الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يناظر الشافعي، ومثل: كتاب أبي على الجبائي، والتفسير الكبير للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمداني، والتفسير لعلي بن عيسى الرماني، والكشاف لأبي القاسم الزمخشري.
والمقصود: أن مثل هؤلاء اعتقدوا رأيا، ثم حملوا ألفاظ القرآن عليه، وليس لهم سلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا من أئمة المسلمين لا في رأيهم، ولا في تفسيرهم، وما من تفسير من تفاسيرهم الباطلة إلا وبطلانه يظهر من وجوه كثيرة، وذلك من جهتين: تارة من العلم بفساد قولهم، وتارة من العلم بفساد ما فسروا به القرآن؛ إما دليلا على قولهم، أو جوابا على المعارض لهم، ومن هؤلاء: من يكون حسن العبارة فصيحا، ويدس السم في كلامه، وأكثر الناس لا يعلمون، كصاحب الكشاف ونحوه، حتى أنه يروج على خلق كثير من أهل السلف كثير من تفاسيرهم الباطلة.
تفسير ابن جرير وابن عطية وأمثاله:
وتفسير ابن عطية وأمثاله أتبَعُ للسنة، وأسلَمُ من البدعة، ولو ذكر كلام السلف المأثور عنهم على وجهه لكان أحسن وأجمل فإنه كثيرا ما ينقل من تفسير محمد بن جرير الطبري، وهو من أجل التفاسير وأعظمها قدرا، ثم إنه يدع ما نقله ابن جرير عن السلف، لا يحكيه بحال، ويذكر ما يزعم أنه قول المحققين، وإنما يعني بهم طائفة من أهل الكلام، الذين قرروا أصولهم بطرق من جنس ما قررت به المعتزلة أصولهم، وإن كان أقرب إلى السنة من المعتزلة، لكن ينبغي أن يعطي كل ذي حق حقه، ويعرف أن هذا من جملة التفسير على المذهب.
فإن الصحابة، والتابعين، والأئمة إذا كان لهم في تفسير الآية قول، وجاء قوم فسروا الآية بقول آخر؛ لأجل مذهب اعتقدوه، وذلك المذهب ليس من مذاهب الصحابة والتابعين، صار مشاركا للمعتزلة، وغيرهم من أهل البدع، في مثل هذا.
وفي الجملة: من عدل عن مذاهب الصحابة، والتابعين، وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئا في ذلك، بل مبتدعا، وإن كان مجتهدا مغفورا له خطؤه، فالمقصود بيان طرق العلم، وأدلته، وطرق الصواب.
ونحن نعلم: أن القرآن قرأه الصحابة، والتابعون، وتابعوهم، وأنهم كانوا أعلم
بتفسيره، ومعانيه، كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن خالف، وفسر القرآن بخلاف تفسيرهم فقد أخطأ في الدليل والمدلول جميعا..... والمقصود هنا: التنبيه على مثار الاختلاف في التفسير، وأن من أعظم أسبابه: البدع الباطلة، التي دعت أهلها إلى أن حرفوا الكلم عن مواضعه، وفسروا كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بغير ما أُيد به وتأولوه على غير تأويله.
وأما الذين يخطئون في الدليل لا في المدلول: فمثل كثير من الصوفية والوعاظ، والفقهاء وغيرهم، يفسرون بمعانٍ صحيحة، لكن القرآن لا يدل عليها، مثل كثير مما ذكره أبو عبد الرحمن السلمي1 في حقائق التفسير وإن كان فيما ذكروه ما هو معانٍ باطلة فإن ذلك يدخل في القسم الأول، وهو الخطأ في الدليل والمدلول جميعا، حيث يكون المعنى الذي قصدوه فاسدا2. أقول: وهو فصل قيم جيد، يدل على علم واسع بالتفسير والمفسرين ومثل هذا: يمكن أن يقال في التفسير بالمأثور، فقد يذكرون قصة صحيحة، ولكن لفظ القرآن لا يدل عليها فيكون الخطأ في الدليل، يعني: في دلالة الألفاظ على هذا، وقد تكون القصة باطلة في نفسها ولا يدل لفظ القرآن عليها، ويتكلف في دلالة اللفظ عليها، فيكون الخطأ في الدليل والمدلول، وذلك مثل: ما ذكره بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ، إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ، إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} 3، الآيات، فقد ذكروا في هذا قصة باطلة وهي: قصة داود مع "أوريا": قائد جيشه، وزوجته الجميلة، التي أراد داود ضمها إلى نفسه، مع أنه كانت له تسع وتسعون امرأة
…
بالقصة باطلة قطعا، كما سنبين ذلك فيما يأتي إن شاء الله تعالى ثم إنهم في سبيل هذا فسروا النعجة بالمرأة، وبذلك أخطأوا في الدليل والمدلول
1 هو غير أبي عبد الرحمن السلمي التابعي الجليل الذي ذكرناه في صدر الكتاب.
2 مقدمة في أصول التفسير من ص 33-42 والإتقان في علوم القرآن ج 2 ص 178.
3 سورة ص 21-24.