات بعد الفراغ من الإسرائيليات، وأكشف عما قاله العلماء في تزييف هذه الموضوعات، ومن الله أستمد العون والتوفيق فاللهم أَعِنْ وسدِّدْ.
الأحاديث الموضوعة في فضائل السور والآيات
حديث أبي بن كعب الطويل
…
الأحاديث الموضوعة في فضائل السور والآيات:
لقد وضعت أحاديث كثيرة في فضائل السور والآيات، وقصد واضعوها ترغيب الناس في قراءة القرآن الكريم، وزعموا أن في ذلك حسبة إلى الله تعالى، وقد بينت فيما سبق غلطهم، وفساد قصدهم، وبطلان زعمهم، وأن ذلك داخل تحت الوعيد، في قوله صلى الله عليه وسلم:"من كذب عليَّ معتمدا فليتبوأ مقعده من النار" رواه الشيخان وغيرهما، وأنه لا فرق بين الكذب عليه، والكذب له.
1-
حديث أبي بن كعب الطويل:
فمن ذلك: الحديث الطويل الذي يروى عن أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل القرآن سورة سورة.
فقد بحث مؤمل بن إسماعيل، حتى وصل إلى من اعترف بوضعه، قال مؤمل: حدثني شيخ بهذا الحديث، فقلت له: من حدثك بهذا؟ قال: رجل بالمدائن، وهو حيٌّ، فسرت إليه، فقلت: من حدثك، بهذا؟ قال: حدثني شيخ بواسط، فسرت إليه، فقلت: من حدثك بهذا؟ فقال: حدثني شيخ بالبصرة، فسرت إليه، فقلت: من حدثك بهذا؟ فقال: حدثني شيخ بعبادان، فسرت إليه فأخذ بيدي فأدخلني.
بيتًا فإذا فيه قوم من المتصوفة، ومعهم شيخ، فقال: هذا الشيخ الذي حدثني، فقلت: يا شيخ من حدثك بهذا؟ فقال: لم يحدثني أحد، ولكنا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن، فوضعنا لهم هذا الحديث، ليصرفوا قلوبهم إلى القرآن1.
وقد روي هذا الحديث من طريق علي بن زيد بن جدعان، وعطاء ابن أبي ميمونة، كلاهما عن زر بن حبيش، عن أبي بن كعب، ومن طريق هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي أمامة، عن أبي بن كعب، ومن طريق آخر، والحديث بجميع طرقه باطل موضوع2، وروي عن ابن المبارك أنه قال: أظنه من وضع الزنادقة، ومن ذلك أيضا: حديث عكرمة، عن ابن عباس، في فضائل القرآن سورة سورة، فقد سئل عنه واضعُه نوحُ بن أبي مريم3، فقال: رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة، ومغازي محمد بن إسحاق فوضعت هذه الأحاديث حسبة!! 4.
وقد خطأ المحدثون من ذكر هذه الأحاديث من المفسرين في كتبهم كالثعلبي، والواحدي، والزمخشري، والنسفي، والبيضاوي، والمولى أبي السعود، ولكن من أبرز سنده، وذكره كالأولين، الثعلبي والواحدي فهو أبسط لعذره؛ إذ أحال ناظره على الكشف عن سنده، والبحث عن رواته، وإن كان لا يجوز له السكوت عليه.
وأما من لم يبرز سنده وأورده بصيغة الجزم، فخطؤه أفحش، وعذره أبعد، وذلك كالآخرين: الزمخشري، والنسفي، والبيضاوي وأبي السعود.. قال الإمام ابن الجوزي: وقد فرق هذا الحديث أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره فذكر عند كل سورة منه ما خصها، وتبعه أبو الحسن الواحدي في ذلك، قال: ولا أعجب منهما؛ لأنهما ليسا من أصحاب الحديث، وإنما عجبت من أبي بكر بن أبي داود في كتابه الذي صنفه في:
.
1 مقدمة ابن الصلاح بشرحها للعراقي ص 111-113.
2 اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ص 117، 118.
3 نوح بن أبي مريم لقب بالجامع؛ لجمعه علوما كثيرة، أخذ النقد عن أبي حنيفة، وابن أبي ليلى، والتفسير عن الكلبي، والمغازي عن محمد بن إسحاق، والحديث عن حجاج بن أرطأة، قيل: إنه كان جامعا لكل شيء إلا الصدق.
4 مما ينبغي أن يعلم أن الصحابي ومن رواه عنه من الثقات برءاء من اختلاق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعًا، وإنما الذي افترى ذلك عليهم وعلى النبي نوح وأمثاله من الكذابين الوضاعين.
"فضائل القرآن"، وهو يعلم أنه حديث محال مصنوع بلا شك1.
طريقة الثعلبي في ذكر هذا الحديث والواحدي:
وقد رجعت إلى تفسير الثعلبي2 فوجدته يبرز السند كاملا تارة، وتارة يقول: عن أبي بن كعب، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم ومن ذلك: ما ذكره في صدر سورة هود؛ قال: وعن أبي بن كعب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من قرأ سورة هود أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق نوحًا، وهودًا، وصالحًا، ولوطًا، وموسى".
وفي صدر سورة يوسف قال: وعن أبي بن كعب، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اقرأوا سورة يوسف؛ فإنه ما من مسلم تلاها وعلَّم أهله إلا هون الله عليه سكرات الموت، وأعطاه القوة أن لا يحسد أحدا".
وكذلك الواحدي: يذكر الفضائل في أول السورة؛ ليكون أدعى إلى عناية القارئ وتنشيطه.
طريقة الزمخشري ومتابعيه:
أما الزمخشري ومتابعوه: فإنهم يذكرون الفضائل في آخر السورة وقد سئل والزمخشري عن هذا، فأجاب بأن الفضائل صفات، وهي تستدعي الموصوف، يعني والموصوف مقدم على صفته، كما أنهم لا يذكرون شيئا من السند حتى الصحابي، وسأضرب أمثلة لما ذكر الزمخشري وغيره، من هذا الحديث الطويل عقب كل سورة حتى يكون القارئ على حذر منها ومن أمثالها، وقد لاحظ واضع هذا الحديث، أن يذكر فيه ما يكون ملائما لما في السورة.
فمن ذلك: ما ذكروه في آخر سورة آل عمران: حيث قال: "
…
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ سورة آل عمران أعطي بكل آية منها أمانا على جسر جهنم" وعنه عليه الصلاة والسلام: "من قرأ السورة التي يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة، صلى الله عليه وسلم وملائكته، حتى تحجب الشمس".
.
1 اللآلئ المصنوعة ج 1 ص 118.
2 هو مخطوط ناقص في المكتبة الأزهرية.
وقال في آخر سورة المائدة: وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ سورة المائدة أعطي من الأجر عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيئات، ورُفِعَ له عشر درجات، بعدد كل يهودي ونصراني يتنفس في الدنيا".
أحاديث موضوعة عن غير أبي بن كعب:
وقد يذكر بعض المفسرين في فضائل السور أحاديث موضوعة عن غير أبي بن كعب، وذلك مثل: ما ذكره الزمخشري والبيضاوي في فضل الفاتحة، قالا: وعن حذيفة بن اليمان: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وإن القوم ليبعث الله عليهم العذاب حتما مقضيا، فيقرأ صبي من صبيانهم في الكتاب: "الحمد لله رب العالمين"، فيرفع الله عنهم العذاب أربعين سنة".
قال ولي الدين العراقي: في سنده الجويباري، ومأمون الهروي كذابان، فهو من وضع أحدهما1.
وقد يذكر المفسرون في فضائل الآيات ما لا يعرفه المحدثون، وذلك مثل ما ذكره الزمخشري، وتبعه النسفي وغيره، في فضل آية الكرسي2 من قوله صلى الله عليه وسلم:"ما قرئت هذه الآية في دار إلا اهتجرتها الشياطين ثلاثين يوما، ولا يدخلها ساحر ولا ساحرة، أربعين ليلة، يا علي؛ علِّمها ولدك، وأهلك، وجيرانك، فما نزلت آية أعظم منها". وكذا الحديث الذي ذكره بعده، وهو أن الصحابة تذاكروا أفضل ما في القرآن، فقال لهم علي رضي الله عنه: أين أنتم من آية الكرسي، ثم قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا علي: سيد البشر آدم، وسيد العرب محمد ولا فخر، وسيد الفرس سلمان، وسيد الروم صهيب، وسيد الحبشة بلال، وسيد الجبال الطور، وسيد الأيام يوم الجمعة، وسيد الكلام القرآن، وسيد القرآن البقرة، وسيد البقرة آية الكرسي"، فقد قال الحافظ في تخريج أحاديث الكشاف: لم أجدهما.
1 محاسن الصور في الكشف عن أحاديث السور للمغربي مخطوط.
2 الكشاف ج1 ص 279 ط بولاق.