الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يسومهم العذاب، ويبطش بهم، ويرد ظلمهم وعدوانهم، قال عز شأنه:{عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} ، أليس في قوله هذا إنذار ووعيد لهم إلى يوم القيامة؟! بلى.
وما يؤكد هذا الإنذار والوعيد قوله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} 1، فهل يسلط الله عليهم اليوم من يرد ظلمهم وبغيهم، وطردهم أهل فلسطين من ديارهم، واغتصاب الديار، واستذلال العباد، واستهانتهم بالقيم الخلقية، والحقوق الإنسانية؟
ذلك ما نرجو، وما ذلك على المسلمين والعرب بعزيز، لو وحدوا الكلمة، وجمعوا الصفوف، وأخذوا الحذر والأهبة، وأعدوا العدة فاللهم حقق وأعِنْ.
1 الأعراف: 167.
22-
الإسرائيليات في قصة أصحاب الكهف:
ومن قصص الماضين التي أكثر فيها المفسرون من ذكر الإسرائيليات قصة أصحاب الكهف، فقد ذكر ابن جرير، وابن مردويه، وغيرهما الكثير من أخبارهم التي لا يدل عليها كتاب الله تعالى، ولا يتوقف فهم القرآن وتدبره عليها.
فمن ذلك: ما ذكره ابن جرير في تفسيره، عن ابن إسحاق، صاحب السيرة في قصتهم، فقد ذكر نحو ثلاث ورقات، وذكر عن وهب بن منبه، وابن عباس ومجاهد أخبارا كثيرة1 أخرى وكذلك ذكر السيوطي في "الدر المنثور"2، الكثير مما ذكره المفسرون عن أصحاب الكهف، عن هويتهم، ومن كانوا؟ وفي أي زمان ومكان وجدوا؟ وأسمائهم؟ واسم كلبهم؟ وأهو قطمير أم غيره؟ وعن لونه أهو أصفر أم أحمر؟ بل روى ابن أبي حاتم من طريق سفيان، قال: رجل بالكوفة يقال له عبيد وكان لا يتهم بالكذب قال: رأيت كلب أصحاب الكهف أحمر، كأنه كساء أبنجاني3، ولا
1 تفسير ابن جرير ج 15 ص 133 وما بعدها.
2 الدر المنثور ج4 ص 211- 218.
3 نسبة إلى أنبج بلد تعرف بصنع الأكسية.
أدرى كيف كان لا يتهم بالكذب، وما زعم كذب لا شك فيه، فهل بقي كلب أصحاب الكهف حتى الإسلام؟! وكذلك ذكروا أخبار غرائب في الرقيم، فمن قائل: إنه قرية، وروي ذلك عن كعب الأحبار، ومن قائل: إنه وادٍ بفلسطين، بقرب أيلة، وقيل: اسم جبل أصحاب الكهف إلى غير ذلك مع أن الظاهر أنه كما قال كثير من السلف أنه: الكتاب أو الحجر الذي دون فيه قصته وأخبارهم، أو غير ذلك، مما الله أعلم به، فهو فعيل بمعنى مفعول، أي: مرقوم، وفي الكتاب الكريم:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ، كِتَابٌ مَرْقُومٌ، يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُون} 1، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ، كِتَابٌ مَرْقُوم} 2.
وفي هذه الأخبار: الحق والباطل، والصدق والكذب، وفيها: ما هو محتمل للصدق والكذب، ولكن فيما عندنا غنية عنه، ولا فائدة من الاشتغال بمعرفته وتفسير القرآن به، كما أسلفنا عن ابن تيمية، بل الأولى والأحسن، أن نضرب عنه صفحًا، وقد أدَّبنا الله بذلك حيث قال لنبيه بعد ذكر اختلاف أهل الكتاب في عدد أصحاب الكهف:{قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} 3.
وغالب ذلك ما أشرنا إليه وغيره متلقى عن أهل الكتاب الذين أسلموا، وحمله عنهم بعض الصحابة والتابعين لغرابته، والعجب منه، قال العلامة ابن كثير في تفسيره:"وفي تسميتهم بهذه الأسماء، واسم كلبهم نظر في صحته والله أعلم، قال: غالب ذلك تُلُقِّيَ من أهل الكتاب، وقد قال تعالى: {فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا} أي: سهلا هينا لينا: فإن الأمر في معرفة ذلك لا يترتب عليه كبير فائدة "ولا تستفت فيهم منهم أحدا! أي: فإنهم لا علم لهم بذلك إلا ما يقولون من تلقاء أنفسهم، رجما بالغيب، أي: من غير استناد إلى كلام معصوم، وقد جاءك الله يا محمد بالحق الذي لا شك فيه ولا مرية فيه، فهو المقدم على كل ما تقدمه من الكتب والأقوال"4.
1 المطففين 19، 20.
2 المطففين: 8، 9.
3 الكهف: 22.
4 تفسير ابن كثير عند قوله تعالى: {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} .