المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الإسرائيليات في قصة أيوب عليه السلام: - الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير

[محمد أبو شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات:

- ‌شعار الكتاب وشيء من مزايا هذه الطبعة الخامسة:

- ‌مقدمة الكتاب لفضيلة الدكتور محمد محمد أبو شهبة

- ‌معنى إسرائيليات وموضوعات وتفسير

- ‌الإسرائيليات

- ‌ الموضوعات:

- ‌ التفسير:

- ‌أقسام التفسير

- ‌التفسير بالمأثور

- ‌مدخل

- ‌ تفسير القرآن بالقرآن:

- ‌ تفسير القرآن بالسنة:

- ‌ تفسير الصحابة:

- ‌المفسرون من الصحابة

- ‌مدخل

- ‌ علي بن أبي طالب:

- ‌ عبد الله بن مسعود:

- ‌ أبي بن كعب:

- ‌ زيد بن ثابت:

- ‌ عبد الله بن عباس:

- ‌المفسرون من التابعين

- ‌مدارس التفسير

- ‌مدخل

- ‌ مدرسة مكة:

- ‌ مدرسة المدينة:

- ‌ المفسرون من مدرسة العراق:

- ‌ مدرسة الشام:

- ‌ مدرسة مصر:

- ‌ مدرسة اليمن:

- ‌طبقة أخرى من المفسرين بالمأثور:

- ‌تلون كتب التفاسير بثقافة مؤلفيها:

- ‌تفسيرات المبتدعة والباطنية والملحدة:

- ‌التفسير بغير المأثور

- ‌مدخل

- ‌أدلة القائلين بعدم جواز التفسير بالرأي والاجتهاد:

- ‌جواز التفسير بالرأي والاجتهاد:

- ‌المنهج القويم في تفسير القرآن الكريم

- ‌مدخل

- ‌غلبة الضعف على التفسير بالمأثور:

- ‌ملاحظة الأئمة القدامي لهذه الظاهرة:

- ‌أسباب الضعف في التفسير بالمأثور:

- ‌خطورة رفع هذه الإسرائيليات إلى النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌بعض الإسرائيليات قد يصح السند إليها:

- ‌رواية الكذب ليس معناه أنه هو الذي اختلقه

- ‌ترجمات:

- ‌أقسام الإسرائيليات

- ‌مدخل

- ‌تشديد سيدنا عمر على من كان يكتب شيئًا من كتب اليهود:

- ‌أسباب الخطأ في التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي والاجتهاد

- ‌مدخل

- ‌تفاسير المعتزلة:

- ‌تفسير ابن جرير وابن عطية وأمثاله:

- ‌الاختلاف بين السلف في التفسير اختلاف تَنَوُّع:

- ‌التعارض بين التفسير بالمأثور والتفسير بالاجتهاد وما يتبع في الترجيح بينهما:

- ‌أهم كتب التفسير بالمأثور

- ‌جامع البيان في تفسير القرآن لابن جرير الطبري

- ‌الدر المنثور في التفسير المأثور

- ‌كتب جمعت بين المأثور وغيره:

- ‌ الكشف والبيان عن تفسير القرآن:

- ‌ معالم التنزيل:

- ‌ تفسير القرآن العظيم:

- ‌نظرات مجملة في أشهر كتب التفسير بالرأي والاجتهاد

- ‌الكشاف عن حقائق التنزيل، وعيون الأقاويل في وجوه التأويل

- ‌ تفسير مفاتيح الغيب:

- ‌ أنوار التنزيل، وأسرار التأويل:

- ‌ الجامع لأحكام القرآن، والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان:

- ‌مدارك التنزيل وحقائق التنزيل

- ‌ لباب التأويل في معاني التنزيل:

- ‌ البحر المحيط لأبي حيان:

- ‌ السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير:

- ‌ إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم:

- ‌ روح المعاني في تفسير القرآن، والسبع المثاني:

- ‌الخلاصة:

- ‌نقد التفسير بالمأثور إجمالا:

- ‌نقد الطرق والرواة تفصيلا

- ‌الطرق عن ابن عباس

- ‌طرق المرويات في سبب النزول:

- ‌ تفسير أبي بن كعب والطرق عنه:

- ‌ أشهر الطرق عن ابن مسعود:

- ‌ أصح الطرق عن علي رضي الله عنه:

- ‌ المروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص في التفسير:

- ‌الإسرائيليات في القرآن

- ‌الإسرائيليات في قصة هاروت وماروت

- ‌ إسرائيليات في المسوخ من المخلوقات:

- ‌ الإسرائيليات في بناء الكعبة: البيت الحرام والحجر الأسود:

- ‌ الإسرائيليات في قصة التابوت:

- ‌ الإسرائيليات في قصة قتل داود جالوت:

- ‌ الإسرائيليات في قصص الأنبياء والأمم السابقة:

- ‌ ما ورد في قصة آدم عليه السلام:

- ‌ الإسرائيليات في عظم خلق الجبارين وخرافة عوج بن عوق:

- ‌ الإسرائيليات في قصة التيه:

- ‌ الإسرائيليات في "المائدة التي طلبها الحواريون

- ‌ الإسرائيليات في سؤال موسى ربَّه الرؤيةَ:

- ‌ الإسرائيليات في ألواح التوراة:

- ‌ إسرائيلية مكذوبة في سبب غضب موسى لما ألقى الألواح:

- ‌ إسرائيليات وخرافات في بني إسرائيل:

- ‌ الإسرائيليات في نسبة الشرك إلى آدم وحواء:

- ‌ الإسرائيليات في سفينة نوح:

- ‌ الإسرائيليات في قصة يوسف عليه السلام:

- ‌الإسرائيليات في قوله تعالى: ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه

- ‌مدخل

- ‌الفرية على المعصوم صلى الله عليه وسلم:

- ‌التفسير الصحيح لقوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا}

- ‌ الإسرائيليات في سبب لبث يوسف في السجن:

- ‌ الإسرائيليات في شجرة طوبى:

- ‌ الإسرائيليات في إفساد بني إسرائيل:

- ‌ الإسرائيليات في قصة أصحاب الكهف:

- ‌ الإسرائيليات في قصة ذي القرنين:

- ‌ الإسرائيليات في قصة يأجوج ومأجوج:

- ‌ الإسرائيليات في قصة بلقيس ملكة سبأ:

- ‌ الإسرائيليات في هدية ملكة سبأ لسيدنا سليمان:

- ‌ الإسرائيليات في قصة الذبيح، وأنه إسحاق:

- ‌ الإسرائيليات في قصة إلياس عليه السلام:

- ‌ الإسرائيليات في قصة داود عليه السلام:

- ‌ الإسرائيليات في قصة سليمان عليه السلام:

- ‌ الإسرائيليات في قصة أيوب عليه السلام:

- ‌ الإسرائيليات في قصة إرم ذات العماد:

- ‌الإسرائيليات فيما يتعلق بعمر الدنيا وبدء الخلق وأسرار الوجود وتعليل بعض الظواهر الكونية

- ‌مدخل

- ‌ما يتعلق بعمر الدنيا:

- ‌ما يتعلق بخلق الشمس والقمر:

- ‌ما يتعلق بتعليل بعض الظواهر الكونية:

- ‌ما ذكره المفسرون في الرعد والبرق في كتبهم:

- ‌أقوال الرسول عند سماع الرعد ورؤية البرق:

- ‌رأي العلم في حدوث الرعد، والبرق، والصواعق:

- ‌جبل قاف المزعوم، وحدوث الزلازل:

- ‌الإسرائيليات في تفسير: {نْ وَالْقَلَم}

- ‌الموضوعات وكتب التفسير

- ‌مدخل

- ‌الأحاديث الموضوعة في فضائل السور والآيات

- ‌حديث أبي بن كعب الطويل

- ‌المفسرون قد يذكرون أحاديث صحيحة في الفضائل:

- ‌ إبطال ما ورد في قصة السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها:

- ‌سبب نزول مشهور على الألسنة وهو موضوع

- ‌ سبب نزول عليه أثر العصبية السياسية:

- ‌ما ذكره بعض المفسرين في تأييد رأي أو بيان معنى: "المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء

- ‌ حديث: أنا "ابن الذبيحين

- ‌ تفسير شيعي:

- ‌ بعض القراءات الموضوعة:

- ‌خاتمة الكتاب:

- ‌مراجع الكتاب:

- ‌فهرس الكتاب:

الفصل: ‌ الإسرائيليات في قصة أيوب عليه السلام:

الجوزي، وقال: يجيى -يعني: ابن كثير- يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم، ولا ينسب إلى نبي الله سليمان ذلك، ووافقه السيوطي على وضعه1، ولا يشك في وضع هذا إلا من يشك في عصمة الأنبياء عن مثله، وأحرى بمثل هذا أن يكون مختلفًا على نبينا صلى الله عليه وسلم، وعلى نبي الله: سليمان عليه السلام، وإنما هو من إسرائيليات بني إسرائيل وأكاذيبهم.

ما هو الصحيح في تفسير الفتنة؟!:

والصحيح المتعين في تفسير الفتنة هو ما جاء في الصحيحين، واللفظ للبخاري، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"قال سليمان بن داود: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة، تحمل كل امرأة فارسا يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه 2: قل: إن شاء الله، فلم يقل، ولم تحمل واحدة منهن شيئا، إلا واحدة جاءت بولد ساقط إحدى شقيه"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لو قالها لجاهدوا في سبيل الله أجمعين".

فهذا هو المتعين في تفسير الآية، وخير ما يفسر به كلام الله هو ما صح عن رسول الله، وقد بينت بعض الروايات: أن الترك كان نسيانا، والمراد بصاحبه: الملك كما جاء في بعضها.

1 اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ج 2 ص 221.

2 يعني: قرينه من الملائكة.

ص: 275

31-

‌ الإسرائيليات في قصة أيوب عليه السلام:

ومن القصص التي تزيَّد فيها المتزيدون، واستغلها القصاصون، وأطلقوا فيها لخيالهم العنان: قصة سيدنا أيوب عليه السلام، فقد رووا فيها ما عصم الله أنبياءه عنه، وصوروه بصورة لا يرضاها الله لرسولٍ من رسله.

فقد ذكر بعض المفسرين عند تفسير قوله تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ

ص: 275

أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ، ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ، وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ، وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} 1. ذكر السيوطي في "الدر المنثور" وغيره، عن قتادة رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ}

الآية، قال: ذهاب الأهل والمال، والضر الذي أصابه في جسده، قال: ابتلي سبع سنين وأشهرا، فألقي على كناسة بني إسرائيل، تختلف الدواب في جسده، ففرَّج الله عنه، وأعظم له الأجر، وأحسن.

قال: وأخرج أحمد في الزهد، وابن أبى حاتم، وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: إن الشيطان عرج إلى السماء فقال: يا رب سلطني على أيوب عليه السلام، قال الله: قد سلطتك على ماله، وولده، ولم أسلطك على جسده، فنزل: فجمع جنوده فقال لهم: قد سلطت على أيوب عليه السلام فأروني سلطانكم فصاروا نيرانا، ثم صاروا ماء، فينما هم بالمشرق إذا هم بالمغرب، وبينما هم بالمغرب إذا هم بالمشرق، فأرسل طائفة منهم إلى زرعه، وطائفة إلى أهله، وطائفة إلى بقره، وطائفة إلى غنمه، وقال: إنه لا يعتصم منكم إلا بالمعروف: فأتوه بالمصائب بعضها على بعض، فجاء صاحب الزرع فقال: يا أيوب، ألم ترَ إلى ربك: أرسل على زرعك عدوا، فذهب به، وجاء صاحب الإبل، وقال: ألم ترَ إلى ربك أرسل على إبلك عدوا، فذهب بها، ثم جاء صاحب البقر، فقال: ألم ترَ إلى ربك أرسل على بقرك عدوا، فذهب بها، وتفرد هو ببنيه جمعهم في بيت أكبرهم، فينما هم يأكلون، ويشربون إذ هبت ريح فأخذت بأركان البيت، فألقته عليهم، فجاء الشيطان إلى أيوب بصورة غلام، فقال: يا أيوب، ألم تر إلى ربك جمع بنيك في بيت أكبرهم، فينما هم يأكلون، ويشربون؛ إذ هبت ريح، فأخذت بأركان البيت، فألقته عليهم، فلو رأيتهم حين اختلطت دماؤهم، ولحومهم بطعامهم، وشرابهم، فقال له أيوب: أنت الشيطان، ثم قال له: أنا اليوم كيوم ولدتني أمي، فقام، فحلق رأسه، وقام يصلي، فرنَّ إبليس رنَّةً سمع بها أهل السماء وأهل الأرض، ثم خرج إلى السماء، فقال: أي

1 ص: 41-44.

ص: 276

رب، إنه قد اعتصم، فلسلطني عليه، فإني لا أستطيعه إلا بسلطانك، قال: قد سلطتك على جسده، ولم أسلطك على قلبه، فنزل، فنفخ تحت قدمه نفخة، قرح ما بين قدميه إلى قرنه، فصار قرحة واحدة، وألقي على الرماد، حتى بدا حجاب قلبه، فكانت امرأته تسعى إليه، حتى قالت له: أما ترى يا أيوب، قد نزل بي والله من الجهد والفاقة ما إن بعت قروني برغيف، فأطعمك، فادع الله أن يشفيك، ويريحك، قال: ويحك؛ كنا في النعيم سبعين عاما، فاصبري حتى نكون في الضر سبعين عاما، فكان في البلاء سبع سنين، ودعا، فجاء جبريل عليه السلام يومًا فأخذ بيده، ثم قال: قم: فقام، فنحاه عن مكانه، وقال: اركض برجلك، هذا مغتسل بارد وشراب، فركض برجله، فنبعت عين، فقال: اغتسل، فاغتسل منها، ثم جاء أيضا، فقال: اركض برجلك فنبعت عين أخرى، فقال له: اشرب منها، وهو قوله:{ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} ، وألبسه الله حلة من الجنة.

فتنحى أيوب، فجلس في ناحية، وجاءت امرأته، فلم تعرفه، فقالت: يا عبد الله، أين المبتلى الذي كان هنا، لعل الكلاب ذهبت به، أو الذئاب، وجعلت تكلمه ساعة، فقال: ويحك، أنا أيوب!! قد رد الله علي جسدي، ورد الله عليه ماله، وولده عيانًا ومثلهم معهم

1.

قال: وأخرج أحمد في الزهد، عن عبد الرحمن بن جبير رضي الله عنه قال: ابتلي أيوب بماله، وولده، وجسده، وطرح في المزبلة، فجاءت امرأته تخرج، فتكتسب عليه ما تطعمه، فحسده الشيطان بذلك، فكان يأتي أصحاب الخير والغنى، فيقول: اطردوا هذه المرأة التي تغشاكم، فإنها تعالج صاحبها، وتلمسه بيدها، فالناس يتقذرون طعامكم من أجلها، فجعلوا لا يدنونها منهم، ويقولون تباعدي ونحن نطعمك، ولا تقريبنا

وقد ذكر ابن جرير، وابن أبي حاتم الكثير من هذه الروايات في تفسيريهما، منها: ما هو موقوف، وبعضها مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك ذكر ابن جرير والبغوي، وغيرهما، عند تفسير قوله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ

1 الدر المنثور ج 5 ص 315، 316.

ص: 277

الرَّاحِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} 1 الكثير من الإسرائيليات.

فقد رويا قصة أيوب وبلائه عن وهب بن منبه، في بضع صحائف، وقد التبس فيها الحق بالباطل، والصدق بالكذب2.

وقال ابن كثير في تفسيره عند هذه الآية: "وقد روي عن وهب بن منبه في خبره -يعني أيوب- قصة طويلة، ساقها ابن جرير، وابن أبي حاتم بالسند عنه، وذكرها غير واحد من متأخري المفسرين، وفيها غرابة، تركناها لحال الطول.

ومن العجيب: أن الحافظ الناقد ابن كثير وقع فيما وقع فيه غيره في قصة أيوب، من ذكر الكثير من الإسرائيليات ولم يعقب عليه3، مع أن عهدنا به أنه لا يذكر شيئا من ذلك إلا وينبه على مصدره، ومن أين دخل في الرواية الإسلامية، ولا أظن أنه يرى في هذا أنه مما تباح روايته!!!

فقد ذكر أنه يقال: إنه أصيب بالجذام في سائر بدنه، ولم يبق منه سليم سوى قلبه ولسانه، يذكر بهما الله عز وجل، حتى عافه الجليس، وصار منبوذا في ناحية من البلد، ولم يبق أحد من الناس يحنو عليه غير زوجته، وتحملت في بلائه ما تحملت، حتى صارت تخدم الناس، بل قد باعت شعرها بسبب ذلك، ثم قال: وقد روي: أنه مكث في البلاء مدة طويلة، ثم اختلفوا في السبب المهيج له على هذا الدعاء، فقال الحسن يعني البصري وقتادة: ابتلي أيوب عليه السلام سبع سنين وأشهرا ملقى على كناسة بني إسرائيل، تختلف الدواب في جسده، ففرج الله عنه، وأعظم له الأجر، وأحسن عليه الثناء، وقال وهب بن منبه: مكث في البلاء ثلاث سنين، لا يزيد ولا ينقص. وقال السدي4: تساقط لحم أيوب، حتى لم يبق إلا العصب والعظام

ثم ذكر قصة طويلة.

1 الأنبياء: 83، 84.

2 تفسير البغوي على هامش تفسير ابن كثير ج5 من ص 509-518.

3 تفسير ابن كثير ج5 ص 509-518.

4 إن كان السدي الصغير فهو كذاب، وإن كان السدي الكبير فمختلف في تعديله.

ص: 278

ثم ذكر ما رواه ابن أبي حاتم بسنده، عن الزهري، عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب، والبعيد، إلا رجلين من إخوانه له، كانا يغدوان إليه، ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين، فقال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله، فيكشف ما به، فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له، فقال أيوب عليه السلام: ما أدرى ما تقول، غير أن الله عز وجل يعلم أني كنت أَمُرُّ على الرجلين يتنازعان، فيذكران الله، فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكرا الله إلا في حق، قال: وكان يخرج في حاجته، فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده، حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم أبطأت عليه، فأوحى الله إلى أيوب في مكانه،: أن اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب".

وقال ابن كثير: رفع هذا الحديث غريب جدا، وقال الحافظ ابن حجر: وأصح ما ورد في قصته: ما أخرجه ابن أبي حاتم، وابن جرير، وصححه ابن حبان، والحاكم، بسند عن أنس: أن أيوب

ثم ذكر مثل ذلك.

أقول: والمحققون من العلماء على أن نسبة هذا إلى المعصوم صلى الله عليه وسلم إما من عمل بعض الوضاعين الذين يركبون الأسانيد للمتون، أو من غلط بعض الرواة، وأن ذلك من إسرائيليات بني إسرائيل وافتراءاتهم على الأنبياء، والأصحية هنا نسبية، على أن صحة السند لا تنافي أن أصله من الإسرائيليات، كما قلت مرارًا، والإمام الحافظ ابن حجر على جلالته ربما يوافق على تصحيح ما يخالف الأدلة العقلية والنقلية، كما فعل في قصة الغرانيق، وهاروت وماروت وكل ما روي موقوفا أو مرفوعا لا يخرج عما ذكره وهب بن منبه، في قصة أيوب، التي أشرنا إليها آنفا، وما رواه ابن إسحاق أيضا، فهو مما أخذه عن وهب، وغيره.

وهذا يدل أعظم الدلالة على أن معظم ما روي في قصة أيوب مما أخذ عن أهل الكتاب الذين أسلموا، وجاء القصاصون المولعون بالغرائب، فزادوا في قصة أيوب، وأذاعوها، حتى اتخذ منها الشحاذون، والمتسولون وسيلة لاسترقاق قلوب الناس، واستدرار العطف عليهم.

ص: 279

الحق في هذه القصة:

وقد دل كتاب الله الصادق، على لسان نبيه محمد الصادق على أن الله تبارك وتعالى ابتلى نبيه أيوب عليه الصلاة والسلام في جسده وأهله وماله، وأنه صبر حتى حتى صار مضرب الأمثال في ذلك، وقد أثنى الله عليه هذا الثناء المستطاب، قال عز شأنه:{إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّاب} ، فالبلاء مما لا يجوز أن يشك فيه أبدًا، والواجب على المسلم: أن يقف عند كتاب الله، ولا يتزيد في القصة كما تزيد زنادقة أهل الكتاب، وألصقوا بالأنبياء ما لا يليق بهم، وليس هذا بعجيب من بني إسرائيل الذين لم يتجرأوا على أنبياء الله ورسله فحسب بل تجرأوا على الله تبارك وتعالى ونالوا منه وفحشوا عليه، ونسبوا إليه ما قامت الأدلة العقلية والنقلية المتواترة على استحالته عليه سبحانه وتعالى من قولهم:{إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء} 1 وقولهم:: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} 2، عليهم لعائن الله.

والذي يجب أن نعتقده: أنه ابتلي، ولكن بلاءه لم يصل إلى حد هذه الأكاذيب، من أنه أصيب بالجذام3، وأن جسمه أصبح قرحة، وأنه أُلقِيَ على كناسة بني إسرائيل، يرعى في جسده الدود، وتعبث بن دواب بني إسرائيل، أو أنه أصيب بمرض الجدري.

وأيوب عليه صلوات الله وسلامه أكرم على الله من أن يلقى على مزبلة، وأن يصاب بمرض ينفر الناس من دعوته، ويقززهم منه، وأي فائدة تحصل من الرسالة وهو على هذه الحال المرزية التي لا يرضاها الله لأنبيائه ورسله؟.

والأنبياء إنما يبعثون من أوساط4 قومهم، فأين كانت عشيرته فتواريه، وتطعمه؟! بدل أن تخدم امرأته الناس، بل وتبيع ضفيرتيها في سبيل إطعامه!!

بل أين كان أتباعه، والمؤمنون منه، هل تخلَّوا عنه في بلائه؟! وكيف والإيمان ينافي ذلك؟!

1 آل عمران: 181.

2 المائدة: 64.

3 الجذام: مرض من أخبث الأمراض، وأقذرها.

4 خيارهم وأكرمهم نسبا وعشيرة.

ص: 280

الحق: أن نسج القصة مهلهل، لا يثبت أمام النقد، ولا يؤيده عقل سليم، ولا نقل صحيح، وأن ما أصيب به أيوب من المرض إنما كان من النوع غير المنفر، والمقزز، وأنه من الأمراض التي لا يظهر أثرها على البشرة، كالروماتيزم، وأمراض المفاصل، والعظام ونحوها، ويؤيد ذلك: أن الله لما أمره أن يضرب الأرض بقدمه، فنبعت عين، فاغتسل، منها، وشرب، فبرأ بإذن الله، وقيل: إنه ضرب الأرض برجله فنبعت عين حارة، فاغتسل منها، وضربها مرة أخرى، فنبعت عين باردة، فشرب منها، والله أعلم بالصواب، وظاهر القرآن عدم التعدد في الضرب ولا في نبع الماء.

مقالة الإمام القاضي أبي بكر ابن العربي:

ويعجبني ما قاله الإمام القاضي أبو بكر ابن العربي رحمه الله قال: "ولم يصح عن أيوب في أمره إلا ما أخبرنا الله عنه في كتابه في آيتين: الأولى في قوله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرّ

} والثانية في "ص": {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} وأما النبي صلى الله عليه وسلم: فلم يصح عنه أنه ذكره بحرف واحد إلا قوله: "بينما أيوب يغتسل، إذ خر عليه رجل من جراد من ذهب

" 1 الحديث، وإذا لم يصح فيه قرآن، ولا سنة إلا ما ذكرنا فمن الذي يوصل السامع إلى أيوب خبره، أم على أي لسان سمعه؟!، والإسرائيليات مرفوضة عند العلماء على البتات، فأعرض عن سطورها بصرك، وأصم عن سماعها أذنيك؛ فإنها لا تعطي فكرك إلا خيالا، ولا تزيد فؤادك إلا خبالا، وفي الصحيح واللفظ للبخاري: أن ابن عباس قال: "يا معشر المسلمين، تسألون أهل الكتاب، وكتابكم الذي أنزل على نبيكم أحدث الأخبار بالله، تقرءونه محضا لم يشب، وقد حدثكم أن أهل الكتاب قد بدلوا من كتب الله، وغيروا وكتبوا بأيديهم الكتب، فقالوا: هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا، ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم، فلا والله ما رأينا رجلا منهم يسألكم عن الذي أنزل عليكم" 2 وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الموطأ على عمر قراءته التوراة".

1 هو ما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينما أيوب يغتسل عريانا خر عليه رجل أي جماعة جراد من ذهب فجعل يحثي في ثوبه فناده ربه: يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى يا رب، ولكن لا غنى لي عن بركتك".

2 صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء.

ص: 281