الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقسام الإسرائيليات
مدخل
…
أقسام الإسرائيليات:
أخبار بني إسرائيل، وأقاويلهم على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما علمنا صحته مما بأيدينا من القرآن والسنة، والقرآن هو: الكتاب المهيمن، والشاهد على الكتب السماوية قبله، فما وافقه فهو: حق وصدق، وما خالفه فهو: باطل وكذب، قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ، وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} 1.
وهذا القسم صحيح، وفيما عندنا غنية عنه، ولكن يجوز ذكره، وروايته للاستشهاد به، ولإقامة الحجة عليهم من كتبهم، وذلك مثل: ما ذكر في صاحب موسى عليه السلام، وأنه الخضر فقد ورد في الحديث الصحيح، ومثل ما يتعلق بالبشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبرسالته2، وأن التوحيد هو دين جميع الأنبياء، مما غفلوا عن تحريفه، أو حرفوه، ولكن بقي شعاع منه يدل على الحق.
وفي هذا القسم ورد قوله: صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوَّأ مقعده من النار" 3، قال الحافظ في الفتح: أي: لا ضيق عليكم في الحديث عنهم؛ لأنه كان تقدم منه صلى الله عليه وسلم الزجر عن الأخذ عنهم، والنظر في كتبهم، ثم حصل التوسع في ذلك، وكان النهي وقع قبل استقرار الأحكام الإسلامية، والقواعد الدينية؛ خشية الفتنة، ثم لما زال المحذور وقع الإذن في ذلك، لما في سماع الأخبار التي كانت في زمنهم من الاعتبار4.
1 المائدة: 48، 49.
2 قد أفضت القول في هذا في كتابي "السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة" ص 253-259.
3 كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل.
4 المائدة: 41.
القسم الثاني: ما علمنا كذبه مما عندنا مما يخالفه، وذلك مثل: ما ذكروه في قصص الأنبياء، من أخبار تطعن في عصمة الأنبياء عليه الصلاة والسلام، كقصة يوسف، وداود، وسليمان ومثل: ما ذكروه في توراتهم: من أن الذبيح إسحاق، لا إسماعيل، فهذا لا تجوز روايته وذكره إلا مقترنا ببيان كذبه، وأنه مما حرفوه، وبدلوه، قال تعالى:{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِه} .
وفي هذا القسم: ورد النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة عن روايته، والزجر عن أخذه عنهم، وسؤالهم عنه، قال الإمام مالك رحمه الله في حديث:"حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج": المراد جواز التحدث عنهم بما كان من أمر حسن: أما ما عُلِم كذبه فلا1.
ولعل هذا هو المراد من قوله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر المسلمين: كيف تسألون أهل الكتاب، وكتابكم الذي أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم أحدث 2، تقرءونه لم يشب 3، وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله، وغيروه، وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا: هو من عند الله، ليشتروا به ثمنا قليلا، ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم، لا والله ما رأينا منهم رجلا يسألكم عن الذي أنزل عليكم"4.
القسم الثالث: ما هو مسكوت عنه، لا من هذا، ولا من ذاك، فلا نؤمن به، ولا نكذبه، لاحتمال أن يكون حقا فنكذبه، أو باطلا فنصدقه، ويجوز حكايته لما تقدم من الإذن في الرواية عنهم. ولعل هذا القسم هو المراد بما رواه أبو هريرة، قال:"كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصدقوا أهل الكتاب، ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا بالله، وما أنزل إلينا، وما أنزل إليكم" 5 الآية، ومع هذا: فالأولى عدم ذكره، وأن لا نضيع الوقت في
1 فتح الباري ج 6 ص 388.
2 أحدث: آخر الكتب السماوية نزولا من عند الله.
3 لم يخلط بغيره قط، لأنه محفوظ من التبديل، والزيادة،
4 صحيح البخاري كتاب "الاعتصام بالكتاب والسنة"، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء".
5 المرجع السابق، وكتاب التفسير سورة البقرة، باب:{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا}
…
الآية. والآية التي أشار إليها في سورة العنكبوت: 46.