الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أشهر الطرق الضعيفة والواهية والساقطة:
طريق أبي يعلى، عن إسماعيل بن السدي، عن علي بن عباس، عن مسلم الملائي، عن حبة بن جوين، عن علي، عن أنس بن مالك قالوا: حبة لا يساوي حبة1.
طريق يحيى بن عبد الحميد، عن علي بن مسهر، عن الأعمش، عن موسى بن طريف، عن عباية عن علي.... وموسى بن طريف ضعيف يحتاج إلى من يعدله، وعباية: أقل منه، ليس بشيء حديثه2. طريق شريك عن كهيل، عن سويد بن غفلة، عن الصنابحي، عن على3 إلى غير ذلك من الطرق التي نقدها أئمة الحديث، وبينوا الصحيح من الضعيف.
1 البداية والنهاية ج 7 ص 333.
2 المرجع السابق ص 355.
3 المرجع السابق ص 358.
5-
المروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص في التفسير:
وقد روي عن عبد الله بن عمرو تفاسير كثيرة، فيما يتعلق بالقصص وأخبار الفتحة، والآخرة، وما أشبهها، بأن تكون مما تحمله عن أهل الكتاب الذين أسلموا، وما وجده في كتبهم التي أصاب منها في اليرموك زاملتين، وقد نقد العلماء كل ذلك، وبينوا الصحيح من العليل والمقبول من المردود.
ومما ذكرنا: يتبين جليا أن العلماء المحدثين نقدوا طرق المرويات في التفسير وغيره، وبينوا الصحيح والضعيف، والموضوع ونبهوا إلى الإسرائيليات، وحذروا منها، ولو أن المفسرين كانوا من أهل الحديث، والنقد، لنزهوا كتبهم مما وقع فيها من المرويات من غثاء وزبد، ولما وقع فيها كل هذا الركام من الإسرائيليات، والخرافات، والأوهام، ولنأخذ في بيان المقصود فنقول -وبالله التوفيق:
الإسرائيليات في القرآن
الإسرائيليات في قصة هاروت وماروت
…
1-
الإسرائيليات في قصة هاروت وماروت:
روى السيوطي في الدر المنثور، في تفسير قوله تعالى:{وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوت} روايات كثيرة وقصصا عجيبة رويت عن ابن عمر، وابن مسعود،
وعلي، وابن عباس، ومجاهد، وكعب، والربيع، والسدي، رواها ابن جرير الطبري في تفسيره، وابن مردويه، والحاكم، وابن المنذر، وابن أبي الدنيا، والبيهقي، والخطيب في تفاسيرهم وكتبهم1.
وخلاصتها: أنه لما وقع الناس من بني آدم فيما وقعوا فيها من المعاصي والكفر بالله، قالت الملائكة في السماء: أي رب، هذا العالم إنما خلقتهم لعبادتك، وطاعتك، وقد ركبوا الكفر، وقتل النفس الحرام، وأكل المال الحرام، والسرقة، والزنا، وشرب الخمر، فجعلوا يدعون عليهم، ولا يعذرونهم فقيل لهم: إنهم في غيب، فلم يعذروهم، وفي بعض الروايات أن الله قال لهم: لو كنتم مكانهم لعملتم مثل أعمالهم، قالوا: سبحانك ما كان ينبغي لنا، وفي رواية أخرى: قالوا: لا. فقيل لهم: اختاروا منكم ملكين آمرهما بأمري، وأنهاهما عن معصيتي، فاختاروا هاروت، وماروت، فأهبطا إلى الأرض، وركبت فيهما الشهوة، وأمرا أن يعبدا الله، ولا يشركا به شيئا، ونهيا عن قتل النفس الحرام، وأكل المال الحرام، والسرقة، والزنا، وشرب الخمر، فلبثا على ذلك في الأرض زمانا، يحكمان بن الناس بالحق، وفي ذلك الزمان امرأة حسنها في سائر الناس كحسن الزهرة في سائر الكواكب، وأنهما أراداها2 على نفسها، فأبت إلا أن يكونا على أمرها ودينها، وأنهما سألاها عن دينها، فأخرجت لهما صنما، فقالا: لا حاجة لنا في عبادة هذا، فذهبا فصبرا ما شاء الله، ثم أتيا عليها، فخضعا لها بالقول، وأراداها على نفسها، فأبت إلا أن يكونا على دينها، وأن يعبدا الصنم الذي تعبده، فأبيا، فلما رأت أنهما قد أبيا أن يعبدا الصنم، قالت لهما: اختارا إحدى الخلال الثلاث: إما أن تعبدا هذا الصنم، أو تقتلا النفس، أو تشربا هذا الخمر، فقالا: هذا لا ينبغي، وأهون الثلاثة شرب الخمر، وسقتهما الخمر، حتى إذا أخذت الخمر فيهما وقعا بها3 فمر بهما إنسان، وهما في ذلك، فخشيا أن يفشي عليهما، فقتلاه، فلما أن ذهب عنهما السكر، عرفا ما قد وقعا فيه من الخطيئة، وأرادا أن يصعدا إلى السماء، فلم يستطيعا وكشف الغطاء فيما
1 الدر المنثور ج 1 من ص2 97-103، تفسير ابن جرير ج1 ص 362-367 ط بولاق.
2 راودها عن نفسها.
3 أي فعلا بها الفاحشة.
بينهما، وبين أهل السماء، فنظرت الملائكة إلى ما قد وقعا فيه من الذنوب، وعرفوا أنه من كان في غيب فهو أقل خشية فجعلوا بعد ذلك يستغفرون لمن في الأرض، فلما وقعا فيما وقعا فيه من الخطيئة، قيل لهما: اختارا عذاب الدنيا، أو عذاب الآخرة، فقالا: أما عذاب الدنيا فينقطع ويذهب، وأما عذاب الآخرة فلا انقطاع له، فاختارا عذاب الدنيا فجعلا ببابل فهما بها يعذبان معلقين بأرجلهما، وفي بعض الروايات، أنهما علماها الكلمة التي يصعدان بها إلى السماء، فصعدت، فمسخها الله، فهي هذا الكوكب المعروف بالزهرة1.
ويذكر السيوطي أيضًا في كتابه ما رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه2، والبيهقي في سننه: عن عائشة، أنها قدمت عليها امرأة من دومة الجندل، وأنها أخبرتها أنها جيء لها بكلبين أسودين فركبت كلبا، وركبت امرأة أخرى الكلب الآخر، ولم يمض غير قليل، حتى وقفتا ببابل، فإذا هما برجلين معلقين بأرجلهما، وهما هاروت وماروت، واسترسلت المرأة التي قدمت على عائشة في ذكر قصة عجيبة غريبة.
ويذكر أيضا: أن ابن المنذر أخرج من طريق الأوزاعي، عن هارون بن رباب، قال: دخلت على عبد الملك بن مروان وعنده رجل قد ثنيت له وسادة، وهو متكئ عليها، فقالوا: هذا قد لقي هاروت، وماروت فقالوا له: حدثنا رحمك الله: فأنشأ الرجل يحدث بقصة عجيبة غريبة3.
وكل هذا من خرفات بني إسرائيل، وأكاذيبهم التي لا يشهد لها عقل، ولا نقل، ولا شرع، ولم يقف بعض رواة هذا القصص الباطل عند روايته عن بعض الصحابة والتابعين ولكنهم أوغلوا باب الإثم، والتجني الفاضح، فألصقوا هذا الزور إلى النبي صلى الله عليه وسلم ورفعوه إليه، فقد قال السيوطي: أخرج سعيد، وابن جرير، والخطيب في تاريخ، عن نافع، قال: سافرت مع ابن عمر، فلما كان من آخر الليل:
1 الزُّهَرة كرُطَبة -يعني بضم الزاي وفتح الهاء- نجم في السماء كما في القاموس وغيره.
2 تصحيح الحاكم غير معتدٍّ به؛ لأنه معروف أنه متساهل في الحكم بالتصحيح كما قال ابن الصلاح وغيره، وقد صحح أحاديث تعقبها الإمام الذهبي وحكم عليها بالوضع.
3 الدر المنثور ص 101 تفسير الطبري ج1 ص 366.
قال: يا نافع: انظر: هل طلعت الحمراء؟ قلت: لا، مرتين أو ثلاثا، ثم قلت: قد طعلت، قال: لا مرحبا بها، ولا أهلا: قلت: سبحان الله!! نجم مسخر، ساع، مطيع!! قال: ما قلت لك إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وإن الملائكة قالت: يا رب كيف صبرك على بني آدم في الخطايا والذنوب؟ قال: إني ابتليتهم وعافيتكم، قالوا: لو كنا مكانهم ما عصيناك، قال: فاختاروا ملكين منكم، فلم يألوا جهدا أن يختاروا فاختاروا هاروت وماروت، فنزلا، فألقى الله عليهم الشبق، قلت: وما الشبق؟ قال: الشهوة، فجاءت امرأة يقال لها: الزهرة فوقعت في قلبيهما، فجعل كل واحد منهما يخفي عن صاحبه ما في نفسه، ثم قال أحدهما للآخر: هل وقع في نفسك ما وقع في قلبي؟ قال: نعم، فطلباها لأنفسهما، فقالت: لا أمكنكما حتى تعلماني الاسم الذي تعرجان به إلى السماء، وتهبطان، فأبيا، ثم سألاها أيضا، فأبتن ففعلا، فلما استطيرت طمسها الله كوكبا، وقطع أجنحتها، ثم سألا التوبة من ربهما، فخيرهما بين عذاب الدنيا، وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا على عذاب الآخرة، فأوحى الله إليهما: أن ائتيا "بابل"1 فانطلقا إلى بابل، فخسف بهما، فهما منكوسان بين السماء والأرض، معذبان إلى يوم القيامة، ثم ذكر أيضا رواية أخرى، مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا تخرج في معناها عما ذكرنا2، ولا ينبغي أن يشك مسلم عاقل فضلا عن طالب حديث في أن هذا موضوع على النبي صلى الله عليه وسلم مهما بلغت أسانيده من الثبوت فما بالك إذا كانت أسانيدها واهية، ساقطة، ولا تخلو من وضاع، أو ضعيف، أو مجهول؟!! ونص على وضعه أئمة الحديث!!
وقد حكم بوضع هذه القصة الإمام أبو الفرج ابن الجوزي3، ونص الشهاب العراقي على أن من اعتقد في هاروت وماروت أنهما ملكان يعذبان على خطيئتهما: فهو كافر بالله.
1 بابل: بلد من بلاد العراق.
2 الدر المنثور ج1 ص 97 تفسير الطبري ج 1 ص 364.
3 اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ج1 ص 82.
العظيم1، وقال الإمام القاضي عياض في "الشفاء"، وما ذكره أهل الأخبار، ونقله المفسرون في قصة هاروت وماروت: لم يرد فيه شيء لا سقيم2، ولا صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس هو شيئًا يؤخذ بالقياس.
وكذلك: حكم بوضع المرفوع من هذه القصة: الحافظ: عماد الدين ابن كثير، وأما ما ليس مرفوعا: فبين أن منشأة روايات إسرائيلية عن كعب وغيره، ألصقها زنادقة أهل الكتاب بالإسلام، قال رحمه الله في تفسيره بعد أن تكلم على الأحاديث الواردة في هاروت وماروت، وأن روايات الرفع غريبة جدا، وأقرب ما يكون في ذلك أنه من رواية عبد الله بن عمر، عن كعب الأحبار، كما قال عبد الرزاق في تفسيره عن الثوري، عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد الله بن ابن عمر، عن كعب، ورفع مثل هذه الإسرائيليات إلى النبي كذب واختلاق ألصقه زنادقة أهل الكتاب، زورا وبهتانا" وذكر مثل ذلك في البداية والنهاية3.
أقول: وهذا الذي قاله العلامة ابن كثير هو: الحق الذي لا ينبغي أن يقال غيره. وليس أدل على هذا من أن ابن جرير رواها بالسند الذي ذكره ابن كثير، وبغيره عن ابن عمر، عن كعب الأحبار4، ولكن بعض الرواة غلطا، أو سوء نية، رفعها ونسبها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا ردها المحققون من المفسرين الذين مهروا في معرفة أصول الدين، وأبت عقولهم أن تقبل هذه الخرافات: كالإمام الرازي، وأبي حيان، وأبي السعود، والآلوسي،
ثم هذه من ناحية العقل غير مسلمة، فالملائكة معصومون عن مثل هذه الكبائر، التي لا تصدر من عربيد، وقد أخبر الله عنهم بأنهم لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، كما ورد في بعض الروايات التي أشرت إليها آنفا رد لكلام الله، وفي رواية أخرى: أن الله قال لهما: لو ابتليتكما بما ابتليت به بني آدم لعصيتماني، فقالا: لو فعلت بنا
1 روح المعاني ج1 ص 341.
2 لعله أراد به الضعيف، واعتبر ما روى مرفوعا ساقطا عن الاعتبار.
3 البداية والنهاية ج 1 ص 37.
4 تفسير الطبري ج 1 ص 363.
يا رب ما عصيناك!! ورد كلام الله كفر، ننزه عنه من له علم بالله وصفاته، فضلًا عن الملائكة.
ثم كيف ترفع الفاجرة إلى السماء، وتصير كوكبا مضيئا، وما النجم الذي يزعمون أنه:"الزهرة" وزعموا أنه كان امرأة، فمسخت إلا في مكانه، من يوم أن خلق الله السموات والأرض.
وهذه الخرافات التي لا يشهد لها نقل صحيح، ولا عقل سليم هي كذلك مخالفة لما صار عند العلماء المحدثين أمرا يقينا، ولا أدرى ماذا يكون موقفنا أمام علماء الفلك، والكونيات، إذا نحن لم نزيف هذه الخرافات، وسكتنا عنها، أو انتصرنا لها؟!!
وإذا كان بعض العلماء المحدثين1 مال إلى ثبوت مثل هذه الروايات التي لا نشك في كذبها، فهذا منه تشدد في التمسك بالقواعد، من غير نظر إلى ما يلزم من الحكم بثبوت ذلك من المحظورات، وأنا لا أنكر أن بعض أسانيدها صحيحة أو حسنة، إلى بعض الصحابة أو التابعين، ولكن مرجعها ومخرجها من إسرائيليات بني إسرائيل، وخرافاتهم، والراوي قد يغلط، وبخاصة في رفع الموقوف، وقد حققت هذا في مقدمات البحث، وأن كونها صحيحة في نسبتها لا ينافي كونها باطلة في ذاتها، ولو أن الانتصار لمثل هذه الأباطيل يترتب عليه فائدة ما لغضضنا الطرف عن مثل ذلك، ولما بذلنا غاية الجهد في التنبيه إلى بطلانها، ولكنها فتحت على المسلمين باب شر كبير، يجب أن يغلق.
ويرحم الله الإمام الحافظ الناقد البصير: ابن كثير فقد نبه على أصل الداء، ووصف له الدواء، وبيَّن الحق والصواب في موقف المسلم من هذه الخرافات.
ما التفسير الصحيح للآية؟
وليس من شأني في هذا الكتاب مجرد الهدم والإبطال لهذه الإسرائيليات والخرافات فحسب، ولكني إلى ذلك سأعنى بتفسير الآيات التي حرفت عن مواضعها، تفسيرا علميا صحيحا، يشهد له النقل الصحيح، والعقل السليم، والسابق واللاحق من الآيات،
1 هو الحافظ ابن حجر، وتابعه السيوطي.
حتى يزداد القارئ يقينا أنها دخيلة على القرآن الكريم، وإليك التفسير الصحيح.
وليس في الآية ما يدل ولو من بعد على هذه القصة المنكرة، وليس السبب في نزول الآية ذلك، وإنما السبب: أن الشياطين في ذلك الزمن السحيق كانوا يسترقون السمع من السماء، ثم يضمون إلى ما سمعوا أكاذيب يلفقونها، ويُلْقُونها إلى كهنة اليهود وأحبارهم. وقد دوَّنها هؤلاء في كتب يقرؤونها، ويعلمونها الناس، وفشا ذلك في زمن سليمان عليه السلام حتى قالوا: هذا علم سليمان وما تم لسليمان ملكه إلا بهذا العلم، وبه يسخر الإنس، والجن، والريح التي تجري بأمره، وهذا من افتراءات اليهود على الأنبياء، فأكذبهم الله بقوله:{وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} 2.
ثم عطف عليه: {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ} فالمراد بما أنزل هو: علم السحر الذي نزلا ليعلماه الناس، حتى يحذروا منه، فالسبب في نزولهما هو: تعليم الناس أبوابا من السحر، حتى يعلم الناس الفرق بين السحر والنبوة، وأن سليمان لم يكن ساحرا، وإنما كان نبيا مرسلا من ربه، وقد احتاط الملكان عليهما السلام غاية الاحتياط، فما كانا يُعلِّمان أحدا شيئا من السحر حتى يُحذِّراه، ويقولا له: إنما نحن فتنة أي بلاء واختبار، فلا تكفر بتعلمه والعمل به، وأما من تعلمه للحذر منه، وليعلم الفرق بينه وبين النبوة والمعجزة؛ فهذا لا شيء فيه، بل هو أمر مطلوب، مرغوب فيه إذا دعت الضرورة إليه، ولكن الناس ما كانوا يأخذون بالنصيحة، بل كانوا يفرقون به بين المرء وزوجه، وذلك بإذن الله ومشيئته، وقد دلت الآية: على أن تعلم السحر لتحذير الناس من الوقوع فيه والعمل به
1 البقرة: 102.
2 لأن تعلم السحر للعمل به كفر.