الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للقضيب هو الطريق الذي تمر به الكهربائية إلى الأرض، لذلك: كلما كان هذا السطح أكبر كان الصرف أعظم، والبناء أحصن، ولذا كانت الصفائح أفعل في حفظ الأبنية، من مثل كتلتها من الأسلاك1.
1 سنن الله الكونية ص 162.
جبل قاف المزعوم، وحدوث الزلازل:
ومن ذلك: ما ذكره بعضهم في تفسير قوله تعالى: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيد} : فقد ذكر صاحب "الدر المنثور" وغيره، روايات كثيرة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال:"خلق الله من وراء هذه الأرض بحرا محيطا بها، ثم خلق من وراء ذلك البحر جبلا يقال له: "قاف"، سماء الدنيا مرفوعة عليه، ثم خلق الله تعالى من وراء ذلك الجبل أيضا مثل تلك الأرض سبع مرات، واستمر على هذا حتى عد سبع أرضين، وسبعة أبحر، وسبعة أجبل، وسبع سماوات".
وهذا الأثر لا يصح سنده عن ابن عباس، وفيه انقطاع، ولعل البلاء فيه من المحذوف، ولو سلمنا صحته، فقد أخذه من الإسرائيليات.
وأخرج ابن أبي الدنيا، وأبو الشيخ عنه أيضا قال: خلق الله تعالى جبلا يقال له: قاف، محيط بالعالم، وعروقه إلى الصخرة التي عليها الأرض، فإذا أراد الله تعالى أن يزلزل قرية أمر ذلك الجبل فيحرك العرق الذي يلي تلك القرية، فيزلزلها، ويحركها، ثم تحرك القرية دون القرية.
وكل ذلك كما قال القرافي لا وجود له، ولا يجوز اعتماد ما لا دليل عليه، وهو من خرافات بني إسرائيل الذين يقع في كلامهم الكذب، والتغيير، والتبديل، دست على هؤلاء الأئمة، أو تقبلوها بحسن نية، ورووها لغرابتها، لا اعتقادا بصحتها، ونحمد الله أن وجد في علماء الأمة من رد هذا الباطل، وتنبه له قبل أن تتقدم العلوم الكونية كما هي عليه اليوم، ومن العجيب أن يتعقب كلام القرافي ابن حجر الهيتمي فقال: ما جاء عن ابن عباس مروي من طرق خرجها الحفاظ وجماعة ممن التزموا تخريج الصحيح، وقول.
الصحابي فيما لا مجال للرأي فيه: حكمه حكم المرفوع إلى النبي.
وأنا أقول للشيخ الهيتمي: إن تخريج من التزم الصحة ليس بحجة، وكم من ملتزم شيئا لم يفِ به، والشخص قد يسهو ويغلط مع عدالته، وأنظار العلماء تختلف، والحاكم -على جلالته- صحَّح أحاديث حكم عليها الإمام الذهبي وغيره بالوضع، وكذلك ابن جرير على جلالته، أخرج روايات في تفسيره، حكم عليها الحفاظ بالوضع، والكذب، ولو سلمنا صحتها عن ابن عباس: فلا ينافي ذلك أن تكون من الإسرائيليات الباطلة، كما قلت غير مرة.
وأما أنَّ لها حكم الرفع فغير مسلم؛ لأن المحققين من أئمة الحديث على أن ما لا مجال للرأي فيه له حكم الرفع، إذا لم يكن الصحابي ممن عرف بأنه يأخذ عن مسلمة أهل الكتاب، وابن عباس ممن أخذ عنهم.
ثم إني أقول للهيتمي ومن يرى رأيه: أي فائدة نجنيها من وراء هذه المرويات التي لا تتقبلها عقول تلاميذ المدارس فضلا عن العلماء؟!! اللهم إلا أننا نفتح بالانتصار لها بابا للطعن في عصمة النبي صلى الله عليه وسلم وإذا جاز هذا في عصور الجهل والخرافات فلا يجوز اليوم، وقد أصبح رواد الفضاء يطوفون حول الأرض، ويرونها معلقة في الفضاء بلا عمد، ولا جبال، ولا بحار، ولا صخرة استقرت عليها الأرض، فهذه الإسرائيليات مخالفة للحس والمشاهدة قطعا، فكيف نتعلق بها؟!.
ورحم الله الإمام الآلوسي حيث قال: والذي أذهب إليه ما ذهب إليه القرافي، من أنه لا وجود لهذا الجبل بشهادة الحس، فقد قطعوا هذه الأرض؛ برها وبحرها على مدار السرطان مرات، فلم يشاهدوا ذلك، والطعن في صحة الأخبار، وإن كان جماعة من رواتها ممن التزم تخريج الصحيح أهون من تكذيب الحس، وأمر الزلازل لا يتوقف أمرها على ذلك الجبل، بل هي من الأبخرة، يعنى المتولدة من شدة حرارة جوف الأرض وطلبها الخروج مع صلابة الأرض يعني، فيحصل هذا الاهتزاز وإنكار ذلك مكابرة عند من له عرق من الإنصاف1، ولا أدري لو أن الإمام الجليل الآلوسي عاش.
1 روح المعاني للآلوسي ج 26-120.
في عصرنا هذا، ووقف على ما وقفنا عليه من عجائب الرحلات الفضائية، ماذا كان يقول؟ إن كل مسلم ينبغي أن يكون له من العقل الواعي المتفتح، والنظر الثاقب البعيد ما لهذا الإمام الكبير.
وإليك ما قاله عالم حافظ ناقد، سبق الإمام الآلوسي بنحو خمسة قرون1: فقد قال في تفسيره عند هذه الآية: وقد روي عن السلف أنهم قالوا: "ق": جبل محيط يجمع الأرض يقال له: جبل قاف، وكأن هذا -والله أعلم- من خرافات بني إسرائيل التي أخذها عنهم بعض الناس، لما رأى من جواز الرواية عنهم، مما لا يصدق، ولا يكذب، وعندي: أن هذا، وأمثاله، وأشباهه من اختلاق بعض زنادقتهم يلبسون به على الناس أمر دينهم، كما افترى في هذه الأمة، مع جلالة قدر علمائها، وحفاظها، وأئمتها أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما بالعهد من قدم، فكيف بأمر بني إسرائيل مع طول المدى، وقلة الحفاظ النقاد فيهم، وشربهم الخمور، وتحريف علمائهم الكلم عن مواضعه، وتبديل كتب الله وآياته، وإنما أباح الشارع الرواية عنهم في قوله:"حدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج"، فيما قد يجوزه العقل، فأما فيما تحيله العقول، ويحكم فيه بالبطلان، ويغلب على الظنون كذبه، فليس من هذا القبيل. والله أعلم2.
قال: وقد أكثر كثير من السلف من المفسرين، وكذا طائفة كثيرة من الخلف، من الحكاية عن كتب أهل الكتاب، في تفسير القرآن المجيد، وليس بهم احتياج إلى أخبارهم، ولله الحمد والمنة، حتى أن الإمام أبا محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي رحمة الله عليه أورد هنا أثرًا غريبًا، لا يصح سنده عن ابن عباس، ثم ساق السند، والمتن الذي ذكرناه آنفا.
ثم قال: فإسناد هذا الأثر فيه انقطاع؛ أي: راوٍ سقط من رواته، والذي رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل:"ق": هو اسم من أسماء الله عز وجل والذي ثبت عن مجاهد وهو من تلاميذ ابن عباس الملازمين.
1 الإمام ابن كثير توفي سنة 774هـ، والإمام الآلوسي توفي سنة 1270هـ.
2 تفسير ابن كثير. والبغوي ج 8 ص 37.